الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خُدَّامُهُ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الَّذِينَ خَدَمُوهُ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرِ مَوَالِيهِ]
فَصْلٌ وَأَمَّا خُدَّامُهُ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الَّذِينَ خَدَمُوهُ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرِ مَوَالِيهِ
فَمِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَاصِمٍ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ أَبُو حَمْزَةَ الْمَدَنِيُّ، نَزِيلُ الْبَصْرَةِ. خَدَمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُدَّةَ مُقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا عَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ فَعَلَهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ. وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَهُ؟ وَأُمُّهُ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، هِيَ الَّتِي أَعْطَتْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهُ، وَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ» قَالَ أَنَسٌ فَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَتَيْنِ، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الثَّالِثَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لِكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوٍ مَنْ مِائَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنَّ كَرْمِي لَيُحْمَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّ وَلَدِي لِصُلْبِي مِائَةٌ وَسِتَّةُ أَوْلَادٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا، وَقَدْ رَوَى الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثُمَامَةَ قَالَ: قِيلَ لِأَنَسٍ: أَشَهِدْتَ بَدْرًا؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ لَا أُمَّ لَكَ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِصِغَرِهِ، وَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا أَيْضًا لِذَلِكَ. وَشَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ، وَعُمْرَةَ
الْقَضَاءِ، وَالْفَتْحَ، وَحُنَيْنًا، وَالطَّائِفَ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ ابْنِ أُمِّ سُلَيْمٍ. يَعْنِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صَلَاةً فِي سَفَرِهِ وَحَضَرِهِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ فِيهَا مِنَ الصَّحَابَةِ فِيمَا قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعِينَ، وَقِيلَ: إِحْدَى. وَقِيلَ: اثْنَتَيْنِ. وَقِيلَ: ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ. وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَأَمَّا عُمْرُهُ يَوْمَ مَاتَ فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، أَنَّ أَنَسًا عَمَّرَ مِائَةَ سَنَةٍ غَيْرَ سَنَةٍ. وَأَقَلُّ مَا قِيلَ سِتٌّ وَتِسْعُونَ. وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ مِائَةٌ وَسَبْعُ سِنِينَ. وَقِيلَ: سِتٌّ. وَقِيلَ: مِائَةٌ وَثَلَاثُ سِنِينَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم الْأَسْلَعُ بْنُ شَرِيكِ بْنِ عَوْفٍ الْأَعْرَجِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ اسْمُهُ مَيْمُونَ بْنَ سِنْبَاذَ، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ الْأَعْرَجِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «عَنِ الْأَسْلَعِ قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَرْحَلُ لَهُ، فَقَالَ ذَاتَ لَيْلَةٍ: يَا أَسْلَعُ، قُمْ فَارْحَلْ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ
يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِآيَةِ الصَّعِيدِ. قَالَ: فَتَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَاءِ قَالَ: يَا أَسْلَعُ قُمْ فَاغْتَسِلْ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَيْهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ نَفَضَهُمَا فَمَسَحَ بِهِمَا ذِرَاعَيْهِ ; بِالْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَبِالْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا. قَالَ الرَّبِيعُ: وَأَرَانِي أَبِي كَمَا أَرَاهُ أَبُوهُ كَمَا أَرَاهُ الْأَسْلَعُ كَمَا أَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . قَالَ الرَّبِيعُ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَوْفَ بْنَ أَبِي جَمِيلَةَ فَقَالَ: هَكَذَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ الْحَسَنَ يَصْنَعُ. رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا " مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ " مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ هَذَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَا أَعْلَمُهُ رَوَى غَيْرَهُ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَقَدْ رَوَى - يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ - الْهَيْثَمُ بْنُ رُزَيْقٍ الْمَالِكِيُّ الْمُدْلِجِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ.
وَمِنْهُمْ ; رضي الله عنهم، أَسْمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غِيَاثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَفْصَى الْأَسْلَمِيُّ. وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. وَهُوَ أَخُو هِنْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَكَانَا
يَخْدِمَانِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هِنْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَكَانَ هِنْدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ أَخُوهُ الَّذِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ قَوْمَهُ بِالصِّيَامِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ أَسْمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ. فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ هِنْدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ حَارِثَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ فَقَالَ:«مُرْ قَوْمَكَ بِصِيَامِ هَذَا الْيَوْمِ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُهُمْ قَدْ طَعِمُوا؟ قَالَ فَلْيُتِمُّوا آخِرَ يَوْمِهِمْ» وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ هِنْدِ بْنِ أَسْمَاءَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ هِنْدٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ فَقَالَ: «مُرْ قَوْمَكَ فَلْيَصُومُوا هَذَا الْيَوْمَ، وَمَنْ وَجَدْتَ مِنْهُمْ أَكَلَ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ فَلْيَصُمْ آخِرَهُ» .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هِنْدًا وَأَسْمَاءَ ابْنَيْ حَارِثَةَ إِلَّا مَمْلُوكَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَا يَخْدِمَانِهِ لَا يَبْرَحَانِ بَابَهُ هُمَا وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَدْ تُوُفِّيَ أَسْمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ بِالْبَصْرَةِ عَنْ ثَمَانِينَ سَنَةً.
وَمِنْهُمْ، رضي الله عنهم، بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ الْحَبَشِيُّ. وُلِدَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ مَوْلًى
لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِمَالٍ جَزِيلٍ ; لِأَنَّهُ كَانَ أُمَيَّةُ يُعَذِّبُهُ عَذَابًا شَدِيدًا لِيَرْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَيَأْبَى إِلَّا الْإِسْلَامَ رضي الله عنه، فَلَمَّا اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ أَعْتَقَهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَهَاجَرَ حِينَ هَاجَرَ النَّاسُ، وَشَهِدَ بَدْرًا، وَأُحُدًا وَمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الْمَشَاهِدِ رضي الله عنه. وَكَانَ يُعْرَفُ بِبِلَالِ بْنِ حَمَامَةَ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ سِينَهُ كَانَتْ شِينًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَرْوِي حَدِيثًا فِي ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ سِينَ بِلَالٍ عِنْدَ اللَّهِ شِينٌ. وَهُوَ أَحَدُ الْمُؤَذِّنِينَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ كَمَا قَدَّمْنَا. وَكَانَ يَلِي أَمْرَ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَمَعَهُ حَاصِلُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَالِ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ لِلْغَزْوِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَقَامَ يُؤَذِّنُ لِأَبِي بَكْرٍ أَيَّامَ خِلَافَتِهِ. وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَقَالَ الْفَلَّاسُ: قَبْرُهُ بِدِمَشْقَ، وَيُقَالُ: بِدَارَيَّا. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِحَلَبَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي مَاتَ بِحَلَبَ أَخُوهُ خَالِدٌ. قَالَ مَكْحُولٌ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى بِلَالًا قَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْأُدْمَةِ نَحِيفًا أَجْنَأَ، لَهُ شَعْرٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ لَا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ رضي الله عنه.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم، بُكَيْرُ بْنُ الشَّدَّاخِ اللَّيْثِيُّ. ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى اللَّيْثِيِّ، «أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ شَدَّاخٍ اللَّيْثِيَّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَاحْتَلَمَ، فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى أَهْلِكَ، وَقَدِ احْتَلَمْتُ الْآنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَدِّقْ قَوْلَهُ، وَلَقِّهِ الظَّفَرَ. فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَانِ عُمْرَ قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَامَ عُمْرُ خَطِيبًا فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ؟ فَقَامَ بُكَيْرٌ فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمْرُ: بُؤْتَ بِدَمِهِ، فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ؟ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْغُزَاةِ اسْتَخْلَفَنِي عَلَى أَهْلِهِ، فَجِئْتُ فَإِذَا هَذَا الْيَهُودِيُّ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
وَأَشْعَثَ غَرَّهُ الْإِسْلَامُ مِنِّي
…
خَلَوْتُ بِعُرْسِهِ لَيْلَ التَّمَامِ
أَبِيتُ عَلَى تَرَائِبِهَا وَيُمْسِي عَلَى قَوْدِ الْأَعِنَّةِ وَالْحِزَامِ
…
كَأَنَّ مَجَامِعَ الرَّبَلَاتِ مِنْهَا
فِئَامٌ يَنْهَضُونَ إِلَى فِئَامِ
قَالَ: فَصَدَّقَ عُمْرُ قَوْلَهُ، وَأَبْطَلَ دَمَ الْيَهُودِيِّ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبُكَيْرٍ» ، بِمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُمْ، رضي الله عنهم، حَبَّةُ وَسَوَاءُ ابْنَا خَالِدٍ رضي الله عنهما. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. قَالَ: وَثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ حَبَّةَ وَسَوَاءَ ابْنَىْ خَالِدٍ قَالَا: دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصْلِحُ شَيْئًا
فَأَعَنَّاهُ فَقَالَ: «لَا تَيْئَسَا مِنَ الرِّزْقِ مَا تَهَزْهَزَتْ رُءُوسِكُمَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ تَلِدُهُ أُمُّهُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرَةٌ ثُمَّ يَرْزُقُهُ اللَّهُ عز وجل» .
وَمِنْهُمْ، رضي الله عنهم، ذُو مِخْمَرٍ. وَيُقَالُ ذُو مِخْبَرٍ. وَهُوَ ابْنُ أَخِي النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَيُقَالُ ابْنُ أُخْتِهِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. كَانَ بَعَثَهُ لِيَخْدِمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِيَابَةً عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا حَرِيزٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيْحٍ، «عَنْ ذِي مِخْمَرٍ، وَكَانَ رَجُلًا مَنَ الْحَبَشَةِ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: كُنَّا مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى انْصَرَفَ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الزَّادِ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِ انْقَطَعَ النَّاسُ. قَالَ: فَحُبِسَ، وَحُبِسَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى تَكَامَلُوا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكَمَ أَنْ نَهْجَعَ هَجْعَةً؟ أَوْ قَالَ لَهُ قَائِلٌ، فَنَزَلَ وَنَزَلُوا، فَقَالَ: مَنْ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. فَأَعْطَانِي خِطَامَ نَاقَتِهِ، فَقَالَ: هَاكَ، لَا تَكُونَنَّ لُكَعًا قَالَ: فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَخِطَامِ نَاقَتِي فَتَنَحَّيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُمَا تَرْعَيَانِ، فَإِنِّي فِي ذَلِكَ أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا حَتَّى أَخَذَنِي النَّوْمُ، فَلَمْ أَشْعُرْ بِشَيْءٍ
حَتَّى وَجَدْتُ حَرَّ الشَّمْسِ عَلَى وَجْهِي، فَاسْتَيْقَظْتُ فَنَظَرْتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا أَنَا بِالرَّاحِلَتَيْنِ مِنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِخِطَامِ نَاقَتِي، فَأَتَيْتُ أَدْنَى الْقَوْمِ فَأَيْقَظْتُهُ، فَقُلْتُ: أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا. فَأَيْقَظَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا بِلَالُ هَلْ فِي الْمِيضَأَةِ مَاءٌ؟ يَعْنِي الْإِدَاوَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. فَأَتَاهُ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا لَمْ يُلَتَّ مِنْهُ التُّرَابُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى وَهُوَ غَيْرُ عَجَلٍ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْرَطْنَا؟ قَالَ: لَا، قَبَضَ اللَّهُ عز وجل، أَرْوَاحنَا وَرَدَّهَا إِلَيْنَا، وَقَدْ صَلَّيْنَا» .
وَمِنْهُمْ، رضي الله عنهم، رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ، أَبُو فِرَاسٍ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، «عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَكَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْهَوِيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرَافَقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ
بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ مُجْمِرٍ، «عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقْوَمُ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ نَهَارِي أَجْمَعَ، حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، فَأَجْلِسُ بِبَابِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهْ أَقُولُ: لَعَلَّهَا أَنْ تَحْدُثَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَةٌ، فَمَا أَزَالُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. حَتَّى أَمَلَّ فَأَرْجِعَ، أَوْ تَغْلِبَنِي عَيْنَايَ فَأَرْقُدَ. قَالَ: فَقَالَ لِي يَوْمًا لِمَا يَرَى مِنْ خِفَّتِي لَهُ، وَخِدْمَتِي إِيَّاهُ: يَا رَبِيعَةُ بْنَ كَعْبٍ، سَلْنِي أُعْطِكَ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنْظُرُ فِي أَمْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ أُعْلِمُكَ ذَلِكَ. قَالَ: فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي، فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَكْفِينِي وَيَأْتِينِي. قَالَ: فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِآخِرَتِي ; فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عز وجل بِالْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ بِهِ. قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى رَبِّكَ فَيُعْتِقَنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَقَالَ: مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أُحُدٌ، وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ:" سَلْنِي أُعْطِكَ ". وَكُنْتَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ، نَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي
فِيهَا رِزْقًا سَيَأْتِينِي، فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِآخِرَتِي. قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ لِي: إِنِّي فَاعِلٌ، فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، ثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، «عَنْ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِيِّ، وَكَانَ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: يَا رَبِيعَةَ، أَلَّا تَزَوَّجُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْ خِدْمَتِكَ شَيْءٌ. قَالَ: فَسَكَتَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي: يَا رَبِيعَةُ، أَلَّا تَزَوَّجُ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْ خِدْمَتِكَ شَيْءٌ، وَمَا عِنْدِي مَا أُعْطِي الْمَرْأَةَ. قَالَ: فَقُلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ بِمَا عِنْدِي حَتَّى يَدْعُوَنِي إِلَى التَّزْوِيجِ، لَئِنْ دَعَانِي هَذِهِ الْمَرَّةَ لِأُجِيبَنَّهُ. قَالَ: فَقَالَ لِي: يَا رَبِيعَةُ، أَلَّا تَزَوَّجُ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يُزَوِّجُنِي؟ مَا عِنْدِي مَا أُعْطِي الْمَرْأَةَ. قَالَ: فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى بَنِي فُلَانٍ فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فَتَاتَكُمْ فُلَانَةً. قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ لِتُزَوِّجُونِي فَتَاتَكُمْ فُلَانَةً. قَالُوا: فُلَانَةً؟! قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَرْحَبًا بِرَسُولِهِ. فَزَوَّجُونِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْتُكَ مَنْ خَيْرِ أَهْلِ بَيْتٍ، صَدَّقُونِي وَزَوَّجُونِي، فَمِنْ أَيْنَ لِي مَا أُعْطِي صَدَاقِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِبُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ: اجْمَعُوا لِرَبِيعَةَ فِي صَدَاقِهِ فِي وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: فَجَمَعُوهَا فَأَعْطَوْنِي، فَأَتَيْتُهُمْ فَقَبِلُوهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قَبِلُوا، فَمِنْ أَيْنَ لِي مَا أُولِمُ؟
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِبُرَيْدَةَ: اجْمَعُوا لِرَبِيعَةَ فِي ثَمَنِ كَبْشٍ قَالَ: فَجَمَعُوا، وَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ، فَقُلْ لَهَا فَلْتَدْفَعْ إِلَيْكَ مَا عِنْدَهَا مِنَ الشَّعِيرِ قَالَ: فَأَتَيْتُهَا فَدَفَعَتْ إِلَيَّ، فَانْطَلَقْتُ بِالْكَبْشِ وَالشَّعِيرِ، فَقَالُوا: أَمَّا الشَّعِيرُ فَنَحْنُ نَكْفِيكَ، وَأَمَّا الْكَبْشُ فَمُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَذْبَحُوهُ. وَعَمِلُوا الشَّعِيرَ، فَأَصْبَحَ وَاللَّهِ عِنْدَنَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ أَبَا بَكْرٍ أَرْضًا لَهُ، فَاخْتَلَفْنَا فِي عِذْقٍ، فَقُلْتُ: هُوَ فِي أَرْضِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ فِي أَرْضِي. فَتَنَازَعْنَا، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ كَلِمَةً كَرِهْتُهَا، فَنَدِمَ فَأَخْبَرَنِي فَقَالَ لِي: قُلْ لِي كَمَا قُلْتُ لَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقُولُ لَكَ كَمَا قُلْتَ لِي. قَالَ: إِذًا آتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَبِعْتُهُ، فَجَاءَنِي قَوْمِي يَتْبَعُونَنِي، فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي قَالَ لَكَ وَهُوَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَشْكُو؟! قَالَ: فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ: تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟! هَذَا الصِّدِّيقُ وَذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ، ارْجِعُوا لَا يَلْتَفِتْ فَيَرَاكُمْ فَيَظُنَّ أَنَّكُمْ إِنَّمَا جِئْتُمْ لِتُعِينُونِي عَلَيْهِ فَيَغْضَبْ، فَيَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُخْبِرْهُ فَيَهْلِكْ رَبِيعَةُ. قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ لِرَبِيعَةَ كَلِمَةً كَرِهَهَا، فَقُلْتُ لَهُ يَقُولُ لِي مِثْلَ مَا قُلْتُ لَهُ فَأَبَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. يَا رَبِيعَةَ، وَمَا لَكَ وَلِلصِّدِّيقِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا وَاللَّهِ لَا أَقُولُ لَهُ كَمَا قَالَ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَقُلْ لَهُ كَمَا قَالَ لَكَ، وَلَكِنْ قُلْ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ.»
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم سَعْدٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه.
وَيُقَالُ: مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ - وَكَانَ سَعْدٌ مَمْلُوكًا لِأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُعْجِبُهُ خِدْمَتُهُ -:«أَعْتِقْ سَعْدًا» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا خَادِمٌ هَاهُنَا غَيْرُهُ. فَقَالَ:«أَعْتِقْ سَعْدًا أَتَتْكَ الرِّجَالُ أَتَتْكَ الرِّجَالُ» وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ:«قَرَّبْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمْرًا، فَجَعَلُوا يَقْرِنُونَ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقِرَانِ» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ دَخَلَ يَوْمَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُودُ بِنَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
…
الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ
كَمَا ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ
…
وَيُشْغِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ بِطُولِهِ. وَقَدْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَعْدَ هَذَا بِأَشْهُرٍ فِي يَوْمِ
مُؤْتَةَ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ شَمْخٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهُذَلِيُّ. أُحُدُ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا، كَانَ يَلِي حَمْلَ نَعْلَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَلِي طَهُورَهُ، وَيُرَحِّلُ دَابَّتَهُ إِذَا أَرَادَ الرُّكُوبَ، وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الطُّولَى فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَهُ الْعِلْمُ الْجَمُّ وَالْفَضْلُ وَالْحِلْمُ، وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ، وَقَدْ جَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ» ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ابْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا. وَذَكَرُوا أَنَّهُ نَحِيفُ الْخَلْقِ حَسَنُ الْخُلُقِ، يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا مَشَى يُسَامِتُ الْجَالِسَ وَكَانَ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَكَلَامِهِ، وَيَتَشَبَّهُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ عَبَّادَتِهِ. تُوُفِّيَ، رضي الله عنه، فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه سَنَةَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَقْبٍ مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ، إِذْ قَالَ لِي: يَا عُقْبَةُ أَلَا تَرْكَبُ؟ قَالَ: فَأَجْلَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْكَبَ مَرْكَبَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُقَيْبُ، أَلَا تَرْكَبُ؟ قَالَ: فَأَشْفَقْتُ أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةٌ. قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، ثُمَّ رَكِبَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُقْبَةُ أَلَا أُعْلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مَنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَقْرَأَنِي: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ بِهِمَا، ثُمَّ مَرَّ بِي فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقَيْبُ؟ اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَكُلَّمَا قُمْتَ» وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الْأَمِيرِ» . وَقَدْ كَانَ قَيْسٌ هَذَا رضي الله عنه مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ، وَكَانَ كَوْسَجًا، وَيُقَالُ: إِنَّ سَرَاوِيلَهُ كَانَ يَضَعُهُ عَلَى أَنْفِهِ مَنْ
يَكُونُ مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ، فَتَصِلُ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ، وَقَدْ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَرَاوِيلَهُ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ يَقُولُ لَهُ: هَلْ عِنْدَكُمْ رَجُلٌ تَجِيءُ سَرَاوِيلُهُ عَلَى طُولِهِ؟ فَعَجِبَ مَلِكُ الرُّومِ مِنْ ذَلِكَ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ كَرِيمًا مُمَدَّحًا ذَا رَأْيٍ وَدَهَاءٍ، وَكَانَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَيَّامَ صِفِّينِ. وَقَالَ مِسْعَرٌ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَزَالُ رَافِعًا أُصْبُعَهُ الْمِسْبَحَةَ يَدْعُو رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَغَيْرُهُمَا: تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْحَنَفِيُّ، ثَنَا سَعْدُ بْنُ الصَّلْتِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«كَانَ عِشْرُونَ شَابًّا مِنَ الْأَنْصَارِ يَلْزَمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَوَائِجِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَمْرًا بَعْثَهُمْ فِيهِ.»
وَمِنْهُمْ، رضي الله عنهم، الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ، رضي الله عنه. كَانَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَحْدَارِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا «كَانَ رَافِعًا السَّيْفَ فِي يَدِهِ،
وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَيْمَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَعَلَ كُلَّمَا أَهْوَى عَمُّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ حِينَ قَدِمَ فِي الرَّسِيلَةِ إِلَى لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي مُخَاطَبَاتِهَا - يَقْرَعُ يَدَهُ بِقَائِمَةِ السَّيْفِ، وَيَقُولُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ لَا تَصِلَ إِلَيْكَ» . الْحَدِيثَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَوَلَّاهُ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ الْإِمْرَةَ حِينَ ذَهَبَا فَخَرَّبَا طَاغُوتَ أَهْلِ الطَّائِفِ وَهِيَ الْمَدْعُوَّةُ بِالرَّبَّةِ، وَهِيَ اللَّاتُ، وَكَانَ دَاهِيَةً مِنْ دُهَاةِ الْعَرَبِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا غَلَبَنِي أُحُدٌ قَطُّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنَ جَابِرٍ يَقُولُ: صَحِبْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَلَوْ أَنَّ مَدِينَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ لَا يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلَّا بِمَكْرٍ لَخَرَجَ مِنْ أَبْوَابِهَا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ; عَلِيٌّ وَعُمْرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى، وَالدُّهَاةُ أَرْبَعَةٌ; مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةُ وَزِيَادٌ. وَقَالَ الْزُّهْرِيُّ: الدُّهَاةُ خَمْسَةٌ; مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو وَالْمُغِيرَةُ وَاثْنَانِ مَعَ عَلِيٍّ، وَهُمَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَجُلًا نَكَّاحًا لِلنِّسَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ: صَاحِبُ الْوَاحِدَةِ إِنْ حَاضَتْ حَاضَ مَعَهَا، وَإِنْ مَرِضَتْ مَرِضَ مَعَهَا،
وَصَاحِبُ الثِّنْتَيْنِ بَيْنَ نَارَيْنِ تَشْتَعِلَانِ. قَالَ: فَكَانَ يَنْكِحُ أَرْبَعًا جَمِيعًا وَيُطَلِّقُهُنَّ جَمِيعًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَزَوَّجَ ثَمَانِينَ امْرَأَةً. وَقِيلَ: ثَلَاثَمِائَةِ امْرَأَةٍ. وَقِيلَ: أَحْصَنَ أَلْفَ امْرَأَةٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَشْهَرُهَا وَأَصَحُّهَا، وَهُوَ الَّذِي حَكَى عَلَيْهِ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ الْإِجْمَاعَ، أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَبُو مَعْبَدٍ الْكِنْدِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، «عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي فَتَعَرَّضْنَا لِلنَّاسِ فَلَمْ يُضِفْنَا أَحَدٌ، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا لَهُ، فَذَهَبَ بِنَا إِلَى مَنْزِلِهِ، وَعِنْدَهُ أَرْبَعُ أَعْنُزٍ، فَقَالَ: احْلُبْهُنَّ يَا مِقْدَادُ، وَجَزِّئْهِنَّ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَعْطِ كُلَّ إِنْسَانٍ جُزْءًا فَكُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَرَفَعْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُزْأَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَاحْتَبَسَ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَتَى أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَوْ قُمْتَ فَشَرِبْتَ هَذِهِ الشَّرْبَةَ. فَلَمْ تَزَلْ بِي حَتَّى قُمْتُ فَشَرِبْتُ جُزْأَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي بَطْنِي وَتَقَارَّ أَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ، فَقُلْتُ: يَجِيءُ الْآنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَائِعًا ظَمْآنَ، فَلَا يَرَى فِي الْقَدَحِ شَيْئًا، فَسَجَيَّتُ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِي، وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ تَسْلِيمًا يُسْمِعُ الْيَقْظَانَ وَلَا
يُوقِظُ النَّائِمَ، فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ مَنْ سَقَانِي، وَأَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي فَاغْتَنَمْتُ دَعْوَتَهُ، وَقُمْتُ فَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ، فَدَنَوْتُ إِلَى الْأَعْنُزِ فَجَعَلْتُ أَجِسُّهُنَّ أَيَّتُهُنَّ أَسْمَنُ لِأَذْبَحَهَا، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى ضَرْعِ إِحْدَاهُنَّ، فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى الْأُخْرَى فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُنَّ كُلُّهُنَّ حَفْلٌ، فَحَلَبْتُ فِي الْإِنَاءِ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ: اشْرَبْ. فَقَالَ: مَا الْخَبَرُ يَا مِقْدَادُ؟ فَقُلْتُ: اشْرَبْ ثُمَّ الْخَبَرُ. فَقَالَ: بَعْضُ سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ فَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ: " اشْرَبْ ". فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ أَخَذْتُهُ فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" هِيهِ ". فَقُلْتُ: كَانَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَذِهِ بَرَكَةٌ مُنَزَّلَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، أَفَلَا أَخْبَرْتَنِي حَتَّى أَسْقِيَ صَاحِبَيْكَ فَقُلْتُ: إِذَا شَرِبْتُ الْبَرَكَةَ أَنَا وَأَنْتَ فَلَا أُبَالِي مَنْ أَخْطَأَتْ» . وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِقْدَادِ. فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ «أَنَّهُ حَلَبَ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي كَانُوا لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْلِبُوا فِيهِ، فَحَلَبَ حَتَّى عَلَتْهُ الرَّغْوَةُ، وَلَمَّا جَاءَ بِهِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا شَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ يَا مِقْدَادُ؟ فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَأَخَذْتُ مَا بَقِيَ ثُمَّ شَرِبْتُ، فَلَمَّا عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَوَى فَأَصَابَتْنِي دَعْوَتُهُ، ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ
مِنْ أَمْرِي كَذَا، صَنَعْتُ كَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا كَانَتْ هَذِهِ إِلَّا رَحْمَةَ اللَّهِ، أَلَا كُنْتَ آذَنْتَنِي تُوقِظُ صَاحِبَيْكَ هَذَيْنِ فَيُصِيبَانِ مِنْهَا قَالَ: قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُبَالِي إِذَا أَصَبْتَهَا وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ» . وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم مُهَاجِرٌ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ بُكَيْرًا يَقُولُ:«سَمِعْتُ مُهَاجِرًا مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَقُولُ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِنِينَ، فَلَمْ يَقُلْ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: خَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ خَمْسَ سِنِينَ.»
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم أَبُو السَّمْحِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ: ثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، «حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْحِ قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،. قَالَ: كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: نَاوِلْنِي إِدَاوَتِي قَالَ: فَأُنَاوِلُهُ وَأَسْتُرُهُ، فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ، فَجِئْتُ لِأَغْسِلَهُ فَقَالَ: يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى.
وَمِنْهُمْ، رضي الله عنهم، أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رضي الله عنه. تَوَلَّى خِدْمَتَهُ بِنَفْسِهِ فِي سَفْرَةِ الْهِجْرَةِ، لَا سِيَّمَا فِي الْغَارِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهُ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مَبْسُوطًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.