الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِيمَنْ ذُكِرَ مِنْ أُمَنَائِهِ صلى الله عليه وسلم]
فَصْلٌ
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ أُمَنَائِهِ أَبَا عُبَيْدَةَ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْقُرَشِيَّ الْفِهْرِيَّ أَحَدَ الْعَشَرَةِ، رضي الله عنه، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الْزُّهْرِيَّ.
قُلْتُ: أَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لِكُلِّ أَمَةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» وَفِي لَفْظٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِوَفْدٍ نَجْرَانَ لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَبَعَثَ مَعَهُمْ أَبَا عُبَيْدَةَ» .
قَالَ: وَمِنْهُمْ مُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ، وَيُقَالُ: كَانَ خَازِنَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا، وَكَانَ عَلَى الْخَاتَمِ، وَاسْتَعْمَلَهُ الشَّيْخَانِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. قَالُوا: وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ الْجُذَامُ، فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَدُووِيَ بِالْحَنْظَلِ فَتَوَقَّفَ الْمَرَضُ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ،
وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعِينَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي مُعَيْقِبُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً» وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَهُشَامِ الدَّسْتُوَائِيِّ. زَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: وَالْأَوْزَاعِيُّ. ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُعَيْقِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَتَّابٍ سَهْلِ بْنِ حَمَّادٍ الدَّلَّالِ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ نُوحِ بْنِ رَبِيعَةَ، «عَنْ إِيَاسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُعَيْقِبِ، عَنْ جَدِّهِ - وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ. قَالَ فَرُبَّمَا كَانَ فِي يَدِي» .
قُلْتُ: أَمَّا خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ قَبْلَهُ خَاتَمَ ذَهَبٍ، فَلَبِسَهُ حِينًا، ثُمَّ رَمَى بِهِ، وَقَالَ:«وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ» . ثُمَّ اتَّخَذَ هَذَا الْخَاتَمَ مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ، وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. " مُحَمَّدٌ " سَطْرٌ، وَ " رَسُولٌ " سَطْرٌ، وَ " اللَّهُ " سَطْرٌ، فَكَانَ فِي يَدِهِ عليه الصلاة والسلام، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ فِي يَدِ عُمْرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ، فَلَبِثَ فِي يَدِهِ سِتَّ سِنِينَ، ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، فَاجْتَهَدَ فِي تَحْصِيلِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو دَاوُدَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، كِتَابًا مُسْتَقِلًّا فِي " سُنَنِهِ " فِي الْخَاتَمِ وَحْدَهُ، وَسَنُورِدُ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ. وَأَمَّا لُبْسُ مُعَيْقِبٍ لِهَذَا الْخَاتَمِ فَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا نُقِلَ أَنَّهُ أَصَابَهُ الْجُذَامُ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّهُ مَشْهُورٌ، فَلَعَلَّهُ أَصَابَهُ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ كَانَ بِهِ وَكَانَ مِمَّا لَا يُعْدَى مِنْهُ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم; لِقُوَّةِ تَوَكُّلِهُ، كَمَا قَالَ لِذَلِكَ الْمَجْذُومِ - وَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْقَصْعَةِ - «كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا أُمَرَاؤُهُ عليه الصلاة والسلام فَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ عِنْدَ بَعْثِ
السَّرَايَا مَنْصُوصًا عَلَى أَسْمَائِهِمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَالْمِنَّةُ.
وَأَمَّا جُمْلَةُ الصَّحَابَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عِدَّتِهِمْ، فَنُقِلَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَبْلُغُونَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، أَنَّهُ قَالَ:«تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُسْلِمُونَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ وَرَآهُ زُهَاءَ سِتِّينَ أَلْفًا» . وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُرْوَى الْحَدِيثُ عَنْ قَرِيبٍ مِنْ خَمْسَةِ آلَافِ صَحَابِيٍّ.
قُلْتُ: وَالَّذِي رَوَى عَنْهُمُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، مَعَ كَثْرَةِ رِوَايَتِهِ وَاطِّلَاعِهِ وَاتِّسَاعِ رِحْلَتِهِ وَإِمَامَتِهِ، مِنَ الصَّحَابَةِ تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ نَفْسًا، وَوَقَعَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنَ الزِّيَادَاتِ عَلَى ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ صَحَابِيٍّ أَيْضًا، وَقَدِ اعْتَنَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ، رحمهم الله، بِضَبْطِ أَسْمَائِهِمْ، وَذِكْرِ أَيَّامِهِمْ، وَوَفَيَاتِهِمْ، مِنْ أَجَلِّهِمُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ فِي كِتَابِهِ " الِاسْتِيعَابِ "، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَهْ، وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، ثُمَّ نَظَمَ جَمِيعَ ذَلِكَ الْحَافِظُ عِزُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَثِيرِ، صَنَّفَ كِتَابَهُ " الْغَابَةَ " فِي ذَلِكَ، فَأَجَادَ وَأَفَادَ، وَجَمَعَ وَحَصَّلَ، وَنَالَ مَا رَامَ وَأَمَّلَ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَأَثَابَهُ، وَجَمَعَهُ وَالصَّحَابَةَ آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.