الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعوتب الوزير بذلك فَقَالَ: كَيْفَ لَا أُقَبِّلُ يَدًا مَا امْتَدَّتْ إلا إلى الله عز وجل.
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ الْفَرَجِ بْنِ صَالِحٍ
أَبُو الْحَسَنِ الرَّبَعِيُّ النَّحْوِيُّ، أَخَذَ الْعَرَبِيَّةَ أَوَّلًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ السِّيرَافِيِّ، ثُمَّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَلَازَمَهُ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى كَانَ يَقُولُ: قُولُوا لَهُ لَوْ سَارَ مِنَ الْمَشْرِقِ إلى المغرب لم يجد أحدا أتحى منه، كان يَوْمًا يَمْشِي عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الشَّرِيفَيْنِ الرَّضِيِّ وَالْمُرْتَضَى فِي سَفِينَةٍ، وَمَعَهُمَا عُثْمَانُ بْنُ جِنِّيٍّ، فَقَالَ لَهُمَا: مِنْ أَعْجَبِ الأشياء عثمان معكما، وعلى بعيد عنكما، يمشى على شاطئ الفرات.
[فضحكا وقالا: باسم الله] توفى في المحرم منها عَنْ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ الدَّيْرِ، ويقال إنه لم يتبع جنازته إلا ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ
أَسَدُ الدَّوْلَةِ
أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بْنُ مِرْدَاسِ بْنِ إِدْرِيسَ الْكِلَابِيُّ، أَوَّلُ مُلُوكِ بَنِي مِرْدَاسٍ بِحَلَبَ، انْتَزَعَهَا مِنْ يَدَيْ نَائِبِهَا عن الظَّاهِرِ بْنِ الْحَاكِمِ الْعُبَيْدِيِّ، فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، ثُمَّ جَاءَهُ جَيْشٌ كثيف من مصر قاقتتلوا فَقُتِلَ أَسَدُ الدَّوْلَةِ هَذَا فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَقَامَ حَفِيدُهُ نَصْرٌ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى وعشرين وأربعمائة
فيها توفى الملك الكبير المجاهد المغازي، فاتح بلاد الهند محمود بن سبكتكين رحمه الله، لَمَّا كَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السنة توفى الملك العادل الكبير الثاغر المرابط، المؤيد المنصور، يَمِينُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ، صاحب بلاد غزنة ومالك تلك الْمَمَالِكِ الْكِبَارِ، وَفَاتِحُ أَكْثَرِ بِلَادِ الْهِنْدِ قَهْرًا، وكاسر أصنامهم، وندودهم وأوثانهم وهنودهم، وسلطانهم الأعظم قهرا، وقد مرض رحمه الله نَحْوًا مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَضْطَجِعْ فِيهِمَا عَلَى فراش، ولا توسد وسادا، بل كان يتكىء جالسا حتى مات وهو كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِشَهَامَتِهِ وَصَرَامَتِهِ، وَقُوَّةِ عَزْمِهِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ سِتُّونَ سَنَةً رحمه الله. وَقَدْ عَهِدَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يتم أمره حتى عافصه أخوه مسعود بن محمود المذكور، فَاسْتَحْوَذَ عَلَى مَمَالِكِ أَبِيهِ، مَعَ مَا كَانَ يليه مما فتحه هُوَ بِنَفْسِهِ مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ، مِنَ الرَّسَاتِيقِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، فَاسْتَقَرَّتْ لَهُ الْمَمَالِكُ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي تِلْكَ النَّوَاحِي، فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْعَامِ، وجاءته الرسل بالسلام مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَمِنْ كُلِّ مَلِكٍ هُمَامٍ، وبالتحية والاكرام، وبالخضوع التام، وسيأتي ذكر أبيه فِي الْوَفِيَّاتِ. وَفِيهَا اسْتَحْوَذَتِ السَّرِيَّةُ الَّتِي كَانَ بعثها الملك المذكور محمود إلى بلاد الهند على أكثر مدائن الهنود وأكبرها مدينة، وهي المدينة المسماة نرسى، دخلوها في نحو من مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، مَا بَيْنَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، فنهبوا سوق العطر والجوهر بِهَا نَهَارًا كَامِلًا، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُحَوِّلُوا مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَالْمِسْكِ وَالْجَوَاهِرِ واللآلي واليواقيت، ومع هذا لم يدر أكثر أهل البلد بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي غَايَةِ الْكِبَرِ: طُولُهَا مَسِيرَةُ مَنْزِلَةٍ مِنْ منازل الهند، وعرضها كذلك، وأخذوا منها من الأموال والتحف
والأثاث مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، حَتَّى قِيلَ إِنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْكَيْلِ، وَلَمْ يَصِلْ جَيْشٌ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ قط، لا قبل هذه السنة ولا بعدها، وهذه المدينة من أكثر بلاد الهند خيرا ومالا، بل قيل إنه لا يوجد مدينة أكثر منها مالا ورزقا، مع كفر أهلها وعبادتهم الأصنام، فليسلم المؤمن على الدنيا سلام. وقد كانت محل الملك، وأخذوا منها من الرقيق من الصبيان والبنات ما لا يحصى كثرة. وَفِيهَا عَمِلَتِ الرَّافِضَةُ بِدْعَتَهُمُ الشَّنْعَاءَ، وَحَادِثَتَهُمُ الصَّلْعَاءَ، فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، مِنْ تَعْلِيقِ الْمُسُوحِ، وَتَغْلِيقِ الأسواق، والنوح والبكاء في الازقة، فأقبل أهل السنة إليهم في الحديد فاقتتلوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ، وجرت بينهم فتن وشرور مستطيرة.
وفيها مَرِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْقَادِرُ باللَّه وَعَهِدَ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى وَلَدِهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، بِمَحْضَرٍ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْوُزَرَاءِ والأمراء، وخطب له بذلك، وضرب اسمه على السكة المتعامل بها. وَفِيهَا أَقْبَلَ مَلِكُ الرُّومِ مِنْ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي مائة أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ بِلَادَ حَلَبَ، وَعَلَيْهَا شِبْلُ الدَّوْلَةِ نَصْرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مِرْدَاسٍ، فَنَزَلُوا عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْهَا، وَمِنْ عزم ملك الروم أن يستحوذ على بلاد الشام كلها، وأن يستردها إلى دين النصرانية، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» وَقَيْصَرُ هُوَ من ملك الشام من الروم مَعَ بِلَادِ الرُّومِ فَلَا سَبِيلَ لِمَلِكِ الرُّومِ إلى هذا. فلما نزل مِنْ حَلَبَ كَمَا ذَكَرْنَا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَطَشًا شَدِيدًا، وَخَالَفَ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ الدُّمُسْتُقُ، فَعَامَلَ طَائِفَةً مِنَ الْجَيْشِ على قتله ليستقل هو بالأمر من بعده، ففهم الملك ذلك فكر من فوره راجعا، فاتبعهم الأعراب ينهبونهم ليلا ونهارا، وكان من جملة ما أخذوا منهم أربعمائة فحل محجل محملة أموالا وثيابا للملك، وهلك أكثرهم جوعا وعطشا، ونهبوا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِيهَا ملك جلال الدولة واسطا واستناب عليها ولده، وَبَعَثَ وَزِيرَهُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مَاكُولَا إِلَى البطائح ففتحها، وَسَارَ فِي الْمَاءِ إِلَى الْبَصْرَةِ وَعَلَيْهَا نَائِبٌ لِأَبِي كَالِيجَارَ، فَهَزَمَهُمُ الْبَصْرِيُّونَ فَسَارَ إِلَيْهِمْ جَلَالُ الدولة بنفسه فدخلها في شعبان منها. وَفِيهَا جَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ بِغَزْنَةَ فَأَهْلَكَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الزُّرُوعِ وَالْأَشْجَارِ. وَفِي رَمَضَانَ مِنْهَا تَصَدَّقَ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ بِأَلْفِ ألف درهم، وأدر أرزاقا كثيرة لِلْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ بِبِلَادِهِ، عَلَى عَادَةِ أَبِيهِ مِنْ قبله، وفتح بلادا كَثِيرَةً، وَاتَّسَعَتْ مَمَالِكُهُ جِدًّا، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، وَقَوِيَتْ أَرْكَانُهُ، وَكَثُرَتْ جُنُودُهُ وَأَعْوَانُهُ. وَفِيهَا دَخَلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَكْرَادِ إِلَى بَغْدَادَ يَسْرِقُونَ خَيْلَ الأتراك ليلا، فتحصن الناس منهم فأخذوا الخيول كلها حتى خيل السلطان. وفيها سقط جسر بغداد عَلَى نَهْرِ عِيسَى. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْأَتْرَاكِ النَّازِلِينَ بِبَابِ الْبَصْرَةِ، وَبَيْنَ الْهَاشِمِيِّينَ، فَرَفَعُوا الْمَصَاحِفَ وَرَمَتْهُمُ الْأَتْرَاكُ بِالنُّشَّابِ، وَجَرَتْ خَبْطَةٌ عَظِيمَةٌ ثم أصلح بين الفريقين. وفيها كثرت العملات، وَأُخِذَتِ الدُّورُ جَهْرَةً، وَكَثُرَ الْعَيَّارُونَ وَلُصُوصُ