الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو المعروف بالهمز وَالرِّدْفِ، وَأَنَّهُ أَخَذَ الْعَرَبِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ وَاشْتَغَلَ بِحَلَبَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ النَّحْوِيِّ، وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، وَالْخَطِيبُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ التِّبْرِيزِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَكَثَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ عَلَى طَرِيقَةِ الْحُكَمَاءِ، وَأَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ عَلَى قَبْرِهِ:
هَذَا جَنَاهُ أَبِي عَلَيَّ
…
وَمَا جَنَيْتُ عَلَى أَحَدْ
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَهَذَا أَيْضًا مُتَعَلِّقٌ باعتقاد الحكماء، فإنهم يقولون اتخاذ الْوَلَدِ وَإِخْرَاجُهُ إِلَى هَذَا الْوُجُودِ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِلْحَوَادِثِ وَالْآفَاتِ. قُلْتُ: وَهَذَا يَدُلُّ على أنه لم يتغير عن اعتقاده، وهو ما يعتقده الْحُكَمَاءِ إِلَى آخِرِ وَقْتٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُقْلِعْ عَنْ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِظَوَاهِرِ الْأُمُورِ وَبَوَاطِنِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّ عينه اليمنى كانت ناتئة وعليها بياض، وعينه اليسرى غَائِرَةٌ، وَكَانَ نَحِيفًا ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ أَشْعَارِهِ الْجَيِّدَةِ أَبْيَاتًا فَمِنْهَا قَوْلُهُ:
لَا تَطْلُبَنَّ بَآلَةٍ لَكَ رُتْبَةً
…
قَلَمُ الْبَلِيغِ بِغَيْرِ جَدٍّ مَغْزَلُ
سكن السما كان السَّمَاءَ كِلَاهُمَا
…
هَذَا لَهُ رُمْحٌ وَهَذَا أَعْزَلُ
الْأُسْتَاذُ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بْنِ عَامِرِ بْنِ عَابِدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، الْحَافِظُ الْوَاعِظُ الْمُفَسِّرُ، قَدِمَ دِمَشْقَ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى الْحَجِّ فَسَمِعَ بِهَا وَذَكَّرَ النَّاسَ، وَقَدْ تَرْجَمَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَةً عَظِيمَةً، وَأَوْرَدَ لَهُ أَشْيَاءَ حَسَنَةً مِنْ أَقْوَالِهِ وَشِعْرِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
إِذَا لَمْ أُصِبْ أَمْوَالَكُمْ وَنَوَالَكُمْ
…
وَلَمْ آمُلِ الْمَعْرُوفَ مِنْكُمْ وَلَا الْبِرَّا
وَكُنْتُمْ عَبِيدًا لِلَّذِي أَنَا عَبْدُهُ
…
فَمِنْ أَجْلِ مَاذَا أُتْعِبُ الْبَدَنَ الْحُرَّا؟
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَتَرَدَّدُ وَأَنَا بِمَكَّةَ فِي الْمَذَاهِبِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: عَلَيْكَ بِاعْتِقَادِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّابُونِيِّ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ
فِيهَا كَانَتْ فِتْنَةُ الْخَبِيثِ الْبَسَاسِيرِيِّ، وَهُوَ أَرْسَلَانُ التركي، وَذَلِكَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ أَخَا الْمَلِكِ طُغْرُلْبَكَ تَرَكَ الْمَوْصِلَ الَّذِي كَانَ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ أَخُوهُ عَلَيْهَا، وَعَدَلَ إِلَى نَاحِيَةِ بِلَادِ الْجَبَلِ، فَاسْتَدْعَاهُ أَخُوهُ وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَأَصْلَحَ أَمْرَهُ، وَلَكِنْ فِي غضون ذَلِكَ رَكِبَ الْبَسَاسِيرِيُّ وَمَعَهُ قُرَيْشُ بْنُ بَدْرَانَ أَمِيرُ الْعَرَبِ إِلَى الْمَوْصِلِ فَأَخَذَهَا، وَأَخْرَبَ قَلْعَتَهَا، فسار إليه الملك طغرلبك سريعا فَاسْتَرَدَّهَا وَهَرَبَ مِنْهُ الْبَسَاسِيرِيُّ وَقُرَيْشٌ خَوْفًا مِنْهُ، فَتَبِعَهُمَا إِلَى نَصِيبِينَ، وَفَارَقَهُ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ، وَعَصَى عَلَيْهِ، وَهَرَبَ إِلَى هَمَذَانَ، وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ الْبَسَاسِيرِيِّ عَلَيْهِ، فَسَارَ الْمَلِكُ طُغْرُلْبَكُ وَرَاءَ أَخِيهِ وَتَرَكَ عَسَاكِرَهُ وَرَاءَهُ فَتَفَرَّقُوا وَقَلَّ مَنْ لَحِقَهُ مِنْهُمْ، وَرَجَعَتْ زَوْجَتُهُ الْخَاتُونُ وَوَزِيرُهُ الْكُنْدُرِيُّ إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ
بِأَنَّ أَخَاهُ قَدِ اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ طُغْرُلْبَكَ مَحْصُورٌ بِهَمَذَانَ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ لِذَلِكَ، وَاضْطَرَبَتْ بَغْدَادُ، وجاء الخبر بأن البساسيري عَلَى قَصْدِ بَغْدَادَ، وَأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنَ الأنبار، فقوى عزم الكندري على الهروب، فأرادت الخاتون أن تقبض عليه فتحول عنها إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَنُهِبَتْ دَارُهُ وَقُطِعَ الْجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ، وَرَكِبَتْ الْخَاتُونُ فِي جُمْهُورِ الجيش، وذهبت إلى همذان لأجل زَوْجَهَا، وَسَارَ الْكُنْدُرِيُّ وَمَعَهُ أَنُوشِرْوَانَ بْنُ تُومَانَ وأم الْخَاتُونُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَعَهَا بَقِيَّةُ الْجَيْشِ إِلَى بِلَادِ الْأَهْوَازِ وَبَقِيَتْ بَغْدَادُ لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنَ المقاتلة، فعزم الخليفة على الخروج منها، وَلَيْتَهُ فَعَلَ، ثُمَّ أَحَبَّ دَارَهُ وَالْمُقَامَ مَعَ أهله، فمكث فيها اغترارا ودعة، ولما خلى الْبَلَدُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ قِيلَ لِلنَّاسِ: مَنْ أَرَادَ الرحيل من بغداد فَلْيَذْهَبْ حَيْثُ شَاءَ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ وَبَكَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ، وَعَبَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَبَلَغَتِ الْمِعْبَرَةُ دِينَارًا وَدِينَارَيْنِ لِعَدَمِ الْجِسْرِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَطَارَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ نَحْوُ عَشْرِ بُومَاتٍ مُجْتَمِعَاتٍ يَصِحْنَ صِيَاحًا مُزْعِجًا، وَقِيلَ لِرَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ المصلحة أن الخليفة يرتحل لعدم المقاتلة فَلَمْ يَقْبَلْ، وَشَرَعُوا فِي اسْتِخْدَامِ طَائِفَةٍ مِنَ العوام، ودفع إليهم سلاح كثير مِنْ دَارِ الْمَمْلَكَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ جاء الْبَسَاسِيرِيُّ إِلَى بَغْدَادَ وَمَعَهُ الرَّايَاتُ الْبِيضُ الْمِصْرِيَّةُ، وعلى رأسه أعلام مكتوب عليها اسم الْمُسْتَنْصِرُ باللَّه أَبُو تَمِيمٍ مَعَدٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فتلقاه أهل الكرخ الرافضة وسألوه أن يجتاز من عِنْدَهُمْ، فَدَخَلَ الْكَرْخَ وَخَرَجَ إِلَى مَشْرَعَةِ الرَّوَايَا، فخيم بها والناس إذ ذاك في مجاعة وضر شديد، وَنَزَلَ قُرَيْشُ بْنُ بَدْرَانَ فِي نَحْوٍ مِنْ مِائَتَيْ فَارِسٍ عَلَى مَشْرَعَةِ بَابِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ الْبَسَاسِيرِيُّ قَدْ جَمَعَ الْعَيَّارِينَ وَأَطْمَعَهُمْ فِي نَهْبِ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَنَهَبَ أَهْلُ الْكَرْخِ دُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِبَابِ الْبَصْرَةِ، وَنُهِبَتْ دَارُ قَاضِي الْقُضَاةِ الدامغانيّ، وتملك أكثر السجلات والكتب الحكمية، وبيعت للعطارين، ونهبت دور المتعلقين بخدمة الخليفة، وَأَعَادَتِ الرَّوَافِضُ الْأَذَانَ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وأذن به في سائر نواحي بغداد في الجمعات والجماعات وخطب ببغداد للخليفة المستنصر العبيدي، على منابرها وغيرها، وَضُرِبَتْ لَهُ السِّكَّةُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَحُوصِرَتْ دار الخلافة، فجاحف الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمُسْلِمَةِ الْمُلَقَّبُ بِرَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْتَخْدِمِينَ دُونَهَا فَلَمْ يَفِدْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَرَكِبَ الْخَلِيفَةُ بِالسَّوَادِ وَالْبُرْدَةِ، وَعَلَى رَأْسِهِ اللِّوَاءُ وَبِيَدِهِ سَيْفٌ مُصَلَّتٌ، وَحَوْلَهُ زمرة من العباسيين وَالْجَوَارِي حَاسِرَاتٍ عَنْ وُجُوهِهِنَّ، نَاشِرَاتٍ شُعُورَهُنَّ، مَعَهُنَّ الْمَصَاحِفُ عَلَى رُءُوسِ الرِّمَاحِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْخَدَمُ بالسيوف، ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ أَخَذَ ذِمَامًا مِنْ أَمِيرِ العرب قريش ليمنعه وَأَهْلِهِ وَوَزِيرِهِ ابْنِ الْمُسْلِمَةِ، فَأَمَّنَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَنْزَلَهُ فِي خَيْمَةٍ، فَلَامَهُ الْبَسَاسِيرِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ وَقَعَ الاتفاق عليه بيني وبينك، من أنك لا تبت بِرَأْيِ دُونِي، وَلَا أَنَا دُونَكَ، وَمَهْمَا مَلَكْنَا بيني وبينك. ثم إن البساسيري أخذ القاسم بن مسلمة
فوبخه توبيخا مفضحا، وَلَامَهُ لَوْمًا شَدِيدًا، ثُمَّ ضَرَبَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا، وَاعْتَقَلَهُ مُهَانًا عِنْدَهُ، وَنَهَبَتِ الْعَامَّةُ دَارَ الْخِلَافَةِ، فَلَا يُحْصَى مَا أَخَذُوا مِنْهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ والنفائس، والديباج والذهب والفضة، والثياب والأثاث، والدواب وغير ذلك، مما لا يحد ولا يوصف. ثم اتفق رأى البساسيري وقريش على أن يسيروا الخليفة إِلَى أَمِيرِ حَدِيثَةِ عَانَةَ، وَهُوَ مُهَارِشُ بْنُ مجلى الندوى، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمِّ قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ، وكان رجلا فيه دين وله مروأة. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ دَخَلَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ فَلَمْ يَفِدْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَسَيَّرَهُ مَعَ أَصْحَابِهِمَا فِي هَوْدَجٍ إلى حديثة عانة، فكان عند مهارش حَوْلًا كَامِلًا، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، فحكى عن الخليفة أَنَّهُ قَالَ لَمَّا كُنْتُ بِحَدِيثَةِ عَانَةَ قُمْتُ لَيْلَةً إِلَى الصَّلَاةِ فَوَجَدْتُ فِي قَلْبِي حَلَاوَةَ المناجاة، ثم دعوت الله عز وجل بِمَا سَنَحَ لِي، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهمّ أَعِدْنِي إِلَى وَطَنِي، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي وَوَلَدِي، وَيَسِّرِ اجْتِمَاعَنَا، وَأَعِدْ رَوْضَ الْأُنْسِ زَاهِرًا، وَرَبْعَ القرب عامرا، وفلفل العزا وبرج الجفا، قَالَ: فَسَمِعْتُ قَائِلًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ يَقُولُ: نَعَمْ نَعَمْ، فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ يُخَاطِبُ آخَرُ، ثُمَّ أَخَذْتُ فِي السُّؤَالِ وَالِابْتِهَالِ، فَسَمِعْتُ ذَلِكَ الصائح يقول: إلى الحول إلى الحول، فقلت: أَنَّهُ هَاتِفٌ أَنْطَقَهُ اللَّهُ بِمَا جَرَى الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ دَارِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَرَجَعَ إِلَيْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَقَدْ قال الخليفة القائم بأمر الله في مدة مَقَامِهِ بِالْحَدِيثَةِ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ حَالَهُ فَمِنْهُ:
ساءت ظُنُونِي فِيمَنْ كُنْتُ آمُلُهُ
…
وَلَمْ يَجُلْ ذِكْرُ من والبيت فِي خَلَدِي
تَعَلَّمُوا مِنْ صُرُوفِ الدَّهْرِ كُلُّهُمُ
…
فما أرى أحدا يحنو على أحد
فما أرى من الأيام إلا موعدا
…
فمتى أرى ظفري بِذَاكَ الْمَوْعِدِ
يَوْمِي يَمُرُّ وَكُلَّمَا قَضَّيْتُهُ
…
عَلَّلْتُ نفسي بالحديث إلى غد
أقبح بِنَفْسٍ تَسْتَرِيحُ إَلَى الْمُنَى
…
وَعَلَى مَطَامِعِهَا تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
وَأُمًّا الْبَسَاسِيرِيُّ وَمَا اعْتَمَدَهُ فِي بَغْدَادَ: فَإِنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ عِيدِ الْأَضْحَى وَأَلْبَسَ الْخُطَبَاءَ والمؤذنين البياض، وكذلك أصحابه، وعلى رأسه الألوية المصرية، وخطب للخليفة المصري، والروافض في غاية السرور، والأذان بسائر الْعِرَاقِ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَانْتَقَمَ الْبَسَاسِيرِيُّ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ بَغْدَادَ انْتِقَامًا عَظِيمًا، وَغَرَّقَ خَلْقًا مِمَّنْ كَانَ يُعَادِيهِ، وَبَسَطَ عَلَى آخَرِينَ الأرزاق ممن كان يحبه ويواليه، وأظهر العدل. ولما كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ ذِي الحجة أحضر إلى بين يديه الوزير ابن المسلمة الملقب رئيس الرُّؤَسَاءِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ، وَطُرْطُورٌ مِنْ لِبْدٍ أَحْمَرَ، وَفِي رَقَبَتِهِ مِخْنَقَةٌ مِنْ جُلُودٍ كَالتَّعَاوِيذِ، فأركب جملا أحمر وَطِيفَ بِهِ فِي الْبَلَدِ، وَخَلْفَهُ مَنْ يَصْفَعُهُ بقطعة جِلْدٍ، وَحِينَ اجْتَازَ بِالْكَرْخِ نَثَرُوا عَلَيْهِ خُلْقَانَ الْمُدَاسَاتِ، وَبَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَعَنُوهُ وَسَبُّوهُ، وَأُوقِفَ بِإِزَاءِ دَارِ الْخِلَافَةِ وَهُوَ