الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ بِبَغْدَادَ، وَأَنَا ابْنُ عَشَرٍ تقريبا، ونقل أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفْرَاوِيُّ أَنَّهُ قَالَ: مَوْلِدِي بِالتَّخْمِينِ لَا بِالْيَقِينِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعَيْنِ، فَيَكُونُ مَبْلَغُ عُمْرِهِ ثَمَانِيًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ خَامِسَ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وخمسمائة بثغر الاسكندرية والله أعلم، ودفن بوعلة، وفيها جماعة من الصالحين. وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ خَلِّكَانَ قَوْلَ الصَّفْرَاوِيِّ، قَالَ ولم يبلغنا من ثلاثمائة أَنَّ أَحَدًا جَاوَزَ الْمِائَةَ إِلَّا الْقَاضِي أَبَا الطيب الطبري، وقد ترجمه ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ تَرْجَمَةً حَسَنَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ بِخَمْسِ سِنِينَ، فَذَكَرَ رِحْلَتَهُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ وَدَوَرَانَهُ فِي الْأَقَالِيمِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَصَوَّفُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَامَ بِثَغْرِ الاسكندرية وتزوج بامرأة ذات يسار، فحسنت حاله، وبنت عَلَيْهِ مَدْرَسَةً هُنَاكَ، وَذَكَرَ طَرَفًا مِنْ أَشْعَارِهِ منها قوله:
أتأمن إِلْمَامَ الْمَنِيَّةِ بَغْتَةً
…
وَأَمْنُ الْفَتَى جَهْلٌ وَقَدْ خَبَرَ الدَّهْرَا
وَلَيْسَ يُحَابِي الدَّهْرُ فِي دَوَرَانِهِ
…
أَرَاذِلَ أَهْلِيهِ وَلَا السَّادَةَ الزُّهْرَا
وَكَيْفَ وَقَدْ مَاتَ النَّبِيُّ وَصَحْبُهُ
…
وَأَزْوَاجُهُ طُرًّا وَفَاطِمَةُ الزَّهْرَا
وله أيضا:
يا قاصدا علم الحديث لدينه
…
إِذْ ضَلَّ عَنْ طُرُقِ الْهِدَايَةِ وَهْمُهُ
إِنَّ الْعُلُومَ كَمَا عَلِمْتَ كَثيرَةٌ
…
وَأَجَلُّهَا فِقْهُ الْحَدِيثِ وَعِلْمُهُ
مَنْ كَانَ طَالِبَهُ وَفِيهِ تَيَقُّظٌ
…
فَأَتَمُّ سَهْمٍ فِي الْمَعَالِي سَهْمُهُ
لَوْلَا الْحَدِيثُ وَأَهْلُهُ لَمْ يَسْتَقِمْ
…
دِينُ النَّبِيِّ وَشَذَّ عَنَّا حُكْمُهُ
وإذا استراب بقولنا متحذلق
…
ما كل فَهْمٍ فِي الْبَسِيطَةِ فَهْمُهُ
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سبع وسبعين وخمسمائة
استهلت وصلاح الدين مقيم بالقاهرة مواظب على سماع الحديث، وجاءه كتاب من نائبة بالشام عز الدين فروخ شاه يخبره فيه بما من الله به على الناس من ولادة النساء بالتوأم جبرا لما كان أصابهم من الوباء بالعام الماضي والفناء، وبأن الشام مخصبة باذن الله لما كان أصابهم من الغلاء. وَفِي شَوَّالٍ تَوَجَّهَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى الاسكندرية لينظر مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ تَحْصِينِ سُورِهَا وَعِمَارَةِ أبراجها وقصورها، وسمع بها موطأ مَالِكٍ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي طَاهِرِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ الطَّرْطُوشِيِّ، وَسَمِعَ مَعَهُ الْعِمَادَ الْكَاتِبَ، وَأَرْسَلَ القاضي الفاضل رسالة إلى السلطان يهنئه بهذا السماع.
ذكر وفاة الملك الصالح بن نور الدين الشهيد «صَاحِبِ حَلَبَ وَمَا جَرَى بَعْدَهُ مِنَ الْأُمُورِ»
كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِقَلْعَةِ حَلَبَ، وَدُفِنَ بِهَا، وَكَانَ سَبَبُ وَفَاتِهِ فِيمَا قِيلَ أَنَّ الْأَمِيرَ علم الدين سليمان بن حيدر سَقَاهُ سُمًّا فِي عُنْقُودِ عِنَبٍ فِي الصَّيْدِ، وقيل
بل سقاه ياقوت الأسدي في شراب فَاعْتَرَاهُ قُولَنْجٌ فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ شَابٌّ حَسَنُ الصُّورَةِ، بَهِيُّ الْمَنْظَرِ، وَلَمْ يَبْلُغْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ أَعِفِّ الْمُلُوكِ وَمَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، وَصَفَ لَهُ الأطباء في مرضه شرب الخمر فاستفتي الفقهاء في شربها تداويا فأفتوه بذلك، فقال: أَيُزِيدُ شُرْبُهَا فِي أَجَلِي أَوْ يُنْقِصُ مِنْهُ تركها شيئا؟ قالوا: لا قال: فو الله لا أشربها وألقى اللَّهَ وَقَدْ شَرِبْتُ مَا حَرَّمَهُ عَلَيَّ. وَلَمَّا يئس من نفسه استدعا الْأُمَرَاءَ فَحَلَّفَهُمْ لِابْنِ عَمِّهِ عِزِّ الدِّينِ مَسْعُودٍ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، لِقُوَّةِ سُلْطَانِهِ وَتُمَكُّنِهِ، لِيَمْنَعَهَا مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ، وَخَشِيَ أَنْ يُبَايِعَ لِابْنِ عَمِّهِ الْآخَرِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيٍّ، صَاحِبِ سِنْجَارَ، وَهُوَ زَوْجُ أُخْتِهِ وَتَرْبِيَةُ وَالِدِهِ، فَلَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ، فَلَمَّا مَاتَ اسْتَدْعَى الْحَلَبِيُّونَ عِزَّ الدِّينِ مَسْعُودَ بْنَ قُطْبِ الدِّينِ، صَاحِبَ الْمَوْصِلِ، فَجَاءَ إِلَيْهِمْ فَدَخَلَ حَلَبَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَذَلِكَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَتَسَلَّمَ خَزَائِنَهَا وَحَوَاصِلَهَا. وَمَا فِيهَا من السلاح، وكان تقى الدين عمه في مدينة مَنْبِجَ فَهَرَبَ إِلَى حَمَاةَ فَوَجَدَ أَهْلَهَا قَدْ نادوا بشعار صاحب الموصل وأطمع الحلبيون مسعودا بأخذ دمشق لغيبة صلاح الدين عنها، وَأَعْلَمُوهُ مَحَبَّةَ أَهْلِ الشَّامِ لِهَذَا الْبَيْتِ الْأَتَابِكِيِّ نور الدين، فقال لهم: بيننا وبين صلاح الدين أيمان وعهود، وأنا لا أَغْدِرُ بِهِ، فَأَقَامَ بِحَلَبَ شُهُورًا وَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الْمَلِكِ الصَّالِحِ فِي شَوَّالٍ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الرقة فنزلها وجاءه رُسُلُ أَخِيهِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيٍّ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُقَايِضَهُ مِنْ حَلَبَ إِلَى سِنْجَارَ، وَأَلَحَّ عليه في ذلك، وتمنع أخوه ثم فعل على كره منه، فسلم إليه حلب وتسلم عز الدِّينِ سِنْجَارَ وَالْخَابُورَ وَالرَّقَّةَ وَنَصِيبِينَ وَسَرُوجَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ.
وَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ رَكِبَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي عَسَاكِرِهِ فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْفُرَاتَ فَعَبَرَهَا، وخامر إليه بعض أمراء صاحب الموصل، وتقهقر صاحب الموصل عن لقائه، واستحوذ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى بِلَادِ الْجَزِيرَةِ بِكَمَالِهَا، وَهُمْ بمحاصرة الموصل فلم يتفق له ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَلَبَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ عماد الدين زنكي لضعفه عن ممانعتها، ولقلة مَا تَرَكَ فِيهَا عِزُّ الدِّينِ مِنَ الْأَسْلِحَةِ، وذلك في السنة الآتية.
وفيها عزم البرنس صاحب الكرك عَلَى قَصْدِ تَيْمَاءَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، لِيَتَوَصَّلَ منها إلى المدينة النبويّة، فجهز له صلاح الدين سَرِيَّةٌ مِنْ دِمَشْقَ تَكُونُ حَاجِزَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحجاز، فصده ذلك عن قصده. وَفِيهَا وَلَّى السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ أَخَاهُ سَيْفَ الْإِسْلَامِ ظَهِيرَ الدِّينِ طُغْتِكِينَ بْنَ أَيُّوبَ نِيَابَةَ اليمن، وَأَرْسَلَهُ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ نُوَّابِهَا وَاضْطِرَابِ أَصْحَابِهَا، بعد وفاة المعظم أخى السلطان، فسار إليها طغتكين فَوَصَلَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ، فَسَارَ فِيهَا أحسن سيرة، واحتاط على أموال حطان بن منقذ صاحب زَبِيدَ، وَكَانَتْ تُقَارِبُ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا نَائِبُ عَدَنَ فَخْرُ الدِّينِ عُثْمَانُ [الزنجبيلى] فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْيَمَنِ قَبْلَ قُدُومِ طُغْتِكِينَ فَسَكَنَ الشَّامَ، وَلَهُ أَوْقَافٌ مَشْهُورَةٌ