الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالبصرة مدة، وسمع بها من عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ فَاسْتَوْطَنَهَا، وَكَانَ ثِقَةً فِي نَفْسِهِ، كَثِيرَ الفضائل. ومن شعره الحسن:
لَمَّا تَبَدَّلَتِ الْمَجَالِسُ أَوْجُهًا
…
غَيْرَ الَّذِينَ عَهِدْتُ مِنْ عُلَمَائِهَا
وَرَأَيْتُهَا مَحْفُوفَةً بِسِوَى الْأُولَى
…
كَانُوا وُلَاةَ صُدُورِهَا وَفَنَائِهَا
أَنْشَدْتُ بَيْتًا سَائِرًا مُتَقَدِّمًا
…
وَالْعَيْنُ قَدْ شَرِقَتْ بِجَارِي مَائِهَا
أَمَّا الْخِيَامُ فَإِنَّهَا كَخِيَامِهِمْ
…
وَأَرَى نِسَاءَ الْحَيِّ غَيْرَ نِسَائِهَا
ومن شعره أيضا:
تَصَدَّرَ لِلتَّدْرِيسِ كُلُّ مُهَوَّسٍ
…
بَلِيدٍ تَسَمَّى بِالْفَقِيهِ الْمُدَرِّسِ
فَحَقٌّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَتَمَثَّلُوا
…
بِبَيْتٍ قَدِيمٍ شَاعَ فِي كُلِّ مَجْلِسِ
لَقَدْ هُزِلَتْ حَتَّى بَدَا مِنْ هُزَالِهَا
…
كُلَاهَا وَحَتَّى سَامَهَا كُلُّ مُفْلِسِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ محمد الصباغ
الفقيه الشافعيّ، وليس بصاحب الشامل، ذاك متأخر وهذا من تلاميذ أبى حامد الأسفراييني، كانت لَهُ حَلْقَةٌ لِلْفَتْوَى بِجَامِعِ الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ عِنْدَ قاضى القضاة الدَّامَغَانِيِّ الْحَنَفِيِّ فَقَبِلَهُ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنِ ابن شاهين وغيره، وكان ثقة جليل القدر.
هلال بن المحسن
ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ هِلَالٍ، أَبُو الْخَيْرِ الْكَاتِبُ الصَّابِئُ، صَاحِبُ التَّارِيخِ، وَجَدُّهُ أَبُو إِسْحَاقَ الصَّابِئُ صَاحِبُ الرسائل، وكان أبوه صابئيا أيضا، أسلم هلال هذا متأخرا، وحسن إسلامه، وقد سَمِعَ فِي حَالِ كَفْرِهِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَشَايِخِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِمْ يَطْلُبُ الأدب، فلما أسلم نفعه ذلك، وكان ذلك سَبَبَ إِسْلَامِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: بِسَنَدِهِ مُطَوَّلًا، أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ مِرَارًا يَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَيَأْمُرُهُ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ رَجُلٌ عَاقِلٌ، فَلِمَ تَدَعُ دِينَ الْإِسْلَامِ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ؟ وَأَرَاهُ آيَاتٍ فِي الْمَنَامِ شَاهَدَهَا فِي الْيَقَظَةِ، فمنها أنه قال له:
إن امرأتك حامل بولد ذكر، فَسَمِّهِ مُحَمَّدًا، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا، فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، وَكَنَّاهُ أبا الحسن، في أشياء كثيرة سردها ابن الجوزي، فأسلم وحسن إسلامه، وكان صدوقا. توفى عن تسعين سنة، منها في الإسلام نيف وأربعون سنة.
ثم دخلت سنة تسع وأربعين وأربعمائة
فِيهَا كَانَ الْغَلَاءُ وَالْفَنَاءُ مُسْتَمِرَّيْنِ بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، بِحَيْثُ خَلَتْ أَكْثَرُ الدُّورِ وَسُدَّتْ على أهلها أبوابها بما فيها، وأهلها موتى فيها، ثم صار المار في الطريق لا يلقى الواحد بعد الواحد وأكل الناس الجيف والنتن مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ، وَوُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فَخْذُ كلب قد أخضر وشوى رجل صبية
في الأتون وأكلها، فقيل وسقط طائر ميت من حائط فاحتوشته خَمْسَةُ أَنْفُسٍ فَاقْتَسَمُوهُ وَأَكَلُوهُ، وَوَرَدَ كِتَابٌ مِنْ بُخَارَى أَنَّهُ مَاتَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمِنْ مُعَامَلَتِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ إِنْسَانٍ، وَأُحْصِيَ من مات في هذا الوباء من تلك البلاد إلى يوم كتب فيه هذا الكتاب بِأَلْفِ أَلْفٍ، وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَ إِنْسَانٍ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَسْوَاقًا فَارِغَةً وَطُرُقَاتٍ خَالِيَةً، وَأَبْوَابًا مُغْلَقَةً، ووحشة وعدم أنس. حَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ: وَجَاءَ الْخَبَرُ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ وَتِلْكَ الْبِلَادِ بِالْوَبَاءِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّهُ لَمْ يسلم من تلك البلاد إلا العدد اليسير جدا. قال: ووقع وباء بالأهواز وبواط وأعمالها وغيرها، حتى طبق البلاد، وكان أكثر سبب ذلك الجوع، كَانَ الْفُقَرَاءُ يَشْوُونَ الْكِلَابَ وَيَنْبُشُونَ الْقُبُورَ وَيَشْوُونَ الْمَوْتَى وَيَأْكُلُونَهُمْ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ شُغْلٌ فِي اللَّيْلِ والنهار إلا غسل الأموات وتجهيزهم ودفنهم، فكان يحفر الحفير فيدفن فيه العشرون والثلاثون، وكان الإنسان بينما هو جالس إذا انشق قلبه عن دم المهجة، فيخرج منه إلى الفم قَطْرَةٌ فَيَمُوتُ الْإِنْسَانُ مِنْ وَقْتِهِ، وَتَابَ النَّاسُ وتصدقوا بأكثر أموالهم فلم يجدوا أحدا يقبل منهم، وكان الفقير تعرض عليه الدنانير الكثيرة والدراهم والثياب فيقول: أنا أريد كسرة أريد ما يسد جوعي، فلا يجد ذلك، وأراق الناس الخمور وكسروا آلات اللهو، ولزموا المساجد للعبادة وقراءة الْقُرْآنِ، وَقَلَّ دَارٌ يَكُونُ فِيهَا خَمْرٌ إِلَّا مَاتَ أَهْلُهَا كُلُّهُمْ، وَدُخِلَ عَلَى مَرِيضٍ لَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ فِي النَّزْعِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مَكَانٍ فَوَجَدُوا فِيهِ خَابِيَةً مِنْ خَمْرٍ فَأَرَاقُوهَا فمات من وقته بسهولة، ومات رجل في مسجد فوجدوا معه خمسين ألف درهم، فعرضت على الناس فَلَمْ يَقْبَلْهَا أَحَدٌ فَتُرِكَتْ فِي الْمَسْجِدِ تِسْعَةَ أيام لا يريدها أحد، فلما كان بعد ذلك دخل أربعة ليأخذوها فماتوا عليها، فلم يخرج من المسجد منهم أحد حي، بل ماتوا جميعا. وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ يَشْتَغِلُ عَلَيْهِ سَبْعُمِائَةِ مُتَفَقِّهٍ، فَمَاتَ وَمَاتُوا كلهم إلا اثنى عشر نفرا منهم، ولما اصطلح السلطان دبيس بن على رَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ فَوَجَدَهَا خَرَابًا لِقِلَّةِ أَهْلِهَا من الطاعون، فأرسل رسولا منهم إلى بعض النواحي فتلقاه طائفة فقتلوه وشووه وَأَكَلُوهُ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ احْتَرَقَتْ قَطِيعَةُ عِيسَى وَسُوقُ الطَّعَامِ وَالْكَنِيسُ، وَأَصْحَابُ السَّقْطِ وَبَابُ الشعير، وسوق العطارين وسوق العروس والانماطيين والخشابين والجزارين والتمارين، والقطيعة وسوق مخول ونهر الزجاج وَسُوَيْقَةُ غَالِبٍ وَالصَّفَّارِينَ وَالصَّبَّاغِينَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ المواضع، وهذه مصيبة أخرى إلى ما بالناس من الجوع والغلاء والفناء، ضعف الناس حتى طغت النار فعملت أعمالها،، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2:156. وَفِيهَا كَثُرَ الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَادَ، وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ جِهَارًا، وَكَبَسُوا الدُّورَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَكُبِسَتْ دَارُ أَبِي جعفر الطوسي متكلم الشيعة، وأحرقت كتبه ومآثره، ودفاتره التي كان يستعملها في ضلالته وبدعته، ويدعو إليها أهل