الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك قتل صَلَاحُ الدِّينِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالُ له قديد القفاجى، كان قَدِ افْتَتَنَ بِهِ النَّاسُ، وَجَعَلُوا لَهُ جُزْءًا مِنْ أَكْسَابِهِمْ، حَتَّى النِّسَاءُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ، فَأُحِيطَ به فأراد القفاجى الخلاص ولات حين مناص، فقتل أسوة فيمن سلف، وَمِمَّا وُجِدَ مِنْ شِعْرِ عُمَارَةَ يَرْثِي الْعَاضِدَ ودولته وأيامه.
أسفى على زمان الْإِمَامِ الْعَاضِدِ
…
أَسَفُ الْعَقِيمِ عَلَى فِرَاقِ الْوَاحِدِ
لَهْفِي عَلَى حُجُرَاتِ قَصْرِكَ إِذْ خَلَتْ
…
يَا ابْنَ النَّبِيِّ مِنَ ازْدِحَامِ الْوَافِدِ
وَعَلَى انْفِرَادِكَ من عساكرك التي
…
كانوا كأمواج الخضم الراكد
قلدت مؤتمن أَمْرَهُمْ فَكَبَا
…
وَقَصَّرَ عَنْ صَلَاحِ الْفَاسِدِ
فَعَسَى الليالي أن ترد إليكم
…
مَا عَوَّدَتْكُمْ مِنْ جَمِيلِ عَوَائِدِ
وَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ قَصِيدَةٍ:
يَا عَاذِلِي فِي هَوَى أَبْنَاءِ فَاطِمَةٍ
…
لَكَ الْمَلَامَةُ إِنْ قَصَّرْتَ فِي عَذْلِي
باللَّه زر ساحة القصرين وابك معى
…
لا على صفين [البكا] ولا الجمل
وَقُلْ لِأَهْلِهِمَا وَاللَّهِ مَا الْتَحَمَتْ
…
فَيكُمْ قُرُوحِي وَلَا جُرْحِي بِمُنْدَمِلِ
مَاذَا تَرَى كَانَتِ الْإِفْرِنْجُ فاعلة
…
في نسل ابني أمير المؤمنين على
وقد أورد له الشيخ أبو شامة في الروضتين أشعارا كثيرة من مدائحه في الفاطميين، وكذا ابن خلكان.
ابن قسرول
صاحب كتاب مطالع الأنوار، وضعه على كِتَابِ مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ بِلَادِهِ وَفُضَلَائِهِمُ الْمَشْهُورِينَ، مَاتَ فَجْأَةً بَعْدَ صلاة الجمعة سادس شوال منها عَنْ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً قَالَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ والله سبحانه وتعالى أعلم.
هُوَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ نُورُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ الْمَلِكِ الْأَتَابِكِ قَسِيمِ الدَّوْلَةِ عِمَادِ الدِّينِ أَبِي سَعِيدٍ زَنْكِيٍّ الْمُلَقَّبِ بِالشَّهِيدِ بن الملك آقسنقر الاتابك الملقب بقسيم الدولة التُّرْكِيُّ السَّلْجُوقِيُّ مَوْلَاهُمْ، وُلِدَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِحَلَبَ، وَنَشَأَ فِي كَفَالَةِ وَالِدِهِ صَاحِبِ حَلَبَ وَالْمَوْصِلِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ البلدان الكثيرة الكبيرة، وتعلم القرآن
والفروسية وَالرَّمْيَ، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا ذَا هِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وقصد صالح، وحرمة وافرة وديانة بينة، فَلَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ جَعْبَرَ كَمَا ذَكَرْنَا، صَارَ الْمُلْكُ بِحَلَبَ إلى ابنه نور الدين هَذَا، وَأَعْطَاهُ أَخُوهُ سَيْفُ الدِّينِ غَازِيٌّ الْمَوْصِلَ، ثم تقدم، ثم افتتح دِمَشْقَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ فَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا وَبَنَى لَهُمُ الْمَدَارِسَ وَالْمَسَاجِدَ وَالرُّبُطَ، وَوَسَّعَ لهم الطرق على المارة، وبنى عليها الرصافات ووسع الأسواق، ووضع المكوس بدار الغنم والبطيخ وَالْعَرْصَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ يُحِبُّ العلماء والفقراء ويكرمهم ويحترمهم، ويحسن إليهم، وكان يقوم فِي أَحْكَامِهِ بِالْمَعْدِلَةِ الْحَسَنَةِ، وَاتِّبَاعِ الشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ، وَيَعْقِدُ مَجَالِسَ الْعَدْلِ وَيَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ في ذلك الْقَاضِي وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُفْتُونَ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ، وَيَجْلِسُ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ بِالْمَسْجِدِ الْمُعَلَّقِ، الَّذِي بِالْكُشْكِ، لِيَصِلَ إِلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذمة، حتى يساويهم، وَأَحَاطَ السُّورَ عَلَى حَارَةِ الْيَهُودِ، وَكَانَ خَرَابًا، وأغلق باب كسان وفتح باب الفرج، ولم يكن هناك قبله بَابٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَظْهَرَ بِبِلَادِهِ السُّنَّةَ وَأَمَاتَ الْبِدْعَةَ، وَأَمَرَ بِالتَّأْذِينِ بِحَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِهِمَا فِي دَوْلَتِي أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُؤَذَّنُ بِحَيِّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ لِأَنَّ شِعَارَ الرَّفْضِ كَانَ ظَاهِرًا بِهَا، وَأَقَامَ الْحُدُودَ وَفَتَحَ الْحُصُونَ، وَكَسَرَ الْفِرِنْجَ مرارا عديدة، وَاسْتَنْقَذَ مِنْ أَيْدِيهِمْ مَعَاقِلَ كَثِيرَةً مِنَ الْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ، الَّتِي كَانُوا قَدِ اسْتَحْوَذُوا عَلَيْهَا مِنْ معاقل الْمُسْلِمِينَ، كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي السِّنِينَ المتقدمة، وأقطع الْعَرَبِ إِقْطَاعَاتٍ لِئَلَّا يَتَعَرَّضُوا لِلْحَجِيجِ، وَبَنَى بِدِمَشْقَ مارستانا لَمْ يُبْنَ فِي الشَّامِ قَبْلَهُ مِثْلُهُ وَلَا بَعْدَهُ أَيْضًا، وَوَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَنْ يُعَلِّمُ الأيتام الخط والقراءة، وجعل لهم نفقة وكسوة، وعلى المجاورين بالحرمين وله أوقاف دارة على جميع أبواب الخير، وعلى الأرامل والمحاويج، وكان الجامع دائرا فَوَلَّى نَظَرَهُ الْقَاضِيَ كَمَالَ الدَّيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الشَّهْرُزُورِيَّ الْمَوْصِلِيَّ، الَّذِي قُدِمَ بِهِ فولاه قضاء قضاة دمشق، فَأَصْلَحَ أُمُورَهُ وَفَتَحَ الْمَشَاهِدَ الْأَرْبَعَةَ، وَقَدْ كَانَتْ حواصل الجامع بها من حين احترقت في سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَأَضَافَ إِلَى أَوْقَافِ الْجَامِعِ الْمَعْلُومَةِ الْأَوْقَافَ الَّتِي لَا يُعْرَفُ وَاقِفُوهَا، وَلَا يُعْرَفُ شُرُوطُهُمْ فِيهَا، وَجَعَلَهَا قَلَمًا وَاحِدًا، وسمى مال المصالح، ورتب عَلَيْهِ لِذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ وما أشبه ذلك. وقد كان رحمه الله حَسَنَ الْخَطِّ كَثِيرَ الْمُطَالَعَةِ لِلْكُتُبِ الدِّينِيَّةِ، مُتَّبِعًا لِلْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ، مُحَافِظًا عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ، كَثِيرَ التِّلَاوَةِ مُحِبًّا لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ، عَفِيفَ الْبَطْنِ والفرج مقتصدا في الإنفاق على نفسه وعياله في المطعم والملبس، حتى قيل: إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلا نفقة منه من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا، ولم يسمع مِنْهُ كَلِمَةُ فُحْشٍ قَطُّ، فِي غَضَبٍ وَلَا رضى، صموتا وقورا. قال ابن الأثير: لَمْ يَكُنْ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ، وَلَا أَكْثَرُ تَحَرِّيًا للعدل والإنصاف منه، وَكَانَتْ لَهُ دَكَاكِينُ بِحِمْصَ قَدِ اشْتَرَاهَا مِمَّا يخصه من المغانم،
فكان يقتات منها، وزاد امرأته من كراها على نفقتها عليها، واستفتى العلماء في مقدار ما يحل له من بيت المال فكان يتناوله ولا يزيد عليه شيئا، ولو مات جوعا، وكان يكثر اللعب بالكرة فعاتبه رجل من كبار الصالحين في ذلك فقال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما أريد بذلك تمرين الخيل على الكر والفر، وتعليمها ذلك، ونحن لا نترك الجهاد، وكان لا يلبس الحرير، وكان يأكل من كسب يده بسيفه ورمحه، وَرَكِبَ يَوْمًا مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَالشَّمْسُ فِي ظهورهما والظل بين أيديهما بَيْنَ أَيْدِيهِمَا لَا يُدْرِكَانِهِ ثُمَّ رَجَعَا فَصَارَ الظل وراءهما ثم ساق نور الدين فرسه سوقا عنيفا وظله يتبعه، فقال لصاحبه: أتدري ما شبهت هذا الّذي نحن فيه؟ شبهته بِالدُّنْيَا تَهْرُبُ مِمَّنْ يَطْلُبُهَا، وَتَطْلُبُ مَنْ يَهْرُبُ مِنْهَا، وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى:
مثل الرزق الّذي تطلبه
…
مثل الظل يمشى معك
أنت لا تدركه مستعجلا
…
فَإِذَا وَلَّيْتَ عَنْهُ تَبِعَكْ
وَكَانَ فَقِيهًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَأَسْمَعَهُ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ مِنْ وَقْتِ السَّحَرِ إِلَى أَنْ يَرْكَبَ:
جَمَعَ الشَّجَاعَةَ وَالْخُشُوعَ لَدَيْهِ
…
مَا أحسن الشجعان فِي الْمِحْرَابِ
وَكَذَلِكَ كَانَتْ زَوْجَتُهُ عِصْمَتُ الدِّينِ خاتون بنت الاتابك معين الدين تكثر القيام في اللَّيْلِ فَنَامَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ عَنْ وِرْدِهَا فَأَصْبَحَتْ وهي غضبى، فسألها نور الدين عن أمرها فذكرت نومها الّذي فوت عليها وردها، فأمر نور الدين عند ذلك بضرب طبلخانة في القلعة وقت السحر لتوقظ النائم ذلك الوقت لقيام الليل، وأعطى الضارب على الطبلخانة أجرا جزيلا، وجراية كثيرة
فألبس اللَّهُ هَاتِيكَ الْعِظَامَ وَإِنْ
…
بَلِينَ تَحْتَ الثَّرَى عَفْوًا وَغُفْرَانَا
سَقَى ثَرًى أُودِعُوهُ رَحْمَةً مَلَأَتْ
…
مَثْوَى قُبُورِهِمُ رَوْحًا وَرَيْحَانَا
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ أن الملك نور الدين بينما هو ذات يوم يَلْعَبُ بِالْكُرَةِ إِذْ رَأَى رَجُلًا يُحَدِّثُ آخَرَ ويومئ إلى نور الدين، فَبَعَثَ الْحَاجِبَ لِيَسْأَلَهُ مَا شَأْنُهُ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مَعَهُ رَسُولٌ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ يزعم أن له على نور الدين حقا يريد أن يحاكمه عند القاضي، فلما رجع الحاجب إلى نور الدين وأعلمه بِذَلِكَ أَلْقَى الْجُوكَانَ مِنْ يَدِهِ، وَأَقْبَلَ مَعَ خصمه ماشيا إلى القاضي الشهرزوريّ، وأرسل نور الدين إلى القاضي أَنْ لَا تُعَامِلَنِي إِلَّا مُعَامَلَةَ الْخُصُومِ، فَحِينَ وصلا وقف نور الدين مع خصمه بين يدي القاضي، حتى انفصلت الخصومة والحكومة، ولم يثبت للرجل على نور الدين حق، بل ثبت الحق للسلطان على الرجل، فَلَمَّا تَبَيَّنَ ذَلِكَ قَالَ السُّلْطَانُ إِنَّمَا جِئْتُ مَعَهُ لِئَلَّا يَتَخَلَّفَ أَحَدٌ عَنِ الْحُضُورِ إِلَى الشرع إذا دعي إليه، فإنما نحن معاشر الحكام أعلانا وأدنانا شجنكية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولشرعه
فنحن قائمون بين يديه طوع مراسيمه، فما أمر به امتثلناه، وما نهانا عنه اجتنبناه، وأنا أعلم أنه لاحق للرجل عِنْدِي، وَمَعَ هَذَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ مَلَّكْتُهُ ذلك الّذي ادعى به ووهبته له. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ ابْتَنَى دارا للعدل، وكان يجلس فيها في الأسبوع مرتين، وقيل أربع مرات، وقيل خمس. ويحضر القاضي والفقهاء من سائر المذاهب، ولا يحجبه يومئذ حاجب ولا غيره بل يصل إليه القوى والضعيف، فكان يكلم الناس ويستفهمهم ويخاطبهم بنفسه، فيكشف المظالم، وينصف المظلوم من الظالم، وكان سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَسَدَ الدِّينِ شِيرَكُوهْ بْنَ شادى كان قد عظم شأنه عند نور الدين، حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الْمَمْلَكَةِ، وَاقْتَنَى الأملاك والأموال والمزارع والقرى، وكان ربما ظلم نوابه جيرانه في الأراضي والأملاك العدل، وَكَانَ الْقَاضِي كَمَالُ الدِّينِ يُنْصِفُ كُلَّ مَنِ اسْتَعْدَاهُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَرَاءِ إِلَّا أَسَدَ الدِّينِ هذا فما كان يهجم عليه، فلما ابتنى نُورُ الدِّينِ دَارَ الْعَدْلِ تَقَدَّمَ أَسَدُ الدِّينِ إِلَى نُوَّابِهِ أَنْ لَا يَدَعُوَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ ظلامة، وإن كانت عظيمة، فان زوال ماله عنده أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرَاهُ نُورُ الدِّينِ بِعَيْنِ ظَالِمٍ، أَوْ يُوقِفَهُ مَعَ خَصْمٍ مِنَ الْعَامَّةِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا جَلَسَ نُورُ الدِّينِ بدار العدل مدة متطاولة ولم ير أحدا يستعدى على أسد الدين، سأل الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ فَأَعْلَمَهُ بِصُورَةِ الْحَالِ، فَسَجَدَ نُورُ الدِّينِ شُكْرًا للَّه، وَقَالَ الْحَمْدُ للَّه الّذي أصحابنا ينصفون من أنفسهم.
وأما شجاعته فيقال: إنه لم ير على ظهر فرس قط أشجع ولا أثبت منه، وكان حسن اللعب بالكرة وكان ربما ضَرَبَهَا ثُمَّ يَسُوقُ وَرَاءَهَا وَيَأْخُذُهَا مِنَ الْهَوَى بِيَدِهِ، ثُمَّ يَرْمِيهَا إِلَى آخِرِ الْمَيْدَانِ، وَلَمْ يُرَ جُوكَانُهُ يَعْلُو عَلَى رَأْسِهِ، وَلَا يُرَى الجو كان فِي يَدِهِ، لِأَنَّ الْكُمَّ سَاتِرٌ لَهَا، وَلَكِنَّهُ اسْتِهَانَةٌ بِلَعِبِ الْكُرَةِ، وَكَانَ شُجَاعًا صَبُورًا فِي الْحَرْبِ، يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ: قَدْ تَعَرَّضْتُ لِلشَّهَادَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يتفق لي ذلك، ولو كان في خير ولى عند الله قيمة لرزقنيها، والأعمال بالنية. وقال له يوما قُطْبُ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيُّ: باللَّه يَا مَوْلَانَا السُّلْطَانُ لَا تُخَاطِرْ بِنَفْسِكَ فَإِنَّكَ لَوْ قُتِلْتَ قُتِلَ جميع من معك، وأخذت البلاد، وفسد حال المسلمين. فقال: له اسكت يا قطب الدين فان قولك إساءة أدب على الله، ومن هو محمود؟ من كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غير الّذي لا إله إلا هو؟ ومن هو محمود؟ قال فبكى من كان حاضرا رحمه الله.
وَقَدْ أَسَرَ بِنَفْسِهِ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ بَعْضَ ملوك الافرنج فَاسْتَشَارَ الْأُمَرَاءَ فِيهِ هَلْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَأْخُذُ ما يبذل له من المال؟ وكان قد بذل له في فداء نفسه مالا كثيرا، فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ ثُمَّ حَسُنَ فِي رَأْيِهِ إِطْلَاقُهُ وأخذ الفداء منه، فبعث إلى بلده من خلاصته من يأتيه بما افتدى به نفسه، فجاء به سريعا فأطلقه نور الدين، فحين وصل إلى بلاده مات ذلك الملك ببلده، فأعجب ذلك نور الدين وأصحابه، وبنى من ذلك المال المارستان الّذي بدمشق، وليس له في البلاد نظير، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنَّهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بَعْضُ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يَعِزُّ وُجُودُهَا إِلَّا فِيهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ، ومن جاء إليه فَلَا يُمْنَعُ مِنْ شَرَابِهِ، وَلِهَذَا جَاءَ إِلَيْهِ نُورُ الدِّينِ وَشَرِبَ مِنْ شَرَابِهِ رحمه الله.
قُلْتُ: وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ إِنَّهُ لَمْ تَخْمُدْ مِنْهُ النَّارُ مُنْذُ بُنِيَ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا فاللَّه أعلم. وقد بنى الخانات الكثيرة في الطرقات وَالْأَبْرَاجَ، وَرَتَّبَ الْخُفَرَاءَ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَخُوفَةِ، وَجَعَلَ فيها الحمام الهوادي التي تطلعه على الأخبار في أسرع مدة، وبنى الربط والخانقات، وكان يجمع الفقهاء عنده والمشايخ والصوفية ويكرمهم ويعظمهم، وكان يحب الصالحين، وقد نال بعض الأمراء مرة عنده من بعض الفقهاء، وَهُوَ قُطْبُ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيُّ، فَقَالَ لَهُ نُورُ الدِّينِ: وَيْحَكَ إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فله من الحسنات الكثيرة الماحية لذلك مَا لَيْسَ عِنْدَكَ مِمَّا يُكَفِّرُ عَنْهُ سَيِّئَاتِ مَا ذَكَرْتَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، عَلَى أَنِّي وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقُكَ، وَإِنْ عُدْتَ ذَكَرْتَهُ أَوْ أحدا غيره عندي بسوء لأوذينك، فكف عنه ولم يذكره بعد ذلك. وقد ابتنى بدمشق دارا لاستماع الْحَدِيثِ وَإِسْمَاعِهِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَى دَارَ حَدِيثٍ، وَقَدْ كَانَ مَهِيبًا وقورا شديد الهيبة في قلوب الأمراء، لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ يَجْلِسُ بِلَا إِذْنٍ سِوَى الْأَمِيرِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ، وَأَمَّا أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ وَمَجْدُ الدِّينِ بن الداية نائب حلب، وغيرهما من الأكابر فكانوا يقفون بين يديه، ومع هذا كان إذا دخل أحد من الفقهاء أو الفقراء قام له ومشى خطوات وأجلسه معه على سجادته فِي وَقَارٍ وَسُكُونٍ، وَإِذَا أَعْطَى أَحَدًا مِنْهُمْ شيئا مستكثرا يقول: هؤلاء جند الله وبدعائهم ننصر على الأعداء، ولهم فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ أَضْعَافُ مَا أُعْطِيهِمْ، فإذا رضوا منا ببعض حقهم فَلَهُمُ الْمِنَّةُ عَلَيْنَا.
وَقَدْ سُمِّعَ عَلَيْهِ جُزْءُ حَدِيثٍ وَفِيهِ «فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ» فَجَعَلَ يَتَعَجَّبُ مِنْ تغيير عادات الناس لما ثبت عنه عليه السلام، وكيف يربط الأجناد والأمراء على أوساطهم ولا يفعلون كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَمَرَ الْجُنْدَ بِأَنْ لَا يَحْمِلُوا السُّيُوفَ إِلَّا متقلديها، ثم خرج هو فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إِلَى الْمَوْكِبِ وَهُوَ مُتَقَلِّدُ السيف وجميع الجيش كذلك، يريد بذلك الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فرحمه الله.
وَقَصَّ عَلَيْهِ وَزِيرُهُ مُوَفَّقُ الدِّينِ خَالِدُ بْنُ محمد بن نصر القيسراني الشاعر أنه رأى في منامه كأنه يغسل ثياب الملك نور الدين، فأمره بأن يَكْتَبَ مَنَاشِيرَ بِوَضْعِ الْمُكُوسِ وَالضَّرَائِبِ عَنِ الْبِلَادِ، وقال له هذا تأويل رؤياك. وكتب إلى الناس ليكون مِنْهُمْ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ أَخَذَ مِنْهُمْ، ويقول لهم إنما صرف ذلك في قتال أعدائكم من الكفرة والذّب عن بلادكم ونسائكم وأولادكم. وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى سَائِرِ مَمَالِكِهِ وَبُلْدَانِ سُلْطَانِهِ، وَأَمَرَ الْوُعَّاظَ أَنْ يَسْتَحِلُّوا لَهُ مِنَ التُّجَّارِ، وكان يقول في سجوده: اللَّهمّ ارحم المكاس العشار الظالم محمود الكلب، وَقِيلَ إِنَّ بُرْهَانَ الدِّينِ الْبَلْخِيَّ أَنْكَرَ عَلَى الملك نور الدين في استعانته في حروب الكفار بأموال المكوس، وقال له مرة: كَيْفَ تُنْصَرُونَ وَفِي عَسَاكِرِكُمُ
الْخُمُورُ وَالطُّبُولُ وَالزَّمُورُ؟ وَيُقَالُ إِنَّ سَبَبَ وَضْعِهِ المكوس عن البلاد أن الواعظ أبا عثمان المنتخب ابن أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيَّ- وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الْكِبَارِ، وكان هذا الرجل ليس له شيء ولا يقبل من أحد شيئا، إنما كانت له جبة يلبسها إذا خرج إلى مجلس وعظه، وكان يجتمع في مجلس وعظه الألوف من الناس- أنشد نور الدين أبياتا تتضمن ما هو متلبس به في ملكه، وفيها تخويف وتحذير شديد له: -
مَثِّلْ وُقُوفَكَ أَيُّهَا الْمَغْرُورُ
…
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَمُورُ
إِنْ قِيلَ نُورُ الدِّينِ رُحْتَ مُسَلِّمًا
…
فاحذر بأن تبقى ومالك نور
أنهيت عن شرب الخمور وأنت في
…
كأس المظالم طائش مَخْمُورُ
عَطَّلْتَ كَاسَاتِ الْمُدَامِ تَعَفُّفًا
…
وَعَلَيْكَ كَاسَاتُ الْحَرَامِ تَدُورُ
مَاذَا تَقُولُ إِذَا نُقِلْتَ إِلَى البلى
…
فردا وجاءك منكر ونكير؟
ماذا تقول إذا وقفت بموقف
…
فردا ذليلا والحساب عسير؟
وَتَعَلَّقَتْ فَيكَ الْخُصُومُ وَأَنْتَ فِي
…
يَوْمِ الْحِسَابِ مسلسل مَجْرُورُ
وَتَفَرَّقَتْ عَنْكَ الْجُنُودُ وَأَنْتَ فِي
…
ضِيقِ القبور مُوَسَّدٌ مَقْبُورُ
وَوَدِدْتَ أَنَّكَ مَا وَلِيتَ وِلَايَةً
…
يَوْمًا وَلَا قَالَ الْأَنَامُ أَمِيرُ
وَبَقِيُتَ بَعْدَ الْعِزِّ رَهْنَ حُفَيْرَةٍ
…
فِي عَالَمِ الْمَوْتَى وَأَنْتَ حقير
وحشرت عريانا حزينا باكيا
…
قلقا ومالك فِي الْأَنَامِ مُجِيرُ
أَرَضِيتَ أَنْ تَحْيَا وَقَلْبُكَ دَارِسٌ
…
عَافِي الْخَرَابِ وَجِسْمُكَ الْمَعْمُورُ
أَرَضِيتَ أَنْ يحظى سواك بقربة
…
أبدا وأنت معذّب مَهْجُورُ
مَهِّدْ لِنَفْسِكَ حُجَّةً تَنْجُو بِهَا
…
يَوْمَ المعاد ويوم تبدو العور
فلما سمع نور الدين هذه الأبيات بكى بكاء شديدا، وأمر بوضع المكوس والضرائب في سائر البلاد. وكتب إليه الشيخ عمر الملا من الموصل- وكان قد أمر الولاة والأمراء بِهَا أَنْ لَا يَفْصِلُوا بِهَا أَمْرًا حَتَّى يعلموا الملا به، فَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ شَيْءٍ امْتَثَلُوهُ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الزَّاهِدِينَ، وَكَانَ نُورُ الدِّينِ يَسْتَقْرِضُ منه في كل رمضان ما يفطر عليه، وكان يرسل إليه بفتيت ورقاق فيفطر عليه جميع رمضان- فكتب إليه الشيخ عمر بن الملا هذا: إن المفسدين قد كثروا، ويحتاج إلى سِيَاسَةٍ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجِيءُ إِلَّا بِقَتْلٍ وصلب وضرب، وإذا أخذ إنسان في البرية من يجيء يشهد له؟ فكتب إليه الملك نور الدين على ظهر كتابه: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ وَشَرَعَ لَهُمْ شَرِيعَةً وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ في الشريعة زيادة في المصلحة لشرعها لنا، فلا حاجة بنا إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى
فمن زاد فقد زعم أن الشريعة ناقصة فهو يكملها بزيادته، وهذا من الجرأة على الله وعلى ما شرعه، والعقول المظلمة لا تهتدى، والله سبحانه يهدينا وإياك إلى صراط مستقيم. فلما وصل الكتاب إلى الشيخ عمر الملا جمع الناس بالموصل وقرأ عليهم الكتاب وجعل يقول: انْظُرُوا إِلَى كِتَابِ الزَّاهِدِ إِلَى الْمَلِكِ، وَكِتَابِ الْمَلِكِ إِلَى الزَّاهِدِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ أَخُو الشَّيْخِ أبى البيان يستعديه على رجل أنه سبه ورماه بأنه يرائى وأنه وأنه، وجعل يبالغ في الشكاية عليه، فَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) 25: 63 وقال (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) 7: 199 فسكت الشيخ ولم يحر جوابا. وقد كان نور الدين يعتقده ويعتقد أخاه أبا البيان، وأتاه زائرا مرات، ووقف عليه وقفا. وقال الفقيه أبو الفتح الأشرى مُعِيدُ النِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ سِيرَةً مختصرة لنور الدين، قال: وكان نور الدين محافظا عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا فِي جَمَاعَةٍ بِتَمَامِ شروطها والقيام بها بأركانها والطمأنينة في ركوعها وسجودها، وكان كثير الصلاة بالليل، كثير الابتهال في الدعاء والتضرع إِلَى اللَّهِ عز وجل فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا. قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ دَخَلُوا بِلَادَ الْقُدْسِ للزيارة أيام أخذ القدس الفرنج فسمعهم يقولون: إن القسيم ابْنُ الْقَسِيمِ- يَعْنُونُ نُورَ الدِّينِ- لَهُ مَعَ الله سر، فإنه لم يظفر وينصر عَلَيْنَا بِكَثْرَةِ جُنْدِهِ وَجَيْشِهِ، وَإِنَّمَا يَظْفَرُ عَلَيْنَا وينصر بِالدُّعَاءِ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَيَرْفَعُ يده إلى الله ويدعو فإنه يستجيب له ويعطيه سؤله فَيَظْفَرُ عَلَيْنَا. قَالَ: فَهَذَا كَلَامُ الْكُفَّارِ فِي حقه.
وحكى الشيخ أبو شامة أن نُورَ الدِّينِ وَقَفَ بُسْتَانَ الْمَيْدَانِ سِوَى الْغَيْضَةِ الَّتِي تَلِيهِ نِصْفَهُ عَلَى تَطْيِيبِ جَامِعِ دِمَشْقَ، والنصف الآخر يقسم عشرة أجزاء جزءان على تطييب المدرسة التي أنشأها للحنفية، والثمانية أجزاء الأخرى على تطييب المساجد التسعة، وهي مسجد الصالحين بجبل قيسون وَجَامِعُ الْقَلْعَةِ، وَمَسْجِدُ عَطِيَّةَ، وَمَسْجِدُ ابْنِ لَبِيدٍ بالعسقار، ومسجد الرماحين المعلق، ومسجد العباس بالصالحية، وَمَسْجِدُ دَارِ الْبِطِّيخِ الْمُعَلَّقُ، وَالْمَسْجِدُ الَّذِي جَدَّدَهُ نُورُ الدِّينِ جِوَارَ بَيْعَةِ الْيَهُودِ، لِكُلٍّ مِنْ هذه المساجد جزء من إحدى عشر جزء من النصف. ومناقبه ومآثره كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَقَدْ ذَكَرْنَا نَبْذَةً مِنْ ذَلِكَ يستدل بها على ما وراءها.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ فِي أَوَّلِ الروضتين كثيرا من محاسنه، وذكر ما مدح به من القصائد، وذكر أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ أَسَدُ الدِّينِ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ ثُمَّ مَاتَ، ثُمَّ تَوَلَّى صَلَاحُ الدِّينِ هَمَّ بِعَزْلِهِ عَنْهَا وَاسْتِنَابَةِ غَيْرِهِ فِيهَا غَيْرَ مَرَّةٍ، ولكن يعوقه عن ذلك ويصده قتال الفرنج، واقتراب أجله، فلما كان في هذه السنة- وهي سنة تسع وستين وخمسمائة- وهي آخر مدته، أضمر على الدخول إلى الديار المصرية وصمم عليه، وأرسل إلى عساكر بلاد الموصل وغيرها ليكونوا ببلاد الشام حفظا لها من الفرنج في غيبته