الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله.
قوله: «لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا» ، هذا احتراز من المؤلف رحمه الله، وهو رد على الذين يغلون في أصحاب الكرامات، ويعبدون الأولياء والصالحين من دون الله، ويقولون: لهم كرامات.
كما عليه القبوريون الذين يتقربون إلى الأموات، ويعتقدون في بعض الأحياء أنه وصل إلى درجة يستطيع فيها أن ينصرهم وأن يعطيهم أشياء لا يقدر عليها إلا الله، بناء على أن له كرامات، فيقولون: إن له كرامات وهذا دليل على أنه ينفع ويضر.
فالمؤلف رحمه الله يرد على هؤلاء، وغالب ما عليه القبوريون مبني على هذا الوهم،
الغلو في أصحاب الكرامات
، فنحن نحب الصالحين، والذين تجري على أيديهم كرامات، نحبهم ونجلهم ونقتدي بهم، ولكن لا نعطيهم شيئا من العبادة كما يفعله الخرافيون.
قوله: «من حق الله تعالى» ، وحق الله هو العبادة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:«وحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» .
وقوله: «ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله» ؛ كإجراء الرزق وشفاء المريض وهبة الولد وغير ذلك، هذا لا يقدر عليه إلا الله، أما ما يقدرون عليه من أمور الدنيا فيطلب منهم إذا كانوا أحياء، حتى ولو كان ليس لهم كرامات، تطلب من الإنسان أن يساعدك بالمال؛ كأن يكون غنيا تطلب منه أن يقرضك أو يتصدق عليك، وإذا وقعت في
كربة تطلب منه أن يساعدك في الخروج منها، وفي الحديث:«من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة» ، فيستغاث بالمخلوق الحي فيما يقدر عليه؛ كما قال تعالى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15] ، استغاث بموسى عليه السلام {الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ} من بني إسرائيل {عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} من آل فرعون {فَوَكَزَهُ مُوسَى} أغاث هذا الرجل المظلوم، وكما يستغيث الرجل بأصحابه في الحرب وغيرها، يستنجد بهم، فالاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه لا بأس بها، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] .
أما الاستغاثة بالأموات فلا تجوز مطلقا؛ لأن الأموات لا يقدرون على شيء، لا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره، هم في عالم وأنت في عالم آخر، فلا تطلب من الأموات شيئا بحجة أن لهم كرامات وأنهم يقدرون، هذا باطل، فالميت لا يطلب منه شيء ولو كان من أفضل الناس.
وكذلك الحي لا يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، لا يطلب منه شفاء المريض، أو إعطاء الولد، أو جلب الرزق له، فما يطلب من المخلوق شيء لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام.
هذا معتقد أهل السنة والجماعة، أنهم لا يشهدون لأحد معين بجنة ولو كان من الصالحين، ولا يشهدون لأحد بالنار ولو كان من الكافرين؛ كأن تقول: هذا من أهل الجنة، أو هذا من أهل النار. هذا لا يجوز إلا لمن أطلعه الله على الغيب وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يطلعه على الغيب كله، ولكن على شيء من المغيبات، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد لأناس بالجنة، فنحن نشهد أنهم من أهل الجنة، كالعشرة المبشرين بالجنة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: الخلفاء الأربعة، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة، عامر بن الجراح، هؤلاء شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وثابت بن قيس بن شماس بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فهؤلاء نشهد لهم؛ لأن الرسول شهد لهم بأعيانهم، فنقول: فلان في الجنة، أبو بكر في الجنة، عمر في الجنة، طلحة، والزبير، كل هؤلاء في الجنة؛ لأن الرسول أخبر أنهم في الجنة.
والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وإن كان هذا من الغيب، ولكن الله أطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على الغيب، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27] ، يطلع الله الرسل على شيء من المغيبات؛ لأجل مصلحة البشر.
وكذلك لو كان كافرا أو فاسقا فإننا لا نشهد له بالنار؛ لأننا لا
ندري عن خاتمته، لا نشهد لأحد بالجنة وإن كان من الصالحين؛ لأننا لا ندري عن خاتمته بم يختم له؟ ولا نشهد لأحد بالنار ولو كان كافرا لأننا لا ندري بم يختم له؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«إن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» .
والخواتيم لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فنحن لا نشهد للمعين، أما العموم فنحن نشهد على الكفار أنهم في النار من غير تعيين فلان، نقول: الكافرون في النار، والمؤمنون في الجنة، على العموم، قال تعالى في الجنة:{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وقال في النار:{أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131] ، فلا شك أن الكفار في النار من غير تعيين أشخاص إلا بشهادة، ولا شك أن المؤمنين في الجنات من غير تعيين أشخاص إلا بشهادة ممن لا ينطق عن الهوى.
وهذا من التأدب مع الله سبحانه وتعالى فنحن لا نشهد للمعين إلا بدليل، ولكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء.
قال رحمه الله: «ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام» ، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون بالكبائر التي دون الشرك؛ كالزنا والسرقة وشرب الخمر وأكل الربا، هذه كبائر موبقات ولكن لا يحكمون على صاحبها بالكفر، بل يحكمون عليه أنه ناقص الإيمان، فهي كبائر تنقص الإيمان، وحكم صاحبها أنه تحت
مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، فنحن لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله بالأدلة من الكتاب والسنة وبإجماع أهل العلم.
وأما أن نكفر بالكبائر التي دون الشرك فهذا مذهب الخوارج والمعتزلة الضلال الذين يحكمون على مرتكبي الكبائر أنهم كفار وأنهم مخلدون في النار – نسأل الله العافية – هذا معتقد باطل يخالف الأدلة.
لكن من استحل محرما مجمعا على تحريمه فهذا كافر؛ كما لو استحل الربا، أو الخمر، أو الزنا، أو حرم شيئا مجمعا على حله فهذا كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين، فمسألة التكفير لها ضوابط عند أهل السنة والجماعة، أما مجرد ارتكابه للكبيرة التي دون الشرك فهذا خطر بلا شك، وهو متوعد بالنار والغضب، ولكن لا نحكم عليه بالكفر، بل نقول: إنه مؤمن ناقص الإيمان، وفي الآخرة هو معرض للوعيد الذي ورد، إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه، ولكن إذا عذبه لا يخلد في النار كالكفار، بل يخرج منها إلى الجنة.
ولا يخرج من دائرة الإسلام بل يبقى في دائرة الإسلام، فيكون معه أصل الإسلام وأصل الإيمان، لكن يكون إيمانه ضعيفا؛ لأن المعاصي تنقص الإيمان.
وانظر إلى كلام الإمام الذي قال عنه خصومه: إنه يكفر المسلمين، فهو ينفي عن نفسه هذه التهمة الباطلة، ويبين ما هو عليه.
وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة.
الجهاد: هو بذل الجهد في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، فالغرض من الجهاد هو إعلاء كلمة الله ونشر التوحيد وإبطال الشرك؛ لأن الدين لله – عز وجل، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، فالعبادة حق لله، فمن عبد غير الله فإنه يدعى إلى الرجوع إلى الإسلام والتوبة وإخلاص التوحيد فإن أبى فإنه يقاتل.
لأن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بالدعوة والجهاد، بالدعوة أولا ثم الجهاد بعد ذلك؛ لئلا ينتشر الكفر، قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193]، وفي الآية الأخرى:{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]{حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} يعني: شرك، {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} ليس فيه عبادة لمخلوق بل العبادة للخالق سبحانه وتعالى.
هذا هو الغرض من الجهاد، وهو نشر التوحيد ومحو الشرك من الأرض؛ لأن الله خلق الخلق لعبادته، فإذا عبدوا غيره فإما أن يتوبوا ويرجعوا وإما أن يقاتلوا؛ لأنهم لو تركوا لنشروا الكفر؛ لأن الكفار يدعون إلى الكفر، فالكافر إذا كان كفره ينتشر يقاتل، أما إذا كان كفره قاصرا عليه، ولا يدعو إليه، وليس له نشاط في نشر الكفر، وإنما هو مقتصر على نفسه فهذا لا يقاتل، مثل: كبار السن من الكفار والنساء والأطفال والرهبان في صوامعهم، هؤلاء لا يقاتلون؛ لأن كفرهم قاصر عليهم، وكذلك من خضع للإسلام وبذل الجزية فإنه لا يقاتل، بل يترك على دينه وتؤخذ منه الجزية، ويكون تابعا لحكم الإسلام، وهذا شره يقتصر عليه، ومعلوم أن الذي تؤخذ منه الجزية أنه لا يدعو إلى الكفر،
فلو دعا إلى الكفر لانتقض عهده، فهو مستسلم تحت حكم الإسلام ويدفع الجزية التي فيها الذلة والصغار، فهذا يترك، والشيخ الكبير، والصبي، والنساء، الذين لا يتعدى كفرهم إلى غيرهم، والرهبان الذين تركوا الناس وانعزلوا في صوامعهم للعبادة، هؤلاء لا يقتلون أيضا.
دل هذا على أن دين الإسلام ليس دين قتل وسفك دماء، وإنما هو دين رحمة وعدل، يريد أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور لصالحهم هم، وكم حصل في الجهاد من منافع للناس، فالذين أسلموا من الكفار من الأعاجم أنقذهم الله من النار، لو تركوا لصاروا من أهل النار، فأسلموا وحسن إسلامهم وخرج منهم العلماء الأفذاذ، فهذه ثمرات الجهاد في سبيل الله عز وجل، فالجهاد هو ذروة سنام الإسلام، ولكن الجهاد له شروط:
الشرط الأول: أن يكون بالمسلمين قوة يقوون بها على جهاد الكفار، أي: عندهم عدة واستعداد لجهاد الكفار، فإذا لم يكونوا على استعداد؛ كأن يكون فيهم ضعف والكفار أقوى منهم، فلو قاتل المسلمون الكفار لأبيدت خضراء المسلمين، فلا يجوز القتال في هذه الحالة؛ لأن هذا يلزم عليه مفسدة أكبر من المصلحة، وهي تسلط الكفار على المسلمين؛ ولهذا فالنبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاثة عشر عاما مقتصرا على الدعوة إلى الله، والمسلمون يؤذون ويضايقون ولم يؤمر بالجهاد، بل الله أمرهم بالصبر وكف الأيدي حتى يأذن الله - جل وعلا – لهم بالجهاد:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النساء: 77] ، هذا في مكة، أمروا بكف أيديهم، ولكن مع هذا يقومون بالدعوة إلى الله عز وجل، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة،
وانتشر الإسلام وكان بالمسلمين قوة أمره الله بالجهاد؛ لأنهم صاروا أقوياء ومستعدين للجهاد، وهذا ليس خاصا بالوقت الأول، هذا عام للمسلمين إلى آخر الزمان، إن كان عندهم قوة واستطاعة يجب عليهم الدعوة والجهاد، وإذا كان ليس عندهم قوة فيبقون على الدعوة، وأما الجهاد فيؤجلونه إلى وقت القدرة على ذلك؛ لأنهم لو قاتلوا وهم ضعفاء لتسلط عليهم الكفار وتغلبوا عليهم.
الشرط الثاني: أن يكون الجهاد تحت راية يعقدها ولي أمر المسلمين، وليس كل يجاهد، وكل يقاتل، وكل يكون له جماعة، هذا لا يجوز في الإسلام، هذا ضرر على المسلمين أنفسهم قبل أن يضروا الكفار؛ لأن المسلمين يتناحرون فيما بينهم، كل واحد يريد أن يكون هو الذي يظفر بالنتيجة، وجرب هذا في عصابات قاتلت العدو فلما انهزم العدو واندحر تقاتلوا فيما بينهم، كل يريد أن يكون هو الذي يأخذ السلطة، هذا نتيجة أنهم ما قاتلوا تحت راية واحدة وتحت إمام واحد، وإنما تفرقوا إلى عصابات وجماعات، فلا يجوز هذا في الإسلام، لا بد أن يكون الجهاد تحت راية موحدة.
ولهذا قال الشيخ: «وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام» ، أي: إمام للمسلمين يقودهم وينظمهم، ويشرف عليهم، ويعد العدة ويسلحهم، لا بد أن يكون الجهاد تحت راية الإمام وبأمره حتى ينجح الجهاد، أما إذا كان بدون إمام وبدون راية فإنه يؤول إلى الفشل في النهاية، فقوله:«مع كل إمام» ، دل على أنه يشترط وجود الإمام الذي يقاتل تحت رايته.
ولا يشترط في الإمام أن يكون بارا مائة بالمائة مثل: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز والصحابة، لا يشترط أن يكون الإمام صافيا ليس فيه نقص، بل ولو كان فاجرا، يعني: فاسقا،
فسقه لم يصل إلى حد الكفر، فإذا بقيت إمامته فإنه يبقى له صلاحية الجهاد ويطاع في الجهاد، ويصلى خلفه، لأنه مسلم ولو كان عاصيا، ولو كان فاسقا، ولو كان جائرا وظالما، لأن المصلحة في الجماعة أرجح من المصلحة في التفرق عليه والاختلاف عليه.
هذه مسألة عظيمة يغفل عنها كثير من الحماسيين الذين ليس عندهم فقه في الدين، يقولون: كيف نطيعه وهو فاسق وهو عاص؟ الجواب: نطيعه للمصلحة العامة، وارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما مطلوب في الإسلام، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمسلمون قاتلوا مع الحجاج ومع يزيد بن معاوية وهم فساق، لجمع الكلمة، بل كان هناك صحابة في راية يزيد بن معاوية في غزو القسطنطينية، منهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وقاتلوا مع الحجاج وهو معروف بالظلم، فهو ظالم فاتك باطش، لكن لأجل مصلحة الإسلام والمسلمين، وتغتفر المسألة الجزئية في مقابل المصلحة العامة الكلية، هذه قاعدة في الإسلام.
فلا يشترط في الإمام الذي يتولى أمور المسلمين ويقودهم للجهاد أن يكون صالحا مستقيما مائة بالمائة، بل ولو كان عنده شيء من المعاصي والمخالفات ما دام لم يصل إلى حد الكفر بالله عز وجل، ولكن الجهال المتحمسين لا يتحملون هذا الكلام، لأنهم جهال، والصحابة تحملوه وأطاعوا الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك لفقههم وإيمانهم، أما الجهال المتحمسون فلا يتحملون هذا، والمغرضون أيضا لا يتحملون هذا، فهم أناس قد يكونون ليسوا بجهال يعرفون هذا، لكنهم مغرضون يريدون تشتيت المسلمين، فيحرضونهم على ولاتهم بسبب أن الولاة يرتكبون أشياء من الأخطاء، وذلك لأجل تفريق الكلمة وإضعاف المسلمين،
فيجب الفطنة لهذه الأمور والحذر منها وعدم الاندفاع بدون فقه وبدون علم.
هذه مسألة عظيمة، الآن حصل فيها سوء فهم، وحصل فيها تضليل بسبب الجهل أو بسبب الهوى.
وقوله: «برا» وهو: الصالح المستقيم، «أو فاجرا» يعني: فاسقا ولكن لم يصل إلى حد الكفر، لأن المصلحة في طاعته والجهاد معه أرجح من المفسدة في الصبر على فسقه وعلى مخالفته.
وقوله: «وصلاة الجماعة خلفهم جائزة» ، لا شك أن صلاة الجماعة خلف الأئمة الفساق جائزة وصحيحة، ما داموا يصلون فصل خلفهم، فقد صلى الصحابة خلف الحجاج، وصلوا خلف عبيد الله بن زياد، وصلوا خلف الأمراء الفساق الذين يشربون الخمر، وكذلك خلف الوليد بن عقبة، صلوا خلفهم لأجل جمع الكلمة، وهؤلاء مسلمون تصح صلاتهم، وما دامت تصح صلاتهم فتصح إمامتهم جمعا للكلمة.
والجهاد ماض منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.
الدجال: هو المسيح الدجال الكذاب، سمي بالدجال لكثرة الدجل عنده والكذب، وما عنده من الفتنة الشديدة، وكل نبي حذر أمته فتنة المسيح الدجال، وأشدهم تحذيرا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أقرب الناس إلى خروجه، وهو يخرج في آخر الزمان، يخرج في اليهود، وتجمع اليهود في فلسطين الآن هذا إرهاص لخروج الدجال، لأنه يخرج في اليهود قبحهم الله.
ويحصل منه فتنة عظيمة ويدور في البلاد، وما من بلد إلا يدخله إلا مكة والمدينة، فإنه لا يدخلهما، ولكن الأشرار الذين في مكة والمدينة يخرجون إليه، ولا يبقى فيهما إلا أهل الإيمان، لأن المدينة إذا جاء الدجال ترجف فيخرج منها كل منافق، ولا يبقى فيها إلا أهل الإيمان الصادق.
ثم ينزل عيسى بن مريم مسيح الهداية صلى الله عليه وسلم، ينزل من السماء، ثم يطلب الدجال فيقتله في باب لد في فلسطين، يقتله وينصر الله الإسلام والمسلمين، ويحكم المسيح بن مريم بدين الإسلام، بدين محمد صلى الله عليه وسلم، ويقوي الإسلام في عهده عليه الصلاة والسلام، ثم بينما هم كذلك إذ ظهرت يأجوج ومأجوج الذين ذكر الله عز وجل، فيأمر الله عيسى أن يحرز المسلمين إلى الطور ويقول:«إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد في قتالهم فحرز عبادي إلى الطور» ، فيعيثون في الأرض فسادا
ويذبحون في المسلمين مذابح، ثم ينزل الله بهم المرض فيقتلهم عن آخرهم ويموتون عن آخرهم، فيفرج الله للمسلمين بذلك، هذه قصة خروج الدجال باختصار، فنحن نؤمن بخروج المسيح الدجال.
وهناك كتاب جهال يقولون: لا يوجد دجال، وإنما هذا عبارة عن كثرة الكذب في آخر الزمان، وليس هناك نزول عيسى، وإنما هذا عبارة عن ظهور الحق. وهذا إنكار للمتواتر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن القرآن دل على نزول عيسى عليه السلام، قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] هذا دليل على أنه ينزل في آخر الزمان، واليهود الذين كفروا به في الأول يؤمنون به، {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} ، وفي الآية الأخرى قال في عيسى عليه السلام:{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61]، يعني: أن نزوله في آخر الزمان علامة على قرب قيام الساعة، وفي قراءة:{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ، فنزول عيسى بن مريم من السماء علامة على قرب قيام الساعة، فهو من علامات الساعة وأشراطها.
فقوله: «إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال» ، فيقاتلونه ويقاتلون اليهود وتصير ملاحم بين المسلمين واليهود، وينصر الله المسلمين، حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله. فيقتلون اليهود مقتلة عظيمة، وينصر الله المسلمين عليهم.
وقوله: «لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل» ، يعني: أن الجهاد لا يبطله جور جائر، فلا أحد يمنع الجهاد، ويقول: ليس فيه جهاد والإسلام ليس دين قتال. والآن يقولون هذا، يقولون: الإسلام ليس
دين جهاد ولا دين سفك دماء، نقول: نعم، الإسلام ما هو بدين سفك دماء، ولكنه دين جهاد لا لأجل سفك الدماء وإنما لأجل مصلحة البشرية، والله - جل وعلا – يقول في حق نبيه عليه الصلاة والسلام:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، فمن رحمة الله بالعالمين أن شرع الجهاد لإنقاذهم من الظلمات إلى النور، ومن الكفر إلى الإيمان، فنحن لا نقاتل الكفار طمعا في أموالهم أو في دمائهم أو في بلادهم، وإنما نقاتلهم لنشر الإسلام ولصالحهم، فدخولهم في الإسلام من مصلحتهم هم؛ ليموتوا على الإسلام ويدخلوا الجنة، ولكن لو تركوا وماتوا على الكفر دخلوا النار، فالجهاد هو لمصلحة الكفار أكثر؛ لأنه إنقاذ لهم من الكفر، ومن النار، ومن الجهل، ومن الضلال، ترون ثمرات الجهاد في المشرق والمغرب ماذا أنتج من الخير، ماذا أنتج من نشر العلم، ومن نشر التوحيد، ومن انتشار الإسلام وقمع الظلم.
وقوله: «ولا عدل عادل» ، يعني: لا أحد يمنع الجهاد، حتى لو كان المنع من سلطان عادل، فالجهاد لا يسقط، لا نقول: حصل المقصود، فالعدل الآن منتشر والناس في خير. الجهاد ماض بحكم الله سبحانه، ولكن بهذه الشروط:
أولا: أن يكون بالمسلمين قوة على الجهاد.
ثانيا: أن يكون الجهاد تحت راية ولي الأمر الموحدة، ينظمهم ويساعدهم ويكون ردءا لهم يرجعون إليه.
ثالثا: أن يكون الجهاد لإعلاء كلمة الله، وليس من أجل طمع الدنيا أو الظهور في الأرض.
وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه.
من أصول العقيدة: السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، عملا بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ، بعد أن أمر بطاعته وطاعة رسوله أمر بطاعة ولاة الأمور من المسلمين، وقوله:{مِنْكُمْ} يعني: من المسلمين، أما إذا لم يكن مسلما فلا طاعة له، فيشترط فيه أن يكون مسلما، وعندئذ تكون طاعته واجبة، والخروج عليه معصية محرمة، هذا أصل من أصول الإسلام وبه تجتمع كلمة المسلمين وتقوى شوكتهم.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما طلب منه أصحابه الوصية، حيث شعروا بقرب أجله فطلبوا منه الوصية، قال:«أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد» ؛ لأن النظر ليس لشخصه، وإنما النظر لمنصبه، العبرة بمنصبه لا بشخصه:«وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا» ، فطاعة ولي الأمر عصمة من الاختلاف؛ ولهذا لما «سأل حذيفة بن اليمان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتن عند ظهورها قال له: ما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» ، فأمر حذيفة عند ظهور الفتن أن يلزم جماعة المسلمين
وإمامهم؛ لأنه عصمة من الفتن وعصمة من الاختلاف، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] ، فالاختلاف شر والاتفاق رحمة.
فقوله: «برهم وفاجرهم» ؛ كما مر معنا لا يشترط في ولي أمر المسلمين أن يكون صالحا مائة بالمائة – كالخلفاء الراشدين – بل تجب طاعته ولو كان عنده شيء من المخالفات والمعاصي التي لا تصل إلى حد الكفر والخروج من الدين، ففساده عليه، ولكن إمامته لصالح المسلمين.
ولما سئل بعض الأئمة قيل له: فلان تقي لكنه ضعيف، وفلان فاسق ولكنه قوي؛ أيهما يصلح للإمامة؟ قال: الفاسق القوي؛ لأن الصالح الضعيف صلاحه لنفسه، وضعفه يضر المسلمين، والفاسق فسقه على نفسه، وقوته للمسلمين.
وقوله: «برهم وفاجرهم» ، هذا خلاف الخوارج والمعتزلة الذين يخرجون على الأئمة الفجار، يعني: الأئمة العصاة، يراد بالفجار هنا: العصاة.
وقوله: «ما لم يأمروا بمعصية الله» ، فتجب طاعتهم، فإذا أمروا بمعصية، «فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ، لكن لا تنخلع بيعتهم إذا أمروا بمعصية، ولا نطيعهم في هذا، لكن تبقى طاعتهم فيما
هو معروف وليس فيه معصية، نخالفهم في المعصية ونطيعهم في غير المعصية.
وقوله: «ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته» ، هذا فيما تنعقد به الإمامة.
قالوا: تنعقد الخلافة بأحد ثلاثة أمور:
الأمر الأول: اختيار أهل الحل والعقد له، فإذا اختاره أهل الحل والعقد وبايعوه لزمت طاعته؛ كخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنها ثبتت باختيار أهل الحل والعقد، وليس بلازم أن يختاره كل المسلمين كما في الانتخابات، هذا ليس في نظام الإسلام، بل يكفي أهل الحل والعقد من العلماء والأمراء وأهل الرأي والمشورة، فإذا اختاروا إماما للمسلمين لزمت طاعته على جميع المسلمين، ولا أحد يقول: أنا ما اخترت، أنا ما بايعت؛ كما يقول بعض الجهال الآن.
أنت من المسلمين، والمسلمون اختاروا هذا الرجل إماما لهم، فلا يجوز لك أن تشذ وتخرج عنهم، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم:«المسلمون يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم» ، وإذا كان أدناهم يسعى بذمتهم، فكيف بأهل الحل والعقد والمشورة والرأي؟ فالصحابة أطاعوا لأبي بكر مع أن الذين بايعوه هم قادة المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة، وكذلك عثمان رضي الله عنه اختاره أهل الشورى الستة الذين عهد إليهم عمر رضي الله عنه، فقد عهد إلى بقية العشرة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو عنهم راض، فالستة اجتمع رأيهم على عثمان فبايعوه، فلزمت طاعته جميع المسلمين وانقادوا له.
الأمر الثاني: ولاية العهد، فإذا عهد ولي الأمر إلى أحد من بعده تلزم طاعته، وتنعقد إمامته؛ كما عهد أبو بكر لعمر رضي الله عنهما فسمعوا له وأطاعوا رضي الله عنهما.
الأمر الثالث: إذا كان الناس ليس لهم إمام؛ فقام رجل فيه شجاعة وقوة ورأي وتغلب على الناس بسيفه حتى خضعوا له، فهذا تلزم طاعته، ويمثلون لهذا بعبد الملك بن مروان، فالناس في عهده كانوا بدون إمام عام، فقام الرجل بشجاعة وشهامة وقوة ورأي فقاتل وتغلب وأطاع له المسلمون، فصار إماما لهم وانعقدت إمامته بذلك.
أما من يأتي والمسلمون لهم إمام وينازع الإمام ويريد أن يخلع الإمام ليصبح بدلا عنه، فهذا يجب على المسلمين قتله، قال صلى الله عليه وسلم:«من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوا كائنا من كان» ، فنحن مع ولي الأمر، إذا قام عليه أحد فنحن معه في دفع هذا الخارج على جماعة المسلمين، نقاتله وندحض شره عن المسلمين؛ لئلا يفكك الكلمة، وذلك للمصلحة العامة.
هذا هو اعتقاد الشيخ في السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، وفي هذا رد على الذين يصفونه بالخروج على الولاة.
وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة.
البدع: جمع بدعة، وهي ما أحدث في الدين من العبادات التي ليس عليها دليل من كتاب أو سنة؛ لأن العبادات توقيفية، فلا نعمل شيئا منها إلا بدليل من الكتاب والسنة، فمن جاء وأحدث شيئا يتقرب به إلى الله من ذكر أو صلاة أو عبادة ويقول: هذا زيادة خير. فيقال له: لا، هذا زيادة شر وليس هو زيادة خير؛ لأن الدين كامل لا يقبل الإضافات والزيادات، فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والدين كامل، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] ، فالله شهد لهذا الدين بأنه كامل، فلا يقبل الزيادة والإضافات، حسبنا أننا نعمل بما في هذا الدين من العبادات، أما أن نزيد ونقول: هذه زيادة خير؛ فهذه بدعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«من يعش منكم فسيرى اختلافا كبيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدع ضلالة» ، وكان في خطبه يقول:«أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» ، فهذا فيه رد على الذين يقسمون البدعة إلى حسنة وسيئة، فالبدع في الدين ليس فيها شيء حسن وإنما كلها سيئة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«كل بدعة ضلالة» ، وهذا المبتدع يقول: ليس كل
بدعة ضلالة بل منها شيء حسن، فهذا يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال الشاعر:
خير الأمور السالفات على الهدى
…
وشر الأمور المحدثات البدائع
فالذي يقول: إن هناك بدعة حسنة، يقال له: هذه بدعة ضلالة وشر وليست حسنة، ليس في الدين بدعة حسنة أبدا، فنجتنب البدع ونقتصر على السنن، ففيها خير وكمال، ولا يكفي أننا نجتنب البدع، بل نهجر المبتدعة، ولا نجلس معهم، ولا نصادقهم حتى يتركوا البدعة؛ لأننا إذا صادقناهم وجالسناهم شجعناهم على البدعة، فنحن نهجرهم بمعنى أننا نترك مجالستهم ونترك مصادقتهم حتى يتوبوا إلى الله.
هذا الواجب على أهل السنة، أنهم يهجرون أهل البدع، ولو حصل هذا لما انتشرت البدع، ولكن لما حصل التساهل مع المبتدعة، صاروا يعيثون في الأرض فسادا، وينشرون البدع، ولا يوجد من ينكر عليهم، صاروا أصدقاءنا وجلساءنا وانتشرت البدع بهذه الطريقة، أما لو أن أهل البدع هجروا لقل شرهم.
فقول الشيخ: «وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم» ، الهجر: هو الترك، يعني: تركهم وعدم الجلوس معهم وعدم مصادقتهم، «حتى يتوبوا» فإذا تابوا تاب الله عليهم، وصاروا جلساءنا وأحبابنا.
وقوله: «وأحكم عليهم بالظاهر» ، أي: نحكم على الناس بالظاهر لنا، ولا ندري عن القلوب، ولكن من فعل الخير شهدنا له بالخير بناء على الظاهر، ومن فعل الشر شهدنا له بالشر بناء على الظاهر، وأما القلوب فلا يعلمها إلا الله.
لكن المرجئة الآن يقولون: من فعل الكفر أو الشرك أو منكرا
فإنك لا تحكم عليه بما ظهر منه؛ لأنك لا تدري عن الذي في قلبه.
وقول الشيخ: «وأعتقد أن كل محدثة بدعة» ، بخلاف من يقول: إنه هناك محدثات في الدين فيها خير، بل كل محدثة في الدين بدعة، وهذا مأخوذ من حديث:«كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» .
أما أمور العادات؛ كالملابس والمساكن والمراكب، هذه مما خلق الله ليس فيها بدعة، الأولون ما كانوا يركبون السيارات ونحن نركبها؛ لأنها مما أباح الله لنا، قال تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] ، فأمور العادات والملابس والمساكن والمراكب والمزارع، هذه كلها من الأمور التي لا تدخل في العبادة بل نستخدمها في العبادة، ونستعين بها على العبادة، ونركب السيارة للحج، ونركبها لطلب العلم، ونركبها للجهاد، ومكبرات الصوت نستخدمها لإلقاء الخطب والمحاضرات، ونستعين بها على العبادة؛ لأنها مما أباح الله لنا أن نستعين بها، وليست بدعا، إنما هي مما خلق الله لنا، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] ، فالأصل في هذه الأمور الإباحة، أما العبادات فالأصل فيها الحظر إلا بدليل، أما في العادات والملابس والمراكب والمآكل والمشارب الأصل فيها الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه.