المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مبحث الإيمان - شرح عقيدة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب

[صالح الفوزان]

الفصل: ‌ مبحث الإيمان

وأعتقد أن الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة، أعلاها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق.

هذا شروع في‌

‌ مبحث الإيمان

، ولقد تكرر ذكره في القرآن في مواضع كثيرة، ومدح الله أهله ووعدهم بالجنة والثواب العظيم.

والإيمان مرتبة من مراتب الدين؛ لأن الدين ثلاث مراتب؛ كما في حديث جبريل: الإسلام، والإيمان، والإحسان.

فالإسلام: يتكون من خمسة أركان: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، هذه من الأفعال الظاهرة.

والإيمان يتكون من ستة أركان بينها النبي صلى الله عليه وسلم: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» ، ولا بد من اجتماعهما في العبد، أي: لا بد من اجتماع الإيمان والإسلام في العبد، فيكون مسلما مؤمنا، مسلما في ظاهره يؤدي أركان الإسلام، ومؤمنا في باطنه يؤمن بهذه الأركان الستة، فلا يكون مسلما فقط، وليس عنده إيمان، فهذا شأن المنافقين الذين يظهرون الإسلام في الظاهر، فيصلون ويصومون ويقولون: لا إله إلا الله، ويحجون، ولكن ليس عندهم إيمان في القلب:{يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167] ، وهؤلاء في الدرك الأسفل من النار، وكذلك

ص: 134

العكس، لا يكون مؤمنا بدون الإسلام، مصدقا ومؤمنا بهذه الأركان بقلبه لكن ليس عنده إسلام فلا يصلي ولا يزكي ولا يصوم ولا يحج، هذا ليس بمؤمن حتى يكون مسلما يؤدي الأركان الظاهرة والباطنة، فلا بد من هذا، فالإيمان مجموع اعتقاد القلب وعمل الجوارح ونطق اللسان.

ولهذا يقول أهل السنة والجماعة – كما ذكره الشيخ هنا -: أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، لا بد من هذه الأمور الثلاثة: نطق باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، هذا تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة الذين هم على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين هم الفرقة الناجية من بين الفرق الضالة التي توعدها الله بالنار، هذا الإيمان عندهم يتكون من هذه الأمور الثلاثة.

أما المرجئة فيقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، والأعمال لا تدخل فيه. وبعضهم يقول: شرط كمال. وبعضهم يقول: شرط جواب، ولكنها لا تدخل في حقيقة الإيمان، فإذا كان مصدقا بقلبه فهذا مؤمن ولو لم يؤد الأعمال، وهذا مذهب باطل؛ لأن المشركين كانوا يعرفون بقلوبهم صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن أبوا أن ينطقوا بلا إله إلا الله، أبوا أن يقولوا: لا إله إلا الله. وأبوا أن يصلوا وأن يصوموا، ويزكوا، ويحجوا، قال الله تعالى {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] ، {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} معنى هذا أنهم يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن منعهم الكبر، أو الحسد، أو الحمية لدينهم من أن يأتوا بلا إله إلا الله، وأن يصلوا، ويصوموا، ويزكوا، والحج يحجون

ص: 135

ويعتمرون وهو من البقايا الباقية من دين إبراهيم، ولكن ليس عندهم غيره، مقرون بالشرك، فيقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، يلبون بالشرك، ولهذا لبى النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فقال:«لبيك لا شريك لك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» ، نفي الشرك وهم يقولون: لله شريك، وهم من يعبدونهم من دون الله، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وسائط بيننا وبين الله، هذا في الحج، أما الصلاة فلا يصلون، ولا يزكون، ولا يصومون، ولا يقولون: لا إله إلا الله، وهم في قلوبهم يعتقدون أنه رسول الله، يصدقونه {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} .

اليهود والنصارى أيضا يصدقون أنه رسول الله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146]، {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] ، فهم يعترفون أنه رسول الله بقلوبهم، ولكن أبوا أن ينطقوا بألسنتهم وأبوا أن يتبعوه، فلم يكن التصديق بالقلوب كافيا كما تقوله المرجئة.

وليس هو اعتقاد بالقلب وقول باللسان فقط؛ كما تقوله طائفة من المرجئة، وهم مرجئة الفقهاء، يقولون: الإيمان هو قول باللسان واعتقاد بالقلب، ولو لم يعمل. فيلغون العمل، ولا يدخلونه في الإيمان، جاؤوا باثنين وتركوا الثالث، قالوا: إن العمل ليس بضروري ما دام أنه ينطق ويعتقد فيكفي هذا، وهذا مذهب باطل أيضا، لا بد من الأعمال، والله دائما يقرن الإيمان بالعمل {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}

ص: 136

ما قال: آمنوا فقط، بل قال:{آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، فلا يكون إيمان إلا بالعمل، فالإرجاء مذهب باطل بجميع أقسامه.

والأشاعرة جاؤوا بواحد وتركوا اثنين، فيقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب ولو لم ينطق بلسانه، فمن صدق بقلبه فهو مؤمن حتى ولو ما يتكلم.

والحق هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو مأخوذ من الكتاب والسنة، أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.

وقوله: «يزيد بالطاعة» ، قال تعالى:{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124] ، دل على أن الإيمان يزيد، وأهل الضلال يقولون: لا يزيد بل هو شيء واحد في القلب. وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 2 - 4] ، فذكر الأعمال، وحصر الإيمان في هؤلاء {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} ، ذكر أقوالا، وذكر أعمالا: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ووجل القلوب، هذا هو الإيمان، فدل على أنه يزيد بالطاعة، فيزيد بالصلاة، ويزيد بالزكاة، ويزيد بتلاوة القرآن، فهو يزيد، وقال تعالى:{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] ، دل على أن الإيمان يزيد وكذلك ينقص، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» ، فدل على أن الإيمان له أعلى وله

ص: 137

أدنى، وقال صلى الله عليه وسلم:«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ، دل على أن الإيمان يضعف وينقص، وفي الحديث:«انطلق، فمن كان في قلبه أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار» ، فدل على أن الإيمان ينقص حتى يكون مثل حبة الخردل، فالناس ليسوا سواء في الإيمان، بعضهم أقوى إيمانا من بعض.

المرجئة يقولون: أهله في أصله سواء. ويقولون: لا فرق بين إيمان أبي بكر وإيمان الفاسق من الناس، كلهم مؤمنون.

أما أهل السنة فيقولون: هذا إيمانه يعدل الجبال، وهذا إيمانه يعدل مثقال ذرة أو حبة من خردل، لا يسوى بينهم.

هذا معنى قولهم: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، كلما أطاع المسلم ربه ازداد إيمانا، وكلما مال عصى ربه نقص إيمانه، هذا هو المذهب الحق، وهذا هو تعريف الإيمان الصحيح.

ص: 138