الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الدجال وصفته وما معه
[126]
ولمسلم: عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع1، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال:"ما شأنكم" قلنا يا رسول الله! ذكرت الدجال غداةً فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال: "غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم.. وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط2، عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلةً3 بين الشام والعراق فعاث يمينًا وعاث شمالاً، يا عباد الله! فاثبتوا" قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض قال: "أربعون يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال: "لا، اقدروا له قدره" قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض قال: "كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به، ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر، والأرض
1 وفي معناه قولان: أحدهما أن خفض بمعنى حقر. والآخر: أنه خفض من صوته في حال الكثرة فيما تكلم فيه، فخفض بعد طول الكلام والتعب ليستريح ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد بلاغاً كاملاً مفخماً.
2 أي شديد جعودة الشعر.
3 موضع حزن وصخور.
فتنبت فتروح عليهم سارحتهم1، أطول ما كانت ذرًا، وأسبغه ضروعًا وأمده خواصر2، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين3، ليس بأيديهم شيء، من أموالهم ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل4، ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين، رميةً الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم صلى الله عليه وسلم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين5.
واضعًا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ6، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد7، فيقتله ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قومًا قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم8 ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو ذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عبادًا لي، لا يدان لأحد بقتالهم9، فحرز عبادي إلى الطور10،
1 السارحة: هي الماشية التي تسرح، أي تذهب أول النهار إلى المرعى، والذرا: الأعالي والأسمنة، وأسبغة: أي أطوله لكثرة اللبن.
2 أمده خواصره: لكثرة امتلائها من الشبع.
3 أي أصابهم المحل، من قلة المطر، ويبس الأرض من الكلأ.
4 هي ذكور النحل.
5 أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران.
6 المراد ينحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ في صفائه.
7 بلدة قريبة من بيت المقدس.
8 يحتمل أنه أشارة إلى كشف ما هم فيد من الشدة والخوف.
9 قال العلماء معناه: لا قدرة ولا طاقة.
10 أي ضمهم واجعله لهم جزراً.
ويبعث الله يأجوج ومأجوج {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} 1 فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماء، ويحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه -يعني إلى الله- فيرسل الله عليهم النغف2 في رقابهم فيصبحون فرسى3 كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم4، فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله فيرسل عليهم طيرًا كأعناق البخت5 فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن6 منه بيت مدر7 ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة8، ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك، وردي بركتك.
فيومئذ تأكل العصابة9 من الرمانة ويستظلون بقحفها10 ويبارك في
1 سورة الأنبياء، الآية:96.
2 هو دود يكون في أنوف الإبل والغنم.
3 أي: القتلى.
4 أي دسمهم ورائحتهم الكريهة.
5 كأعناق البخت: وهي جمال طوال الأعناق.
6 أي: لا يمنع من نزول الماء.
7 هو الطين الصلب.
8 معناه: كالمرآة، قيل كا لآجانة الخضراء، وقيل كالصفحة، وقيل كالروضة.
9 الجماعة.
10 هو مقعر قشرها.
الرسل1، حتى أن اللقحة2 من الإبل لتكفي الفئام3 من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس4 بينما هم كذلك بعث الله ريحًا طيبةً فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر5، فعليهم تقوم الساعة" 6.
[127]
وفي رواية بعد قوله: "لقد كان بهذا مرةً ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر7 وهو جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم8 إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبةً دمًا"9.
[128]
وله: عن أبي سعيد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا حديثًا طويلاً عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: "يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة10، فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ
1 هو اللبن.
2 وهي القريبة العهد بالولادة.
3 هي الجماعة الكثيرة.
4 الفخذ من الناس: الجماعة من الأقارب وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة.
5 أي: يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس، كما يفعل الحمير، ولا يكترثون لذلك.
6 صحيح مسلم بشرح النووي ج18 كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه ص63.
7 هو الشجر الملتف الذي يستر من فيه.
8 أي سهامهم.
9 صحيح مسلم بشرح النووي ج18 كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ذكر الدجال وصفته وما معه ص70-71.
10 أي: طرفها وفجاجها.
رجل وهو خير الناس أو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه والله ما كنت فيك، قط أشد بصيرةً مني الآن قال: فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه" 1.
[129]
وله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح2 مسالح الدجال فيقولون له: أين تعمد فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج قال: فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا فيقول: ما بربنا خفاء فيقولون: اقتلوه فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدًا دونه قال: فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس! هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيأمر الدجال به فيشبح3، فيقول: خذوه وشجوه4 فيوسع ظهره وبطنه ضربًا قال: فيقول: أوما تؤمن بي قال: فيقول: أنت المسيح الكذاب، قال: فيؤمر به فيؤشر بالمئشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم قال: يمشي بين القطعتين، ثم يقول له: قم فيستوي قائمًا قال: ثم يقول له: أتؤمن بي فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرةً، قال: ثم يقول: يا أيها الناس! إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال: فيأخذه الدجال ليذبحه.
1 صحيح مسلم بشرح النووي ج18 كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب صفة في الدجال وتحريم المدينة عليه وقتله المؤمن وإحيائه ص71-72.
2 قوم معهم سلاح.
3 أي: مدوه على بطنه.
4 الشج: هو الجرح في الرأس.
فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته1 نحاسًا، فلا يستطيع إليه سبيلاً، قال: فيأخذ بيده ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا أعظم الناس شهادةً عند رب العالمين"2.
[130]
وله: عن المغيرة قال: ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته فقال: "وما ينصبك منه3 إنه لا يضرك" قلت: يا رسول الله إنهم يقولون: إن معه الطعام والأنهار فقال: "هو أهون على الله من ذلك" 4 وفي رواية: "أي بني"5.
[131]
وله: عن ابن عمرو وجاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا فقال: سبحان الله! أو لا إله إلا الله أو كلمةً نحوهما، لقد هممت ألا أحدث أحدًا شيئًا أبدًا، إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمرًا عظيمًا، يحرق البيت، ويكون، ويكون، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يومًا، أو أربعين شهرًا، أو أربعين عامًا فيبعث الله عيسى ابن
1 هي: العظم الذي بين ثغرة النحر والعنق.
2 صحيح مسلم بشرح النووي ج18 كتاب الفتن وأشراط الساعة باب صفة الدجال وتحريم المدينة وقتله المؤمن وإحيائه ص72-73.
3 أي: ما يتعبك من أمره.
4 صحيح مسلم بشرح النووي ج18 كتاب الفتن باب في الدجال ص74.
ثال القاضي: هو أهون على الله من أن يجعل ما خلقه الله تعالى على يده مضلاً للمؤمنين. ومشككاً لقلوبهم. بل إنما جعله له ليزداد الذين أمنوا إيماناً، وتثبت الحجة على الكافرين والمنافقين ونحوهم. وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك.
5 المصدر السابق ص75.
مريم عليه السلام كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحًا باردةً من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته" حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل1 لدخلته عليه، حتى تقبضه قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع2 لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون فيقولون: فما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتًا ورفع ليتًا3، وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله4، قال فيصعق ويصعق الناس، ثم يرسل الله-أو قال: ينزل الله- مطرًا، كأنه الطل، أو الظل نعمان الشاك5 فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} 6 ثم يقال: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} 7 ثم يقال: أخرجوا بعث النار، فيقال: من كم فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعةً وتسعين.
1 أي: وسطه وداخله.
2 قال العلماء معناه: يكونون في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد كطيران الطير، وفي العدوان وظلم بعضهم بعضاً في أخلاق السباع العادية.
3 أصغى: أمال. والليت: صفحى العنق.
4 أي: يطينه ويصلحه.
5 والشك من الراوي نعمان.
6 سورة الزمر، الآية:68.
7 سورة الصافات: الآية: 24.
قال: فذاك يوم {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} 1وذاك {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} " 2 3.
1 سورة المزمل، الآية:17.
2 سورة القلم، الآية:42.
3 صحيح مسلم بشرح النووي ج18 كتاب الفتن وأشراط الساعة باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض ونزل عيسى وقتله وذهاب أهل الخبرة والإيمان ص75-76.
قال العلماء معناه: يوم يكشف عن شدة وهول عظيم أي يظهر ذلك. وأصله أن من وجد في أمره كشف ساقه مشمراً في الخفة والنشاط له.