الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب صفة الصلاة)
(يستحب أن يقوم إليها عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة. إن كان الإمام في المسجد، وإلا إذا رآه)، (قيل للإمام أحمد قبل التكبير: تقول شيئاً) ،
ــ
(باب صفة الصلاة)
حقيقتها، وبيان ما اشتملت عليه من الأقوال والأفعال والكيفيات. وهذا شامل لأركانها، وواجباتها، ومندوباتها.
(يستحب أن يقوم إليها عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة. إن كان الإمام في المسجد، وإلا إذا رآه) يندب أن يكون الإمام والمأموم على جلوسهما إلى وصوله إلى "قد قامت الصلاة" وعند وصوله إلى قد قامت يقومان -وذكر بعضهم استحباب جلوسه إن كان قائماً إلى أن يصل المؤذن إلى "قد" من الإقامة- لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. وإن لم يكن الإمام في المسجد ولا رآه بل كان خارج المسجد فلا يقوم من مكانه حتى يرى الإمام، كما في قوله:"إذا قامت الصلاة ولم تروني فلا تقوموا"، فإذا كان في المسجد فيقام عند "قد" لأنه بيان لقرب الصلاة، فما بعد الإقامة إلى القيام في الصلاة، ليحصل التراص والتساوي قبل إحرام الإمام. وإذا كان الإمام ليس حاضراً فقوله:"قد" وعدمه واحد، فيكون كما هو حتى يأتي الإمام. وإذا كان الإمام متأخراً فيكون القيام بعدما يدخل الإمام؛ لأنه من حين يتقدم يأتي بالتحريمة. وإن لم يره وتحقق أنه جاء قام.
(قيل للإمام أحمد قبل التكبير: تقول شيئاً) يعني تتلفظ بالنية؟.
(قال: لا. إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه) ، (ثم يسوي الإمام الصفوف بمحاذاة المناكب والأكعب) ،
ــ
(قال: لا. إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه) فالنية ليست أكثر من استشعار ما سيفعله ويعزم عليه ثم يفعله بعد شعوره به1، كإنسان يتوضأ الفجر، وكمن يرى المسجد فدخل معهم وهم يصولن. النية تصورك ما ستفعله والعزم عليه، ثم فعله بعد التصور، وهي من القلب؛ لا حظ للسان فيها أبداً.
والتلفظ بها بدعة. لأن هذا لم يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من خلفائه ولا من صحبه المرضيين ولا أحد الأئمة المتبوعين، ولا لها مستند، إنما قال الشافعي كلمة ظن بعض أصحابه أنه عنى بها النية، وهو غلط. والدليل دل على أنه لا بد لكل عمل من نية، وتقدم النية. فالذي ليس فيه نية كون الإنسان يتبرد بجميع بدنه في الماء وبعدما خرج من الحمام قال في نفسه: أنا أريد أن يكون هذا عن جنابتي، أو يغسل وجهه للتنظيف ثم لما غسله نوى أن يجعل هذا من الوضوء فيغسل اليدين بعده فلا يصح. الحاصل أنه لا أصل لوقوف الإنسان وتصوره، (نون)(ي)(هـ) بل تصورك وقصدك إياه هذه هي النية.
(ثم يسوي الإمام الصفوف بمحاذاة المناكب والأكعب) تسن تسوية الصف بمحاذاة المناكب والأكعب: أن يكون كعب هذا محاذ لكعب هذا، ومنكب هذا محاذ لمنكب هذا. هذا في القيام. أما في
1 فتصور والعزم عليه هذا هو النية. وإذا فعله بعد ذلك حصلت النية والفعل المطلوب كما يأتي.
(ويسن تكميل الصف الأول فالأول) ، (وتراص المأمومين) ، (وسد خلل الصفوف) ، (ويمنة كل صف أفضل) ، (وقرب الأفضل من الإمام) ،
ــ
الجلوس فالمحاذاة فيه بالمناكب، والمقاعد: جمع مقعدة. وليس العبرة بالمحاذاة برؤوس الأصابع في حال القيام ولا بمؤخر الرجلين وهي الأعقاب؛ فإن الرجلين تختلف طولاً وقصراً باختلاف الساقين. المقصود أنه لا يتحقق الاستواء في الصف إلا بالأكعب. والكعب هو العظم الناتئ. وجاء في الأحاديث المبالغة في هذا: أنه كان يلصق الرجل كعبه في كعب الرجل.
(ويسن تكميل الصف الأول فالأول) وجاء في الحديث أنه يقال للمتأخر: تقدم يا فلان، وللمتقدم تأخر يا فلان. فمشروع أن يكون الصف مستوياً. (وتراص المأمومين) ويكونون متراصين، كون هذا راص هذا، وهذا في الأحاديث معروف. (وسد خلل الصفوف) إذا رأى خللاً في الصف أشار إلى ذلك. وإن احتيج إلى زيادة بيان فيستعمل، كما في حديث:"لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".
فعرفنا من قراءتك هذه فوائد. أحدها: أنه يندب أن لا يكبر الإمام حتى تستوي الصفوف. الثانية: أنه لا يبدأ في الصف الثاني ولا الثالث قبل كمال الأول أو الثاني. الثالثة: سد الفرج. وأدلة ذلك معروفة.
(ويمنة كل صف أفضل) وفي الحديث: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف".
(وقرب الأفضل من الإمام) والقرب من الإمام أفضل،
(لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى") ، (وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)، (ثم يقول وهو قائم مع القدرة: ألله أكبر) ، (لا يجزئه غيرها) ،
ــ
(لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى") فدل على أن الأحق بولاية الأمام أولو الأحلام والنهى ليسمع القرآن من الإمام تماماً. ويرى بعينيه صلاة الإمام، ويفيد تفضيل الدنو من الإمام كما تقدم. (وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) هذا متن حديث ورد، وإن كان فيه مقال. وذلك لتقدمهم للصلاة، ولبعدهم عن النساء، ولكونهم يأخذون عنه الاقتداء، ويخشى عليهم الفتنة بالنساء. والنساء بالعكس يخاف على الأولات أن يفتَتن أو يفتِن؛ فإن في قربهم نوع فتنة من الناحيتين، فتغايرت الأفضلية والشرعية. والنساء لهن صفوف كما للرجال صفوف، كما يفيده هذا الحديث الذي هذا متنه.
(ثم يقول وهو قائم مع القدرة: ألله أكبر) يعني في الفريضة فلا يصح منه وهو جالس، فإن فعل لم يجزئه فريضة، يعني أنها شرط إذا كان قادراً. أما لو كان مربوط1 أو مرحول1 أو مريض1 لا يقدر أصلاً أو بمشقة لا تحتمل أو خائف1 من رؤية عدو أو سبع سقط عنه للعذر. (لا يجزئه غيرها) فلو قال: الله أجل، أو: أمجد. أو: الله
1 هذه الكلمات كتبتها هكذا، لأنه وقف عليها بالسكون ولهذه الكلمات نظائر و"المرحول": المقعد.
(والحكمة في افتتاحها بذلك ليستحضر عظمة من يقوم بين يديه فيخشع)، (فإن مد همزة "ألله" أو "أكبر" أو قال:"إكبار" لم تنعقد) ، (والأخرس) ، (يحرم بقلبه) ، (ولا يحرك لسانه) ، (وكذا
ــ
الكبير. لم يجز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي" وهو ما عرف عنه إلا "الله أكبر" فتبين أن أنواع التعظيم الأخرى لا تجزي.
(والحكمة في افتتاحها بذلك ليستحضر عظمة من يقوم بين يديه فيخشع) إذا بحث ما السر والحكمة في كون هذه الكلمة اختيرت -فإن كل الشرعيات على الحكمة والمصلحة عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله، وكذلك قضائه وقدره- فالسر والحكمة أن يستحضر الإنسان كبرياء رب العلمين وتفرده بها، فيحمله على سكون قلبه وذله وإخباته لربه. والخشوع: هو لب الصلاة، ولا يكتب له إلا ما عقل منها.
(فإن مد همزة "ألله" أو "أكبر" أو قال: "إكبار" لم تنعقد) . هنا يتصور ثلاث لحنات كل واحدة تبطل الصلاة فرضاً أو نفلاً. أحدها: مد همزة "أله" أو "أكبر" أو الباء. فمد همزة "ألله أكبر" خطر كبير -لا تعَلَّم دينه ولا نظر نظراً كاملاً- وإنما كانت مبطلة لكونها بمعنى كأنه سؤال استفهام: الله أكبر، أم لا؟ والذي يستفتح صلاته بـ "ألله آكبر" بمد ألف "أكبر" فإنه أيضاً استفهام. و"إكبار" هذا ما استفهم، لكن الإكبار شيء معروف في كلام العرب. يقال له:"الطبل" فإذا قال ذلك ما أثبت الأكبرية لله؛ لأن هذا كله يغير المعنى. ثم التساهل في اليسير يجر إلى الإخلال بالكثير.
(والأخرس) الأطرم، (يحرم بقلبه) ونيته وتصح (ولا يحرك لسانه) ولو كان يحسن بعض الحروف لعدم حصول المقصود بلسانه،
حكم القراءة والتسبيح وغيرهما) ، (ويسن جهر الإمام بالتكبير، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كبر الإمام فكبروا"، وبالتسميع لقوله: " وإذا قال سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد") ، (ويسر مأموم ومنفرد) ، (ويرفع يديه، ممدودتي الأصابع، مضمومة، ويستقبل ببطونهما القبلة، إلى حذو منكبيه) ،
ــ
فيكون تحريكه عبثاً لا يرجع بالكفاف. فيحرم بقلبه لا غير. وهكذا حكم أقواله عبث، فلسانه كأنه أحد أعضائه الأخرى. (وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيرهما) الأخرس لا يقرأ ولا يسبح ولا يكبر ولا يأتي بذكر. يسبح بقلبه. وتحريكه لسانه عبث. ربما يقال: إنه إذا حركه وأكثر يبطل الصلاة؛ لأنه عمل من الأعمال، وإن كان وجد منه بعض الكلمات فهو متكلم بكلام يبطل ولا صار قولاً. هذا عمل. فيكفي إتيانه بالمشروعات بقلبه. وإن قدر على النطق بـ "ألله" نوى "أكبر" والغالب أنه لا يقدر. والمراد الذي بأصل الخلقة. وكثيراً ما يكون الخُرْسُ لا ينطقون.
(ويسن جهر الإمام بالتكبير، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كبر الإمام فكبروا"، وبالتسميع لقوله: "وإذا قال سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد") يسن للإمام رفع الصوت بالتكبير، كما يسن في حقه رفع الصوت بسمع الله لمن حمده، لقوله:"إذا كبر الإمام"، وإذا قال:"سمع الله لمن حمده" فدل على أنه يكبر تكبيراً يسمعونه بحيث يقولون كقوله: "ألله أكبر"، و:"ربنا ولك الحمد"، (ويسر مأموم ومنفرد) أما المنفرد والمأموم فيسن الإسرار في حقهما. (ويرفع يديه، ممدودتي الأصابع، مضمومة، ويستقبل ببطونهما القبلة، إلى حذو منكبيه) يرفع
(إن لم يكن عذر) ، (ويرفعهما إشارة إلى كشف الحجاب بينه وبين ربه) ، (كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية) ، (ثم) ، (يقبض كوعه الأيسر بكفه الأيمن) ، (ويجعلها تحت سرته) ،
ــ
يديه إلى فوق، (إن لم يكن عذر) يمنع وصولهما إلى هذا أو يكون أكثر، فإن كان هناك مانع يمنع المقدار فكونه أكثر أو أقل لا بأس به. (ويرفعهما إشارة إلى كشف الحجاب بينه وبين ربه) كأنه رفع الحجاب، قبل موجود ورفع ودخل1.
(كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية) . رفعها إشارة إلى أن معبوده واحد، فيجمع بين ما في القلب من اعتقادها وبين الإشارة إليها بالأصبع الواحد وهذا أتم، كما تقدم.
(ثم) بعد فراغه من تكبيرة الإحرام يسن أن (يقبض كوعه الأيسر بكفه الأيمن) يقبض كوع يسراه بكف يمناه. والكوع هو العظم الذي في أعل الذراع مما يلي الرسغ. ومقابله العظم الثاني من جانب الخنصر، ويقال له: الكرسوع. فالكوع والكرسوع هما طرفا الزندين. والقبض هو إمساك الشيء بيده، (ويجعلها تحت سرته) وبعد القبض باليمنى على اليسرى يجعلهما تحت سرته، وهو القول المشهور في المذهب. وفي رواية أخرى عن أحمد: على صدره. وفي رواية أخرى: أنه مخير. وقبض كوع اليسرى بكفه اليمنى اتفقت عليه الأحاديث ولا نزاع فيه، إلا أن يكون شيء شاذ. لكن اختلف في موضعهما بعدما يقبض كوع يسراه بكف يمناه وجعلهما على مقدم بدنه: هل محل ذلك ما
1 قلت: وبعض العماة يعكس: يرفعهما قبل الشروع في التكبير، وإذا شرع في التكبير حطهما، فكأنه يشير إلى إسدال الحجاب.
(ومعناه ذل بين يدي ربه عز وجل ، (ويستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصلاة) ،
ــ
تحت السرة؟ أو على الصدر؟ ذهب جماعة وهو قول كثير من أهل الحديث إلى أنه على الصدر، لما في رواية وائل بن حجر:"على صدره" وهي زيادة على رواية الجماعة الذين لم يذكروا موضعهما. والزيادة من الثقة مقبولة. والرواية الأخرى: أنه يجعلهما تحت السرة، لخبر علي وغير ذلك من آثار عضدته وقوته. وابن القيم قرر في كتابه البدائع وذكر أيضاً شيئاً من ذلك -أظن في كتاب الإعلام- بما حاصله: أن الرواية عن وائل فيها شذوذ، ورجح جعلهما تحت السرة وقال: فيه حديث علي ومعضود بغيره1، وكل هذا من باب الاستحباب والندب، لا من باب الوجوب. فالقائلون: إنه يجعلهما تحت السرة عندهم أنه تارك للمندوب وإلا فهو جائز، وكذلك عند أهل القول الآخر. (ومعناه ذل بين يدي ربه عز وجل السر في ذلك أنه ذل بين يدي رب العالمين، وذلك أن المصلي أمسك جارحت العمل والتصرف إحداهما بالأخرى، ووضعهما على صدره أو ما تحته كفّاً للنفس عن أي تصرف أو حركة تعظيماً لمن مثل بين يديه طاعة وذلاً وخضوعاً له سبحانه وتعالى.
(ويستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصلاة) لأنه
ــ
1 مؤمل عن سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره فقد روى هذا الحديث عبد الله بن الوليد عن سفيان لم يذكرا ذلك ورواه شعبة وعبد الواحد لم يذكر خالفاً* (بدائع الفوائد ج2/92، وفي الإعلام ج2/381) ولم يقل على صدره غير مؤمل بن إسماعيل.
* كذا بالأصل. ولعه: لم يذكرا هذا.
(إلا في التشهد فينظر إلى سبابته) ، (ثم يستفتح سراً)، (فيقول: سبحانك اللهم وبحمدك) ، (أي أنزهك التنزيه عما لا يليق بجلالك يا الله)، (وبحمدك. قيل معناه: أجمع لك بين التسبيح والتحميد) ، (وتبارك اسمك) ،
ــ
ادعى إلى خشوعه؛ بخلاف نظره من هنا وهنا فهو مما يشوش على خضوعه، كلما كثر المنظور تفرق النظر، وكثر انتقاش المرئيات في القولب؛ فإن النظر إلى موضع واحد يقل فيه التفكير والتشوش، وجاء في حديث:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع بصره إلى السماء في الصلاة فأنزل الله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [23/1، 2] قال: فطأطأ". (إلا في التشهد فينظر إلى سبابته) لكن يستثنى من هذا حالة واحدة وهي ما إذا كان في التشهد فإنه ينظر إلى سبابته، لحديث ابن الزبير:"لا يجاوز بصره إشارته". والسر في هذا أنه أتم للإخلاص لله (بالوحدانية.
(ثم يستفتح سراً) بعدما يكبر يستفتح، والسنة أن لا يجهر بالاستفتاح (فيقول: سبحانك اللهم وبحمدك) والتسبيح معناه: التنزيه، (أي أنزهك التنزيه عما لا يليق بجلالك يا الله) وقوله:(وبحمدك. قيل معناه: أجمع لك بين التسبيح والتحميد) فيكون بمعنى سبحان الله وبحمده. (وتبارك اسمك) هذه الصيغة جاءت في النصوص في حق الرب وحده: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [23/14]{فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [40/64] في آيات. وهي على وزن تفاعل من البركة.
(وتعالى جدك) ، (ولا إله غيرك)
ــ
وجاء عن ابن عباس: تعاظم. يريد بيان صيغة تفاعل، وإلا فالبركة كثرة الخير والنفع ودوامه. "واسمك" هذا مضاف مفرد فيعم جميع الأسماء كـ "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء" المعنى: بلغت أسماؤه في الكثرة والبركة والدوام الغاية التي لا غاية وراءها. وفي هذا إثبات الأسماء للرب سبحانه وتعالى، ومسلك أهل السنة والجماعة إثبات جميع ما جاء في الكتاب والسنة إثباتاً بريئاً من تمثيل الممثلين، كما أنهم ينزهون الله سبحانه عما لا يليق بجلاله تنزيهاً بريئاً من تعطيل المعطلين. وأسماء الله كسائر كلام العرب معروفة المعاني، فيعتقد مدلولها، ويؤمن به على ما يليق بجلال الله وعظمته، على حد قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [42/11](وتعالى جدك) تعالى على وزم تفاعل، مثل تبارك، يعني بلغ من العلو الغاية. والعلو: الرفعة والارتفاع. وهو على ثلاثة أقسام، وكلها ثابتة لله: علو الذات، كما قال عبد الله بن رواحة:
وأن العرش فوق الماء طاف
…
وفوق العرش رب العالمينا
وعلو القدر والشرف. وعلو القهر والغلبة. "جدك" أي عظمتك. يعني: ارتفع قدرك وعظم.
فهذه: التكبير، والتحميد، والتهليل إذا ضمت إلى تكبيرة الإحرام هي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم:"هن أفضل الكلام " على الإطلاق.
(ولا إله غيرك) يعني: أنت وحدك المعبود بالحق؛ بل من عبد غيرك فهو معبود بالباطل والضلال.
(ويجوز الاستفتاح بكل ما ورد) ، (ثم يتعوذ سراً)، (فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ، (وكيفما تعوذ من الوارد فحسن) ،
ــ
وبعبارة أخرى: هذا معنى كلمة الإخلاص "لا إله إلا الله" فإن هذه الكلمة العظيمة فيها إثبات الإلهية لله، وهذه الكلمة أساس الملة، وهي دلت على إفراد الله بجميع أنواع العبادة واستحقاقه لها بالمطابقة، ودلت على توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات بالتضمن.
(ويجوز الاستفتاح بكل ما ورد) ورد "سبحانك اللهم" إلى آخره. "وجت وجهي" إلى آخره. "اللهم لك الحمد" إلى آخره. إذا استفتح الإنسان بواحد فقد جاء بوجه من أوجه السنة؛ لكن قد يكون بعضها أولى من بعض: إما مطلقاً، وإما في بعض الحالات1.
والأولى هذا "سبحانك اللهم
…
" لكونه أجمعها، وأفضلها في ذاته لاشتماله على ما تقدم لك.
(ثم يتعوذ سراً) يعني بعد الاستفتاح وهو سنة، كما أن الاستفتاح والسر به سنة، (فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) والتعوذ لأجل قراءة القرآن، للآية الكريمة:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [16/98] أي إذا أردت القراءة. (وكيفما تعوذ من الوارد فحسن) أشار المصنف إلى أنه وارد أشياء عديدة منها هذا ومنها غيره، وأي شيء استعاذ به المصلي جاز -كما أنه ورد في الاستفتاحات
1 ويأتي ذكر ألفاظها قريباً في باب صلاة التطوع إن شاء الله تعالى.
(ثم يبسمل سراً)، (فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم) ، (وليست من الفاتحة ولا غيرها، بل هي آية من القرآن قبلها، وبين كل سورتين سوى براءة والأنفال) ، (وتسن كتابتها أوائل الكتب) ، (كما كتبها سليمان عليه السلام ، (وكما كان
ــ
أشياء عديدة- أيها جاء به المصلي- أو خارج الصلاة كان مستعيذاً الاستعاذة المشروعة. لكن من أقواها هذا اللفظ، للآية السابقة.
(ثم يبسمل سراً) بعد الاستفتاح ندب لا وجوب، كل الثلاثة ندب، وكلها مما لا يجهر بها، (فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم) والجهر بها خلاف السنة، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين عدم الجهر. ورواية:"كانوا يسرون" شيء صحيح صريح لا يحتمل خلاف ذلك. فالمشروع أن تكون سراً لا جهراً، هذا الذي تدل عليه الأحاديث عند التأمل. وجاءت أحاديث صريحة دالة على الإسرار. وما جاء من أحاديث معارضة لها فإما غير صحيح أو غير صريح.
(وليست من الفاتحة ولا غيرها، بل هي آية من القرآن قبلها، وبين كل سورتين سوى براءة والأنفال) هي آية من القرآن مستقلة منفردة أمام جميع السور، فصل بين السور، وهي بعض آية من سورة النمل. (وتسن كتابتها أوائل الكتب) يعني أوائل الخطوط، فإذا كان أكبر فبطريق الأولى. فهو مسنون مطلقاً في الرسائل والكتب (كما كتبها سليمان عليه السلام لبلقيس:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [27/30] فهو ابتاء نبي، وشرعنا أيد أصل ذلك، ودل على أنه مشروع أن يبتدأ بها. وإلا ففيه تقديم غير البسملة عليها، (وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم
النبي صلى الله عليه وسلم يفعل) ، (وتذكر في ابتداء جميع الأفعال) ، (وهي تطرد الشيطان)، (قال أحمد: لا تكتب أمام الشعر ولا معه) ، (ثم يقرأ الفاتحة مرتبة) ،
ــ
يفعل) يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد
…
؛ ولم يقل: من محمد بسم الله (وتذكر في ابتداء جميع الأفعال) لحديث: "كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم" عند التنقلات من الأحوال، وعند المهمات يؤتى بها: كالشرب، والجماع، ودخول الدار، والخروج منها، وغير ذلك (وهي تطرد الشيطان) كما ورد1، هذا سر كتابتها (قال أحمد: لا تكتب أمام الشعر ولا معه) والقرآن مخالف للشعر، قال الله تعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [36/69] ولكن صِنفٌ من ذلك ليس المقصود به الشعر؛ بل المقصود به العلم، كأنواع العلوم التي تؤلف نظماً فتكتب فيها، ما فيها ليس محذوراً؛ لأن المقصود غير الشعر. والذي يعمل القصائد ليعطى، هذا مذموم، ذكر بعض أهل العلم أنها ترد شهادته.
(ثم يقرأ الفاتحة مرتبة) فإن نكسها لم تصح، فإنها ليست هي الفاتحة. لو قال بعدما سمى:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أو قدم كلمة على كلمة كالرحيم
1 ومنه: "لو أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقناه فإنه إن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً"، ومنه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما دفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه" أخرجه أبو داود.
(متوالية) ، (مشددة) ، (وهي ركن في كل ركعة)، (كما في الحديث:"لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب") ،
ــ
الرحمن. (متوالية) وكذلك لا بد من الإتيان بها متوالية، يعني لا يفصل بين الآيات، أو بين الكلمات كلمة عن كلمة، وهو أشد. والفصل ينقسم إلى فصل بسكوت، وفصل باشتغال بآخر، وكل منهما مفيت للموالاة إذا طال وكثر، إلا إذا كان مشروعاً؛ فإن قطعها بذكر غير مشروع ولو أنه ذكر، أو سكوت غسر مشروع وطال عرفاً لزمه استئناف الفاتحة من أولها؛ لأنه يقطع بعضها عن بعض، وإطالة الزمن لا يعد قارئها؛ بل يعد قراءة بعض وترك بعض، ثم نوبة أخرى قرأ بعضاً وترك بعضاً. أما إذا كان القطع بسكوت وذكر غير مشروع قصير عرفاً فإن ذلك لا يبطل. وإذا كان ليس ذكراً بل أجنبياً من الصلاة فإن هذه مسألة الكلام في الصلاة عمداً أو سهواً. أما إذا كان ذكراً مشروعاً أو سكوتاً مشروعاً فإن ذلك لو طال -من السكوت المشروع الاستماع لقراءة إمامه، فإذا سكت إمامه وأمكنه أن يقرأ قرأ ندباً لا وجوباً. وعند القائلين بأنه ركن على المأموم أن يقرأ إذا جهر الإمام. وهذا الأخير مرجوح كما يأتي. (مشددة) ويأتي بتشديداتها الإحدى عشرة.
(وهي ركن في كل ركعة) متعين قراءتها، ركن في حق الإمام والمنفرد. أما المأموم فتسفط عنه الركنية، وهذا أحد ما يتحمله الإمام (كما في الحديث:"لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب") فإنه نفي لذات الصلاة وحقيقتها، فدل على بطلانها وأنها لا تصح بدونها والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأها في كل ركعة
(وتسمى أم القرآن) ، (لأن فيها الإلهيات) ، (والمعاد، والنبوات، وفيها إثبات القدر) ، (فالآيتان الأوليان يدلان على الإلهيات)، (وقوله:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} : يدل على المعاد) ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الأمر والنهي والتوكل وإخلاص ذلك كله لله) ، (وفيها التنبيه على طريق الحق وأهله والمقتدى بهم) ، (والتنبيه على طريق الغي والضلال) ، (ويستحب أن يقف عند كل آية) ، (لقراءته صلى الله عليه وسلم ، (وهي أعظم سورة في
ــ
(وتسمى أم القرآن) لها أسماء عديدة: فاتحة الكتاب. وأمّ القرآن. وسميت "أم القرآن" لما فيها من أصول الدين العظيمة، (لأن فيها الإلهيات) والإلهيات هي الأساس، (والمعاد، والنبوات، وفيها إثبات القدر) وهذه أصول عظيمة من أصول الدين (فالآيتان الأوليان يدلان على الإلهيات) الألوهيات (وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} : (يدل على المعاد) الآية الثالثة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} تدل على المعاد؛ فإن المعاد هو الجزاء والحساب. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يدل على (الأمر والنهي والتوكل وإخلاص ذلك كله لله) و"العبادة" اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وكرر إياك للاهتمام والحصر. أي: لا نعبد إلا "إياك"، ولا نتوكل إلا عليك. والدين كله يرجع إلى هذه الآية، (وفيها التنبيه على طريق الحق وأهله والمقتدى بهم) وهو صراط المنعم عليهم، (والتنبيه على طريق الغي والضلال) وأهل طريق الغي والضلال.
(ويستحب أن يقف عند كل آية) من آيات الفاتحة (لقراءته صلى الله عليه وسلم فإن قراءته كانت مدّاً، وكان يقف عند كل آية (وهي أعظم سورة في
القرآن) ، (وأعظم آية فيه آية الكرسي) ، (وفيها إحدى عشرة تشديدة) ، (ويكره الإفراط في التشديد، والإفراط في المد)، (فإذا فرغ قال: آمين بعد سكتة لطيفة) ، (ليعلم أنها ليست من القرآن)، (ومعناها: اللهم استجب) ، (يجهر بها إمام ومأموم معا في صلاة جهرية) ،
ــ
القرآن) أعظم سور القرآن على الإطلاق هي الفاتحة للحديث الوارد في ذلك فإنه جاء في فضل الفاتحة: "ما نزل في التوارة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها"، وفي بعض الروايات: "ولا في الزبور
…
" (وأعظم آية فيه آية الكرسي) ولما قال أبي إنها هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم: " ليهنئك العلم أبا المنذر". .
(وفيها إحدى عشرة تشديدة) لابد من الإتيان بها جميعاً في الفاتحة، فإذا ترك شدة حرف فكأنما ترك حرفاً؛ فإن الحرف المشدد حرفان. فالأول في "االله" من "الحمد لله" إلى آخر الشدات. فلو ترك شدة من الإحدى عشرة ما صحت به تلك الكلمة ما صح به ذلك الحرف. (ويكره الإفراط في التشديد، والإفراط في المد) يعني التعمق والتشدد في المد مكروه، وذلك أنه يحصل منه زيادة حرف.
(فإذا فرغ قال: آمين بعد سكتة لطيفة) يستحب سكوت الإمام بعد {وَلا الضَّالِّينَ} بين ولا الضالين وآمين (ليعلم أنها ليست من القرآن) فائدة ذلك ليعرف أن "آمين" ليست من الفاتحة، وهي طابع الدعاء. (ومعناها: اللهم استجب) فإن الفاتحة من {اهْدِنَا} إلى آخرها "دعاء". (يجهر بها إمام ومأموم معا في صلاة جهرية) يقولها الإمام والمنفرد والمأموم. يجهر بها الإمام والمأموم. وجاء في الحديث: " إذا أمن الإمام
(معاً) ، (ويستحب سكوت الإمام بعدها) ، (في صلاة جهرية لحديث سمرة) ، (ويلزم الجاهل تعلمها) ، (فإن لم يفعل مع القدرة لم تصح صلاته) ، (ومن لم يحسن شيئا منها ولا من
ــ
فأمنوا"، وجاء: "أنه يؤمن الإمام"، "فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" يوافق زمن تأمين المأموم في وقت واحد. ولفظها بالتخفيف ومد أولها. ولو شدد الميم ما صح؛ بل هذا مغير للمعنى؛ فإن معناها قاصدين. وكذلك لو قال: أَمِيْن بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون الياء (معاً) يعني جميعاً مثل ما سبق بلفظ واحد. أما السرية فلا جهر فيها بالتأمين كما لا جهر بالقراءة، فيؤمن سراً.
(ويستحب سكوت الإمام بعدها) يعني بعد الفاتحة (في صلاة جهرية لحديث سمرة) 1 (ويلزم الجاهل تعلمها) لحديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" والذي يعلمها ولا يقرأها لا تصح صلاته. والذي لا يعلمها ويمكنه تعلمها يجب عليه. (فإن لم يفعل مع القدرة لم تصح صلاته) لتركه ركن صلاته قاصداً وهو يقدر على الإتيان به (ومن لم يحسن شيئا منها ولا من
1 "
…
سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} رواية أبي داود قال شيخ الإسملا ابن تيمية قدس الله روحه: والسكتة التي عقب قوله: {وَلا الضَّالِّينَ} من جنس السكتات التي عند رؤوس الآي. إلى أن قال: ولم نعلم نزاعاً بين العلماء أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم الفاتحة ولا غيرها. وقراءته معه منهي عنها بالكتاب والسنة. إلى أن قال: وأيضاً فلو كان الصحابة كلهم يقرأون الفاتحة خلفه أم في السكتة الأولى وإما في الثانية لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فكيف ولم ينقل هذا احد عن أحد من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية خلفه يقرأون الفاتحة، مع أن ذلك لو كان مشروعاً لكان الصحابة أحق الناس بعلمه وعمله، فعلم أنه بدعة. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 23/278) .
غيرها من القرآن) ، (لزمه أن يقول) ، (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله، وهلله، وكبره ثم اركع" رواه أبو داود والترمذي) ، (ثم يقرأ البسملة سراً) ، (ثم يقرأ سورة كاملة) ، (ويجزي آية) ، (إلا أن أحمد استحب أن تكون طويلة) ، (فإن كان في غير الصلاة فإن شاء جهر
ــ
غيرها من القرآن) وكذلك إذا لم يمكنه تعلمها (لزمه أن يقول) في حال قيامه في مكان قراءة القرآن (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله، وهلله، وكبره ثم اركع" رواه أبو داود والترمذي) فمستطيع الفاتحة لا يجزيه غيرها، وإن كان يستطيع بعضها ردده1، فإذا كان لا يحفظ شيئاً من القرآن فيكون الركن في حقه قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. كما تقدم.
(ثم يقرأ البسملة سراً) ثم يبسمل سراً لا جهراً. يعني بعد التأمين وبعد السكوت2. فإن كان خارج الصلاة فهو مخير بين الجهر بالبسملة والإسرار.
(ثم يقرأ سورة كاملة) هذا هو السنة أن يقرأ في كل ركعة بسورة، بكل السورة. ويأتي بيان طولها وقصرها. ولو فرق سورة في ركعتين جاز، (ويجزي آية) بل لو آية (إلا أن أحمد استحب أن تكون طويلة) كآية الكرسي وآية الدين. (فإن كان في غير الصلاة فإن شاء جهر
1 يعني كرره.
2 ويأتي تكملة البحث في الإسرار بها.
بالبسملة وإن شاء أسر) ، (وتكون السورة في الفجر من طوال المفصل) ، (وأوله {ق} )، (لقول أوس: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن) ، (قالوا: ثلاثاً) ، (وخمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل واحد) ، (ويكره أن يقرأ في الفجر من قصاره من غير عذر كسفر ومرض ونحوهما) ، (ويقرأ في المغرب من قصاره) ، (ويقرأ فيها بعض الأحيان من طواله، لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالأعراف) ، (ويقرأ في البواقي من أوساطه إن لم يكن عذر، وإلا قرأ بأقصر منه) ،
ــ
بالبسملة وإن شاء أسر) وأما في الصلاة فيسر لا يجهر لا قبل الفاتحة ولا ببسملة السور؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر. (وتكون السورة في الفجر من طوال المفصل) هذا هو السنة (وأوله {ق} ) أول المفصل فيه نحو سبعة أقوال، وأصحها في أول المفصل "ق" إلى المرسلات، وأوساطه منها إلى الضحى، وقصاره آخره. (لقول أوس: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن) على أيام الأسبوع السبعة (قالوا: ثلاثاً) يعني في أول يوم ثلاث سور (وخمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل واحد) وهذه التعاديد إذا مضت صار آخر ذلك سورة الحجرات، فدل على أن أوله "ق". (ويكره أن يقرأ في الفجر من قصاره من غير عذر كسفر ومرض ونحوهما) فلو كان عذر من سفر أو مرض ونحوهما فلا كراهة، والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه قرأ بالمعوذتين في السفر (ويقرأ في المغرب من قصاره) وتقدم. (ويقرأ فيها بعض الأحيان من طواله، لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالأعراف) ومن المعلوم طولها. (ويقرأ في البواقي من أوساطه إن لم يكن عذر، وإلا قرأ بأقصر منه) وقد ثبت أن
(ولا بأس بجهر امرأة في الجهرية إذا لم يسمعها أجنبي) ، (والمتنفل في الليل يراعي المصلحة) ، (فإن كان قريباً منه من يتأذى بجهره أسر. وإن كان ممن يستمع له جهر) ، (وإن أسر في جهر وجهر في سر بنى على قراءته) ، (وترتيب الآيات واجب) ،
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بـ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} في العشاء. (ولا بأس بجهر امرأة في الجهرية إذا لم يسمعها أجنبي) ولا تجهر المرأة ولا سيما إذا كانت شابة حسنة الصوت فتمنع. وبعبارة أخرى: المرأة تسر، ولا يسمعها إلا ذو محرم. فلا تجهر لأنها عورة، وصوتها سبب للافتتان بها. كل ذكر فهو مجبول على حب النساء، وحب أصواتهن. (والمتنفل في الليل يراعي المصلحة) ما كان أصلح يفعله. إن كان في الجهر مصلحة جهر. والغالب أن الجهر إذا لم يؤذ النيام أنشط، كما قال عمر رضي الله عنه:"أطرد للشيطان، وأوقظ للوسنان" وهو أيضاً أضبط وأوعى. (فإن كان قريباً منه من يتأذى بجهره أسر. وإن كان ممن يستمع له جهر) هذا من تفصيل المصلحة. (وإن أسر في جهر وجهر في سر بنى على قراءته) إن أسر في جهر بنى على قراءته، ولا يعيدها من أولها، إذا جهر بآيتين فلا يردها1. لا يستأنف القراءة من أولها؛ فإن ذلك بعض الفاتحة في مثل المغرب والعشاء. "أو جهر في سر بنى على قراءته" ولا يلزمه الاستئناف. وإن ختمها سراً كفت.
(وترتيب الآيات واجب) فيجب قراءتها على الترتيب المعهود الموجود في الفاتحة وغيرها. فلا يجوز أن يقرأ القارئ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
1 لا يعيدها.
(لأنه بالنص) ، (وترتيب السور بالاجتهاد في قول جمهور العلماء) ، (فتجوز قراءة هذه، قبل هذه؛ ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها) ، (وكره أحمد قراءة حمزة والكسائي والإدغام الكبير لأبي عمرو) ،
ــ
الدِّين} ، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (لأنه بالنص) عن النبي صلى الله عليه وسلم كلما نزلت آية قال صلى الله عليه وسلم:"ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا" رواه الترمذي.
(وترتيب السور بالاجتهاد في قول جمهور العلماء) لا بالنص عن النبي صلى الله عليه وسلم (فتجوز قراءة هذه، قبل هذه؛ ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها) فمصحف ابن مسعود شيء وغيره شيء آخر. ومن دليل جوازه ما جاء في صلاة حذيفة خلف النبي صلى الله عليه وسلم "افتتح سورة البقرة، ثم افتتح سورة النساء ثم افتتح سورة آل عمران" وكذلك ما جاء عن عمر وغيره، كل هذا يدل على ترتيب السور لا يتعين بل تجوز قراءة سورة قبل التي قبلها؛ لكن بعد الترتيب الآن الأولى الترتيب، ولا هو بواجب؛ لكن يستحب أن يكون مرتباً لها، أما عدمه فليس بحرام. واختلاف الصحابة في شيء يسر. وترتيب السور مراعى في شيء له أسباب أو استنساب. فقول المصنف:"ولهذا تنوعت إلى آخره" يشير إلى أنه ليس بواجب؛ فإنها ليست على نمط واحد بل مختلفة.
(وكره أحمد قراءة حمزة والكسائي والإدغام الكبير لأبي عمرو) وهي قراءات معروفة عند أهل القراءات1.
1 وكره أحمد قراءة حمزة والكسائي لما فيهما من الكسر والإدغام والتكلف وزيادة المد. وأنكرها السلف منهم سفيان بن عيينة ويزيد بن هارون. قال في الفروع: ولم يكره أحمد غيرهما. وعنه والإدغام الكبير لأبي عمرو، للإدغام الشيدي. واختار قراءة نافع من رواية إسماعيل بن جعفر عنه، ثم قراءة عاصم. وقال له الميموني: أي قراءة تختار لي فأقرأ بها؟ قال: قراءة ابن العلاء لغة قريش والفصحاء من الصحابة رضي الله عنهم. (انظر كشاف القناع جـ1/345 وشرح المنتهى جـ1 ص182، 183) .
(ثم يرفع يديه كرفعه الأول) ، (بعد فراغه من القراءة وبعد أن يثبت قليلاً) ، (حتى يرجع إليه نفسه) ، (ولا يصل قراءته بتكبير الركوع) ، (فيكبر ويضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ملقماً كل يد ركبة) ، (ويمد ظهره مستوياً) ، (ويجعل رأسه حياله) ، (لا يرفعه ولا يخفضه) ، (لحديث عائشة) ، (ويجافي مرفقيه عن
ــ
(ثم يرفع يديه كرفعه الأول) وتقدم لك الرفع الأول وهو عند تكبيرة الإحرام (بعد فراغه من القراءة وبعد أن يثبت قليلاً) يسكت قليلاً (حتى يرجع إليه نفسه) حتى يتراجع إليه نفسه. وهذه إحدى السكتات. فإنها ثلاث: سكتة قبل القراءة، وسكتة بعد الفاتحة، وسكتة قبل الركوع. (ولا يصل قراءته بتكبير الركوع) كأن يقول:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} الله أكبر، أو يقطع الهمزة فهذا ما ينبغي، السنة جاءت بالفصل قليلاً. فيرفع يديه وهو في حال ابتداء انخفاضه. مبدأ رفع يديه بابتداء التكبير وينهيه عند كماله. (فيكبر ويضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ملقماً كل يد ركبة) ملقماً كلا يديه ركبتيه (ويمد ظهره مستوياً) أعلى ظهره (ويجعل رأسه حياله) وِزَانَه (لا يرفعه ولا يخفضه) فلا يرفع أعلاه ولا بالعكس (لحديث عائشة) "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير" إلى قولها:"وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك"(ويجافي مرفقيه عن جنبيه) يحني
جنبيه) ، (لحديث أبي حميد)، (ويقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم) ، (لحديث حذيفة رواه مسلم) ، (وأدنى الكمال ثلاث) ، (وأعلاه في حق الإمام عشر) ، (وكذا حكم سبحان ربي الأعلى في السجود) ، (ولا يقرأ في الركوع والسجود لنهيه صلى الله عليه وسلم عن
ــ
مرفقيه عن جنبيه (لحديث أبي حميد) في الصلاة وفيه: "فنحاهما عن جنبيه" وفي بعض أفاظه: "فيجافي يديه عن جنبيه" فهذا من سنن الصلاة الفعلية.
(ويقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم) هذا واجب، (لحديث حذيفة رواه مسلم) وفي حديث عقبة بن عامر: لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [56/96] قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم"، فلما نزلت:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [87/1] قال: "اجعلوها في سجودكم". (وأدنى الكمال ثلاث) الواجب مرة (وأعلاه في حق الإمام عشر) أما المنفرد فلا حد له. هذا كله في الركوع (وكذا حكم سبحان ربي الأعلى في السجود) أيضاً أعلاه في حق الإمام عشر، وأدناه ثلاث. وعلى القول بالوجوب واحدة والباقي سنن.
(ولا يقرأ في الركوع والسجود لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك) لحديث: "نهيت أن قرأ القرآن راكعاً أو ساجداً. أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" ولهذا في حديث آخر: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" فالمناسب في حال السجود أن يدعو الله ويسأله، وأما القرآن فهو مشروع في القيام في الصلاة؛ فإن هيئات الصلاة الصورية انتصاب وغيره، فشرع في الانتصاب. والحكمة أن القرآن أشرف القول الذكري على الإطلاق
ذلك) ، (ثم يرفع رأسه ويرفع يديه كرفعه الأول)، (قائلاً إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده وجوباً) ، (ومعنى سمع استجاب) ، (فإذا استتم)، (قائماً قال: ربنا ولك الحمد، ملء
ــ
وأعلاه فناسب له الهيئة التي هي أعلا الهيئات وهو الانتصاب، وهو صفة كمال بالنسبة إلى حالة الركوع والسجود. أما الركوع والسجود فهو حالة ناقصة بالنسبة إلى ذاته، وكمال بالنسبة إلى الذل والتعظيم، فهو موضع له ما يناسبه. فهيئات الذل يناسبها دعاء الذل والانكسار؛ لحديث:"إذا ارتفعوا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا" فعرفنا أن التسبيح مناسب للانخفاضات البدنية الحسية. وأما الانتصاب فيناسب فيه الأذكار السامية؛ ولهذا التكبير على المنار مناسبته معروفة، وتكبيرات الانتصاب في الجملة، وتكبيرات الاستسقاء و
…
وإن كان في غيره لكنه أكثر، فلا يناسب كلام رب العالمين أن يؤتى به في حالة الذل. وهذا بين لك: أن الشيء يكون بعض الأحيان عبادة، وبعض الأحيان لو أنه عبادة لا يصير عبادة في وقت. وتكون التكبيرات تبعاً للقيام، وكذلك بين السجدتين. والدعاء بعدها تبع للسجود. وهذا الذي يظهر لي من جنس المناسبات. أما كونه لا يقرأ فيهما فهذا معروف من الشرع.
(ثم يرفع رأسه ويرفع يديه كرفعه الأول) يعني عند الركوع (قائلاً إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده وجوباً) هذا من واجبات الصلاة. أما المأموم فيقتصر على التحميد، فيقول: ربنا ولك الحمد. (ومعنى سمع استجاب) فإن السمع: سمعان: سمع لا استجابة فيه، وسمع فيه الاستجابة فهو هنا سمع مضمن معنى الاستجابة.
(فإذا استتم) الإمام والمنفرد (قائماً قال: ربنا ولك الحمد، ملء
السموات، والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) ، (وإن شاء زاد: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ، (وله أن يقول غيره مما ورد)، (وإن شاء قال: اللهم ربنا لك الحمد. بلا واو لوروده في حديث أبي سعيد وغيره) ، (فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع فهو مدرك للركعة) ،
ــ
السموات، وملء والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) . سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد واجب. والمأموم الواجب في حقه التحميد فقط، كما تقدم. التحميد كماله مِلْءَ السموات، إلى آخره. هذا مندوب لا واجب في حق الكل. فالإمام يقول ربنا ولك الحمد بعد الاعتدال والمأموم من ابتداء الرفع. (وإن شاء زاد: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) لوروده أيضاً1. يعني إن شاء زاد ذلك كله، فإن هذا ورد أيضاً. هذه الزيادة إن كان المقام مقام تطويل. (وله أن يقول غيره مما ورد) وجاء إذا أطال "لربي الحمد، لربي الحمد" كصلاة الليل. (وإن شاء قال: اللهم ربنا لك الحمد. بلا واو لوروده في حديث أبي سعيد وغيره) له قول أحد الأربع: ربنا لك الحمد، ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد، اللهم ربنا ولك الحمد، (فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع) بقدر التحريمة (فهو مدرك للركعة) والجماعة سواء حصلت له الطمأنينة، أو لا، ويبقى قليلاً ليطمئن ولو
1 في حديث البراء بن عازب.
(ثم يكبر) ، (ويخر ساجداً) ، (ولا يرفع يديه) ، (فيضع ركبته، ثم يديه، ثم وجهه) ، (ويمكن جبهته وأنفه وراحتيه من الأرض) ، (ويكون على أطراف أصابع رجليه) ، (موجهاً أطرافها إلى القبلة) ، (والسجود على هذه الأعضاء السبعة ركن) ،
ــ
لم يسبح. أما إذا رفع رأسه قبل الاجتماع مع الإمام فيه فإن تلك الركعة فاتت المأموم ويقضيها. فإدراك الركعة لا يحصل إلا بالاجتماع في الركوع. أما لو كبر تكبيرة الإحرام ورفع الإمام رأسه قبل ركوع المأموم فاتته تلك الركعة.
(ثم يكبر) بعد رفعه من الركوع (ويخر ساجداً) يخر: يسقط، يهوي للسجود (ولا يرفع يديه) للانحطاط في هذا السجود؛ فإن المواطن أربعة. أما الانحطاط والرفع إلى جلوس أو قيام غير القيام من الركعتين فلا ترفع فيه اليدان (فيضع ركبته، ثم يديه، ثم وجهه) وإذا نهض بالعكس، وذلك مستنده ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم. والسر في ذلك: أن هذا أسهل وأرفق وأليق للمصلي. ولو قيل: يضع وجهه أولاً لكن في ذلك من المشقة وتشويه الهيئة -هيئة مشوهة وشيء من المشقة- فلهذا الشريعة الحكيمة جاءت بما تقدم. (ويمكن جبهته وأنفه وراحتيه من الأرض) يعني يتمم السجود على المذكورات، لا يصير نواش؛ بل يمكن الكل من الأرض، (ويكون على أطراف أصابع رجليه) في حالة السجود. وتكون أطراف أصابعه مفرقة، مبسوطة، هذا هو السنة (موجهاً أطرافها إلى القبلة) قد سجد على سبعة أعضاء التي قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء"(والسجود على هذه الأعضاء السبعة ركن) فإن الشبعة هي: الجبهة، واليدان، والركبتان، والرجلان.
(ويستحب مباشرة المصلى ببطون كفيه) ، (وضم أصابعهما موجهة إلى القبلة غير مقبوضة) ، (رافعاً مرفقيه) ، (وتكره الصلاة في مكان شديد الحر أو شديد البرد) ، (لأنه يذهب الخشوع) ،
ــ
(ويستحب مباشرة المصلى ببطون كفيه) كونه ما يجعل حائلاً، هذا هو السنة. فإن كان على سجادة فيباشرها، وإن كان على فراش فيباشره، أو على الأرض فيباشرها، ولا يجعل شيئاً كالروافض1 (وضم أصابعهما موجهة إلى القبلة غير مقبوضة) ولا مفرجة، فتكون أصابع اليدين مضمومة مبسوطة. هذا هو السنة. (رافعاً مرفقيه) عن فخذيه.
(وتكره الصلاة في مكان شديد الحر أو شديد البرد) ويكون كذلك كل مكان يذهب الخشوع كالمصلى الذي فيه رائجة مستكرهة، أو وعر، أو شوك، أو تراب ناعم كتراب السبخة، فإنه يتأذى به (لأنه يذهب الخشوع) والخشوع فيها هو لبها. والخشوع هو حضور القلب في الصلاة.
فإنه إذا صلى في مكان حار ونحوه أقلقه، وكتابة الصلاة له بحسب ما حضر قلبه. وجاء ف الحديث:"إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها". وقال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت. فهذا ما يكتب للإنسان، أكثر ما فيه أنه يسقط المطالبة في الدنيا ولا يكتب له أجر تلك الصلاة. فيجتنب تلك الأمور التي تذهب خشوعه من الغبار الدقيق والمكان الحار أو أمامه شيء يشوش عليه، ولما صلى النبي صلى الله عليه وسلم والقرام أمامه قال لعائشة رضي الله عنها: "أميطي عنا قرامك
1 يسجدون على الطينة لاعتقادهم فيها.
(ويسن للساجد أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه) ، (ويضع يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه ورجليه) ، (ثم يرفع رأسه) ، (ويجلس) ، (مفترشاً) ، (يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها) ، (وينصب اليمنى ويخرجها من تحته) ، (ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض
ــ
هذا" الحديث. ولما صلى في الخميصة وكانت ذات أعلام قال: "إنها ألهتني عن صلاتي" فيجتنب الإنسان الأشياء التي تشوش عليه: من المكان، واللباس، والأمام المشوش1.
(ويسن للساجد أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه) لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم (ويضع يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه ورجليه) يندب في سجوده أن يكون واضعاً يديه حذو منكبيه. يعني مضمومة الأصابع، ويفرق بين القدمين فلا يلصق قدماً بقدم، كما لا يلصق يديه واحدة بالأخرى. هذا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (ثم يرفع رأسه) يرفع رأسه من سجدته (ويجلس) هذه الجلسة (مفترشاً) بأن (يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها) بحيث يكون ظهرها على الأرض (وينصب اليمنى ويخرجها من تحته) 2 وأما اليمنى فتكون منصوبة، مفرقة الأصابع، أطراف الأصابع إلى القبلة. ويكون مع ذلك واضعاً كفيه على فخذيه اليسرى على اليسرى، واليمنى على اليمنى (ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض
1 قلت: ومما يشوش: الساعات المنصوبة أمام المصلين، وتحديد أذان وإقامة الصلاة بالساعات والدقائق أمامهم، والآيات المكتوبة في المحاريب، وكتابة (الله) . (محمد) في أعلا المحراب مما قد يوهم التسوية. وهناك من أضاف ياء النداء للرسول صلى الله عليه وسلم فيه.
2 وقال في تقريره على شرح الروض المربع "يخرجها من تحته" إنما تحته المفروشة. اهـ.
لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة) ؛ لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، (باسطاً يديه على فخذيه) ، (مضمومة الأصابع)، (ويقول: رب اغفر لي) ، (يأتي به مراراً) ، (ولا بأس بالزيادة)، (لقول ابن عباس:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقنى، وعافني، رواه أبو داود) ، (ثم يسجد الثانية كالأولى) ، (وإن شاء دعا فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء
ــ
لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة؛ لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في هبيان هذه الكيفية في الجلوس المشروع في هذا الركن (باسطاً يديه على فخذيه) البسط ضد القبض (مضمومة الأصابع) مبسوطة السنة أن لا يفرق.
(ويقول: رب اغفر لي) يقول هذا الدعاء فهذا موضع من مواضع الدعاء. (يأتي به مراراً) الواجب مرة، والزائد على ذلك سنة.
(ولا بأس بالزيادة) على قول: رب اغفر لي. قول: رب اغفر لي. هذا دعاء هذا الركن، ذِكْرُ هذا الركن خاصاً هو هذا، وإذا زيد فلا بأس فإنه محل في الجملة؛ فإن في الصلاة مواطن للدعاء، ومنها بعد الرفع بين السجدتين ومنها.. ومنها.. وأوسعها ما قبل السلام. وتوخي الأدعية الشرعية أولى (لقول ابن عباس: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقنى، وعافني، رواه أبو داود) في باب الدعاء بين السجدتين.
(ثم يسجد الثانية كالأولى) سواء بسواء في جميع ما تقدم لك (وإن شاء دعا فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء
فقمن") ، (أن يستجاب لكم" رواه مسلم) ، (وله عن أبي هريرة رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره") ، (ثم يرفع رأسه مكبراً قائماً) ، (على صدور قدميه معتمداً) ، (على ركبتيه) ، (لحديث وائل) ، (إلا أن يشق لكبر أو مرض أو ضعف) ، (ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى إلا في تكبيرة الإحرام، والاستفتاح ولو لم يأت به في الأولى) ،
ــ
فقمن") حري، (أن يستجاب لكم" رواه مسلم) عمومه يقتضي أن لا بأس أن يدعو في هذا السجود1 (وله عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره) يدعو بهذا الدعاء. يفيد ما تقدم أنه لا بأس بالدعاء في هذا الموطن.
(ثم يرفع رأسه مكبراً قائماً) يعني إلى الركعة الثانية (على صدور قدميه معتمداً) بيديه (على ركبتيه) وكون نهوضه منها على صدور القدمين وكونه متعمداً.. كل سنة فعلية (لحديث وائل) ابن حجر2.
(إلا أن يشق لكبر أو مرض أو ضعف) أن سهل ذلك عليه فهو سنة وإن شق فيزول الندب في حقه تركاً وبعداً عن المشقة.
(ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى إلا في تكبيرة الإحرام، والاستفتاح ولو لم يأت به في الأولى) أما الاستعاذة فالرواية الأخرى عن أحمد أنه يستعيذ لك قراءة، وهذا القول فيه قوة هذا الذي ذكر الشيخ هنا.
1 قلت: بل مندوب "أكثروا
…
".
2 وفيه: "وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه" رواه أبو داود.
(ثم يجلس للتشهد مفترشاً، جاعلاً يديه على فخذيه، باسطاً أصابع يسراه، مضمومة، مستقبلاً بها القبلة، قابضاً يمناه الخنصر والبنصر، محلقاً إبهامه مع وسطاه) ، (ثم يتشهد سراً) ، (ويشير بسبابته اليمنى في تشهده) ، (إشارة إلى التوحيد) ، (ويشير بها أيضاً عند دعائه في صلاة وغيرها)، (لقول ابن الزبير: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا
ــ
(ثم يجلس للتشهد مفترشاً، جاعلاً يديه على فخذيه، باسطاً أصابع يسراه، مضمومة، مستقبلاً بها القبلة، قابضاً يمناه الخنصر والبنصر، محلقاً إبهامه مع وسطاه) وكونه مفترشاً، وواضعاً يديه على فخذيه، مبسوطتين، ويستقل بالرؤوس القبلة، من سنن الأفعال، وكونه محلقاً بهما إلى آخره، وكونهما مبسوطتان على الفخذين، والقبض المذكور:
(ثم يتشهد سراً) ثم يأتي بالتشهد يأتي بالتحيات "سراً" المشروع الإسرار بها بكل حال، لا فرق بين صلاة الليل والنهار كغالب أركان الصلاة. والتشهدات جاءت عدة: منها هذا المتفق عليه، وجاء ما في حديث عمر وابن عباس وغير ذلك. (ويشير بسبابته اليمنى في تشهده) سميت سبابة لأنه تشير بها عند السب. وسميت مسبحة وسباحة، لأنه يشير بها للتوحيد (إشارة إلى التوحيد) الإشارة بالسبابة محلها عند ذكر الجلالة إشارة لوحدانية الله، وأنه واحد أحد. وهذا في الصلاة (ويشير بها أيضاً عند دعائه في صلاة وغيرها) عند ذكر الله أي ذكر الجلالة تنبيهاً على التوحيد، وليتطابق البنان والجنان على التوحيد، يتطابق الظاهر والباطن؛ فإنه إذا كان في الباطن التوحيد ووجد في البدن الدلالة عليه كان ذلك أتم. (لقول ابن الزبير: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا
ولا يحركها" رواه أبو داود) (فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)
ــ
ولا يحركها" رواه أبو داود) المعنى أنه يحركها مرة واحدة، ولا يزيد على حركة الإشارة. إلا أنه عارضه حديث وائل: "أنه يحركها" وإذا ثبت حديث ابن الزبير فالجمع أنه يحركها التحريك الذي ليس بكثير فتكون المرة والمرتان وما يشبههما يأتي بهما أو من السنة، وأما الشيء الكثير فهو المراد بحديث ابن الزبير، لأن ذلك يكون من العبث. (فيقول: التحيات لله1 والصلوات1 والطيبات1 السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) جمع بركة. أي اسم الله عليك أيها النبي، والمعنى على هذا طلبت بركة اسم الله عليك. أو دعاء بمعنى السلامة، سؤال من الله له السلامة. لا منافاة فيه بين الدعاء وبين الإخبار. و"النبي" هو من استقامت أحواله الظاهرة والباطنة، وقال: إنه نبي، وقامت المؤيدات بصدقه في إخباره وهي المعجزات. عبارة أخرى: هو الإنسان الذكر، المعتدل في أحواله وأقواله، فيخبر أن الله أوحى إليه، فتقوم الدلائل على صدقه. ونعرف أن الله ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) أي على جميع الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة، كما جاء في حديث:"فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض". "والصالحين" جمع صالح، وهو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق عباده. وقيل: المكثر من العلم الصالح. وهو قريب من الأول.
1 يأتي شرح هذه الكلمات في كلام المؤلف قريباً.
(أشهد أن لا إله إلا الله) ، (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) ، (وأي تشهد) ، (تشهده مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز) ، (والأولى تخفيفه) ،
ــ
وتدخل النساء في العموم. (أشهد أن لا إله إلا الله) صيغة خبرية مشتملة على أشياء من اعتقاد وغير ذلك مما هو مراد في كلمة الشهادة، وفي شهادة أن لا إله إلا الله: أنه هو المعبود وحده بحق، أما من عبد سواه فإنما عبدوا بمحض الجهل والضلال، قال تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [53/23] الآية (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) يعني عابد مملوك لله. والعبودية عامة، وخاصة.. فهي عامة لكل من في السموات والأرض. ومن الخاصة قوله:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} [25/63]{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [15/42] وكذلك العبودية في حق النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء، فهذه عبودية خاصة، وأكما الناس فيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. هذا التشهد الأول الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود، وهو في الصحيحين، هذه ميزة.
(وأي تشهد) من التشهدات (تشهده مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز) يريد بهذا الكلام الذي تقدم لك أنه إذا أتى بأي تشهد منها كفى وسد وصار سنة؛ لكن إنما جاء التفاوت أن بعضاً أولى من بعض من جهة الإسناد وألفاظ الحديث، ولا سيما وهو يقول في هذا التشهد:"كما يعلمنا السورة من القرآن" فهذا جاء فيه من الحفظ ما لم يجئ في غيره وهذه ميزة ثانية. وجاء تشهد من رواية أنس بروايات وكيفيات عديدة كثير منها ثاتب كالذي في حديث ابن عباس: التحيات، المباركات، الطيبات لله. وغيره من تشهدات إذا أتى الإنسان بواحد مما ثبت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم كفى للتشهد المصحح لصلاته. (والأولى تخفيفه) يعني
(وعدم الزيادة عليه) ، (ثم إن كانت الصلاة ركعتين فقط صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، (فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ، (ويجوز أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مما ورد) ،
ــ
ما يطول من غير سرعة مخلة. وجاء في الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف"، والرضف الحجارة المحماة على النار. (وعدم الزيادة عليه) والأولى عدم الزيادة عليه، ولو زاد لكان جائزاً، لكن الأولى أن لا يزاد عليه.
(ثم إن كانت الصلاة ركعتين فقط صلى على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة تكون تارة ركعتين كالفجر والجمعة والعيد والاستسقاء والنوافل في الغالب والأكثر. فإذا كانت ركعتين. فبعد الفراغ من التشهد الأول يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وهذا بالإجماع، السنة ثابتة مستفيضة بذلك، منها أمره صلى الله عليه وسلم في حديث كعب لماسئل: إن الله قد أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: " قولوا اللهم صلِّ على محمد
…
" فسر الصلاة المأمور بها بقوله: "قولوا إلى قوله مجيد" (ويجوز أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مما ورد) 1 وصلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. ومعنى صلاة المسلمين على النبي بقولهم: اللهم صلِّ على محمد: اللهم أثنِ على عبدك عند ملائكتك.
1 قلت: ومنه ما رواه أبو داود والموطأ عن عبد الله بن عمر. (أبو داود رقم 971 الموطأ 1/91) .
(وآل محمد أهل بيته)، (وقوله:"التحيات" أي جميع التحيات لله تعالى استحقاقاً وملكاً) ، (والصلوات الدعوات) ، ("والطيبات" الأعمال الصالحة فهو سبحانه يحيا ولا يسلم عليه، لأن السلام دعاء) ، (وتجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً) ، (إذا لم يكثر) ، (ولم تتخذ شعاراً لبعض الناس أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض) ،
ــ
(وآل محمد أهل بيته) وهم من تحرم عليهم الزكاة، وأزواجه داخلات في أهل بيته.
(وقوله: "التحيات" أي جميع التحيات لله تعالى استحقاقاً وملكاً) يعني أن الرب جل وعلا هو المستحق لجميع التعظيمات، لأنه الكبير الذي لا أكبر منه والجليل الذي لا أجل منه. (والصلوات الدعوات) جميع الدعوات والصلوات المشروعة فلا يعبد معه سواه. فالعبادة له وحده، وهذا معنى كلمة الإخلاص، ("والطيبات" الأعمال الصالحة فهو سبحانه يحيا ولا يسلم عليه، لأن السلام دعاء) التحية تعظيم، والسلام دعاء فهو يعظم ولا يدعى له، والذي يدعى له المخلوق المحتاج.
(وتجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً) كفلان ابن فلان، (إذا لم يكثر) لكن بشرط أن لا يكثر، بل بعض الأحيان (ولم تتخذ شعاراً لبعض الناس أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض) وبشرط أن لا يخص به أحد كتخصيص بعض الصحابة كما يفلعه الروافض. ولا يقال: كرم الله وجهه. لعلي فقط مخالفة للروافض، وهم قصدهم أنه ما
(وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة) ، (وتتأكد تأكداً كثيراً عند ذكره) ، (وفي يوم الجمعة وليلتها)، (ويسن أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) ، (وإن دعا بغير ذلك مما ورد فحسن. لقوله صلى الله عليه وسلم: ثم
ــ
سجد لصنم أصلاً، بل ولد في الإسلام1. ومثل قول بعض الناس: عليه السلام. دون غيره من الثلاثة.
(وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة) أما في الصلاة فهي ركن، وفي غيرها سنة (وتتأكد تأكداً كثيراً عند ذكره) وجوب الصلاة عليه متى ذكر للحديث:"تأمينه على المنبر". بعض العلماء يقول: إنه واجب، والجمهور أنه مندوب. وفي الحديث:"من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا". وشرعيتها في الخطب ومكانتها منها معروفة. أما في لليلة الجمعة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة".
(ويسن أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) هذا مسنون بعد الصلاة والتسليم على الرسول والتبريك على محمد وآله. وهذا ثبت من قوله وفعله، فهو دعاء مشروع، ومتأكد الشرعية. (وإن دعا بغير ذلك مما ورد فحسن. لقوله صلى الله عليه وسلم: ثم
1 وهذا بمجرده لا يقتضي التفضيل المطلق، فبعض من لم يولد في الإسلام أفضل لفضائل أكثر وميز خاصة.
ليتخير من الدعاء أعجبه إليه) ، (ما لم يشق على المأموم) ، (ويجوز الدعاء لشخص معين) ، (لفعله صلى الله عليه وسلم في دعائه للمستضعفين بمكة) ، (ثم يسلم وهو جالس مبتدأً عن يمينه)، (قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله. وعن يساره كذلك) ، (والالتفات سنة) ، (ويكون عن يساره أكثر بحيث يرى خده) ،
ــ
ليتخير من الدعاء أعجبه إليه) لحديث ابن مسعود هذا. والمشروعة أولى من غيرها؛ لكون المشروع كلام مشتمل على جوامع الكلم، وأيضاً هو سنة فيكون عاملاً بها (ما لم يشق على المأموم) فإذا كان إمامً فلا ينبغي إطالة الدعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم:"أيكم أمّ الناس فليخفف " الحديث.
(ويجوز الدعاء لشخص معين) أن يدعو في الصلاة لشخص معين فلان ابن فلان، ولا يخل بالصلاة، كما دعا صلى الله عليه وسلم لأناس بأسمائهم وأسماء آبائهم فقال:"اللهم أنج الوليد بن الوليد " الحديث. وقال: " اللهم العن فلاناً وفلاناً
…
" ولكنها دالة على ذلك عند وجوب سبب (لفعله صلى الله عليه وسلم في دعائه للمستضعفين بمكة) لأجل الضعفاء، قال في دعائه: "اللهم نج المستضعفين من المؤمنين".
(ثم يسلم وهو جالس مبتدأً عن يمينه) وهذه هي السنة الابتداء عن يمينه (قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله. وعن يساره كذلك) فلو سلم تلقاء وجهه ولم يلتفت عنه ولا مرة جاز، والالتفات سنة من سنن الأفعال، ليس من واجبات الصلاة. سنة فعلية (ويكون عن يساره أكثر بحيث يرى خده) للحديث الوارد فيه:"أنه إذا التفت عن شماله التفت حتى يرى بياض خذِّه صلى الله عليه وسلم"
(ويجهر إمام بالتسليمة الأولى فقط) ، (ويسرهما غيره) ، (ويسن حذفه وهو عدم تطويله أي لا يمد به صوته) ، (وينوي به الخروج من الصلاة) ، (وينوي أيضاً السلام على الحفظة) ، (و) ، (الحاضرين) ، (وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين) ، (نهض مكبراً على صدور قدميه إذا فرغ من التشهد الأول) ،
ــ
(ويجهر إمام بالتسليمة الأولى فقط) الجهر بالأولى لا بد منه يسلم سلاماً يقتدى به.. وجاء في الحديث الآخر الجهر بهما جميعاً1 فيكون المراد الجهر بالأولى ليسمعهم2 (ويسرهما غيره) وهو الإمام والمنفرد (ويسن حذفه وهو عدم تطويله أي لا يمد به صوته) بل يسرع. هذا من سنن السلام، كما أن من سننه الوقوف عند آخره.
(وينوي به الخروج من الصلاة) يندب أن ينوي الخروج من الصلاة، (وينوي أيضاً السلام على الحفظة) من الملائكة (و) على (الحاضرين) الآدميين هؤلاء جميعاً.
(وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين) بأن كانت ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء (نهض مكبراً على صدور قدميه إذا فرغ من التشهد الأول) ويكون اعتماده على ركبتيه3 أما إن شق لضعف أو كبر أو لكونه نضو الخلقة أو نحو ذلك فإنه يسقط عنه الاعتماد على
1 وهو في صحيح مسلم من حديث أبي معمر الأزدي وفي رواية لمسلم عن جابر بن سمرة: "
…
ثم يسلم على أخيه من عن يمينه وعن شماله".
2 وفي الإنصاف جـ 2/ص 83: وظاهر كلام جماعة يجهر فيهما، ويكون الجهر في الأولى أكثر.
3 كما تقدم.
(ويأتي بما بقى من صلاته) ، (كما سبق) ، (إلا أنه لا يجهر، ولا يقرأ شيئاً بعد الفاتحة) ، (فإن فعل لم يكره) ، (ثم يجلس) ، (في التشهد الثاني متوركاً يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه ويجعل إليتيه على الأرض) ، (فيأتي بالتشهد
ــ
ركبته وصدور قدميه، فيسن ما يسن في حقه حيث كانت السهولة وإلا سقط ذلك؛ بل بعض الأحيان يسقط بعض الواجبات فكيف بالمندوبات. (ويأتي بما بقى من صلاته) يعني بالثالثة أو الثالثة والرابعة (كما سبق) في الركعات قبلها (إلا أنه لا يجهر، ولا يقرأ شيئاً بعد الفاتحة) ولا يزيد على الفاتحة (فإن فعل لم يكره) فإن زاد لم يكره، لحديث أبي سعيد الذي في صحيح مسلم، ولكن الأولى أن لا يزيد والزيادة إنما هي جائزة فقط، والأولى أولى، لحديث أبي قتادة:"وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".
(ثم يجلس) بعد فراغه من الثالثة والرابعة (في التشهد الثاني متوركاً يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه ويجعل إليتيه على الأرض) وتكون صفة رجليه غير صفة رجليه في الأول، فهو هنا متورك يعني يفضي بوركه إلى الأرض إحدى رجليه منصوبة وأصابعها إلى القبلة والأخرى مفروشة وكلتاهما خارجتان. والعلماء اختلفوا في موضع الرجلين في الثانية في التورك ومحله: منهم من رأى أنه في كل تشهد يعقبه السلام. والمشهور والمعروف والذي تدل عليه الأحاديث أنه مختص بالأخيرة من ذات التشهدين، تفريقاً بين الجلوسين. ومن السر أن يعلم أنه الأول فلا يسهو. (فيأتي بالتشهد
الأول) ، (ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، (ثم) ، (بالدعاء) ، (ثم يسلم) ، (وينحرف الإمام إلى المأمومين) ، (على يمينه أو على شماله) ، (ولا يطيل الإمام الجلوس بعد السلام مستقبل القبلة) ،
ــ
الأول) يعني التحيات كما سبق
(ثم) يأتي (بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. (ثم) يأتي (بالدعاء) اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وغير ذلك كما شبق؛ لكن بالمشروع أفضل. (ثم يسلم) كما سبق.
(وينحرف الإمام إلى المأمومين) لأن الإمام يبقى مستقبل القبلة بقدر الاستغفار واللهم أنت السلام إلى آخره. ثم ينصرف بعد ذلك (على يمينه أو على شماله) ويكون إما لجهة يمينه أو شماله، وكل قد ورد، وفي الحديث:"لا يجعل أحدكم للشيطان شيئاً من صلاته يرى أن حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ينصرف عن يساره" فيجوز هذا، وهذا. وإذا كانت الجهة التي ينصرف إليها حسن، ولا يهجر الأخرى حتى كأنها متعينة الأولى. (ولا يطيل الإمام الجلوس بعد السلام مستقبل القبلة) فإن في حديث عائشة رضي الله عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" أخرجه
(ولا ينصرف المأموم قبله)، (لقوله صلى الله عليه وسلم:"إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالانصراف") ، (فإن صلى معهم نساء انصرف النساء) ، (وثبت الرجال قليلاً لئلا يدركوا من انصرف منهن) .
ــ
مسلم وذلك أن إعطاءهم ظهره وتوليه إياهم ظهره ما هو بحق، لكن سوغه الأمر المشروع، وهو إمامتهم ليكمل الاقتداء به، بخلاف إذا كان فيما بينهم، فإذا انقضت فالحكم يدور مع علته. فيقول: اللهم أنت السلام الخ، بعد الاستغفار ثم ينصرف إليهم. وقد تحوج الحال إلى أكثر من ذلك مثل ما إذا كان هناك نساء، كما دل عليه حديث أم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم يمكث في مكانه يسيراً فنرى –والله أعلم- لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال (ولا ينصرف المأموم قبله) بل المأموم يبقى على حالته حتى ينصرف الإمام (لقوله صلى الله عليه وسلم: "إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالانصراف") لهذا الحديث أخرجه مسلم. (فإن صلى معهم نساء انصرف النساء) يعني يقمن من أمكنتهن ويخرجن من المسجد (وثبت الرجال قليلاً لئلا يدركوا من انصرف منهن) لئلا يحصل الاختلاط والاتفاق معهن في الطريق؛ لأن النساء عورة؛ فإن الاختلاط يسبب الافتتان. كما تقدمت الإشارة في حديث أم سلمة.
(ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة فيقول) ، (استغفر الله ـ ثلاثاً)، (ثم يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ، (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ، (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ثم يسبح ويحمد ويكبر) ، (كل واحدة ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة:
ــ
الذكر بعد الصلاة
(ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة فيقول) ما يأتي ذكره (استغفر الله ـ ثلاثاً) وهذا أول ما يبدأ به (ثم يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) لحديث أبي هريرة وثوبان وعائشة. ويقول بعد ذلك، (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ويقول، (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ثم يسبح ويحمد ويكبر) التسبيح والتحميد والتكبيرات المعروفة (كل واحدة ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ، (ويقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قبل أن يكلم أحداً من الناس "اللهم أجرني من النار" سبع مرات) ، (والإسرار بالدعاء أفضل) ، (وكذا بالدعاء المأثور) ، ويكون بتأدب وخشوع وحضور
ــ
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) وهذا يقال في دبر كل صلاة من الصلوات الخمس (ويقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قبل أن يكلم أحداً من الناس "اللهم أجرني من النار" سبع مرات) لوروده في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل اللهم أجرني من النار سبع مرات قبل أن تكلم أحداً فإنك إذا قلت ذلك ثم مت في ليلتك كتب لك جوار منها. وإذا صليت الصبح فقل ذلك فإنك إن مت يومك كتب لك جوار منها" أخرجه أبو داود والنسائي- هذا جنس المشروع من الذكر بعد الصلاة. ويقرأ آية الكرسي، والمعوذتين، جاء في فضل قراءتها:"من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى" للكبير والأوسط. وفي رواية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وعن عقبة بن عامر قال: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة" أخرجه أبو داود والنسائي. (والإسرار بالدعاء أفضل) من الجهر، لقوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [7/ 55](وكذا بالدعاء المأثور) أفضل من الذي لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لكونه يشتمل على ما لا يشتمل عليه غيره؛ فهو أجمع، ولكونه أنفع مما يشتمل عليه غيره، وفيه كمال التأسي، فيكون قد دعا بالدعاء النبوي (ويكون بتأدب وخشوع وحضور
قلب ورغبة ورهبة، لحديث:"لا يستجاب الدعاء من قلب غافل") ، (ويتوسل بالأسماء والصفات) ، (والتوحيد) ، (ويتحرى أوقات الإجابة) ، (وهي ثلث الليل الآخر) ،
ــ
قلب ورغبة ورهبة، لحديث:"لا يستجاب الدعاء من قلب غافل") هذا من آداب الدعاء ووظائفه.
(ويتوسل بالأسماء والصفات) يتوسل إلى الله بأشياء –يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته كما قال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [7/180] . ومنها: "اللهم ظلمت نفسي ظلماً كثيراً" الحديث، وكما قالت عائشة:"أرأيت إن وافقت ليلة القدر" الحديث ويأتي. هكذا الأدعية التي يدعو بها ويعلمها غيره كانت مشتملة على التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته (والتوحيد) ويستول بالتوحيد كما في الدعاء: "اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت" الحديث، وجاء في الحديث "أنه الاسم الأعظم". ويتوسل إليه بالأعمال الصالحة عموماً كما في قصة أصحاب الصخرة. ويتوسل إليه بدعاء الحي الحاضر، كما توسل الصحابة بالنبي في حياته، كما في حديث:"استسق لنا ربك" وتوسل عمر بالعباس. فهذا جنس الوسائل: بأسمائه وصفاته، وبالأعمال التي أفضلها التوحيد، وبدعاء الحاضر يقول: يا فلان ادع الله لي1.
(ويتحرى أوقات الإجابة) ينبغي أن يتوخى أوقات ينظرها فيدعو فيها (وهي ثلث الليل الآخر) وهو وقت النزول الإلهي يقول الله
1 أما التوسل بذوات الأموات أو بذوات الأحياء في حضورهم أو غيبتهم –لا بدعائهم- فهو من باب الأقسام على الله بهم أو السؤال بهم أو بحقهم أو جاههم وهذا بدعة، أو شرك (مجموع الفتاوى جـ 1/205، 213- 225) .
(وبين الأذان والإقامة) ، (و) ، (أدبار الصلاة المكتوبة) ، (وآخر ساعة يوم الجمعة) ، (وينتظر الإجابة) ، (ولا يعجل)، (فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستحب لي) ، (ولا يكره أن يخص نفسه إلا في دعاء يؤمن عليه) ، (ويكره رفع الصوت) ، (ويكره في الصلاة التفات يسير) ،
ــ
تعالى: "من يدعوني فأستجيب له" الحديث، وفي حديث:"أي الدعاء أجوب؟ قال جوف الليل"(وبين الأذان والإقامة) كذلك (و) كذلك (أدبار الصلاة المكتوبة) أدبار لصلوات المفروضة (وآخر ساعة يوم الجمعة) فإن فيه ساعة الإجابة، كما في حديث:"لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه" متفق عليه. (وينتظر الإجابة) يسن انتظار الداعي الإجابة، فسؤاله عبادة، وانتظاره عبادة أخرى (ولا يعجل) لا ينبغي للداعي أن يستبطأ الجواب أيضاً. (فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستحب لي) هذا من آداب الدعاء أيضاً. (ولا يكره أن يخص نفسه إلا في دعاء يؤمن عليه) غيره. الإمام يدعو ويؤمن المأمومون فيجمع الضمير. أما في غيره فيجوز الجمع ويجوز أن يخص نفسه. (ويكره رفع الصوت) بالدعاء1 ففي الحديث: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً" الحديث.
ما يكره في الصلاة
(ويكره في الصلاة التفات يسير) وفي الحديث: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد"، وفي الآخر: "إياك والالتفات في
1 والصراخ أعظم.
(ورفع بصره إلى السماء) ، (وصلاته إلى صورة منصوبة) ، (أو إلى آدمي) ، (واستقبال نار، ولو سراجاً) ، (وافتراش ذراعيه في السجود) ، (ولا يدخل فيها وهو حاقن أو حاقب) ، (أو بحضرة طعام يشتهيه) ،
ــ
الصلاة فإنه هلكة". ومكروه (ورفع بصره إلى السماء) لقوله: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن أو لتخطفن أبصارهم" رواه البخاري (وصلاته إلى صورة منصوبة) تركه صلاته إلى صورة منصوبة، وذلك أنه يشبه عباد الأصنام في استقبال ما يعبدونه (أو إلى آدمي) أن يكون يصلي وأمامه وجه آدمي، لأن في ذلك مشابهة لعبادة الأصنام، واستقباله شيئاً فيه ألوان، وإشغال قلبه؛ لأن المطلوب في الصلاة الخشوع (واستقبال نار، ولو سراجاً) لأن في تشبهاً بالمجوس، ويدخل في ذلك السراج1 (وافتراش ذراعيه في السجود) المنهي عنه في الحديث المعروف. وليس المراد بالكراهة هنا التحريم. (ولا يدخل فيها وهو حاقن أو حاقب) وذلك أنه يفوت عليه لب الصلاة (أو بحضرة طعام يشتهيه) وكذلك إذا قدم إليه الطعام فيبدأ بالطعام ولو فاتته صلاة الجماعة، فلو صلى بتلك الحال لكانت جسماً بلا روح، والمعول على الروح، وفي الحديث:
1 قلت: وذكر في فتاويه (جـ 2/ 226) أن مثل النار اللنبة الآن. وقلت هناك: وقد وضعت اللنبات في مسجده أمام السواري خلف المصلين وذلك بأمره. وكانت اللنبة التي تشعل للقارئ قبل الإقامة تطفأ إذا أقيمت الصلاة. اهـ.
أقول: وينبغي أن لا تشعل اللنبة التي تبين سلامة الميكرفونات من العطل في وقت الصلاة لأنها محاذية لوجه الجالس في الصلاة وأمامه. وما فيها هو نار: يكوى بها، ويطبخ عليها، ويقطع ويوصل بها الحديد، وغير ذلك مما هو مشاهد محسوس.
(بل يؤخرها ولو فاتته الجماعة) ، (ويكره مس الحصى) ، (وتشبيك أصابعه) ، (واعتماده على يديه في جلوسه) ، (ولمس لحيته) ، (وكف ثوبه) ، (وإن تثاءب كظم ما استطاع) ، (فإن غلبه وضع يده في فمه) ، (ويكره تسوية التراب) ، (بلا عذر) ، (ويرد المار بين يديه) ،
ــ
"لا صلاة بحضرة الطعام"، وفي الحديث الآخر:"إذا حضر العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب" متفق عليه (بل يؤخرها ولو فاتته الجماعة) للحديث المتقدم.
(ويكره مس الحصى) ففي الحديث: "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه"(وتشبيك أصابعه) في نفس الصلاة، وفي انتظاره ومشيه إليها، للحديث المتقدم (واعتماده على يديه في جلوسه) يعني يعتمد عليها على الأرض، كما يكره اعتماده بها على خاصرته (ولمس لحيته) لأن هذا من العَبث –يده هذه في شعره- فهذا من العبث المنافي للخشوع، وكل ما كثر العبث صار دليلاً يفيد أن قلبه قد انشغل (وكف ثوبه) ليدَعْ ثيابه تسجد معه. (وإن تثاءب كظم ما استطاع) بقدر ما يقدر (فإن غلبه وضع يده في فمه) يصنع ما ذكر. (ويكره تسوية التراب) يعني الذي يقابل المصلي على الأرض، كونه يواسي الحصباء يجعله متواسي مكروه، وجاء النهي عنه، وتعليله "بأن الرحمة تواجهه" كما تقدم، وهو أيضاً من العبث؛ ففيه الأمران. وجاء في حديث:"واحدة، أودع"(بلا عذر) وهذا كله ما لم يوجد بصفة تفوت الخشوع، فإن وجد مسحه مرة واحدة.
(ويرد المار بين يديه) هذا المشروع أن لا يدع المار. ومرور أحدٍ
(ولو بدفعه) ، (آدمياً كان) ، (أو المار غيره) ، (فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً) ، (فإن أبى فله قتاله ولو مشى يسيراً) ، (ويحرم المرور بين المصلي وبين سترته) ، (وبين يديه إن لم يكن له سترة) ، (وله قتل حية وعقرب) ، (وقملة) ، (وتعديل ثوب) ، (وعمامة) ،
ــ
مما يضعف صلاته فأمر أن لا يدع أحداً يمر بين يديه إذا لم يكن سترة. أما إن كان بعيداً أو له سترة فلا. (ولو بدفعه) بالقوة، وهذا هو مقاتلته التي في الحديث ومغالبته، فإن لم يندفع إلا بدزه فبدزه، فإن انكسر فيه شيء فلا ضمان؛ لأنه متعد المرور، والمصلي أراد السلامة من عدوانه (آدميا كان) المار (أو المار غيره) وملا أردت بهيمة أن تمر بين يديه صلى الله عليه وسلم ألصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه (فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً) لا فرق (فإن أبى فله قتاله. ولو مشى يسيراً) لم تبطل بذلك. (ويحرم المرور بين المصلِّي وبين سترته) بل قال ابن القيم: لو عدت من الكبائر. ذكره في أخر الإعلام. وفي الحديث: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من يمر بين يديه" هذا يفيد غلظ التحريم (وبين يديه إن لم يكن له سترة) ويحرم أيضاً إذا لم يكن له سترة من قريب فكذلك.
(وله قتل حية وعقرب) في الصلاة، لحديث:"اقتلوا الأسودين في الصلاة الحيّة والعقرب"، (وقملة) وقمل يسوغ له ذلك (وتعديل ثوب) عندما يتغير ثوبه إذا كان عليه رداء فانحل، أو الإزار بدأ ينفك (وعمامة) والعمامة كذلك إذا انتقضت عليه له ردها، كل هذه من الأشياء التي أبيحت له. وظاهر هذا أنه لو استدعى فعلاً كثيراً كما هو
(وحمل شيء ووضعه) ، (وله إشارة بيد ووجه وعين لحاجة) ، (ويكره السلام على المصلي) ، (وله رده بالإشارة) ، (ويفتح على إمامه إذا ارتج عليه، أو غلط) ، (وإن نابه شيء في صلاته سبح رجل وصفقت امرأة) ، (وإن بدره بصاق أو مخاط وهو في المسجد بصق في ثوبه) ، (وفي غير المسجد
ــ
ظاهر الحديث. (وحمل شيء ووضعه) لحلمه صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب ووضعها في صلاة الفريضة وهو يؤم (وله إشارة بيد ووجه وعين لحاجة) والإشارة تكون باليد، وتكون بالرأس. (ويكره السلام على المصلي) وفي حديث:"لا غرار في الصلاة ولا تسليم" قال أحمد: يعني فيما أرى أن لا تسلم، ولا يسلم عليك، (وله رده بالإشارة) كما فعل صلى الله عليه وسلم حين جاءته الأنصار فسلموا عليه في الصلاة بسط كفه وجعل بطنه إلى أسفل وظهره إلى فوق.
(ويفتح على إمامه إذا ارتج عليه، أو غلط) أرتج عليه أغلق عليه القرآن فلم يدر ما يقرأ بعدها. والغلط أن يبدل أو يسقط أو يزيد أو ينقص. ومن الدليل "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: " أصليت معنا؟ قال: نعم. قال: فما منعك" فهو جائز، بل مشروع. وإذا كان في الفاتحة وجب وتعين لتستقيم الفاتحة للإمام والمأمومين (وإن نابه شيء في صلاته سبح رجل وصفقت امرأة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نابكم شيء في صلاتكم فلتسبح الرجال ولتصفق النساء" فإذا سها الإمام أو استؤذن عليه فالسنة ما ذكر.
(وإن بدره بصاق أو مخاط وهو في المسجد بصق في ثوبه) ولا يدعه يقع في الأرض صيانة للمسجد عما يستقذر (وفي غير المسجد
عن يساره) ، (ويكره أن يبصق قدامه أو عن يمينه) ، (وتكره صلاة غير مأموم إلى غير سترة) ، (ولو لم يخش مارّاً) ، (من جدار، أو شيء شاخص كحربة، أو غير ذلك، مثل آخرة الرحل)، (ويسن أن يدنو منها لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ويدن منها") ، (وينحرف عنها يسيراً، لفعله صلى الله عليه وسلم ، (وإن تعذر خط خطّاً) ،
ــ
عن يساره) أو تحت قدمه لخبر أبي هريرة (ويكره أن يبصق قدامه أو عن يمينه) في الصلاة كراهية شديدة، وفي الحديث:"فإن الله قبل وجهه"، "وعن يمينه ملك كريم".
(وتكره صلاة غير مأموم إلى غير سترة) الإمام والمنفرد لا بد أن يصليا إلى سترة. أما المأموم فتكفي عنه سترة إمامه. (ولو لم يخش مارّاً) وسواء كان خشي ماراً، أولا. فإنه مشروع مطلقاً. والسترة (من جدار، أو شيء شاخص كحربة، أو غير ذلك، مثل آخرة الرحل) سواء كان في الحضر أو السفر. والرحل هو المسمى الآن "الشداد" وهي بمقدار ثلثي ذارع تقريباً (ويسن أن يدنو منها لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ويدن منها") فهذا الحديث دل على مسألتين: صلاة إلى سترة، وأن ذلك مندوب؛ اتقاءَ ما يمر، وكونه ما يؤثر جنس شيء مر. وإذا دنا منها صار أحصل للمقصود، (وينحرف عنها يسيراً لفعله صلى الله عليه وسلم لا يصمد إليها صمداً فيجعلها بين عينيه، بل يجعلها عن يمينه شيء، أو عن يساره شيء، جاء "أنه صلى الله عليه وسلم لا يصمد إلى العمود" فهو مستقبله لكن لاتمام الاستقبال (وإن تعذر خط خطّاً) أمامه ويكفي، لما في
(وإذا مر من ورائها شيء لم يكره) ، (فإن لم يكن سترة) ، (ومر بينه وبينها امرأة أو كلب أو حمار بطلت صلاته) ، (وله قراءة في المصحف) ، (والسؤال عند آية رحمة، والتعوذ عند آية العذاب) ، (والقيام ركن في الفرض)، (لقوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [2/238] ) ، (إلا العاجز، أو عريان) ، (أو خائف) ،
ــ
الحديث: "فإن لم يجد فليخط خطاً"(وإذا مر من ورائها شيء لم يكره) هذا هو فائدة نصبها، ولم يؤثر بطلاناً إن كان مثله يبطل، بخلاف إن كان مما يؤثر فإنه م دونها كالكلب فإنه يبطل، فيؤثر المار إما نقصاً أو بطلاناً (فإن لم يكن سترة) إن كان ما هنا سترة أو كان سترة (ومر بينه وبينها امرأة أو كلب أو حمار بطلت صلاته) تبطل بمرور أحد هذه الثلاث للحديث الذي رواه مسلم:" يبطل صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل المرأة، والحمار، والكلب الأسود".
(وله قراءة في المصحف) له ذلك (والسؤال عند آية رحمة، والتعوذ عند آية العذاب) لما في حديث حذيفة قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة –إلى أن قال- إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ".
أركان الصلاة
(والقيام ركن في الفرض) القيام في الصلاة لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [2/238] ) وقوله لعمران: "صل قائماً" الحديث إلا من استثنى (إلا العاجز) لا يقدر أن يقوم إلا بمشقة لا تحتمل، مثل المقيد ما يقوى يقوم أو المربوط (أو عريان) يخشى أن ينكشف عورته إذا قام (أو خائف) يخاف يراه سبع أو عدو
(أو مأموم خلف إمام الحي العاجز عنه) ، (وإن أدرك الإمام في الركوع فبقدر التحريمة) ، (وتكبيرة الإحرام ركن) ،
ــ
(أو مأموم خلف إمام الحي العاجز عنه) عن القيام فيجوز. هذا إذا صلى إمام الحي جالساً فيصلون خلفه جلوساً ندباً، ولو صلوا قياماً صحت؛ لأنه لما صلى جالساً أو أومأ إليهم أن اجلسوا. فعن جابر بن عبد الله قال:"ركب النبي صلى الله عليه وسلم فرساً بالمدينة فصرعه على جذم نخلة فانفكت قدمه –إلى أن قال- فصلى المكتوبة جالساً، فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا. قال: فلما قضى الصلاة قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائهم".
وأما حديث صلاة المأمومين خلفه قياماً فقيل: إنه منسوخ. وقيل: بالجمع. فممن جمع أحمد بأنهما مسألتان: صلاتهم جلوساً إذا ابتدأها جالساً، وصلاتهم قياماً فيما إذا ابتدأ الصلاة قياماً ثم اعتل فجلس. والجمع إذا أمكن أولى من النسخ.
(وإن أدرك الإمام في الركوع فبقدر التحريمة) إن لحق المسبوق الإمام في الركوع فإنه يدخل في الركعة، ويكون قد أدرك الركعة. ولا يكفيه تكبيرة الإحرام، لا يدرك الركوع إلا بالاجتماع في الركوع، إن كان ذلك، وإلا فلا. فإن اجتمعا في جزئ من الركوع ولو لم يحصل الطمأنينة فإنه مدرك. وأقا ما يكون مجتمعاً مع إمامه في الركوع أن يكون المأموم في أول صفة الركوع والإمام في آخر صفته. (وتكبيرة الإحرام ركن) لا نعتقد إلا بها لحديث:"تحريمها التكبير" وهذه صيغة
(وكذا قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد) ، (وكذا الركوع، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}
ــ
حصر تفيد أنه لا يدخل فيها إلا به. (وكذا قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد) لحديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
أما المأموم فيتحملها الإمام عنه عند جمهور العلماء. أما مذهب الشافعي والمشهور عند المنتسبين إلى الحديث فهو أنها تجب على المأموم، لعموم "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". وجاء في الحديث سؤال السائل لأبي هريرة.. فقال:"اقرأ بها في نفسك". والجمهور يجيبون بأنه ليس هناك شيء صريح، إنما هو العموم، والعموم يقدم عليه الخاص، وجاءت أشياء خاصة كحديث:"من كان له إمام فقراءته له قراءة" وإن كان ضعيفاً فهو معضود بأشياء أخر منها: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [7/ 204] قال أحمد: أجمعوا على أنها في الصلاة. وقال: "ما لي أنازع القرآن". ثم التأمين على قراءة الإمام مفيد أن قراءته له قراءة: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [10/89] فجعل دعاءً لهما جميعاً، فيفيد أن قراءة الإمام لهما جميعاً. وقد بسط شيخ الإسلام في مسألة مستقلة في الفتاوى أدلة ذلك، وترجيحه. أما في السكتات فيندب عندهم خروجاً من الخلاف. ويأتي.
(وكذا الركوع لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [22/ 77] ) فالركوع ركن بالإجماع، والاعتدال منه ركن، والسجود ركن بالإجماع وهو على الأعضاء السبعة. كما سبق، والاعتدال منه ركن، والجلوس بين السجدتين ركن.
(والطمأنينة في هذه الأفعال ركن) ، (ورأى حذيفة رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده، فقال له: ما صليت، ولو مت لمت على غير فطرة الله التي فطر عليها محمدا صلى الله عليه وسلم ، (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد فصلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ، فعلها ثلاثاً، ثم قال: والذي بعثك بالحق نبياً لا أحسن غير هذا فعلمني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل
ــ
(والطمأنينة في هذه الأفعال ركن) يعني الركوع فيها، الركود في الركوع، وفي الاعتدال منه، وفي السجود، وفيما بين السجدتين ركن بدليل ما يأتي. كل هذه الأربعة لا بد من الطمأنينة فيها.
(ورأى حذيفة رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال له: ما صليت، ولو مت لمت على غير فطرة الله التي فطر عليها محمدا صلى الله عليه وسلم فنفى عنه حذيفة الصلاة لعدم الطمأنينة، فدل على أن الطمأنينة لا تتم الصلاة بدونها، فلا بد منها في الصلاة، وبيَّن أن مستنده الفطرة التي عليها محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الفطرة التي عليها محمد صلى الله عليه وسلم هي الطمأنينة، وأن من تركها فقد ترك الفطرة التي فطر الله عليها محمداً صلى الله عليه وسلم.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد فصلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلّ، فعلها ثلاثا، ثم قال: والذي بعثك بالحق نبياً لا أحسن غير هذا فعلمني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حق تعتدل
قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" رواه الجماعة، فدل على أن المسمى في هذا الحديث لا يسقط بحال، إذ لو سقط لسقط عن الأعرابي الجاهل) ، (والتشهد الأخير ركن، لقول ابن مسعود: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا التحيات لله" الحديث رواه النسائي ورواته ثقات) ،
ــ
قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" رواه الجماعة، فدل على أن المسمى في هذا الحديث لا يسقط بحال، إذ لو سقط لسقط عن الأعرابي الجاهل) .
(والتشهد الأخير ركن، لقول ابن مسعود: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا التحيات لله" الحديث رواه النسائي ورواته ثقات) فدل على أن التشهد المعنيَّ مفروض، وأنه لا بد من كون ذلك في حال جلوسه، وعلى أن التشهد إلى أن محمداً عبده ورسوله واجب.
والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمتان: كل أربعة لم تذكر في حديث المسيء، ومع ذلك هي أركان دلت عليها أدلة أخر. أما التشهد فقد دل عليه قوله:"إذا جلس أحدكم للتشهد الخ.." وأما الصلاة على النبي فقد دل عليها قوله:
(والواجبات التي تسقط سهواً ثمانية) ، (التكبيرات) ، (غير الأولى) ، (والتسميع للإمام والمنفرد) ، (والتحميد للكل) ، (وتسبيح ركوع وسجود) ، (وقول رب اغفر لي) ، (والتشهد الأول) ، (والجلوس له) ،
ــ
"قولوا اللهم صل على محمد الخ" ويقرهم على الإتيان بها في حالة الجلوس. والتسليم دليله الحديث المتقدم "وتحليلها التسليم". ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الركن "اللهم صل على محمد" فإذا قال هذا لو سلم فإن الصلاة صحيحة؛ لكنه تشهد ناقص الفضيلة. والترتيب بين الأركان ركن: كونه يبدأ بالتحريمة على الركوع، ثم بالركوع قبل السجود، وكونه يأتي بالتشهد بعد فراغه من الركعات كلها، وكونه يصلي على النبي بعد التشهد، وكون الخاتمة هو التسليم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرتباً وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي".
الواجبات:
(والواجبات التي تسقط سهواً ثمانية) بعدما ذكر الأركان ذكر الواجبات. الواحد واجب، كل واحدة من واجبات الصلاة (التكبيرات) هذا واجب للإمام والمأموم والمنفرد (غير الأولى) عذا الأولى وهي الترحيمة فإنها ركن. (والتسميع للإمام والمنفرد) يأتيان به يعد الارتفاع. (والتحميد للكل) والمأموم في حال الرفع؛ لأنه لا يقول سمع الله لمن حمده، (وتسبيح ركوع وسجود) واحدة واجب، والزائد سنة. وأدنى الكمال ثلاث، وما زاد على ذلك إلى عشر فهو أكمل. (وقول رب اغفر لي) الوجب مرة والزيادة سنة وأدنى الكمال ثلاث وما زاد على ذلك إلى عشر فهو أكمل (والتشهد الأول) واجب (والجلوس له) وكونه يأتي به جالساً واجب. فهذه الثمانية إذا سها فالصلاة صحيحة
(وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال) ، (فسنن الأقوال سبع عشرة) ، (الاستفتاح) ، (والتعوذ) ، (والبسملة) ، (والتأمين) ، (وقراءة السورة في الأوليين، وفي صلاة الفجر، والجمعة، والعيد، والتطوع كله) ، (والجهر، والإخفات) ، (وقول ملء السماء والأرض إلى آخره) ، (وما زاد على المرة في تسبيح ركوع وسجود) ، (وقول رب اغفر لي) ، (والتعوذ في التشهد الأخير) ،
ــ
إنما عليه سجود السهو. أما الأركان إذا تُرِكَ نسياناً فلا بد من الإتيان به، ومع ذلك يأتي بالسجود. والركن والواجب في العمد واحد، وإنما يختلفان في السهو، فالركن لا بد من الإتيان به وما بعده، والواجب إن تركه سهواً فلا عليه إلا أنه يسجد للسهو فقط.
(وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال) .
السنن في الصلاة:
(فسنن الأقوال سبع عشرة) الأول (الاستفتاح) وتقدم. (والتعوذ) كذلك (والبسملة) تقدم الكلام فيها. (والتأمين) كذلك، (وقراءة السورة في الأوليين، وفي صلاة الفجر، والجمعة، والعيد، والتطوع كله) والأدلة على ذلك معلومة.
(والجهر، والإخفات) الجهر سنة في محله، والإخفات سنة قس محله. (وقول ملء السماء والأرض إلى آخره) سنة أيضاً قولية، (وما زاد على المرة في تسبيح ركوع وسجود) الواجب مرة، وما زاد سنة، (وقول رب اغفر لي) وكذلك قول رب اغفر لي يكرر ثانياً وثالثاً. الواجب مرة والزائد على سؤال المغفرة كارحمني واهدني وارزقني كل هذا سنن أقوال (والتعوذ في التشهد الأخير) من سنن
(والصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم ، (والبركة عليه وعليهم) . (وما سوى ذلك فسنن أفعال) ، (مثل كون الأصابع مضمومة، مبسوطة، مستقبلا بها القبلة عند الإحرام والركوع والرفع منه) ، (وحطهما) ، (عقب ذلك) ، (وقبض اليمين على كوع الشمال وجعلهما تحت سرته) ، (والنظر إلى موضع سجوده) ، (وتفريقه بين قدميه في قيامه) ، (ومراوحته بينهما) ، (وترتيل القراءة) ،
ــ
الأقوال، (والصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم من سنن الأقوال، (والبركة عليه وعليهم) والتبريك عليه وعلى آل النبي صلى الله عليه وسلم هذه سنن الأقوال.
(وما سوى ذلك فسنن أفعال) فرفع اليدين في المواطن الأربعة سنة. وهذه السنة تتضمن عدة سنن –فإذا كبر كون الرفع هذا المقدار لا أزيد سنة (مثل كون الأصابع مضمومة، مبسوطة، مستقبلا بها القبلة عند الإحرام والركوع والرفع منه) كون الأصابع مضمومة سنة، وكونه موجهاً بها إلى القبلة سنة، وهكذا (وحطهما) أي وضعهما (عقب ذلك) بعذ لك، كونه يعيد قبض اليسرى. فالحط مجرده سنة، (وقبض اليمين على كوع الشمال وجعلهما تحت سرته) فالحط والقبضن وجعلهمما تحت سرته كل هذه سنن. والكوع تقدم لك معناه أنه العظم الذي في الذراع الذي يلي الإبهام، وما يلي الخنصر فهو الكرسوع. (والنظر إلى موضع سجوده) سنة؛ بخلاف التشهد فالنظر فيه إلى الأصبع سنة أيضاً. (وتفريقه بين قدميه في قيامه) كونه لا يلصق قدماً يقدم؛ بل يفرج. (ومراوحته بينهما) كونه بعض الأحيان اعتماده على رجل أكثر من الأخرى، سمي مراوحة لكونها ترتاح بالتخفيف عليها (وترتيل القراءة)
(والتخفيف للإمام) ، (وكون الأولى أطول من الثانية) ، (وقبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في الركوع) ، (ومد ظهره مستوياً) ، (وجعل رأسه حياله) ، (ووضع ركبتيه قبل يديه في سجوده) ، (ورفع يديه قبلهما في القيام) ، (وتمكين جبهته وأنفه من الأرض) ، (ومجافاة عضديه عن جنبيه) ، (وبطنه عن فخذيه) ، (و) ، (فخذيه عن ساقيه) ، (ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة الأصابع إذا سجد وتوجيه أصابع يديه مضمومة إلى القبلة) ،
ــ
هو من سنن الأفعال. (والتخفيف للإمام) هو سنة فعلية في حقه، (وكون الأولى أطول من الثانية) كما في حديث أبي قتادة وأبي سعيد وغيرهما مما دل على أنه يطال في الركعة الأولى أكثر من الثانية (وقبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في الركوع) هذه سنة؛ فإن قبضه سنة، والتفريج سنة أيضاً. (ومد ظهره مستوياً) هذه سنة (وجعل رأسه حياله) لا مرفوع ولا مخفوض هذه سنة أيضاً، (ووضع ركبتيه قبل يديه في سجوده) هذه من سنن الأفعال، (ورفع يديه قبلهما في القيام) قبل الركعة هذه من سنن الأفعال، (وتمكين جبهته وأنفه من الأرض) هذه من سنن الأفعال أيضاً، (ومجافاة عضديه عن جنبيه) تنحيتهما من سنن الأفعال (وبطنه عن فخذيه)(و) رفع (فخذيه عن ساقيه) وتفريقه بين الركبتين والقدمين كله من سنن الأفعال (ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة الأصابع إذا سجد وتوجيه أصابع يديه مضمومة إلى القبلة) هذا من سنن الأفعال -كونهما بإزاء منكبيه مبسوطتين، وتكون مبسوطة الأصابع ل غير مقبوضة وبطونهما على الأرض كله من سنن الأفعال- هذا من كمال السنة في اليدين.
(و) ، (مباشرة المصلى بيديه وجبهته) ، (وقيامه إلى الركعة) ، (على صدور قدميه) ، (معتمداً بيديه على فخذيه) ، (والافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهدالأول) ، (والتورك في الثاني) ، (ووضع يديه على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بهما القبلة بين السجدتين وفي التشهد) ، (وقبض الخنصر والبنصر من اليمنى، وتحليق إبهامها مع الوسطى، والإشارة بسبابتها) ، (والالتفات يميناً) ، (وشمالا في تسليمه) ، (وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات) ،
ــ
(و) يستحب (مباشرة المصلى بيديه وجبهته) كونه لا يحصل حائل إن كان يصلي على الأرض، وكذلك إن كان يصلي على سجادة ونحوها فلا يجعل شيئاً يختص بيديه ووجهه.
(وقيامه إلى الركعة) وكون نهوضه منها (على صدور قدميه) يعني ثم يقوم (معتمداً بيديه على فخذيه) كل سنة فعلية (والافتراش في الجلوس بين السجدتين) ، وفي التشهد الأول من ذات التشهدين (والتورك في الثاني) في التشهد الأخير (ووضع يديه على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بهما القبلة بين السجدتين وفي التشهد) ويستقبل بالرؤوس القبلة من سنن الأفعال. (وقبض الخنصر والبنصر من اليمنى، وتحليق إبهامها مع الوسطى، والإشارة بسبابتها) كل ذلك من سنن الأفعال. (والالتفات يميناً) يمنة في التسليمة الأولى، (وشمالا في تسليمه) الأخير (وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات) كل سنة. وإلا لو سلم مستقبل القبلة صحت صلاته.
(وأما سجود السهو)، (فقال أحمد: يحفظ فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد وسلم) ، (وسلم من ثلاث فسجد) ، (وفي الزيادة) ، (والنقصان) ، (وقام من الثنتين فلم يتشهد) ، (قال الخطابي) ، (المعتمد عليه عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة) ، (يعني حديثي ابن مسعود، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن بحينة) ، (وسجود السهو يشرع) ، (للزيادة) ،
ــ
فالمشروع في الصلاة وليس بركن ولا واجب الجميع يقرب من الخمسين أو السبعين من الأقوال والأفعال.
سجود السهو:
(وأما سجود السهو) هذا في محل ترجمة كأنه قال: "باب سجود السهو"، (فقال أحمد: يحفظ فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد وسلم) . يعني كما في حديث أبي هريرة، (وسلم من ثلاث فسجد) كما في حديث عمران، (وفي الزيادة) كما في حديث ابن مسعود، (والنقصان) كما في حديث ابن بحينة، وفي "الشك" كما في حديث أبي سعيد وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عوف. هذا المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومدارها على هذه الخمسة المتضمنة خمسة أشياء (وقام من الثنتين فلم يتشهد) كما في حديث ابن بحينة، (قال الخطابي) يعني حَمْدَ بن سليمان أبو سليمان. وبعضهم يقول حَمَدَ بفتح الثلاثة. وبعضهم يقول: أحمد. وهو حَمْدٌ بفتح الحاء وسكون الميم. لا غير: (المعتمد عليه عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة) مداره على هذه الخمسة (يعني حديثي ابن مسعود، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن بحينة) .
(وسجود السهو يشرع) لثلاثة أشياء، (للزيادة) سهواً وعمداً،
(والشك: في فرض، ونفل) ، (إلا أن يكثر) ، (فيصير كوسواس) ، (فيطرحه) ، (وكذا في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة) ، (فمتى زاد) ، (من جنس الصلاة قياماً) ، (أو ركوعاً أو سجوداً أو قعوداً) ، (عمداً بطلت) ، (وسهواً يسجد له)، (لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين رواه مسلم") ، (ومتى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير) ، (وإن زاد ركعة قَطَعَ متى ذكر، وبنى على فعله
ــ
(والشك: في فرض، ونفل) هو عام في الفض والنفل (إلا أن يكثر) السهو (فيصير كوسواس) فيصير مثل الوسواس، إذا ابتلي بالشكوك الكثيرة (فيطرحه) ويبني على غالب ظنه (وكذا في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة) والتيمم إذا كثرت عليه الشكوك.
(فمتى زاد) فعلاً، (من جنس الصلاة قياماً) في محل قعود أو عكسه (أو ركوعاً أو سجوداً أو قعوداً) ولو مثل جلسة الاستراحة، (عمداً بطلت) إن كان عمداً فهي باطلة.
(وسهواً يسجد له) وإن كان سهواً يسجد له وجوباً، (لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين رواه مسلم") والمراد إذا واد سهواً، أو نقص سهواً (ومتى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير) كل رجوع إلى تصحيح الصلاة أو تلافي ما فرط منه فإنه لا يدخل بتكبير جديد، فإنه في حكم الصلاة، ولا بطل حكمها حتى يقال يكبر، ولهذا في الأحاديث ما يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع إلى فعل ما ترك بتكبير خاص، (وإن زاد ركعة قَطَعَ متى ذكر، وبنى على فعله
قبلها) ، (ولا يتشهد إن كان قد تشهد ثم سجد وسلم) ، (ولا يعتد بالركعة الزائدة مسبوق) ، (ولا يدخل معه من علم أنها زائدة) ، (وإن كان إماماً أو منفرداً فنبهه اثنان) ، (لزمه الرجوع
ــ
قبلها) لأنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة قياماً وعمداً، وذلك يبطلها.
(ولا يتشهد إن كان قد تشهد. ثم سجد وسلم) كأن يقوم بعد التشهد في الفجر، يحسب أنه باق عليه شيء من الصلاة أو في التشهد الأخير في المغرب يحسب أنه باق عليه ركعة، فهذا إذا تنبه فيجلس ويأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن التشهد الذي فعله في محله فلم يبق إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويكمل ويسجد للسهو ويسلم. وإن كان قد أتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فمن حين يسجد يسلم..
وإن كان لم يتشهد فيتشهد ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي بالمندوب بعد ذلك ثم يسجد للسهو ثم يسلم.
(ولا يعتد بالركعة الزائدة مسبوق) إذا دخل فيها مسبوق وهي زائدة ألغاها؛ لأنها ليست بمعتبرة؛ لأنه ابتدأ بالإمام ليقتدي به بما هو من نفس الصلاة، وهذه ليست من نفس الصلاة. أكثر ما يعذر بكونها ليست تبطل الصلاة. إما أن تكون صحيحة فلا. (ولا يدخل معه من علم أنها زائدة) لأنها ليست بصلاة فلا يُحْرِم معه فيها. ولو علم بعدما سلم الإمام فيجيب رابعة.
(وإن كان إماماً أو منفرداً فنبهه اثنان) أنه قد زاد أو نقص (لزمه الرجوع) ، وإذا صدر منه ما ينبغي أن ينبه عليه وجب على المأمومين أن
ولا يرجع إن نبه واحد إلا أن يتيقن صوابه، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين) ، (ولا يبطل الصلاة عمل يسير كفتحه صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة، وحمله أمامة ووضعها) . (وإن أتى بقول مشروع في الصلاة في غير موضعه كالقراءة في القعود والتشهد في القيام لم تبطل به) ، (وينبغي السجود لسهوه)، (لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين") ،
ــ
ينبهوه جميعاً ور يتركونه مع العلم حتى تقع صلاته صحيحة وصلاة إمامهم، فإن رفض قولهما مع كونهما مما يوثق بهما بطلت صلاته وصلاة من تبعه عالماً لا جاهلاً أو ناسياً ولا من فارقه، (ولا يرجع إن نبه واحد إلا أن يتيقن صوابه، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين) فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحقٌّ ما قال ذو اليدين؟ " ثم رجع لما صاروا اثنين. أما المأموم عندما يلتبس عليه يسكت.
(ولا يبطل الصلاة عمل يسير كفتحه صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة، وحمله أمامة ووضعها) الصلاة ما يبطلها العلم اليسير الذي من غير جنس الصلاة كما ذكر هنا وأشباه ذلك مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها لا تخلف الانضباط؛ بخلاف الكثير فإنه يخرجها عن وضعها الشرعي.
(وإن أتى بقول مشروع في الصلاة في غير موضعه كالقراءة في القعود والتشهد في القيام لم تبطل به) إذا أتى بقول مثلما تقدم، إن كان عمداً أبطلها. وهنا إن أتى بقول ونحوه مشروع في غير موضعه لم تبطل به؛ لأنه إنما هو ذكر والصلاة محل الذكر، لكنه إن أتى به سهواً فاستحب له السجود، (وينبغي السجود لسهوه) لعموم الأدلة (لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين") وهذا ناس فدخل في
(وإن سلم عمداً قبل إتمامها عمدا بطلت) ، (وإن كان سهواً ثم ذكر قريباً أتمها ولو خرج من المسجد) ، (أو تكلم يسيراً لمصلحتها) ، (وإن تكلم سهواً أو نام فتكلم أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة من غير القرآن لم تبطل) ، (وإن قهقه بطلت إجماعاً؛ لا إن تبسم) ،
ــ
عموم "إذا نسي أحدكم" إلى آخره.
(وإن سلم عمداً قبل إتمامها عمدا بطلت) إذا سلم عامداً قبل تمام الأركان بطلت، (وإن كان سهواً ثم ذكر قريباً أتمها ولو خرج من المسجد) وإذا كان نسي أو خرج لكن قريب فيعيد ما نسي. أما لو أبطأ أو أحدث فلا يبني. ودليل البناء قصة ذي اليدين –وتقدمت- وقصة سهوه في عدة أحاديث. وإذا لم يذكرها إلا في منزله إن كان يرجو جماعة فيرجع إلى المسجد، وإن لم يرج فلا. ولا أذكر أنه يرجع لكن في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ووصل إلى حجرته. فإذا كانت ثابتة والنبي جاء وصلى بهم صار دليلاً على المسألة وإن لم يثبت بقي البحث فيها. ويرجع في قرب الزمن وبعده إلى العرف. ويبني من دون تكبير، (أو تكلم يسيراً لمصلحتها) وإن تكلم لمصلحتها وكان يسيراً لم تبطل. وتقدم في قصة ذي اليدين (وإن تكلم سهواً أو نام فتكلم أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة من غير القرآن لم تبطل)1.
(وإن قهقه بطلت إجماعاً؛ لا إن تبسم) فإنها لا تبطل. الضحك محرم ويبطلها، والتبسم لا يبطلها، وهو مكروه.
1 لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا وبنوا على صلاتهم (الروض المربع) .
(وإن نسي ركناً غير التحريمة فذكره في قراءة الركعة التي بعدها بطلت التي تركه منها وصارت الأخرى عوضاً عنها) ، (ولا يعيد الاستفتاح قاله أحمد) ، (وإن ذكره قبل الشروع في القراءة عاد فأتى به وبما بعده) ، (وإن نسي) ، (التشهد الأول ونهض) ، (لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائماً لحديث المغيرة رواه أبو داود) ، (ويلزم المأموم متابعته) ،
ــ
(وإن نسي ركناً غير التحريمة فذكره في قراءة الركعة التي بعدها بطلت التي تركه منها وصارت الأخرى عوضاً عنها) فإن لم يأت به بطلت
…
(ولا يعيد الاستفتاح قاله أحمد) يجزيه الاستفتاح الأول.
(وإن ذكره قبل الشروع في القراءة1 عاد فأتى به وبما بعده) 2 (وإن نسي) الإمام (التشهد الأول ونهض) قام، (لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائماً لحديث المغيرة رواه أبو داود) وأما إذا استتم قائماً فإنه يكره الرجوع. وإذا شرع في القراءة حرم الرجوع. ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شك أحكم فقام في الركعتين فاستتم قائماً فليمض وليسجد سجدتين، فإن لم يستتم قائماً فليجلس ولا سهو عليه". رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني واللفظ له. (ويلزم المأموم متابعته) للحديث: قيام النبي صلى الله عليه وسلم ونسيانه التشهد الأول، وقام الصحابة معه لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما جعل الإمام ليؤتم به" وهذا أحد الأشياء التي يتحملها
1 إن ذكر الركن المنسي قبل شروعه في القراءة التي بعدها.
2 عاد لزوماً فأتى بالركن المتروك وبما بعده من الأركان (الكشاف ق جـ1/ 403) باختصار.
(ويسقط عنه التشهد) ، (ويسجد للسهو) ، (ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين) ، (ويأخذ مأموم عند شكه بفعل إمامه) ، (ولو أدرك الإمام راكعاً وشك هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعاً لم يعتد بتلك الركعة) ، (وإذا بنى على اليقين أتى بما بقي) ، (ويأتي به المأموم بعد سلام إمامه) ، (ويسجد للسهو) ،
ــ
عنه الإمام، وإذا سها المأموم، والفاتحة. (ويسقط عنه التشهد) هذا التشهد يسقط عنه يتحمله عنه الإمام، وعدة أشياء يتحملها الإمام عن المأموم منها ما تقدم (ويسجد للسهو) وجوباً، فعندما قام من الثنتين لزمه السجود للسهو في آخر صلاته.
(ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين) اثنتين أو واحدة فليبن على اليقين؛ فإن الواحدة قد صلاها والمشكوك فيها يلغيها ويأتي بالثانية. فالفجر إن شك اثنتين أو واحدة، أو الظهر ثلاث أو أربع فيأتي بواحدة وهكذا، هذا حكم الإمام والمنفرد. (ويأخذ مأموم عند شكه بفعل إمامه) أما المتحقق فلا دخل له في ذلك. أما الشاك فيكفيه ولا عليه سيء غير ذلك. (ولو أدرك الإمام راكعاً وشك هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعاً لم يعتد بتلك الركعة) لأنه شك والأصل أنه لم يدركها حكماً بناءً على اليقين، ويسجد للسهو، وذلك لأنه لا يدري هل أدركها مع إمامه، أو لا؟ فهو كمن شم في عدد الركعات في الحكم (وإذا بنى على اليقين أتى بما بقي) أتى بالباقي بعده، وهكذا (ويأتي به المأموم بعد سلام إمامه) كالركعة التي شك فيها فإنه إذا سلم يقوم يأتي بها (ويسجد للسهو) إذا قام فيما شك فيه، وكذلك غيره مما شك فيه وجوباً كله.
(وليس على المأموم) ، (سجود سهو) ، (إلا أن يسهو إمامه) ، (فيسجد معه ولو لم يتم التشهد) ، (ويسجد مسبوق لسلامه مع إمامه سهواً، ولسهوه معه، وفيما انفرد به) ، (ومحله قبل السلام) ، (إلا إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر، لحديث عمران، وذي اليدين، وإلا في ما إذا بنى على غالب ظنه إن قلنا به) ، (لحديث علي وابن مسعود) ، (وإن نسيه قبل السلام أو بعده أتى به وجوباً تلافياً لما ترك لم يطل الفصل) .
ــ
(وليس على المأموم) الذي لم يسبق، (سجود سهو) ينفرد به ثم يسجد ويسلم. هذا ما يتصور. ما يصدر منه: إما مبطل لها فهذا له حكم بطلانها يوجب الاستئناف. وإذا فعل شيئاً لا يوجب إلا سجوداً فإنه يتحمل عنه السهو الإمام، (إلا أن يسهو إمامه) صار على إمامه سهو، (فيسجد معه ولو لم يتم التشهد) يسجد معه ثم بعد الرفع من السجود يتمه. (ويسجد مسبوق لسلامه مع إمامه سهواً، ولسهوه معه، وفيما انفرد به) المسبوق مأموم من جهة ومنفرد من جهة.
(ومحله قبل السلام) كله، (إلا إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر، لحديث عمران، وذي اليدين، وإلا في ما إذا بنى على غالب ظنه إن قلنا به) فإن فيه رواية عن أحمد: أن السجود على ما في الأحاديث وهذه قوية للأحاديث وعمل بالسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسجد ندباً بعد السلام، (لحديث علي وابن مسعود) يستدل به على غالب الظن، (وإن نسيه قبل السلام أو بعده أتى به وجوباً تلافياً لما ترك لم يطل الفصل) وإن طال سقط عنه ذلك. واختيار الشيخ وجوبه عليه وإن طال الوقت.