المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الجمعة - شرح كتاب آداب المشي إلى الصلاة أو العبادات (الصلاة، الزكاة، الصيام)

[محمد بن إبراهيم آل الشيخ]

الفصل: ‌باب صلاة الجمعة

‌بابُ صَلاةِ الجُمْعَة

(وهي فرض عين) ، (على كل مسلم) ، (بالغ) ، (عاقل) ، (ذكر) ،

ــ

بابُ صَلاةِ الجُمْعَة

اشتقاقها من الجمع، سميت بذلك لجمعها الخلق الكثير. وقيل: لأن الله جمع فيها خلق آدم وتم في هذا اليوم. وفضل هذا اليوم مشهور معلوم من النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث:"ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة" الحديث. ثم هذا اليوم له مزايا وخصائص عظيمة عديدة (وهي فرض عين) كما أن الظهر والعصر فرض عين؛ بل هذا الفرض آكد من سائر بقية فروض اليوم (على كل مسلم) هذا قيد يخرج الكافر فإنها غير واجبة عليه الجمعة، ولا الصلاة بمعنى أنها لا تصح منه ولا يقضيها إذا أسلم، لا بمعنى أنهم لا يعاقبون على تركها كما يُعاقبون على كفرهم؛ فإن الواحد منهم إذا أسلم لا يطالب ولا يلزمه قضاء ما تركه في كفره؛ لأنه مطالب أوّلاً بالتوحيد، فإن لم يحصل منه التوحيد فإنه لا يصح منه ما عداه (بالغ) فلا تجب على الصبي لعدم تكليفه. (عاقل) فلا تجب على مجنون لفقده العقل، ولا تصح منه. المجنون جنوناً مطبقاً مطلقاً. والذي يخنق لا يجب عليه فعلها إذا لم يفق ويدرك من الوقت شيئاً لا من أوله ولا من آخره ولا من وسطه، والجمعة كذلك. فالعقل شرط للصحة والوجوب، والتمييز شرط للوجوب وليس بشرط للصحة، (ذكر) لأن المرأة شأنها الاستتار وعدم البروز في الغالب من أمرها، والبروز إنما

ص: 142

(حر) ، (مكلف) ، (مستوطن) ، (ببناء يشمله اسم واحد) ، (ومن حضرها ممن لا تجب عليه أجزأته) ،

ــ

هو للعارض، فلذلك سقطت عنها الجمعة (حر) هذا قيد يخرج العبد فإنه على المشهور لا تجب عليه لنقصه بأمور لازمة له لسيده. وقد قيل بوجوبها في حقه فيما أظن1، فالعبد محبوس بحكم الرق الشرعي مستحقة منافعه لغير؛ بخلاف الحر فإنه يملك منافع نفسه (مكلف) يعني بالغ عاقل أخرج الذي لم يبلغ -الصبي الذي ما بلغ- ويخرج المجنون كما تقدم فإنه لا نية له، والصبي تصح منه ولا تجب عليه؛ لأن له نية، إلا أن عباداته من باب التطوع لا من باب الفريضة. (مستوطن) هذا شرط آخر، فإن كان غير مستوطن بأن كان منزله الخيام وبيوت الشعر كالبوادي يرتحل عنه شتاءً أو صيفاً فإنها لا تجب عليهم في كلام كثير من أهل العلم، (ببناء يشمله اسم واحد) وسواء كان البناء فراسخ فإنه يلزم السعي إلى الجمعة من نفس المصر ولو كان بينه وبين المسجد خمسة فراسخ فأكثر. والبناء من إسمنت، أو حجر، أو مدر، أو قصب، بناء من ألواح، أو نحوها كعسف وهو الوشي، أو العشة، ومثله الصنادق وأشباهها مما جنسه يتخذ للاستيطان. فإذا كان خارج المصر وكان بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ فإنها لا تجب عليه (ومن حضرها ممن لا تجب عليه أجزأته) المرأة لو حضرت وصلت الجمعة في المسجد أو في مكان يصح فيه الاقتداء، أو المسافر وصلى معهم، أو الصبي، أو العبد: صحت من الجميع؛ لأن إسقاطها عنهم رخصة

1 وجوبها على العبد قوي: إما مطلقاً، وإما إذا أذن له سيده. (مجموع الفتاوى جـ 24/184) .

ص: 143

(وإن أدرك ركعة أتمها جمعة وإلا أتمها ظهراً) ، (ولا بد من تقدم خطبتين) ، (فيهما حمد الله) ، (والشهادتان) ، (والوصية بما يحرك القلوب وتسمى خطبة) ،

ــ

وهم أخذوا بالعزيمة، بل أرادوا ما هو أعلى من حالة التخفيف. وكذلك المريض والخائف. (وإن أدرك ركعة أتمها جمعة وإلا أتمها ظهراً) إذا جاء المسبوق وقد فاته ركعة فاجتمع مع الإمام في ركوع الركعة الثانية فإنه يكون مدركاً للجمعة، ومن لم يدرك إلا أقل من ذلك بأن لم يدخل مع الإمام حتى رفع الإمام من الركوع لم يكن مدركاً للجُمعة، بل يتمها ظهراً بشرطين. الأول: أن يكون وقت الظهر قد دخل. الثاني: أن يكون قد نواها ظهراً، وإلا لم تصح منه ظهراً لفوات الشرطين أو أحدهما.

(ولا بد من تقدم خطبتين) لصحة صلاة الجمعة، للآية الكريمة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [62/9] الآية يراد بها الخطبة، أو الخطبة والصلاة جميعاً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين قبل الصلاة، وكونه لم يخل بذلك مرة واحدة.

(فيهما حمد الله) لفظ: الحمد لله. ويؤخذ من كلام بعض أهل العلم أن ما يدل على الثناء لا تصح به بل لا بد من لفظ الحمد. والزيادة على هذه الكلمة مستحب خروجاً من خلاف من قال بالوجوب والشرطية، ولأنه أكمل. (والشهادتان) ولا بد من ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل عبادة فيها شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، (والوصية بما يحرك القلوب وتسمى خطبة) كذلك ينبغي أن تكون الخطبة مشتملة على ذكر داعئم الدين وقواعده العظام، وكذلك

ص: 144

(ويخطب على منبر) ، (أو موضع عال) ، (ويسلم على المأمومين إذا خرج، وإذا أقبل عليهم) ، (ثم يجلس إلى فراغ الأذان) ، (لحديث ابن عمر رواه أبو داود) ، (ويجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة) ، (ويخطب

ــ

ينبغي بل يجب أن يأتي بما يحرك القلوب، أما شيء لا يحركها فلا ينبغي. ثم الاقتصار على ذكر فناء الدنيا والموت لا يكفي، كما أنه لا يكفي الاقتصار على كلمات الحكم النافعة، لا بد من موعظة وشيء يحرك القلوب. ثم أيضاً اعتماد التسجيع وكونه همخ الخطيب مرجوح ولا ينبغي، فإن أتى به مع إتيانه بالأمور الهامة فلا مانع من التسجيع.

(ويخطب على منبر) والقصد من ذلك ليكون أبلغ في إسماع الحاضرين إذا كان مرتفعاً (أو موضع عال) إن عدم المنبر، سواء كان بصفة عتبة، أو حجر، أو مرتفع من الأرض. وبعض الناس يزيد في ارتفاع المنبر ولا هو لاينبغي؛ بل ينبغي الاكتفاء بقدر العتبات التي كان يصعدها النبي صلى الله عليه وسلم.

(ويسلم على المأمومين إذا خرج، وإذا أقبل عليهم) يندب أن يسلم عليهم أول ما يخرج عليهم، وكذلك إذا صعد المنبر؛ فحينئذ يسلم سلامين: الأول: حين يتبين عليهم من الباب ونحوه. والثاني: بعدما يستتم واقفاً على المنبر قبل أن يجلس. (ثم يجلس إلى فراغ الأذان) هذا من السنة (لحديث ابن عمر رواه أبو داود)"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب"(ويجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة) لما في الصحيحين من حديث ابن عمر: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يفصل بينهما بجلوس" (ويخطب

ص: 145

قائماً لفعله صلى الله عليه وسلم ، (ويقصد تلقاء وجهه) ، (ويقصر الخطبة) ، (وصلاة الجمعة ركعتان) ، (يجهر فيهما بالقراءة) ، (يقرأ في الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين) ، (أو بسبح والغاشية) ، (صح الحديث بالكل) ، (ويقرأ في فجر يومها بآلم السجدة، وسورة الإنسان) ،

ــ

قائماً لفعله صلى الله عليه وسلم ولقوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} [62/11] فإن هذا في خطبة الجمعة، نزلت لما قدم العير من الشام والنبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة فانصرفوا ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً فدل على أنه يخطب قائماً (ويقصد تلقاء وجهه) لفعله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يقصد كان إرعاضاً عنهم أو عن بعضهم. والذي ينبغي أن يكون موقفه مما يسوي بينهم في الصوت. (ويقصر الخطبة) الخطيب لحديث:"إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه" وأن تكون الأولى أطول من الثانية، كما يندب تطويل الأولى من الرباعية والثلاثية.

(وصلاة الجمعة ركعتان) وهذا بالإجماع، فهي مستقلة وليست بدلاً من الظهر بل الأمر بالعكس. (يجهر فيهما بالقراءة) بالفاتحة فيهما. (يقرأ في الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين) للسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (أو بسبح والغاشية) وكذلك إذا قرأ بسبح والغاشية. وإن قرأ بالجمعة والغاشية جاء أيضاً في رواية (صح الحديث بالكل) .

(ويقرأ في فجر يومها بآلم السجدة، وسورة الإنسان) تسن القراءة في فجرها بهاتين السورتين. وليس قراءة السجدة من أحل أن فيا سجدة وإن لم يقرأها قرأ سورة فيها سجدة، وإنما اختصتا لما فيهما

ص: 146

(وتكره المداومة على ذلك) ، (وإن وافق عيد يوم جمعة سقطت الجمعة عمن حضر العيد) ، (إلا الإمام فلا تسقط عنه) ، (والسنة بعد الجمعة ركعتان، أو أربع) ، (ولا سنة لها قبلها) ،

ــ

بدء الخلق والثواب والعقاب والجنة والنار، فالحكمة في ذلك تذكيره بمبدئه حتى يعرف نفسه وربه، وتذكيره بالمعاد حتى يستعد ويخاف ويعمل، حتى يتوفى على ذلك بمنة الله. (وتكره المداومة على ذلك) لئلا يظن وجوبهما، بل يترك بعض الأحيان.

(وإن وافق عيد يوم جمعة سقطت الجمعة عمن حضر العيد) وهي بنفسها لا تسقط بالعيد؛ إذ الجمعة فرض عين، والعيد ليس فرض عين؛ بل فرض كفاية. فالجمعة لا تسقط بذاتها إلا إذا لم يحضر العدد فلا تلزم، لا من أجل سقوطها بالعيد، بل من أجل عدم حضور النصاب، فإن عذر من تخلف أنها ساقطة عنه (إلا الإمام فلا تسقط عنه) عليه أن يقيم الجمعة إذا حضر العدد الكافي.

(والسنة بعد الجمعة ركعتان، أو أربع) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين. وجاء في حديث أبي هريرة الأمر بالصلاة أربع بعد الجمعة، أو كما في الحديث1 وفيه قول آخر: أنها إن صليت في المسجد فأربع وإن صليت في البيت فركعتان فيكون الجمع هو هذا، لا أن لها أقل وأكثر وهذا اختيار الشيخ2.

(ولا سنة لها قبلها) أي راتبة، وإلا فلها سنة قبلها وليست راتبة

1 "من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً" رواهما مسلم.

2 وانظر مجموع الفتاوى جـ 24/202.

ص: 147

(بل يستحب أن يتنفل بما شاء) ، (ويسن لها الغسل) ، (والسواك) ، (والطيب) ، (ويلبس أحسن ثيابه) ، (وأن يبكر ماشياً) ،

ــ

(بل يستحب أن يتنفل بما شاء) ومما يدل عليه الحديث الذي فيه الترغيب في التبكير للجمعة والصلاة إلى أن يخرج الإمام يعني للصلاة، وفي بعض ألفاظه:"وصلى ما قدر له" ولم يحدد، فإن ذلك سنة لا راتبة، وأقله ركعتان، وأكثره إلا أن يخرج الإمام.

(ويسن لها الغسل) مسنون ذلك بل مؤكد. ثم نعرف أن بعض أهل العلم ذهب إلى وجوب غسل الجمعة استدلالاً بحديث: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" والجمهور على عدم الوجوب، لحديث:" من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" فإن معناه من توضأ فقد أخذ بالرخصة ونعمت الرخصة، ومن اغتسل فقد أخذ بالعزيمة. وأهل هذا القول يجيبون بأن الوجوب تأكد الندبية، مثل ما يقال: حقك عليّ واجب. وتوسط آخرون بأن قالوا بوجوبه على أهل المهن الذين تكون لهم رائحة إذا لم يغتسلوا. وبكل حال فمزيد الندبية ظاهر. أقل ما يفيد مزيد التأكيد (والسواك) داخل في النظافة المطلوبة، (والطيب) لما روى البخاري عن أبي سعيد مرفوعاً:"لا يغتسل أحد يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن، ويمس من طيب امرأته" الحديث، فيندب التطيب في هذا اليوم لهذا الحديث (ويلبس أحسن ثيابه) لفعله صلى الله عليه وسلم، ولوروده في بعض ألفاظ هذا الحديث. (وأن يبكر ماشياً) يندب التبكير إليها، وأن يكون ماشياً. التبكير كما في الأحاديث:"من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة" الحديث، و"ماشياً" كما في الحديث:"ومشى".

ص: 148

(ويجب السعي بالنداء الثاني) ، (بسكينة وخشوع) ، (ويدنو من الإمام) ، (ويكثر الدعاء في يومها رجاء إصابة ساعة الإجابة) ، (وأرجاها آخر ساعة بعد العصر، إذا تطهر وانتظر صلاة المغرب لأنه في صلاة) ، (ويكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يومها وليلتها) ،

ــ

(ويجب السعي بالنداء الثاني) أي الذي عند المنبر عقب جلوس الإمام على المنبر، لأنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قبل النداء لمن منزله بعيد في وقت وجوب السعي عليه، (بسكينة وخشوع) وأن يكون في مسيره بسكينة ووقار. و"السكينة" بالنسبة إلى الحركة وعدمها بأن يكون ساكناً غير مضطرب. و"الوقار" في الهيئة والشكل. ومن الوقار غض البصر وخفض الصوت ونحو هذا (ويدنو من الإمام) يسن دنوه من الإمام، وجاء: أن مقاعد أهل الجنة قربهم من الله على حسب قربهم من الإمام يوم الجمعة. وكان ابن مسعود يبكر، فإذا جاء ووجد ثلاثة قال: رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيد.

(ويكثر الدعاء في يومها رجاء إصابة ساعة الإجابة) فإن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه (وأرجاها آخر ساعة بعد العصر، إذا تطهر وانتظر صلاة المغرب لأنه في صلاة) هذه الساعة فيها أقوال عديدة ذكرها ابن القيم في كتابه "زاد المعاد": ما هي هذه الساعة؟ من جملتها أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن يخرج من الصلاة. وأقواها أنها بعد العصر، لما في بعض الأحاديث المصرحة.

(ويكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يومها وليلتها) كذلك لقوله

ص: 149

(ويكره أن يتخطى رقاب الناس) ، (إلا أن يرى فرجه لا يصل إليها إلا به) ، (ولا يقيم غيره ويجلس مكانه ولو عبده أو ولده) ،

ــ

صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ، قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت. قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

(ويكره أن يتخطى رقاب الناس) الواحد الحاضر للجمعة ليس له أن يتخطى رقاب الناس الجالسين في الصف، للنهي عنه في الحديث، والوعيد عليه؛ فإنه جاء في الحديث:"الذي يتخطى رقاب الناس إنما يتخذ جسراً إلى جهنم" أو كما في الحديث. وفي الحديث الآخر: "إجلس فقد آنيت وآذيت" ففيه النهي عن ذلك، وبيان العلة وهو أذية الناس الذين يتخطى رقابهم (إلا أن يرى فرجه لا يصل إليها إلا به) لا يصل إلى موضعه ليصلي فيه فإن هذه حاجة. هذه مسألة مستثناة أن يكون المتخطي إلى فرجة ولا يصل إليها إلا بتخط لصف فأكثر، فإذا كان فرجة متروكة فلمن رآها وأرادها أن يتخطى، فإن من أمامها من الصفوف الذي ينبغي لهم أن يسدوها فلما لم يفعلوا سقط حقهم، وكان له الحق في التخطي ليسدها.

(ولا يقيم غيره ويجلس مكانه ولو عبده أو ولده) ولو للخلاف القوي، فإن المخالف يستثني العبد لكون منافعه مملوكة لسيده، وكذلك الولد الكبير الخلاف فيه معطوف على العبد. فإذا كان عبده وولده الكبير ممنوع في حقه إقامتهما من مكانهما فالناس بطريق الأولى، وذلك لما كان له من الحق في سبقه إليه؛ فإن عموم الحديث يتناول العبد والولد.

ص: 150

(ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين) ، (يخففهما) ، (ولا يتكلم)، (لقوله صلى الله عليه وسلم:"ومن مس الحصى فقد لغا" صححه الترمذي) ،

ــ

(ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين) للحديث: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصلَّ ركعتين" متفق عليه. (يخففهما) ينبغي الإيجاز فيهما لما في رواية مسلم: "وليتجوز فيهما" وذلك أنه مشروع في حقه شيئان: أحدهما: الإنصات للخطبة. والثاني: إعطاء المسجد حقه بصلاة التحية. فالجلوس من غير فعل للتحية إهمال لها وترك. والإطالة فيها بعض إهمال لمساع الخطبة. فالأولى أن يجمع بينهما فيصلي التحية ويوجز فيها ليحصل له فعل التحية والإصغاء إلى الخطبة لسماع ما يدرك منها.

(ولا يتكلم) للنهي عنه في الأحاديث. منها قوله: "من قال: صه، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له" رواه أحمد. فهذا الحديث مفيد النهي عن التسكيت، وهو قول كلمة "صه" وهي كلمة واحدة، فيفيد أن التسكيت بجملة أشد، وأشد منه الكلام لغير تسكيت. فيفيد الحديث أن من صدر منه قول:"صه" فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له. أي: لغت جمعته وسقط أجرها الذي امتازت به على غيرها، ولا يعبث والإمام يخطب، (لقوله صلى الله عليه وسلم:" ومن مس الحصى فقد لغا" صححه الترمذي) العبث بشيء كعبثه بالحصا كإن كان على حصباء، أو ثيابه، أو شيء من بدنه، أو نحو ذلك. وتقدم معنى "فلا جمعة له" فهذا الذي جاء إلى الجمعة ما حصل له إلا التعب: تعب الانتظار والقصد إليها من بعيد لعدم تأدبه وعدم قيامه بما يلزم لها من الإنصات وترك العبث.

ص: 151