الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ فِي الشُّهُبِ الَّتِي أُرْسِلَتْ عَلَى مُسْتَمِعِي أَخْبَارِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا مِنَ الشَّيَاطِينِ عِنْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ كَانَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ قَبْلَ مَبْعَثِهِ أَمْ لَا
؟
2330 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: " مَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجِنِّ وَلَا رَآهُمْ، انْطَلَقَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، فَقَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ ، ائْتُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَبْتَغُونَ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ النَّفَرُ فَرَجَعُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدًا إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ
⦗ص: 105⦘
صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ ، وَقَالُوا: هَذَا وَاللهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَذَلِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 2]، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ:{قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ} [الجن: 1] ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ "
⦗ص: 106⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّهُبَ الَّتِي كَانَتْ أُرْسِلَتْ عَلَى الشَّيَاطِينِ حِينَئِذٍ وَمَنَعَتْهُمْ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ مِمَّا لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ
2331 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:" كَانَ الْجِنُّ يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ، فَإِذَا سَمِعُوا الْكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا تِسْعًا ، وَأَمَّا الْكَلِمَةُ فَتَكُونُ حَقًّا، وَأَمَّا مَا زَادُوا فَيَكُونُ بَاطِلًا، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُمْ إبْلِيسُ: مَا هَذَا إِلَّا لِأَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ، فَبَعَثَ جُنُودَهُ فَوَجَدُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: بِأَعْلَى مَكَّةَ شَكَّ الْفِرْيَابِيُّ فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي حَدَثَ فِي الْأَرْضِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا أَيْضًا مَا قَدْ حَقَّقَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ: وَلَمْ يَكُنْ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ قَائِلٌ: وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُ مَا رَوَيْتُمْ عَنْهُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِمَّا ذَكَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
2332 -
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا؟ " قَالُوا: اللهُ عز وجل وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ ، وَمَاتَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا حَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ رَبَّنَا تَبَارَكَ اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ، فَيَسْتَخْبِرُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ، فَيُلْقُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَيُرْمَوْنَ بِهِ، فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْههٍ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَرْقَوْنَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ ".
⦗ص: 109⦘
2333 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَنْصَارِ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: " وَيُرْمَوْنَ ".
2334 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ قَالَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إخْبَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُرْمَى
⦗ص: 110⦘
بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي كَانُوا يُرْمَوْنَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ فِي خَاصٍّ مِنَ الْأَوْقَاتِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عز وجل فِي إِخْبَارِهِ عَنِ الْجِنِّ بِقَوْلِهِمْ:{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} [الجن: 9] يَعْنُونَ قَبْلَ أَنْ يَرَوَا الشُّهُبَ الَّتِي رَأَوْهَا بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 9] أَيْ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ مِثْلَ مَا كَانَ يَسْتَطِيعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِمَاعِ مَعَ الشُّهُبِ الَّتِي حَدَثَتْ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات: 6] إِلَى قَوْلِهِ: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] أَيْ أَنَّهُمْ مَدْحُورُونَ مَمْنُوعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْوَاصِبُ الدَّائِمُ، أَيْ أَنَّهُ دَائِمٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك: 5] ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَقْطَعُهُمْ عَنِ الْمُعَاوَدَةِ لِمَا كَانُوا يُرْمَوْنَ مِنْ أَجْلِهِ ، وَأَنَّ مَا حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا حَكَى الله عز وجل عَنِ الْجِنِّ مِنْ قَوْلِهِ:{فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8] أَيْ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي قَدْ حُرِسَتَ بِهِ لَيْسَ مِمَّا كَانَ
⦗ص: 111⦘
قَبْلَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، وَأَنَّهُ قَدْ مُنِعْنَا مِمَّا كُنَّا وَاصِلِينَ إلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا
2335 -
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْيَافِعِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: سَأَلَ نَاسٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ:" لَيْسُوا بِشَيْءٍ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّهُمْ يُخْبِرُونَنَا بِالشَّيْءِ أَحْيَانًا فَيَكُونُ حَقًّا. قَالَ: " تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَزِيدُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ ".
⦗ص: 114⦘
2336 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ:" قَرَّ الدَّجَاجَةِ " فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا مِمَّا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَجَابَهُمْ بِمَا أَجَابَهُمْ بِهِ مِمَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ كَانَ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، فَنُسِخَ ذَلِكَ، فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لَا تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ. وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا جَاءَ فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] الْآيَةَ مِمَّا أُضِيفَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مِمَّا نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ رَأْيًا، وَإِنَّمَا قَالَهُ تَوْقِيفًا
2336 م - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: " كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَثَبَتَ الْإِنْسِيُّونَ عَلَى عِبَادَتِهِمْ، فَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عز وجل:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57]
2336 م - حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ الْفَارِسِيُّ أَبُو شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " نَزَلَتْ بِنَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ، وَالنَّفَرُ مِنَ الْعَرَبِ لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ، يَعْنِي قَوْلَهُ عز وجل:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57] .
⦗ص: 117⦘
فَأَنْكَرَ مُنْكِرٌ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَقَالَ: إِنَّمَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ:{يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] : عِيسَى وَعُزَيْرٌ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا وَالْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ هَذَا الْمُنْكِرُ: الَّذِينَ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عُبِدُوا مِنْ دُونِ اللهِ عز وجل لَا مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْجِنِّ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ أَنَّ مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ مُجَاهِدٌ فِيهِ؛ لِمَوْضِعِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْجِنُّ فَقَدْ وَجَدْنَا اللهَ عز وجل أَنْبَأَنَا فِي كِتَابِهِ أَنَّ بَعْضَ الْإِنْسِ قَدْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ بِقَوْلِهِ عز وجل: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ
⦗ص: 118⦘
دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ الَّتِي أَتَيْنَا بِهَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَجْلِهَا غَيْرَ مَا رَوَيْنَاهُ فِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَيْسَ يَصْلُحُ خِلَافُ مِثْلِ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي أَحَدِ حَدِيثَيْهِ بِنُزُولِهِ بِأُولَئِكَ النَّفَرِ الْإِنْسِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ النَّفَرَ الْجِنِّيِّينَ. وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ