الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ كَانَ إلَيْهِ إدْخَالُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبُورِهِنَّ
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى زَيْنَبَ رضي الله عنها بِالْمَدِينَةِ، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَأْمُرْنَ أَنْ يُدْخِلَهَا الْقَبْرَ؟ قَالَ: وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ: انْظُرْ مَنْ كَانَ يَرَاهَا فِي حَيَاتِهَا، فَلْيَكُنْ هُوَ الَّذِي يُدْخِلُهَا الْقَبْرَ. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه:" صَدَقْتُنَّ ".
⦗ص: 330⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَدْ كَانَ أَعْجَبَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى إدْخَالَهَا قَبْرَهَا ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لَهُ أُمًّا؛ لِأَنَّ اللهَ عز وجل قَالَ:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] ، وَكَانَ لَهَا بِذَلِكَ ابْنًا، أَعْجَبَهُ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِإِدْخَالِهَا قَبْرَهَا ثُمَّ، اسْتَظْهَرَ فِي ذَلِكَ بِمَا عِنْدَ الْبَاقِيَاتِ بَعْدَهَا مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ فِيهِ مِثْلُهَا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ الَّذِي بَيَّنَ بِهِ فِي ذَلِكَ تَبِينُ هِيَ فِيهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَقَعُ فِي مِثْلِهِ الْإِشْكَالُ إِنْ كَانَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُمًّا وَكَانَ هُوَ لَهَا ابْنًا ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتًا مِنْ بَنَاتِهَا ، وَأَنَّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنَ الْبُنُوَّةِ وَمِنْ أُمُومَةٍ فِي ذَلِكَ تُخَالِفُ الْأُمُومَةَ وَالْبُنُوَّةَ فِي الْأَنْسَابِ وَفِي الرَّضَاعِ، فَرَجَعَ إِلَى مَا عِنْدَهُنَّ فِي ذَلِكَ لِيَقِفَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، إِذْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْقُطُ عَلَيْهِنَّ كَيْفَ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ الَّذِي قَدْ عَلِمْنَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوْقَفَهُنَّ عَلَيْهِ، فَأَعْلَمْنَهُ أَنَّ إدْخَالَهَا قَبْرَهَا هُوَ إِلَى مَنْ كَانَ يَرَاهَا فِي حَيَاتِهَا، فَخَالَفَ ذَلِكَ مَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَبَانَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّ أُمُومَتَهُنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَبُنُوَّةَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُنَّ لَهَا حُكْمٌ خَاصٌّ خِلَافُ حُكْمِ الْبُنُوَّةِ إِلَى النَّسَبِ، وَخِلَافُ حُكْمِ الْأُمُومَةِ مِنَ الرَّضَاعِ، إِذْ كَانَتِ الْأُمُومَةُ مِنَ النَّسَبِ وَالْأُمُومَةُ مِنَ الرَّضَاعِ
⦗ص: 331⦘
تُبِيحَانِ النَّظَرَ مِنَ الْأَوْلَادِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسَيْنِ إِلَى مَنْ كَانَ بِهِ لَهُنَّ أُمًّا ، وَالْأُمُومَةُ بِالنَّسَبِ الَّذِي بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهُنَّ لَا يُبِيحُهُنَّ ذَلِكَ ، وَالْأُمُومَةُ مِنَ النَّسَبِ وَمِنَ الرَّضَاعِ يَمْنَعَانِ مِنْ نِكَاحِ مَنْ وَلَدَهُ أُولَئِكَ الْأُمَّهَاتُ مِنَ الْبَنَاتِ، وَلَا يَمْنَعُ الْأُمُومَةَ بِتَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَزَوَّجَهُ مِنَ النِّسَاءِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لِلْمُؤْمِنِينَ تَزْوِيجُ مَا وَلَدْنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْبَنَاتِ وَمَا وَلَدْنَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْهُنَّ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْأُمُومَةُ لَهَا حُكْمٌ بَائِنٌ مِنْ حُكْمِ الْأُمُومَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ اسْتَعْلَمَهُ عُمَرُ رضي الله عنه مِنْ أَهْلِهِ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَحَطْنَا عِلْمًا أَنَّهُنَّ لَمْ يَأْخُذْنَ حُكْمَ تِلْكَ الْأُمُومَةِ إِلَّا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنَّهُنَّ لَمْ يَأْخُذْنَهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الِاسْتِخْرَاجِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ مِثْلُهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الِاسْتِخْرَاجِ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ ، وَالتَّوْقِيفُ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَدْخَلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَحَادِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَالْتَمَسْنَا مِنْهُ مَا الْتَمَسْنَا مِنْ حَدِيثِهِ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَامِرٍ، فَخَالَفَ إِسْمَاعِيلَ فِي الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ الْمُتَوَفَّاةِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهَا أُمُّ حَبِيبَةَ مَكَانَ مَا ذَكَرَ إسْمَاعِيلُ فِيهِ أَنَّهَا زَيْنَبُ.
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَتْ،
⦗ص: 332⦘
فَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ رضي الله عنه، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، وَبَعَثَ إِلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُدْخِلُهَا فِي قَبْرِهَا؟ فَقُلْنَ: الَّذِي كَانَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرَاهَا فِي حَيَاتِهَا ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا عِنْدَنَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بَقِيَتْ بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ رضي الله عنه دَهْرًا طَوِيلًا. ثُمَّ الْتَمَسْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ حَجَّاجِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى فِرَاسٍ كَيْفَ هُوَ؟
فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا فِرَاسٌ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 333⦘
مِنْ قَوْلِهِ كَانَ لِأَزْوَاجِهِ: " أَوَّلُكُنَّ بِي لُحُوقًا أَطْوَلُكُنَّ يَدَيْنِ " ، وَأَنَّهُنَّ كُنَّ يَتَطَاوَلْنَ بِأَيْدِيهِنَّ، وَتَقُولُ عَائِشَةُ فِي ذَلِكَ: وَكَانَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ امْرَأَةً قَصِيرَةً ، وَكَانَتْ تَصْنَعُ بِيَدَيْهَا مَا تُعِينُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ عز وجل، وَعَلَّمَهُنَّ بِذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدَيْنِ بِالْخَيْرِ. وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللهِ عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}
2515 -
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاحْذَرُوهُمْ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاحْذَرُوهُمْ "، ثُمَّ نَزَعَ:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7] إِلَى قَوْلِهِ عز وجل: {إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَعَمِلُوا بِمُحْكَمِهِ "
2516 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِذَا سَمِعْتَ الَّذِينَ يَتَجَادَلُونَ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى الله عز وجل، أَوْ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عز وجل ".
⦗ص: 336⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، فَأَدْخَلَ فِي إسْنَادِهِ بَيْنَ عَائِشَةَ وَبَيْنَ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ.
2517 -
كَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الَّذِي تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى الله عز وجل، فَاحْذَرُوهُمْ ".
2518 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
⦗ص: 337⦘
الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ قَالَ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، فَوَجَدْنَا فِيهِ قَوْلَ اللهِ عز وجل:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] ، فَأَعْلَمَنَا عز وجل أَنَّ مِنْ كِتَابِهِ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ بِالتَّأْوِيلِ، وَهِيَ الْمُتَّفَقُ عَلَى تَأْوِيلِهَا، وَالْمَعْقُولِ الْمُرَادِ بِهَا ، وَأَنَّ مِنْهُ آيَاتٍ مُتَشَابِهَاتٍ يُلْتَمَسُ تَأْوِيلُهَا مِنَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ اللَّاتِي هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، وَهِيَ الْآيَاتُ الْمُخْتَلَفَةُ فِي تَأْوِيلِهَا، ثُمَّ قَالَ عز وجل:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] ، وَالزَّيْغُ الْجَوْرُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَعَنِ الْعَدْلِ، وَتَرْكُ الْإِنْصَافِ لِأَهْلِهَا، فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي كَانَ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ فِيمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُمْ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ، وَهِيَ فَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ حَتَّى يَكُونَ عَنْهَا الْقَتْلُ وَمَا سِوَاهُ مِمَّا يَجْلُبُهُ مِنَ الْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ وَالتَّفَرُّقِ
⦗ص: 338⦘
الَّذِي تَجْرِي مَعَهُ الْأُمُورُ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللهُ عز وجل بِهِ فِيهَا بِقَوْلِهِ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ خَرَجَ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَصَارَ مِنْ غَيْرِهِ، وَاسْتَحَقَّ النَّارَ. وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الْمَعَانِي زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْهَا
2519 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرَانَ الْحُمْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ، قَالَ: قَدِمْتُ دِمَشْقَ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَهَا، فَوَجَدْتُ أَبَا أُمَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَعَدْتُ إلَيْهِ، ثُمَّ نَهَضَ وَنَهَضْتُ مَعَهُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رُؤُوسٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْقَنَاةِ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَأْسًا، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا أَبُو أُمَامَةَ ثَمَّ، وَقَفَ، قَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ، يَا سُبْحَانَ اللهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مَا يَعْمَلُ الشَّيْطَانُ بِهَؤُلَاءِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: " شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ثَلَاثًا وَخَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلَهُ هَؤُلَاءِ، وَبَكَى، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، تَقُولُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ، ثُمَّ تَبْكِي؟ فَقَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ، إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَخَرَجُوا مِنْهُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: هُمْ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ،
⦗ص: 339⦘
ثُمَّ قَالَ: هُمْ هَؤُلَاءِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تُحَدِّثُ بِهِ مِنْ رَأْيِكَ، أَوْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ، يَا سُبْحَانَ اللهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ عِنْدَكُمْ كَثِيرٌ ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَدَلَّ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ أَخْبَرَ اللهُ عز وجل فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِعَجْزِ الْخَلْقِ عَنْ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهَا بِقَوْلِهِ عز وجل:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ} [آل عمران: 7] ، ثُمَّ أَخْبَرَ عز وجل بِمَا يَقُولُهُ
⦗ص: 340⦘
الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ؛ لِيَمْتَثِلُوهُ وَيَتَمَسَّكُوا وَيَقْتَدُوا بِهِمْ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] ، فَهَكَذَا يَكُونُ أَهْلُ الْحَقِّ فِي الْمُتَشَابِهِ مِنَ الْقُرْآنِ يَرُدُّونَهُ إِلَى عَالِمِهِ، وَهُوَ اللهُ عز وجل، ثُمَّ يَلْتَمِسُونَ تَأْوِيلَهُ مِنَ الْمُحْكَمَاتِ اللَّاتِي هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدُوهُ فِيهَا عَمِلُوا بِهِ كَمَا يَعْمَلُونَ بِالْمُحْكَمَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهُ فِيهَا لِتَقْصِيرِ عُلُومِهِمْ عَنْهُ لَمْ يَتَجَاوَزُوا فِي ذَلِكَ الْإِيمَانَ بِهِ، وَرَدَّ حَقِيقَتِهِ إِلَى اللهِ عز وجل، وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا فِي ذَلِكَ الظُّنُونَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِهِ حَرَامًا كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ أَحْرَمَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ "، وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ فِي مَوْضِعٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي بَقِيَّةِ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَبِهِ التَّوْفِيقُ