الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[شرح ديكنقوز]
خطبة الكتاب:
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} "قرآن كريم"
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا نحو رضائك؛ وصل على من أوتي جوامع الكلم من بين أنبيائك؛ وعلى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من آله وأصحابه وأزواجه وأحبائه؛ وعلى المقتفين بهم في مصادرهم ومواردهم؛ ربنا لا تؤاخذنا بالفرطات الماضية، وسدد أمورنا في الحال والاستقبال، واحفظنا من الاعتلال والاختلال في الأقوال والأفعال، وارزقنا صحيحات النيات في أبواب الخيرات.
قال المصنف رحمه الله تعالى عملا بالحديث المشهور والخبر المأثور واقتداء بالكتاب الكريم "بسم الله الرحمن الرحيم" وتخصيص كتابه بأول القرينين، بل ذكره من باب الاكتفاء كقوله تعالى في النحل:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي والبرد ولما وقع التصنيف في العلم الإسلامي أغنى عن كتب الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن المقصود به التنبيه على أن المصنف من المسلمين؛ إذ الظاهر أن لا يصنف أحد إلا فيما ينتمي إليه من الدين، وأما كون المصنف من المصنفات الإسلامية فيعلم من خصوص العلم الذي فيه التصنيف، ثم أظهر عبوديته واحتياجه في بدأ أمره فقال "قال" العبد "المفتقر" أي ذو الاحتياج الكثير واختار هذا اللفظ تبركا بما ورد في كلام الله تعالى حيث قال:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} تيمنا بما
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"بسم الله الرحمن الرحيم" نحمدك يا من بيده الخير والجود، وبقدرته تصرف كل موجود وخص الإنسان منه بخاصة أمر السجود فمن أطاعه فصحيح سالم مسعود، ومن عصاه فمعتل ناقص مردود، فسمعا وطاعة لا إله إلا الله المعبود ونصلي على رسولك محمد خاتم الأنبياء ومبلغ مبلغ الأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأتقياء الكرام البررة الأصفياء ما نسخت الشمس باجر الظلماء وفجر عيون الأرض.
"وبعد" لما رأيت المختصر في الصرف الذي صنفه الفاضل المحقق والعالم المدقق علامة الورى شمس الملة والدين أحمد بن علي بن مسعود جعلهم الله قرينا لنبيه في مقام محمود مع صغر حجمه ووجازة نظمه مشتملا على غرر الفرائد ودرر الفوائد، محتويا على دقائق الأسرار العربية ونكات العلوم الأدبية ولم يقع له شرح يكشف القناع عن مخدراته ويزيل الأستار عن مستراته، فلم يبرزهن شارح إلى هذا الآن لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، بل هم يحومون حول مطالبيه ولم يبينوا شيئا منها لطالبيه، ولم يهتدوا إلى موارده سبيلا وإلى مشارع مآربه دليلا، فأردت أن أشرحه شرحا يزيل صعابه ويخرج من قشره لبابه فابتدأت بنبذة منه وعرضتها إلى محط رحال الأفاضل ومحظ رجال الفضائل، حضرة مولاي الهمام ملجأ كافة الأنام ممهد قواعد المنقول والمعقول مشيد أركان الفروع والأصول مبين الأحكام الدينية مزين الشرائع النبوة، أسوة العلماء المتقدمين قدوة الفضلاء المتأخرين برهان الحق والدين، ينبوع الفضل واليقين أستاذي المحقق والحبر المدقق لا زالت رياض العلوم بلطائف بيانه زاهرة وحيض الحكم بعواطف تبيانه باهرة، فلحظ إليها بعين القبول مشيرا إلى بإتمام هذا المسئول فرفرف على جناح الأشبال بإرشاد الحق عند السؤال عن غوامض لا يظرفها البال، فجد جدى في فتق مبانيه وجهد جهدي في حل حلو معانيه حتى ظفرت إلى محض اللباب من مستودعات الفصول والأبواب، ولم أقتصر على تحقيق ما في الكتاب، بل أضفت إليه فوائد لطيفة من هذا الباب وقواعد شريفة لا يستغني عنها شيخ ولا شاب مما فزته من نكت مؤلفات المتقدمين ونخب مصنفات المتأخرين، فافتلذت الأسى من عيونها واختسلت النفائس من كنوز متونها ومما استخرجته بفكري الفاتر ونظري القاصر بعون الله القادر واقتصدت بين طرفي الإطناب والاقتصار والإيجاز المخل والإكثار إلا أن عوائق الزمان وربائث الحدثان عاقتني عن تنقيحه وثبطتي عن ترشيحه فتركته بعره وطويته على غره مع أني بالنقصان لمعترف وللخطايا لمقترف، فكل ما وقع فيه سهو فمن اخترامي، وإذا اتفق مني شيء فمن رمية من غير رامي على أن من شأن نوع الإنسان السهو والخلل والنسيان، ولهذا قال ابن عباس: أول ناس أول الناس فالمرجو من أكابر الفضلاء وأماثل العلماء أن يصلحوا ما عثروا عليه من زلتي، ولم يعتبوني على فرط خطيئتي ومزلتي؛ وسميته بـ"الفلاح في شرح المراح" وأسأل الله تعالى أن يهديني إلى سبيل الرشاد ويوفقني لما يرتضيه من مسلك السداد، إنه ولي الإجابة والتوفيق وبتحقيق الأمنية حقيق وهو حسبي ونعم المعين "قال المفتقر" ترك المصنف دأب سائر المصنفين من افتتاح كتابهم بالحمد لله اقتداء بسيد المرسلين عليه السلام في إظهار عجزه في مقام الحمد حيث قال
[شرح ديكنقوز]
صدر عن صدر النبوة حيث قال: الفقر فخري وقوله: "إلى الله الودود" أي المحبوب وهو المناسب للافتقار إليه متعلق بالمفتقر، واختار صيغة الماضي حيث قال: قال لضرورة تأخر الحكاية عن المحكي في الواقع، وإن كانت متقدمة في الذكر لتقدم العامل على المعمول، وإنما لم يقل قلت هضما لنفسه وليمكن التوصيف وإجراء الاسم عليه واختار الفرع على الأصل إظهار الزيادة احتياجه، ثم ذكر اسمه واسمي أبويه لئلا يظن أن كتابه قبل التأمل فيه من تأليفات الأوباش من مرور الأيام وكرور الأعوام، فليتخذ ظهريا وليدعو لهم فعطفه على المفتقر عطف بيان فقال:"أحمد بن علي بن مسعود" ثم دعا لنفسه ولوالديه بالغفران والإحسان كما هو اللائق بأهل الإيمان فقال: "غفر الله له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه" أي إلى أحمد مقدما نفسه أولا ومؤخرا ثانيا رعاية للسجع، ثم حرض على العلم الذي وقع التأليف فيه فقال مخاطبا خطاب العام:"اعلم أن الصرف" اختار هذا على التصريف مع أنهما علمان على علم يعرف به أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب لكونه أخف وموافقا للنحو وأصلا؛ لأنه ثلاثي وفي قوله: "وأم العلوم" أي أصلها تسمية للدال باسم المدلول شبهه بالأم من حيث الولادة فكما أن الأم تلد الأولاد كذلك هذا العلم يلد الكلمات التي هي دوال العلوم وقوالبها، ولما اختلج في صدر السامع ماذا أبوها بينه بقوله:"والنحو" وهو علم يعرف به أحوال أواخر الكلم من حيث الإعراب والبناء "أبوها" أي مصلح العلوم
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
عليه السلام: "لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" وأتبع على ترك الحمد ترك الصلاة على النبي عليه السلام وعلى آله وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ويمكن أن يقال إن مثل ترك الحمد لإظهار عجزه في مقام الحمد بناء على أن عظمته تعالى ليست في حد يمكن أن تعبر عنها النفوس الناطقة البشرية القاصرة، حمد بناء على أن معنى الحمد فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما، وأن هذا الترك فعل كذلك بل هو أبلغ وأولى من مثل الحمد لله؛ لأن دلائل الألفاظ وضعية قد يتخلف مدلولتها عنها بخلاف دلالة لأفعال فإنها عقلية، وبهذا المعنى قيل: أولى الحمد ترك الحمد، ويمكن أن يقال أيضا إن قوله: المفتقر إلى الله الودود حمد بناء على أن هذا القول يشعر بالتعظيم وكل ما يشعر حمد تدبر، وإنما ابتدأ بالماضي لدلالته على التحقيق والوقوع ولقصد الموافقة بين قوله تعالى:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} وبين كلامه اختار المفتقر على المحتاج ونحوه، فإن قلت: لِمَ لَمْ يقل قال الفقير مع أنه أصل قلنا: لأن في المفتقر زيادة حرف تدل على زيادة المعنى، ولما كان لفظة الله اسما للذات المستجمع لجميع الصفات فكان ذكره بها ذكره بجميع صفاته قال:"إلى الله الودود" دون إلى الغني وغيره من الصفات مع أن في الأول رعاية التضاد مع المفتقر وموافقة كلامه لكلام الله تعالى في ذكر الغني أيضا، ولما التزم الودود لرعاية السجع مع مسعود، وكان طول الكلام الأول قبيحا في السجع لم يقل إلى الله الغني الودود وهو فعول من وديود أي أحب يحب، وهو قد يجيء بمعنى الفاعل كالصبور بمعنى الصابر، وقد يجيء بمعنى المفعول كالحلوب بمعنى المحلوب، فعلى الأول يكون المعنى إلى الله المحب أنبياءه وأولياءه، وعلى الثاني إلى الله المحبوب في قلوب أنبيائه وأوليائه فها هنا يسوغ كلا معنييه لكن الثاني أنس؛ لأن إطلاق المحب على الله تعالى بتأويل وإن كان شائعا كأمير بخلاف المحبوب "أحمد" مرفوع على أنه عطف بيان للمفتقر "ابن علي" أصله عليو من العلو قلبت الواو ياء لاجتماعهما وسبق إحداهما بالسكون ثم أدغمت "ابن مسعود غفر الله له" أي لأحمد دعاء في صورة الإخبار بمعنى ليغفر، والسر في التعبير بالماضي في موقع الدعاء التفاؤل في القبول فكأن المدعو قد وقع والداعي أخبر عنه بالمضي أو إظهار الحرص في وقوعه "ولوالديه" أي أبوي أحمد قدم نفسه في الغفران على أبويه ليكون مستجاب الدعوة في حقهما، وقيل: لمتابعة إبراهيم عليه السلام حيث قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} وقدم أبويه في قوله: "وأحسن" أي الله "إليهما" أي إلي والدي أحمد "وإليه" أي إلى أحمد حفظا للأدب أو قدم نفسه في الغفران وأخرها في الإحسان لرعاية السجع "اعلم" أيها الطالب لتحصيل العلوم وقوله: اعلم إلى قوله: أرواح، بل إلى آخر الكتاب مقول القول "أن الصرف" وهو في الأصل مصدر صرف من باب ضرب ومعناه التبديل والتغيير، يقال: صرفت الدراهم بالدنانير وبين الدرهمين صرف، أي فضل لجودة فضة أحدهما ومنه الصيرفي، والتصريف مشتق منه للمبالغة والكثرة، ثم جعل الصرف والتصريف علمين لهذا العلم المعرف بأنه علم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب، فإن قلت: لما كانا علمين وكان في التصريف مبالغة وكثرة كان الأولى أن يقول المصنف: إن التصريف لكثرة تصرفات هذا العلم، قلت: لما كان الصرف أخف من التصريف وأصلاله وأوفق لما بعده من النحو في الوزن وعدد الحروف اختار الصرف "أم العلوم" أي أصلها ومبدؤها لأنها يبدأ منها العلوم، يقال للفاتحة أم القرآن وأم الكتاب؛ لأنها أصل القرآن منها يبدأ القرآن وإنما شبه الصرف بالأم في التولد، يعني كما أن الأم تلد الولد كذلك الصرف يلد الكلمة إشعار بشدة احتياج العلوم إليها؛ لأن الأم لا يكاد يستغني الولد عنها، فإن قلت فعلى هذا يكون علم الصرف أم الكلمة لا أم العلوم والمقصود هو الثاني قلت: لما كان استفادة العلوم من الكلمات والألفاظ صارت أمالها أيضا، فإن قيل: يلزم أن يكون الصرف إما لنفسه لأنه علم مستفاد من الكلمات والألفاظ أيضا أجيب بأن المراد من العلوم ما عدا الصرف، كما أن المنطق آلة لما عداه "والنحو" وهو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم من حيث الإعراب والبناء "أبوها" أي أبو العلم شبه النحو بالأب
[شرح ديكنقوز]
شبهه بالأب من حيث الإصلاح، فكما أن الأب يصلح الأولاد كذلك هذا العلم يصلح الألفاظ التي هي أوعية العلوم وقوله:"ويقوي" عطف على أم العلوم لكونه بمعنى يلد العلوم مثل قوله تعالى قراءة الكوفيين: فالق الإصباح وجعل الليل سكنا عطف قوله جعل على فالق لكونه معنى فلق "في الدرايات" جمع دراية وهي التعقل مصدر بمعنى المفعول كضرب الأمير بمعنى مضروبه أي في المدريات أي المعقولات "داروها" أي عاقلو الصرف وعالموها وتأنيث الضمير باعتبار الأم "ويطغي" أي يضل "في الروايات" جمع رواية وهي النقل بمعنى المروي أي في المرويات أي المنقولات "عاروها" أي العريانون من ثيابها العري كناية عن الجهل ولذلك عداه بنفسه، إنما قال في الدرايات يطغى؛ لأن تحصل العلوم العقلية ممكن بدون الألفاظ وإن كان متعسرا إلا أنه لا شك في أنه يقوى بها بخلاف تحصيل العلوم النقلية فإنه بدونها متعذر، قال الزمخشري: لا يجدون علما من العلوم الإسلامية فقهها وكلامها وعلمي تفسيرها وأخبارها إلا وافتقاره إلى العربية بين لا يدفع ومكشوف لا يتقنع، فإذن لا شك محصلها العاري منها يضل في سلوكه ولا يهتدي إلى مطلوبه فافتقار الروايات إليه أشد من افتقار الدرايات، وإذا كان الحال على هذا المنوال "فجمعت" أي فقد جمعت لأنه ماض بمعناه وقع جزاء لشرط محذوف كما قدرناه فلا يصح بدون قد إذ ليس في اللفظ فلا بد من التقدير وهذا كثير في كلامه وعليك بالتنبيه له في مقامه ويحتمل أن يكون الجزاء محذوفا بقرينة المقام، ويكون تقدير الكلام هكذا وإذا كان كذلك أردت جمع كتاب فيه فجمعت إلى إلخ، فيكون قوله: جمعت معطوفا على الجزاء المقدر "فيه" أي في الصرف "كتابا موسوما" أي معلما فإن الاسم علامة للمسمى "بمراح" أي محل راحة "الأرواح" وهي جمع روح بمعنى النفس وقوله "وهو" أي ذلك الكتاب مبتدأ أو قوله "للصبي" خصصه بالذكر بناء على الأغلب ومراعاة لمراعاة النظير حال من خبر المبتدأ وهو قوله: "جناح النجاح" أي الفوز بالمطلوب قدم عليه للسجع والجملة أعنى المبتدأ والخبر حال من كتابا استعار الجناح للكتاب
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
في الإصلاح يعني كما أن الأب يصلح أولاده كذلك علم النحو يصلح الكلمات والألفاظ، وفيه ما في التشبيه الأول وجوابه جوابه "ويقوي" من القوة وهي ضد الضعف وأصله يقوو من باب يعلم فأبدلت من الواو الأخيرة ياء لوقوعها رابعة أو حملا على ماضيه وهو قوي أصله قوو، قلبت الواو الأخيرة ياء لتطرفها وانكسار ما قبلها فصار قوي، ثم قلبت ياء يقوى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ويكتب على صورة الياء لانقلابها منها وإن كانت في الأصل واوا "في الدرايات" وهي جمع دارية مصدر درى يدري من باب رمى يرمي معناه علم يعلم، فمعنى الدرايات أنواع العلوم مطلقا لكن لما وقعت في مقابلة الروايات خصت بأنواع العلوم العقلية، ولهذا جاز جمعها "داروها" أي عالموها وهو فاعل يقوي واسم فاعل يدري، والضمير للصرف باعتبار الأم ولهذا أنث، وأصله داريون بضم الياء فاستثقلت الضمة عليها فأسكنت فاجتمع ساكنان الياء والواو، ثم حذفت الياء لأن الواو علامة، ثم ضم الراء لأجل الواو فصار دارون، ثم أضيف إلى الضمير فحذف النون لئلا يلزم اجتماع المتنافيين لأن النون لقيامه مقام التنوين بدل على تمام الكلمة وانفصالها عن غيرها، والإضافة تدل على عدم تمام الكلمة واتصالها بغيرها فصار مدلولاهما متنافيين والمتنافيان لا يجتمعان فكذا ما يدل عليهما "ويطغى" أي يضل ولا يهتدي إلى الصواب "في الروايات" جمع رواية وهي مصدر روى من باب ضرب معناه نقل الحديث وها هنا بمعنى المرويات أي في المنقولات ولهذا جاز جمعها "عاروها" أي جاهلوها وهو فاعل يطغى والكلام في أصله وإعلاله وإضافته وضميره كالكلام في داروها. اعلم أن المقصود من قوله: اعلم أن الصرف إلى ها هنا، ترغيب في الصرف وبيان سبب تأليف هذا الكتاب فتشبيه النحو بالأب بالتبع لا بالأصالة فلا يتوجه أن يقال: لم أفرد الضمير في قوله: عاروها وداروها ولم يثن ليرجع إلى الصرف والنحو كليهما مع أن العالم بالنحو يقوى والجاهل له يطغى أيضا والفاء في "فجمعت" جواب للشرط المحذوف تقديره إذا كان الصرف على هذه الصفات المذكورة فجمعت "فيه" أي في الصرف "كتابا موسوما" مسمى "بمراح الأرواح" المراح اسم مكان من الروح بفتح الراء من الاستراحة والأرواح جمع روح، وهي النفس الناطقة فمعناه في الأصل موضع راحة النفوس الناطقة، وإنما سمي به لأن النفس الناطقة لما كانت طالبة للكمالات العلمية وهي لا تحصل إلا بآلاتها تألمت واضطربت إلى أن تجد تلك الآلة كالمرضى تألمت إلى أن تجد دواء شافيا. ولما كان هذا الكتاب مشتملا على ما هي آلة لتل العلوم تتلذذ به النفوس وتصير راحة "وهو" أي كتاب مراح الأرواح هذا شروع في ترغيب الكتاب ببيان شرفه وفائدته "للصبي" أي لغير البالغ، وإنما خص به بناء على الغالب إذ الغالب أن قارئ الصرف الصبيان أو لكل من يميل إليه؛ لأن الصبي فعيل من الصباوة بمعنى الميل أصله صبيو كعليو فأعل إعلاله "جناح النجاح" جناح الطائر يده والجمع أجنحة والنجاح
[شرح ديكنقوز]
لكون كل منهما سببا للنجح، وإضافته إلى النجاح من قبيل إضافة السبب إلى المسبب، وليس في الصبي استعارة مصرحة إذ المراد به معناه الحقيقي، بل مكنية شبهه بالطير في طلب النجاح وإثبات الجناح له قرينتها، والجناح مع كونه استعارة تحقيقية كما عرفت قرينة للمكنية، إذ لا يجب أن يكون قرينة المكنية استعارة تخييلية، بل قد تكون تحقيقية كما يفهم من كلام صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى:{يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} وفي استعارة الجناح غير فائدتها العامة تجنيس قلب البعض بالنجاح وقوله: "وراح" أي كف "رحراح" أي واسع عطف على قوله جناح النجاح وسعة الكف كناية عن الشمول والإحاطة وعدم قوت شيء منه، مثل طول الذراع وبسط الباع، أي هذا الكتاب للصبي مثل الكف الواسع إذ جعل وسيلة لأخذ العلوم وإحاطتها لا يفوته شيء منها، كما أن ذا الكف الواسع يحيط بما لم يحط به غيره بسببه، والواو في قوله:"وفي معدته" أي في ذهن الصبي استعار المعدة للذهن لكون كل منهما محلا للغذاء فإن الذهن محل غذاء الأرواح كما أن المعدة محل غذاء الأشباح للعطف والجار والمجرور متعلق براح في قوله: "حين راح" أي حصل هذا الكتاب قدم عليه للسجع استعار الراح وهو البيتوتة للحصول تشبيها له بها في التمكن والتقرر، وفي هذه الاستعارة فائدة التجنيس التام وعامل الظرف أعني حين ما يدل عليه لفظ المثل في قوله:"مثل تفاح أوراح" عطفه تنبيها على استقلال كل واحد منهما في كونه مشبها به مثل قوله: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} يعني أن ذلك الكتاب جناح النجاح وراح رحراح ومثل تفاح أو راح أي شبههما في المنفعة وقت حصوله في ذهنه وخاطره وقوله: "وبالله" لا بغيره متعلق بقوله: "أعتصم" قدم عليه للتخصيص كما أشرنا إليه وقوله: "عما يصم" أي يعيب متعلق بأعتصم "وأستعين" إليه في جميع المهمات "و" قوله "هو" أي الله تعالى مخصوص بالمدح الذي في قوله: "نعم المولى" أي الناصر "و" هو "نعم المعين" لما ختم كلامه في ديباجة كتابه وبين مقوله شرع يبين أن الكتاب المجموع في الصرف الموسوم بمراح الأرواح فقال: "اعلم" إحضارا لذهن المخاطب وترغيبا له في استماع ما يعقبه ثم دعا له "أسعدك الله" تنشيطا له وليتفاءل بالإسعاد في مطلع الكلام ولا محل للجملة الدعائية من الإعراب ومفعول اعلم قوله: "أن الصراف" أي المريد لتحصيل علم الصرف ولا شك أنه حال إرادته لتحصيله محتاج، ففي الكلام ترغيب له على تحصيل الأبواب السبعة حيث أوهم أن العالم بالصرف على وجه المبالغة "يحتاج" على الاستمرار التجددي "في معرفة الأوزان" أي الموزونات الجزئية التي هي الغاية والغرض من تحصيل الصرف "إلى" معرفة أحكام "سبعة أبواب" أي أنواع من أنواع الموزونات فما ظنك بغيره وما يقال من أن العالم
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
لظفر والخلاص شبه الصبي بالطير في النجاة وهذا الكتاب بالجناح في السببية يعني كما أن الطير ينجو من مهلكة العدو بسبب الجناح كذلك الصبي ينجو من مهلكة الجهل ويظفر بالمقاصد العلمية بسبب هذا الكتاب، قوله: وهو مبتدأ أو جناح خبره وللصبي يتعلق بمحذوف؛ إذ هو حال من الخبر لأنه مفعول في المعنى، إذ تقدير الكلام أشبه هذا الكتاب بجناح النجاح ولم يلزم ذكره أداة التشبيه في كونه مفعولا معنى فيكون من قبيل زيد عمرو راكبا أي زيد كعمرو راكبا قوله:"وراح" أي طريق عطف على جناح "رحراح" أي واسع يعني كما أن الطريق الواسع يوصل سالكه إلى مقاصده كذلك هذا الكتاب يوصل الصبي إلى مطالبة العلمية "وفي معدته" أي في ذهن الصبي "حين راح" أي بات ذلك الصبي "مثل تفاح أوراح" أي خمر شبه هذا الكتاب بهما في النفع والقوة يعني كما أن التفاح والراح إذا استعملا ينفعان البدن ويقويانه كذلك هذا الكتاب إذ تقرر مسائله في ذهن الصبي ينفعه فكأنه حصل له المطالب العلمية، قوله: وفي معدته متعلق بمحذوف إذ هو حال من التفاح؛ لأنه مفعول معنى كما في جناح النجاح، لكن أداة التشبيه مذكورة ها هنا وهو مثل وهو معطوف على الخبر فتقدير الكلام وهذا الكتاب مثل تفاح أوراح كائنين في ذهن الصبي حين النوم وعليه حكاية بعض الحكماء من تعجبه ممن مات وفي بطنه تفاح أو خمر "و" قوله "بالله" يتعلق بقوله:"أعتصم عما" أصله عن ما فأدغم النون في الميم بعد قلب النون ميما لقربهما في المخرج "يصم" أي يعيب والمستكن فيه عائد إلى ما أوصله يوصم كيوعد فأعل كإعلاله، قوله:"وأستعين" عطف على أعتصم أي وبالله أستعين أي أطلب الإعانة في كل مطلوب "وهو" أي الله تعالى "نعم" وهو فعل مدح منقول من قولك: نعم فلان إذا أصابت نعمه إلى المدح فأزيل عن موضوعه فشابه الحروف فلم يتصرف وبيان النقل أنه كسر النون إتباعا للعين فصار نعم بكسرتين ثم حذفت كسرة العين تخفيفا فصار نعم كذا قيل "المولى" أي الناصر "وهو نعم المعين. اعلم" أيها الطالب لهذا الفن والشارع فيه "أسعدك الله" دعاء للمخاطب بقوله اعلم "أن الصراف" أي الشارع في الصرف وإنما عبر به إما بتأويل الإرادة أي أن من أراد أن يكون صرافا وإما تفاؤلا كأنه حين شرع صار صرافا، وإما باعتبار ما يئول إليه كما في قوله تعالى:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} والمعصور العنب وإنما قال: "يحتاج" دون محتاج ليدل على التجدد "في معرفة الأوزان" أي الصيغ مثل نصر ورد وأخذ ووعدو قال: ورمى وطوى "إلى" معرفة "سبعة أبواب"