الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[شرح ديكنقوز]
فصل في المستقبل:
كل واحد منها "عليه" أي الفاعل المستتر، فإن التاء في تفعل يدل على الفاعل المخاطب وحكم افعل أمرا ولا تفعل نهيا وحكم تفعل مخاطبا؛ لأنهما مأخوذان منه، وإلى أن الهمزة في أفعل متكلما وحده تشعر بأن فاعله أنا، والنون في نفعل تشعر بأن فاعله نحن، فلا يحتاج في هذه الصيغ الأربع إلى العدول عن الاستتار الخفيف والإتيان بالضمير البارز "و" لما كان الاستتار واجبا في هذه المواضع الأربع "قبح" ظهور فواعلها مظهرا كان أو مضمرا وأن تقول "افعل زيد وتفعل زيد" أو لا تفعل إلا أنت "وأفعل زيد" ولا أفعل إلا أنا "ونفعل زيدون" أو لا نفعل إلا نحن وما ظهر في نحو: اسكن أنت تأكيد للمستتر لا فاعل، وأما في غير هذه الأربعة فالاستتار جائز، كما أشرنا إليه نحو زيد ضرب وضرب زيد وزيد ضارب غلامه.
المشهور فتح الباء بناء على أنك تستقبل الفعل الآتي بعد زمانك أو أن الزمان يستقبله، إلا أن الصحيح ومقتضى القياس على تسمية الماضي بالماضي كسر الباء "وهو أيضا" أي كالماضي "يجيء على أربعة عشر وجها، نحو: يضرب إلى آخره" أي إلى نضرب، تقول: يضرب يضربان يضربون تضرب يضربان يضربن تضرب تضربان تضربون تضربان تضربن أضرب نضرب "ويقال له" أي لما صدق عليه المستقبل من نحو: يضرب "مستقبل لوجود معنى الاستقبال" على أحد الوجهين المذكورين "في معناه ويقال له أيضا: مضارع"؛ لأن معنى المضارعة في اللغة المشابهة مشتقة من الضرع، كأن كلا الشبيهين ارتضعا من ضرع واحد فهما أخوان رضاعا، فلما ضارع المستقبل بالاسم قيل له مضارع، وإنما قلنا: إنه مضارع بالاسم "لأنه مشابه بضارب في الحركات والسكنات" وفي ترتيبهما فإن عدد الحركة والسكون في يضرب على عدد الحركة والسكون في ضارب وعلى ترتيبها فيه، وجمع السكنات للمشاكلة "و" مشابه في "وقوعه صفة للنكرة" فإنك كما تقول: مررت برجل ضارب، تقول: مررت برجل يضرب ولم يذكر مثاله اكتفاء بما ذكر في الماضي "وفي دخول لام الابتداء" عليه "نحو إن زيدا لقائم و" إن زيدا "ليقوم أو"؛ لأنه مشابه "باسم الجنس في العموم والخصوص" ولما كان ثبوت وجه التشبيه؛ أعني العموم والخصوص في كل من الطرفين؛ أعني المضارع واسم الجنس غير بينه بقوله: "يعني أن اسم الجنس يختص" الواحد "بلام العهد" بعد أن كان
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"على الاستتار" بسبب دلالة الحروف في الثلاثة الأخيرة كما عرفت، واشتقاق الأمر من المخاطب "وقبح" بالواو والأولى بالفاء؛ يعني لما كان استتار الضمير واجبا في هذه الأربعة قبح أن تسند إلى الفاعل الظاهر ويقال: افعل زيد وتفعل زيد وأفعل زيد ونفعل زيدون" وأما ما عدا هذه الأربعة فيجوز أن يسند إلى فاعل ظاهر أيضا فلا يقبح أن يقال: ضرب زيد وضربت هند ومررت برجل ضارب غلامه.
"فصل في المستقبل":
الاستقبال في اللغة ضد الاستدبار وهو التوجه فالمستقبل في اللغة ما يتوجه إليه، فالقبلة في قولنا: زيد يستقبل القبلة هو المستقبل؛ لأنه يتوجه إليه والمستقبل من الزمان هو الآتي منه؛ لأنه يتوجه إليه ويتوقع مجيئه، وفي الاصطلاح فعل يتعاقب على أوله الزوائد الأربع، والمراد من الزوائد الأربع حروف أتين كما يجيء فبقولنا: فعل يسقط الاعتراض بمثل يزيد ويشكر علمين، وبقولنا: يتعاقب على أوله الزوائد خرج مثل أمر ونصر وترك ويسر. واعلم أنه لا شك في أن زيادة هذه الحروف على الماضي والمستقبل لقصد معنى غير معنى الماضي، وهو الزمان الحاضر والزمان الآتي أو هما معا، وإلا لما احتيج إلى تلك الزيادة فلا ينتقض الحد بمثل أكرم وتدحرج وتقاعد؛ لأن زيادة هذه الحروف فيها لنقل الفعل من باب إلى باب؛ إما لقصد التعدية أو للمبالغة أو لغيرهما لا لقصد معنى غير الماضي فتدبر "وهو" أي المستقبل "أيضا" كالماضي "يجيء على أربعة عشر وجها" والقياس أن يجيء على ثمانية عشر وجها أيضا؛ ستة للغيبة وستة للمخاطب وستة للمتكلم، لكنه اكتفى بلفظين في المتكلم لعدم الالتباس كما في الماضي، فبقي أربعة عشر وجها "نحو يضرب إلى آخره" أي يضربان يضربون تضرب تضربان يضربن تضرب تضربان تضربن أضرب نضرب "ويقال له مستقبل وجود معنى الاستقبال في معناه" فإن يضرب مثلا يدل على الحدث وعلى الزمان الآتي "ويقال له مضارع؛ لأنه مشابه" ومعنى المضارعة في اللغة المشابهة مشتقة من الضرع كأن كلا الشبيهين ارتضعا من ضرع واحد فهما أخوان رضاعا، فيكون المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي مرعية "بضارب" يعني يقال للمستقبل مضارع؛ لأنه مشابه باسم الفاعل لفظا واستعمالا أما لفظا فهو "في الحركات" أي الثلاثة "والسكنات" وأيضا في عدد الحروف، وإنما جمع السكنات إما للمشاركة للحركات وإما لإضمحلال معنى الجمعية بدخول الألف واللام، كما بين في الأصول كما إذا حلف لا أشتري العبيد يحنث باشتراء عبد واحد، ولا يلزم اعتبار ذلك في الحركات ولو سلم لا يضر المقصود فافهم، وأما استعمالا فمن وجهين عبر عن أولهما بقوله:"ووقوعه" أي موقعه في كونه "صفة للنكرة" نحو: مررت برجل ضارب وضرب وعن ثانيهما بقوله: "وفي دخول لام الابتداء" عليه "نحو: إن زيد القائم و" إن زيد "ليقوم" وأيضا يشبه اسم الفاعل في مبادرة الفهم في كل منهما إلى الحال عند الاطلاق نحو: زيد مصل وزيد يصلي قوله: "أو باسم الجنس" عطف على بضارب؛ يعني يقال للمستقبل مضارع؛ لأنه مشابه باسم الجنس معنى "في العموم والخصوص؛ يعني أن اسم الجنس يختص بلام العهد" يعني أن اسم الجنس مثل: رجل شائع في أمته ثم يختص بواحد بعينه بدخول لام العهد
[شرح ديكنقوز]
شائعا في أمته، فإنك إذا قلت: جاءني رجل يكون شاملا لكل ذكر من بني آدم جاوز حد البلوغ على سبيل البدل، فإذا قلت: فعل الرجل مشيرا إلى ذلك الرجل الجائي يختص بواحد منهم "كما يختص يضرب بسوف أو السين" فإن يضرب يصلح للحال والاستقبال فإذا دخل عليه أحد الحرفين المذكورين، وقيل: سوف يضرب أو سيضرب يختص بالاستقبال، وإذا دخل عليه اللام، وقيل: ليضرب يختص للحال، وإنما عرف السين إشارة إلى سين الاستقبال؛ لأنه يجيء لمعان أخر كالطلب والتحول والإصابة على صفة والوقف بعد كاف المؤنث، نحو: أكرمتك، والظاهر أن يقول؛ يعني كما أن اسم الجنس يختص بلام العهد يختص يضرب إلى آخره بأن يدخل أداة التشبيه في المشبه به، كما هو قاعدة التشبيه، إلا أنه عكس إيذانا بأن القصد في هذا التشبيه إلى الجمع بين الشيئين في أمر من غير قصد إلى إلحاق ناقص بكامل حتى إذا دخل أداة التشبيه في المشبه به ما ضر ذلك في المقصود كتشبيه غرة الفرس بالصبح وتشبيه الصبح بغرة الفرس متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه من غير قصد إلى المبالغة في وصف غرة الفرس في الضياء والانبساط وفرط التلألؤ ونحو ذلك؛ إذ لو قصد شيء من ذلك لوجب جعل الغرة مشبها والصبح مشبها به؛ لأنه أزيد في ذلك ولما جاز عكسه، وأما تقديم المشبه به هنا فهو على قاعدة تقديمه في بيان تفصيل اتصاف الطرفين بوجه الشبه فإنه بصدد ذلك، وأما في نفس التشبيه فالقاعدة تقديم المشبه، مثلا إذا أردت تشبيه زيد بالأسد قلت: كما أن الأسد يتصف بغاية القوة ونهاية الجراءة وكما البطش والفتك يتصف زيد بها المشبه به ليعرف حاله أولا ثم يقاس حال المشبه عليه، ويحتمل أن يقال إنه لما جعل المشبه به مشبها للإيذان المذكور قدمه لكونه مشبها لا لكونه مشبها به "أو"؛ لأنه مشابه "بالعين في" مطلق "الاشتراك" فكما أن لفظة العين تشترك بين الجارية والباصرة وغيرهما ويشترك يضرب "بين الحال والاستقبال" فإن المستقبل يشترك بين الحال والاستقبال على الأصح "وزيدت على الماضي من حروف أتين حتى يصير" الماضي "مستقبلا" وإنما لم ينقص منه حتى يصير مستقبلا "لأن الماضي بتقدير النقصان منه يصير أقل من القدر الصالح" فلا يصلح أن يصير مستقبلا هذا في الثلاثي، وأما في غير الثلاث فحمل على الثلاثي في الزيادة
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"كما يختص يضرب" بالزمان المستقبل بعد أن كان صالحا للزمان الحاضر والمستقبل "بسوف أو بالسين" أي بسين الاستقبال نحو: سيخرج وسوف يخرج لا بسين الاستفعال وغيره، فالألف واللام فيه إما عوض عن المضاف إليه أو للعهد الذهني. واعلم أن السين وسوف قد سماهما سيبويه حرفي التنفيس، ومعناه تأخير الفعل إلى الزمان المستقبل وعدم التضييق في الحال، وسوف أكثر تنفيسا من السين، وقيل: إن السين منقوص من سوف دلالة بتقليل الحرف على تقريب الفعل. قوله: "وبالعين" عطف على قوله: بضارب أو باسم الجنس على اختلاف المذهبين "في الاشتراك بين الحال والاستقبال" يعني كما أن العين يشترك بين المعاني مثل الذهب والباصرة والجارية كذلك المستقبل يشترك بين الحال والمستقبل؛ فهذه المشابهة في الاشتراك فقط لا في الاختصاص بعد الاشتراك كما تفصح عنه عبارته، ولأنه حينئذ يكون كالتكرار بما قبله فبطل ما ذهب إليه بعض الشارحين من أن معناه كما أن العين مشترك بين المعاني ثم يختص بأحد المعاني بالقرينة كذلك المستقبل مشترك بين الزمانين ثم يختص لأحد الزمانين بدخول السين أو سوف. اعلم أن المستقبل حقيقة في أحد الزمانين مجاز في الآخر، فقال بعضهم: هو حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال؛ لأنه إذا خالف القرائن لم يحمل إلا على الحال، وهذا شأن الحقيقة والمجاز، وقال بعضهم: هو حقيقة في الاستقبال مجاز في الحال لخفة الحال، والأول هو المختار كذا ذكره الرضي، وقال ابن الحاجب في شرح المفصل: المضارع يشترك في الحاضر والمستقبل هذا هو المذهب المشهور، ومنهم من زعم أنه ظاهر في الحال مجاز في المستقبل ومنهم من عكس والصحيح أنه مشترك؛ لأنه يطلق عليهما إطلاقا واحدا كإطلاق المشترك فوجب القول كسائر المشتركات إلى هنا عبارته. ومما يجب أن يعلم أن كون الحال زمانا اصطلاحي عرفي لا حقيقي؛ إذ الماضي ينتهي إلى آن هو مبدأ المستقبل فلا يوجد زمان هو حال وأيضا لو كان الحال زمانا لكان التنصيف تثليثا كذا حققه الحكماء، فقولك: يصلي في قولنا: زيد يصلي حال مع أن بعض أفعالها ماض وبعضها باق مبني على الاصطلاح، فالآن الحاضر مع جنبيه من الزمان حال في عرفهم. ولما فرغ من بيان سبب تسمية المستقبل مستقبلا ومضارعا شرع في كيفية مغايرته للماضي فقال:"زيدت على الماضي" حرف "من حروف أتين حتى يصير" الماضي "مستقبلا" يعني لما وجب المخالفة بين لفظي الماضي والمضارع ليدل على مخالفة معناهما وهي لا يمكن بانتقاص حرف من حروف الماضي "لأن" الشأن "بتقدير الانتقاص" منها "يصير أقل من القدر الصالح" وقد عرفت أن القدر الصالح ثلاثة أحرف؛ حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه، وحرف يتوسط بينهما، وأيضا انتقاص حرف واحد منه لا يفيد الوجوه الأربعة من الغيبة والخطاب والتكلم وحده ومع غيره، ولو انتقص لكل وجه حرف لم يبق في الكلمة شيء فتعين أن تكون تلك المخالفة بالزيادة، وهذا الدليل المذكور يجري في الثلاثي وغيره محمول عليه وأما
[شرح ديكنقوز]
"وزيدت" تلك الحروف "في الأول" من الماضي "دون الآخر" منه مع أن الآخر أولى بالزيادة "لأن المستقبل" إذا كان زيادته "في الآخر يلتبس بالماضي" أي بتثنيته في زيادة الألف وبغائبته في زيادة التاء دون مخاطبته؛ إذ لا وجه لإسكان اللام وتحريك التاء؛ لأنها ليست بضمير اللهم إلا أن يقال في الضرورة ويجمع مؤنثه صورة بزيادة النون ولم يزد الباء في الآخر، وإن لم يلتبس حملا للقليل على الكثير "واشتق" أي أخذ المستقبل "من الماضي" إن زيد عليه ولم يشتق الماضي من المستقبل بأن ينقص منه "لأن الماضي يدل على الثبات" والوقوع دون المستقبل وما يدل على الثبات أولى بالأصالة "وزيدت" أي وقعت الزيادة "في المستقبل دون الماضي" يعني لم يوضع المزيد للماضي والمجرد للمستقبل بل عكس "لأن" البناء "المزيد عليه" والظاهر أن يقول المزيد فيه إلا أنه لما اتفقت نسخ الكتاب عليه ووقع أيضا في عبارة غيره من الثقات وجب توجيهه بأن يقال المزيد على مع زيادة "بعد" البناء "المجرد و" الزمان "المستقبل" وكذا الزمان الحاضر "بعد زمان الماضي فأعطى السابق" وهو البناء المجرد "للسابق" وهو الزمان الماضي "و" أعطى "اللاحق" وهو البناء المزيد عليه "للاحق" وهو الزمان المستقبل والزمان الحاضر، ثم لما وجب المخالفة بين صيغتي الماضي والمضارع، وكان الفعل صادرا إما عن المتكلم وحده أو عنه مع غيره أو عن المخاطب أو عن الغائب طلبوا حروفا تدل على المضارعة، وعلى هذه المعاني جريا عن سننهم في طلب الإيجاز فوجدوا أولى الحروف بالزيادة حروف المد واللين لجريانها مجرى النفس واستئناس السامع بها لكثرة دورها في الكلام؛ إذ الكلام لا يخلو عنها أو عن بعضها؛ أعني الحركات فقسموا تلك الحروف على تلك الأفعال على ما تقتضيه المناسبة فشرع يبين أن أي حروف لأي فعل عينت وبين المناسبة بينهما وقال:"وعينت الألف" منها "للمتكلم وحده" أي للشخص الواحد الذي يتكلم مذكرا كان أو مؤنثا ثم حركوها ليتأتي الابتداء بها "لأن الألف" خارج "من أقصى الحلق وهو" أي أقصى الحلق "مبدأ المخارج" كلها "والمتكلم هو الذي يبدأ الكلام به" فناسبه "وقيل" إنما عينت الألف للمتكلم وحده "للموافقة بينه" أي الألف "وبين" أول حروف "أنا" الذي هو ضمير المتكلم "وعينت الواو للمخاطب" أصالة أي لجنس الشخص الذي يخاطب مذكرا كان أو مؤنثا واحدا كان أو اثنين أو جماعة "لكونه" أي الواو خارجا "من منتهى المخارج" كلها "والمخاطب هو الذي ينتهي الكلام به" فناسبه "ثم قلبت الواو تاء"؛ لأنها كثيرا ما تبدل من الواو نحو تراث وتجاه والأصل وراث ووجاه "حتى لا يجتمع الواوات" الثلاث وإن كان في كلمتين وهو مستكره؛ لأنه يشبه نباح الكلب وأما نحو: آووا ونصروا فليس فيه ذلك الاجتماع بمستكره؛ لأن قطع واو العطف عما قبلها لما لم يتعذر فيه صار كأن الواوات لم يجتمعن فيه، ولأن الواو الثانية فيه ساكنة فيندفع الثقل بالإدغام في الوصل "في نحو وووجل" برفع اللام أي فيما وقع فيه الفاء واوا وقلبت فيما لم يقع فيه الفاء واوا أيضا طردا للباب "في العطف" إحدى الواوات الأولى
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
كون حروف الزيادة حروف أتين؛ فلأنهم وجدوا أولى الحروف بها حروف المد واللين لكثرة دورها في الكلام؛ إذ المتكلم لا يخلو عنها أو عن بعضها؛ أعني الحركات ثم قلبوا الواو تاء لما سيذكره وزادوا النون لما سيأتي أيضا "وزيدت" هذه الحروف "في الأول دون الآخر" مع أن محل التغير والزيادة الآخر "لأن" الشأن "في الآخر يلتبس بالماضي"؛ لأنه لو زيدت الألف التبس بتثنية الغائب نحو: ضربا، ولو زيدت التاء التبس بالغائبة المفردة نحو: ضربت، ولو زيدت النون التبس بجمع المؤنث الغائب نحو: ضربن، ولما لزم الالتباس في هذه الثلاثة حملت الياء عليها وإن لم يلتبس بزيادتها في الآخر "واشتق" المستقبل بالذات "من الماضي" والماضي من المصدر فيكون هو من المصدر بواسطة الماضي على قياس ما عرفت في اسمي الفاعل والمفعول "لأنه" أي الماضي "يدل على الثبات" أي التحقق والوقوع بخلاف المستقبل، وما يدل على الثبات فهو جدير بأن يكون أصلا في الاشتقاق "وزيدت" حروف أتين "في المستقبل دون الماضي؛ لأن" اللفظ "المزيد عليه بعد" اللفظ "المجرد و" زمان "المستقبل بعد زمان الماضي فأعطى السابق" من اللفظ "للسابق" من الزمان وهو الماضي "واللاحق للاحق" وهو المستقبل؛ رعاية للتناسب بين اللفظ والمعنى "وعينت الألف" بالزيادة "للمتكلم" وحده "لأن الألف" من أقصى الحلق وهو أي أقصى الحلق "مبدأ المخارج والمتكلم هو الذي يبدأ الكلام به" فيكون بينهما مناسبة في المبدئية فعينت له ثم حركوها ليتأتي الابتداء بها "وقيل" عينت الألف للمتكلم "للموافقة بينه وبين" همزة "أنا" وقيل عينت له؛ لأنها أخف فاستؤثر المتكلم بالأخف "وعينت الواو للمخاطب" مذكرا كان أو مؤنثا مفردا كان أو مثنى أو مجموعا وأيضا للغائبة المفردة والمثناة ولم يذكرهما المصنف لاختلاف فيه؛ إذ عند بعضهم تاء الغائبة ليست منقلبة من الواو كما في المخاطب، بل هي تاء التأنيث، فلما زيدت في الأول لئلا يلتبس بالماضي حركت لتعذر الابتداء بالساكن "لكونه من منتهى المخارج"؛ لأنه من خارج الشفة "والمخاطب هو الذي ينتهي الكلام به" فتتحقق المناسبة بينهما في الانتهاء فعينت له "ثم قلبت الواو تاء حتى لا يجتمع الواوات في وووجل في العطف" يعني أن وجل مثال واوي فلو زيدت واو المخاطب، ثم أدخل الواو العاطفة يجتمع واوات فكأنه يشبه
[شرح ديكنقوز]
فاء الكلمة، وثانيها حرف المضارعة، وثالثها حرف العطف "ومن ثمة" أي ومن أجل استكراههم اجتماع الواوات "قيل الأول من كل كلمة لا يصلح لزيادة الواو" إذ قد تكون فاء الكلمة واوا فلو زيدت قبل الفاء واو وعطفت بواو أخرى يجتمع الواوات لا محالة واطرد في غيره وعطف على قوله قيل قوله "وأن واوا ورنتل أصل" وهو الداهية وزنه فعنلل كجعنفل، ثم أتبعوا الغائبة والغائبتين المخاطب لئلا يلتبس بالغائب والغائبتين بزيادة الياء كما هو اللائق، وإن كان يلتبس بزيادة الياء بالمخاطب، إلا أن هذا أسهل؛ إذ الالتباس بالأقرب أشكل، وإنما أتبعوها إياه دون غيره لاستوائهما في الماضي كما يجيء إن شاء الله تعالى، ولم يجعل جمع الغائبة بالتاء، بل بالياء كما هو مناسب للغائبة لعدم الالتباس بينه وبين جمع المذكر لحصول الفرق بينهما بالواو في أحدهما والنون في الآخر، نحو: يضربون ويضربن "وعينت الياء للغائب" أي لجنس الشخص المذكر الغائب؛ أي لغير جنس المتكلم والمخاطب ليشمل الحاضر الذي ليس بمتكلم ولا مخاطب سواء كان ذلك واحدا أو اثنين أو جماعة إلا أنه عدل عن هذا الأصل في الغائب والغائبتين لما عرفت "لأن الياء من وسط الفم والغائب هو الذي يذكر في وسط الكلام" الجاري "بين المتكلم والمخاطب" فناسبه "وعينت النون للمتكلم إذا كان معه غيره" مطلقا "لتعينها" أي النون "لذلك" أي للمتكلم مع غيره "في" الماضي نحو "نصرنا" فأتبعوا المضارع الماضي في ذلك "وقيل: زيدت النون" في المتكلم مع غيره "لأنه" أي الشأن "لم يبق من حروف العلة" التي هي أولى بالزيادة "شيء وهو" أي النون "قريب من حروف العلة في خروجها" أي النون "من هواء الخيشوم" وهو أقصى الأنف، وقيل: عينت النون له للموافقة بينه وبين نحن على قياس ما قيل في تعيين الأنف للمتكلم وحده ولذلك لم يذكره "وفتحت هذه الحروف" أي حروف المضارعة في جميع الأبواب "للخفة إلا في" أبواب "الرباعي" أي رباعي كان "وهو" أي الرباع "فعلل" وملحقاته "وفاعل وأفعل وفعّل" بتشديد العين فإنها مضمومة فيهن؛ لأن من جملتها الياء والكسر عليه مستكره فحمل الباقي عليه، وفي الفتح التباس لما سنذكره إن شاء الله تعالى فتعين الضم، و"لأن هذه الأربعة رباعية والرباعي فرع الثلاثي" في الاحتياج وقوله:"والضم أيضا فرغ الفتح" في الخفة فناسب الضم الرباعي من حيث الفرعية فأعطى له ليدل على ما قدرناه من قولنا: فإنها مضمومة فيهن "وقيل" إنما ضمت هذه الحروف في
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
نباح الكلب وهو مستكره، فوجب قلبها حرفا آخر لدفع الكراهة فأبدلت التاء منها؛ لأنها كثيرا ما قد تبدل منها نحو: تراث وتجاه، والأصل وراث ووجاه، واعلم أن اجتماع الواوات مستكره إذا كانت في كلمة واحدة لا في كلمتين فلا يرد الإشكال بقوله تعالى:"آووا ونصروا "ومن ثمة" أي من أجل أن اجتماعات الواوات مستكره "قيل الأول من كل كلمة لا يصلح لزيادة الواو"؛ أي لا يجوز زيادة الواو في أول كلمة ما أصلا خوفا من اجتماعات الواوات، أما في المثال الواوي فظاهر، وأما في غيره فللحمل عليه قوله: "وحكى أن واو ورنتل أصل" جواب سؤال مقدر وهو أن قولكم: لا يجوز زيادة الواو في أول كلمة ما منقوض بورنتل لزيادة الواو في أوله، ومعنى الجواب ظاهر والورنتل بالفتحات وسكون النون اسم بلدة وقيل الشدة "وعينت الياء للغائب" أي غير المتكلم والمخاطب فيندرج فيه المذكر والمؤنث مفردين ومثنيين ومجموعين، لكنه سقطت الغائبة المفردة والمثناة بقرينة الحال فبقي الأربعة فسقط الاعتراض بعدم اندراج جمع المؤنث الغائبة فافهم "لأن الياء وسط الفم والغائب هو الذي يكون في وسط الكلام بين المتكلم والمخاطب" فيكون بينهما مناسبة في الوسط فعينت له "وعينت النون للمتكلم إذا كان معه غيره" لتعينها لذلك في ضربنا أي لتعين النون للمتكلم إذا كان معه غيره في الماضي نحو: ضربنا "وقيل زيدت النون" للمتكلم مع الغير "لأنه لم يبق من حروف العلة شيء" أي حرف "وهو" أي الحال والنون "قريب من حروف العلة في خروجها عن هواء الخيشوم" الخيشوم أقصى الأنف وهواء الخيشوم الصوت الذي يخرج منه ويسمى غنة أيضا فمعناه أن النون غنة في الخيشوم، كما أن حروف العلة مدة في الحلق. واعلم أن النون إنما يكون غنة إذا كانت ساكنة لا مطلقا، بل إنما يكون النون الساكنة غنة في الخيشوم مع خمسة حرفا من حروف الفم، وهي القاف والكاف والجيم والشين والصاد والضاد والسين والراء والطاء والدال والتاء والذال والظاء والياء والفاء، فمتى اتصلت النون الساكنة بحرف من هذه الحروف قبله كانت غنة في الخيشوم، ولم يكن للفم فيها علاج ألبتة، ولهذا لو نطق الناطق بمثل: عنك ومنك وسد أنفه اختل صورتها وربما تلاشى واضمحل "وفتحت هذه الحروف" أي حروف أتين التي للمستقبل "للخفة" أي لخفة الفتحة "إلا في الرباعي" مجردا كان أو مزيدا فيه للثلاثي "وهو" أربعة أبنية "فعلل وأفعل وفاعل وفعل" فإن حروف المضارعة مضمومة في هذه الأربعة "لأن هذه الأربعة رباعية والرباعي فرع للثلاثي" أما الرباعي المجرد الأصيل فلأن حروفه أكثر عددا من حروفه والكثير بعد القليل، وأما الرباعي المزيد فيه للثلاثي فلامتناع بنائه بدون الثلاثي "والضم أيضا" أي كالرباعي "فرع للفتح"؛ لأن الضم ثقيل لاحتياجه إلى تحريك الشفتين والفتح خفيف لعدم احتياجه إليه، والخفيف أصل والثقيل فرع له، فأُعطي الأصل للأصل والفرع للفرع "وقيل" ضمت حروف المضارعة في هذه
[شرح ديكنقوز]
الرباعي "لقلة استعمالهن" أي لأبواب الأربعة وكثرة استعمال الثلاثي فاختص الضم بالأقل استعمالا والفتح بالأكثر استعمالا تعادلا بينهما، واعلم أن هذان الوجهين للترجيح بعد الوقوع، وأما وجه عدم كون القبيلتين على حركة واحدة هي الأصل؛ أعني الفتح فهو أنه لو فتح في مثل يكرم وقيل يكرم يلتبس بمضارع الثلاثي، ثم حمل عليه كل ما كان ماضيه على أربعة أحرف ولم يعكس؛ إذ في العكس يلزم الالتباس ولو في صورة بخلاف العكس فإنه لا التباس فيه أصلا "وتفتح" حروف المضارعة "فيما وراءهن" مما قل استعمالهن "لكثرة حروفهن" فلو ضمت فيهن يلزم زيادة الثقل ولم تكسر للثقل، ولما ذكرنا من جملتها الياء والكسر عليها مستكره "وأما يهريق فأصله يريق" بغير هاء من الإراقة "وهو من الرباعي" في الأصل "فزيدت الهاء" قبل الفاء "على خلاف القياس" فصار خماسيا بسبب الزائد والاعتبار إنما هو بالأصل فلم يوجد ضم حرف المضارعة في غير الرباعي "وتكسر حروف المضارعة" كلها "في بعض اللغات إذا كان ماضيه مكسور العين" كما في بعض الثلاثي المجرد "أو" كان ماضيه "مكسور الهمزة" كما في السداسي وبعض الخماسي "حتى تدل" كسرة حروف المضارعة "على كسرة عين الماضي" أو همزته "مثاله: يعلم وتعلم واعلم ونعلم" في مكسور العين، فإن ماضيها علم بكسر عين الفعل "ويستنصر وتستنصر واستنصر ونستنصر" في مكسور الهمزة، فإن ماضيها استنصر بكسر الهمزة "وفي بعض اللغات" وهو لغة بني أسد "لا تكسر الياء" فيما كان ماضيه مكسور العين أو مكسور الهمزة، بل يكسر غير الياء وإنما لم تكسر الياء "لثقل الكسرة على الياء" إلا إذا كان بعدها ياء أخرى فحينئذ يكسر أهل هذه اللغة الياء أيضا لتقوى إحدى الياءين بالأخرى، نحو: ييئس ويبخل فإنه على لغتهم فيما كان الفاء واوا في غير يبخل، وأما في يبخل فعلى استنائهم بالأخرى لا على أن كسر الياء مطلقا فيما يكسر عينه في لغتهم، فإنهم لما استثقلوا الواو بعد الياء في يوجل قلبوا الفتحة كسرة لينقلب الواو ياء ويزول ذلك الثقل، فلما صار الواو ياء وتقوى الياء بالياء كسروا الياء؛ لأن كسر الياء مطلقا من لغتهم "وعينت حروف المضارعة" في المضارع دون سائر حروفه "للدلالة على كسر عين" أو همزة الماضي" اكتفى بذكر العين عن ذكر الهمزة تعويلا على ما سبق ووجه التخصيص كون العين أصلا في الأصل "لأنها" أي حروف المضارعة "زائدة" والتصرف في الزائد أولى "وقيل" عينت تلك الحروف لتلك الدلالة؛ إذ لا مجال لغيرها لها "لأنه يلزم بكسر الفاء توالي الحركات" الأربع في غير الوقف وهو مرفوض "وبكسر العين يلزم الالتباس بين يفعل" بفتح العين "ويفعل" بكسر العين نحو يعلم ويضرب "وبكسر اللام يلزم إبطال الإعراب"
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
الأربعة "لقلة استعمالهن" أي استعمال الأربعة "ويفتح ما وراءهن" أي يفتح حروف أتين في غير الأربعة المذكورة خماسيا كان أو سداسيا "لكثرة حروفهن" أي حروف ما وراء الأربعة من الخماسي والسداسي، فالأولى أن يقال لكثرة حروفه بتذكير الضمير وإفراده؛ لأنه برجع إلى ما لكن أراد قصد الموافقة اللفظية لسائر الضمار المذكورة التي قبلها، فجعل لفظ ما عبارة عن الكلمات وتركوا الكسر في هذه الحروف؛ لأن الياء منها والكسر ثقيل عليها؛ قوله:"وأما يهريق فأصله يريق" جواب سؤال مقدر وهو أن قولكم حروف المضارعة مفتوحة في غير الرباعي منقوض بيهريق؛ لأنه غير الرباعي مع أن ياءه غير مفتوح. وحاصل الجواب أنا لا نسلم أنه غير الرباعي؛ لأن أصله يريق "وهو" أي والحال أن يريق "من الرباعي فزيدت الهاء على خلاف القياس" وكذا اسطاع يسطيع أصله أطاع يطيع، فزيدت السين على خلاف القياس "ويكثر حروف المضارعة في بعض اللغة" ياء كان أو غيره "إذا كان ماضيه مكسور العين" كما في بعض الثلاثي المجرد "أو مكسور الهمزة" كما في الخماسي والسداسي "حتى يدل" كسر حروف المضارعة "على كسرة الماضي" أي على كسرة الماضي؛ لأن المضارع فرع على الماضي مثال الأول "نحو يعلم وتعلم واعلم ونعلم"وكذلك يحسب وتحسب وأحسب ونحسب "و" مثال الثاني "يستنصر وتستنصر وأستنصر ونستنصر" هذا من السداسي، وأما الخماسي فنحو يحمر وتحمر وأحمر ونحمر، وإذا كان كسر حروف المضارعة للدلالة على كسر الماضي لم يحتج إلى كسرها فيما لا يكون ماضيه مكسورا "وفي بعض اللغة" وهو لغة غير الحجازيين "يكسر الياء" بل يكسر ما عدا اليء من حروف المضارعة للعلة المذكورة "لثقل الكسرة على الياء" لا على غيرها، واعلم أن أهل هذه اللغة يكسرون الياء أيضا إذا كانت بعدها ياء أخرى كذا قيل "وعينت حروف المضارعة للدلالة على الكسرة في" عين "الماضي" أو همزته دون غيرها من حروف الفعل "لأنها زائدة" والتصرف في الزائد أولى "وقيل" عينت حروف المضارعة للدلالة المذكورة دون غيرها "لأنه يلزم بكسر الفاء توالي الحركات" الأربع في كلمة واحدة، وهو غير جائز وبتقدير كسر الفاء لا يمكن إسكان غيرها لما سيأتي حتى يلزم المحذوف "و" يلزم "بكسر العين الالتباس بين يفعل" بفتح العين "ويفعل" بكسرها إذا لم يعلم حينئذ أنه مكسور العين في الأصل أو مفتوح العين لكنه كسرت للدلالة المذكورة "وبكسر اللام" يلزم "إبطال الأعراب" في المضارع؛ إذ هو قد يكون مجزوما، وقد يكون مرفوعا، وقد يكون منصوبا، فإذا تعين كسرها لم يمكن هذه الوجوه، ولما لم يمكن كسر عين حروف المضارعة للدلالة
[شرح ديكنقوز]
إذ الكسر ثابت حينئذ على توارد العوامل فلا يظهر أثرها "وتحذف التاء الثانية جوازا في مثل: تتقلد وتتباعد وتتبختر" أي فيما اجتمع فيه تاءان في أول مضارع تفعل وتفاعل وتفعلل، وذلك حال كونه فعل المخاطب أو المخاطبة مفردا أو مثنى أو مجموعا، والغائبة المفردة والمثناة دون المجموع إحداهما حرف المضارعة والثانية تاء الباب، واختلف في المحذوف فذهب البصريون إلى أنه هو الثانية؛ لأن الأولى حرف المضارعة وحذفها مخل على ما حكي عن المبرد، وذهب الكوفيون إلى أنه هو الأولى؛ لأن الثانية للمطاوعة وحذفها مخل، ولأنها زائدة وحذفها أهون، واختار المصنف مذهب البصريين؛ لأن رعاية كونه مضارعا أولى؛ لأن الغرض من الاشتقاق إنما هو الدلالة على اختلاف المعنى باختلاف المعنى باختلاف الصيغ وأما المطاوعة وسائر معاني الأبواب فإنما هي بعد هذا الغرض ولأن الثقل إنما يحصل عند الثانية، وأما إثبات التاءين فهو الأصل لدلالة كل واحدة منهما على معنى، وفي قوله: تتقلد وتتباعد وتتبختر بصيغة المبني للفاعل إشارة إلى أن الحذف لا يجوز في المبني للمفعول اتفاقا من الفريقين؛ لأنه خلاف الأصل فلا يرتكب إلا في الأقوى وهو المبني للفاعل، ولأن المبني للفاعل من هذه الأبواب الثلاثة أكثر استعمالا من المبني للمفعول فالتخفيف به أولى، وهذان الوجهان يفيدان ترجيح المبني للفاعل على المبني للمفعول في الحذف، وأما وجه عدم شمول الحذف لهما فهو أنه لو حذفت التاء الأولى المضمومة من المبني للمفعول لالتبس بالمبني للفاعل المحذوف منه التاء؛ لأن الفارق هو التاء المضمومة ولو حذفت التاء الثانية لالتبس بالمبني للمفعول من مضارع فعل وفاعل وفعلل وذلك ظاهر، وإنما تحذف التاء الثانية في مضارع الأبواب الثلاثة "لاجتماع الحرفين من جنس واحد" وهو ثقيل "وعدم إمكان الإدغام" حتى يزول ذلك الثقل لرفضهم الابتداء بالساكن والحذف للتخفيف أولى من إبقاء المتجانسين وإدغامهما والإتيان بالهمزة، مع أن همزة الوصل لا تدخل المضارع؛ لأنه مشابه باسم الفاعل مشابهة تامة حكما لا تدخل عليه لعدم الاحتياج إليها لا تدخل على المضارع بخلاف الماضي؛ فإنه لما قل مشابهته باسم الفاعل جاز دخولها عليه، مثل: استخرج وأثاقل "وعينت التاء الثانية للحذف" مع أن ذلك الاجتماع الثقيل يزول عن توالي الحركات وعينت الفاء للسكون؛ لأن توالي الحركات لزم من زيادة الياء" وإذا لم يمكن إسكانه لرفضهم الابتداء بالساكن "فإسكان الحرف الذي هو قريب منه" أي بقرب الياء "يكون أولى" بالإسكان من غيره كأقرب القريتين في القسامة "ومن ثمة" أي ومن أجل أن إسكان الحرف الذي هو قريب من الحرف الذي لزم منه محذور أولى "عينت الباء في ضربن للإسكان" لئلا يجتمع أربع حركات متواليات فيما هو كالكلمة الواحدة كما مر "لأنه" أي الباء "قريب" أي يقرب "من النون الذي لزم منه" أي من زيادته "توالي الحركات الأربع وسوى بين صيغتي المخاطب والغائبة" مفردين أو مثنيين "في" المستقبل "نحو" أنت "أو هي تضرب" والمناسب ذكره في تعيين التاء للمخاطب إلا أنه لما كان له بحث طويل أخره إلى آخر بحث المستقبل بالنظر إلى أخواته "لاستوائهما" أي المخاطب والغائبة "في الماضي" في مجرد التاء لا في حركاتها وسكناتها "نحو أنت "نصرت" بفتح التاء "وهي نصرت"
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
المذكورة تعين كسرها "وتحذف التاء الثانية" أي يجوز حذفها كما يجوز إبقاؤها على أصلها "في مثل تتقلد وتتباعد وتتبختر" التبختر في المشي، يقال: فلان يمشي التبخترية وبالفارسية خراميدان؛ يعني إذا اجتمع تاءان في فعل مضارع وكان مبنيا للفاعل حذفت الثانية تخفيفا، وإنما قلنا: وكان مبنيا للفاعل؛ لأنه لو كان مبنيا للمفعول لم يحذف لقلة استعماله "لاجتماع الحرفين من جنس واحد" والتلفظ بهما ثقيل على اللسان "وعدم إمكان الإدغام"؛ لأن الإدغام عبارة عن إسكان الأول وإدراجه في الثاني فيلزم الابتداء بالساكن، ولا يجوز اجتلاب الهمزة في المضارع، كما لا يجوز في اسم الفاعل للمشابهة بينهما "وعينت الثانية للحذف؛ لأن الأول علامة" أي علامة المضارع "والعلامة لا تحذف" ولا علامة أخرى حتى يجوز حذفها، ولأن الاستثقال إنما حصل بالثانية فحذفها أولى هذا ذهب سيبويه، وذهب الكوفيون إلى أن المحذوفة هي الأولى؛ لأنها زائدة والزائد أولى بالحذف "وأسكنت الضاد في يضرب" أي أسكنت الفاء في المضارع نحو الضاد في يضرب "فرارا عن توالي الحركات الأربع" في كلمة واحدة "وعينت الضاد للسكون؛ لأن توالي الحركات" الأربع "لزم من" زيادة "الياء فإسكان الحرف الذي هو قريب منه يكون أولى" إذ لا يمكن إسكان الباء نفسه لتعذر الابتداء بالساكن "ومن ثمة" أي ومن أجل أن إسكان الحرف الذي هو قريب من الحرف الذي لزم منه أربع حركات أولى "عينت الباء في مثل ضربن للإسكان؛ لأنه قريب من النون الذي لزم منه توالي الحركات" الأربع ولا يسكن النون فيه مع أن التصرف في الزائد أولى لئلا يخالف سائر الضمائر القابلة للحركات في تحركها، نحو: ضربت بالحركات الثلاث وفتح الخفة "وسوى بين المخاطب" المفرد "والغائبة" المفردة وكذا بين تثنيتهما "في المستقبل" في نفس التاء لا في التاء باعتبار معناها؛ إذ في الأول للخطاب وفي الثاني للتأنيث "لاستوائهما" أي لاستواء المخاطب والغيبة في نفس التاء "في الماضي" ضربت وضربت "نحو تضرب ونضرب" وقس عليهما تثنيتهما، نحو: تضربان ونضربان
[شرح ديكنقوز]
بسكونها، وإنما أورد المثال هنا من باب نصر مع أن عادته أن يورد من باب ضرب لكونه أصلا في الدعائم، إشارة إلى أن باب تصريفه جهة التقديم في الجملة، ولهذا قدمه بعضهم على باب ضرب نظرا إلى تلك الجهة لما سبق، وأنه ليس ساقطا عن درجة استحقاق التقديم بالكلية كسائر الأبواب، ولذا لم يقدم أحد شيئا منها "ولكن لا يسكن" ما به التسوية أعني "التاء في غائبة المستقبل" كما أسكن في الماضي "لضرورة الابتداء بالساكن" ولهذا قيل: إن غائبة المستقبل ليست بمبدلة من الواو كتاء المخاطب، بل هي تاء التأنيث الساكنة قدمت تفاديا بذلك من وقوع اللبس فلما قدمت حركت لتعذر الابتداء بالساكن، ولايبعد أن يكون ميل المصنف إلى هذا وأن يكون هذا سبب تأخيره ذكر التسوية بين المخاطب والغائبة "ولا يضم" ما به الاستواء فى الغائبة ليزول الاستواء "حتى لا يلتبس المعلوم" منها "بالمجهول" منها "فى مثل تمدح" أى فى باب تفعل بفتح العين "ولا يكسر حتى لا يلتبس المعلوم بلغة تعلم" فيها بكسر عين ماضيه وبفتح عين مضارعه "إن قيل يلزم الالتباس" بين المخاطب والغائبة "أيضا بالفتحة" أى كما يلزم الالتباس بالضمة والكسرة فلم اختير الفتحة "قلنا فى الفتحة موافقة بينها" أى بين الغائبة وبين أخواتها "فى اطراد الأمثلة" من المتكلم والمخاطب فإن حروف المضارعة مفتوحة فيها أو بين ما به الاستواء؛ أعني التاء وبين أخواتها من التاء والهمزة والنون فإنها مفتوحة فيها زيدت فيه "مع خفة الفتحة" بخلاف أختيها؛ إذ لا موافقة فيهما بين الأخوات ولا خفة أيضا "وأدخل فيها آخر المستقبل" يعني بعد الألف والواو والياء ويجوز إطلاق الآخر لما بعد هذه الحروف لشدة اتصالها بالفعل لكونها ضمائر الفواعل "نون" فى يفعلان وتفعلان ويفعلان وتفعلون وتفعلين عوضا عن الحركة فى يفعل ليكون ذلك النون فى كلها "علامة للرفع"؛ لأنه أول أخوات الاعراب لكونه علامة الفاعل ثم حذفوها حال الجزم حذف الحركة التى هى عوض عنها، وحملوا النصب على الجزم كما حمل النصب على الجر فى بعض الأسماء؛ لأنه فى الفعل بمنزلة الجر فى الاسم كما سيجىء إن شاء الله تعالى "لأن آخر الفعل" حقيقة "صار باتصال ضمير الفاعل بمنزلة وسط الكلمة" والإعراب لا يكون فى وسط الكلمة، ولم يمكن أن يجعل الضمائر حروف الإعراب؛ لأنها فى الحقيقة ليست من نفس الكلمة، ولم يمكن زيادة حروف المد لمكان الضمائر فزيدت
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"ولكن لا يسكن" التاء "في غائبة المستقبل" كما تسكن في غائبة الماضي "لضرورة الابتداء بالساكن" أي لتعذره بخلاف الماضي؛ لأن التاء فيه في الآخر "ولا يضم" أي غائبة المستقبل فرقا بينهما "حتى لا يلتبس بالمجهول في مثل تمدح" يعني لو ضمت التاء يلتبس المعلوم بالمجهول في الأفعال التي عينها مفتوح، فلو قيل تمدح أو تعلم بضم التاء لم يعلم أنه مجهول أو معلوم غائبة ضمت تاؤها فرقا بينها وبين المخاطب "ولا يكسر أيضا حتى لا يلتبس بلغة تعلم" في الفعل الذي عين ماضيه أو همزته مكسورة، وأما في غيره فللحمل عليه "فإن قيل يلزم الالتباس أيضا بالفتحة" فلم اختير "قلنا في الفتحة موافقة بينهما وبين أخواتها" يعني وإن لزم الالتباس بالفتح أيضا، لكن فيه فائدة وهو الموافقة بينها وبين أخواتها في كونه كل واحد منها مفتوحا "مع خفة الفتحة" ولما لم يكن الفرق بينهما لفظا أبقيا على حالهما واكتفى بالفرق التقديري، وذلك أن تاء الغائبة تاء التأنيث في الماضي لكنها قدمت للالتباس، فلم تكن مبدلة من شيء بخلاف التاء في المخاطب، فإنها مبدلة من الواو كما مر، وأيضا يفرق بينهما بما تحتهما، فإن الغائبة يستتر تحتها هي والمخاطب يستتر تحته أنت وقس على مفرديهما تثنيتهما في الوجهين "وأدخل في آخر المستقبل" إذا كان تثنية وجمعا مطلقا ومخاطبة مفردة "نون" بعد ضمير التثنية والجمع نحو: يضربان ويضربون، وإنما قال في آخر المستقبل؛ لأن الضمير كالجزء من الفعل وعينت النون بالزيادة مع أن الأصل أن يزاد من حروف المد لعدم إمكان زيادتها وهو ظاهر وقرب النون منها في خروجها عن هواء الخيشوم كما مر "وعلامة للرفع؛ لأن آخر الفعل" في الحقيقة صار "باتصال ضمير الفاعل بمنزلة وسط الكلمة" بناء على أن الضمر كالجزء من الفعل، وحاصله أنه لما كان المستقبل معربا ومرفوعا بعامل معنوي وأصل الإعراب بالحركات ولم يمكن ذلك في آخر التثنية والجمع والمخاطبة حقيقة بسبب اتصال الضمائر لها؛ لأنه صار آخر الفعل حينئذ بمنزلة وسط الكلمة وهو لا يكون متعقب الإعراب ولا الضمائر أوجبت كون ما قبلها على وجه واحد فما قبل الألف مفتوح أبدا وما قبل الواو مضموم أبدا وما قبل الياء مكسور أبدا ولم يمكن أيضا أن يجعل الضمائر حروف الإعراب؛ لأنها في الحقيقة ليست من نفس الكلمة ولأنها يلزم حينئذ سقوطها بالجوازم وسقوط العلامة غير جائز، ولم يكن أيضا الحركة على الضمائر نفسها؛ لأنها أسماء فلا يعرب بإعراب الفعل؛ إذ لا يجوز جعل كلمة محلا لإعراب كلمة أخرى ولأنها مبنية فلم تكن متعقب الإعراب ولأن فيها ما لا يقبل الحركة ألبتة وهو الألف وفيها ما تستثقل وهو الواو والياء لزم زيادة حروف تنوب مناب الحركة في المفرد فأولى الحروف بها النون لما ذكرنا آنفا فهي عوض عن الضمة فحيث ثبت الضمة ثبت النون، كما في حال الرفع سقط الضمة سقط النون أيضا، كما في حال الجزم والنصب، وإنما اختصت النون بحال الرفع؛ لأنه أول أحوال الإعراب وكل ذلك مبين في النحو قوله