الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَتَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَيُؤْذِيكَ هَذِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَنَزَلَتْ: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)[البقرة: 196] فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحْلِقُونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل الْفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْلِقَ وَيَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينٍ، أَوْ يَذْبَحَ شَاةً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَبَرُ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا خَرَّجْتُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا.
(139) بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَوْلِهِ [تَعَالَى]: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ)[البقرة: 196] اخْتِصَارَ كَلَامٍ مَعْنَاهُ: فَحَلَقْتُمْ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ كَقَوْلِهِ - جَلَّ وَعَلَا: فقلنا (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ)[الشعراء: 63] أَرَادَ: فِيهِنَّ جَمِيعًا فَضَرَبَ فَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ، وَحَذَفَ فَضَرَبَ، وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ أَنَّ انْفِجَارَ الْحَجَرِ وَانْبِجَاسُهُ وَانْفَلَاقَ الْبَحْرِ إِنَّمَا كَانَ عَنْ ضَرَبَاتِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم، وَلَا شَكَّ وَلَا ارْتِيَابَ أَنَّ مُوسَى أَطَاعَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ضَرْبِ الْحَجَرِ وَالْبَحْرِ، فَكَانَ انْفِلَاقُ الْبَحْرِ وَانْفِجَارُ الْحَجَرِ وَانْبِجَاسُهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ مُسَارَعَةً مِنْهُ إِلَى طَاعَةِ خَالِقِهِ
2678 -
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْقَيْسِيُّ، ثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ:"أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل الْفِدْيَةَ فَأَمَرَه رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوِ (1) الْهَدْيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
[2678] خ المحصر 8 من طريق روح.
(1)
في الأصل: "والهدي".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ بَيَّنْتُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالْكَفَّارَاتِ مَبْلَغَ الْفَرَقِ وَأَنَّهُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَبَيَّنْتُ أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَأَنَّ الْفَرَقَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا. وَأَنَّ الصَّاعَ ثُلُثُهُ إِذِ الْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، بِدَلَائِلِ أَخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَجْمَلَ فَرِيضَةً في كتابه وَبَيَّنَ مَبْلَغَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذِ اللَّهُ عز وجل أَمَرَ بِالْفِدْيَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِي كِتَابِهِ بِصِيَامٍ، لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ عَدَدَ أَيَّامِ الصِّيَامِ، وَلَا مَبْلَغَ الصَّدَقَةِ، وَلَا عَدَدَ مَنْ يُصَدَّقُ بِصَدَقَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِمْ، وَلَا وَصَفَ النُّسُكَ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي وَلَّاهُ اللَّهُ عز وجل بَيَانَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ وحيه (1)، أَنَّ الصِّيَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينٍ، وَأَنَّ النُّسُكَ شَاةٌ، وَذِكْرُ النُّسُكِ فِي هَذَا [267] الْخَبَرِ هُوَ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَقُولُ: إِنَّ الْحُكْمَ بِالْمِثْلِ وَالشَّبَهِ وَالنَّظِيرِ وَاجِبٌ، فَسُبْعُ بَقَرَةٍ وَسُبْعُ بَدَنَةٍ فِي فِدْيَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ جَائِزٌ، أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ، وَسُبْعُ بَدَنَةٍ يَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ فِي الْفِدْيَةِ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ سُبْعَ بَدَنَةٍ، وَسُبْعَ بَقَرَةٍ يَقُومُ كُلُّ سُبْعٍ مِنْهَا مَقَامَ شَاةٍ فِي هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَةِ، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ، زَعَمَ أَنَّ الْقِرَانَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِسَوْقِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ.
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ عُشْرَ بَدَنَةٍ يَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، فَمَنْ أَجَازَ عُشْرَ بَدَنَةٍ فِي ذَلِكَ، كَانَ لِسُبْعِهِ أَجْوزَ إِذِ السُّبْعُ أَكْثَرُ مِنَ الْعُشْرِ، وَقَدْ كُنْتُ أَمْلَيْتُ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَسْأَلَةً فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَبَيَّنْتُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ يُوجِبُ الشَّيْءَ فِي كِتَابِهِ بِمَعْنًى وَقَدْ يَجِبُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ، إِمَّا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم أَوْ عَلَى لِسَانِ أُمَّتِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا أَوْجَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أذى فِي رَأْسِهِ، أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَقَدْ تَجِبُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْفِدْيَةُ عَلَى حَالِقِ الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ، وَلَا كَانَ مَرِيضًا، وَكَانَ عَاصِيًا
(1) في الأصل: "وجه"، وصوابه "وحيه".