المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْقَدِيم ثمَّ حكم من لم يكن أَهلا للتخريج من المتبعين - صفة الفتوى

[ابن حمدان]

الفصل: الْقَدِيم ثمَّ حكم من لم يكن أَهلا للتخريج من المتبعين

الْقَدِيم ثمَّ حكم من لم يكن أَهلا للتخريج من المتبعين لمَذْهَب الشَّافِعِي مثلا أَن لَا يتبع شَيْئا من اختياراتهم هَذِه الْمَذْكُورَة لأَنهم مقلدون للشَّافِعِيّ دون من خَالفه

وَكَذَا الْكَلَام بَين الإِمَام أَحْمد وَأَصْحَابه إِن قُلْنَا أول قوليه فِي مَسْأَلَة لَيْسَ مذهبا لَهُ وَإِلَّا فَلَا

‌‌

‌فصل

إِذا اقْتصر الْمُفْتِي فِي جَوَابه على ذكر الْخلاف وَقَالَ فِيهَا رِوَايَتَانِ أَو قَولَانِ أَو وَجْهَان أَو نَحْو ذَلِك من غير أَن يبين الْأَرْجَح فَإِنَّهُ لم يفت فِيهَا بِشَيْء وَإِذا لم يذكر خلافًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِذا حصل غَرَض السَّائِل من الْجَواب بِنَفْي أَو إِثْبَات وَإِن سَأَلَهُ عَن الْخلاف ذكره فَرُبمَا أَرَادَ أَن يعلم أَنه لَا إِجْمَاع فِي ذَلِك ليمكن تَقْلِيد غير إِمَامه

فصل

لَيْسَ لَهُ أَن يُفْتِي فِي شَيْء من مسَائِل الْكَلَام مفصلا بل يمْنَع السَّائِل وَسَائِر الْعَامَّة من الْخَوْض فِي ذَلِك أصلا وَيَأْمُرهُمْ بِأَن يقتصروا فِيهَا على الْإِيمَان الْمُجْمل من غير تَفْصِيل وَأَن يَقُولُوا فِيهَا وَفِيمَا ورد من الْآيَات والاخبار المتشابهة إِن الثَّابِت فِيهَا فِي نفس الْأَمر كل مَا هُوَ اللَّائِق فِيهَا بِاللَّه تَعَالَى وبكماله وعظمته وجلاله وتقديسه من غير تَشْبِيه وَلَا تجسيم وَلَا تكييف وَلَا تَأْوِيل

ص: 44

وَلَا تَفْسِير وَلَا تَعْطِيل وَلَيْسَ علينا تَفْصِيل المُرَاد وتعيينه وَلَيْسَ الْبَحْث عَنهُ من شَأْننَا فِي الْأَكْثَر بل نكل علم تَفْصِيله إِلَى الله تَعَالَى ونصرف عَن الْخَوْض فِيهِ قُلُوبنَا وألسنتنا فَهَذَا وَنَحْوه هُوَ الصَّوَاب عِنْد أَئِمَّة الْفَتْوَى وَهُوَ مَذْهَب السّلف الصَّالح وأئمة الْمذَاهب الْمُعْتَبرَة وأكابر الْعلمَاء منا وَمن غَيرنَا وَهُوَ أصوب وَأسلم للعامة وأشباههم مِمَّن يدْخل قلبه بالخوض فِي ذَلِك وَمن كَانَ مِنْهُم قد اعْتقد إعتقادا بَاطِلا مفصلا فَفِي الزامه بِهَذَا الطَّرِيق صرف لَهُ عَن ذَلِك الِاعْتِقَاد الْبَاطِل بِمَا هُوَ أَهْون وأيسر وَأسلم وَإِذا عزّر ولي الْأَمر من حاد مِنْهُم عَن هَذِه الطَّرِيقَة فقد تأسى بعمر ابْن الْخطاب رضي الله عنه فِي تعزيره صبيغ بن غسل الَّذِي كَانَ يسْأَل عَن المتشابهات

ص: 45

وعَلى ذَلِك المتكلمون من الشَّافِعِيَّة معترفون بِصِحَّة هَذِه الطَّرِيقَة وَأَنَّهَا أسلم لمن سلمت لَهُ حَتَّى الْغَزالِيّ أخيرا فَإِنَّهُ قَالَ كل من يَدْعُو الْعَوام إِلَى الْخَوْض فِي هَذَا فَلَيْسَ من أَئِمَّة الدّين بل من المضلين وَهُوَ كمن يَدْعُو صَبيا يجهل السباحة إِلَى خوض الْبَحْر وَقَالَ الصَّوَاب لِلْخلقِ إِلَّا النَّادِر سلوك مَسْلَك السّلف فِي الْإِيمَان الْمُرْسل والتصديق الْمُجْمل وَمَا قَالَه الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم بِلَا بحث وتفتيش وَقَالَ وَفِي الِاشْتِغَال بالفتوى شغل شاغل

وَقَالَ فِي التَّفْرِقَة فِي حق عوام الْخلق إِن الْحق فِيهِ والإتباع الْكَفّ عَن تَغْيِير الظَّوَاهِر رَأْسا والجور عَن إبداع تأويلات لم يُصَرح بهَا الصَّحَابَة وحسم بَاب السُّؤَال رَأْسا والزجر عَن الْخَوْض فِي الْكَلَام والبحث وَاتِّبَاع مَا تشابه من الْكتاب وَالسّنة الثائر بَين النظار الَّذين اضْطَرَبَتْ عقائدهم المأثورة الْمَشْهُورَة الموروثة وَيَنْبَغِي أَن يكون بحثهم بِقدر الضَّرُورَة وتركهم للظَّاهِر لضَرُورَة الْبُرْهَان الْقَاطِع

وَقَالَ فِيهَا أَيْضا من النَّاس من يُبَادر إِلَى التَّأْوِيل ظنا لَا قطعا فَإِن كَانَ فتح هَذَا الْبَاب وَالتَّصْرِيح بِهِ يُؤَدِّي إِلَى تشويش قُلُوب

ص: 46

الْعَوام بدع بِهِ صَاحبه وكل مَا لم يُؤثر عَن السّلف ذكره وَمَا يتَعَلَّق من هَذَا الْجِنْس بأصول العقائد المهمة فَيجب تَكْفِير من يُغير الظَّاهِر بِغَيْر برهَان قَاطع

وَقَالَ فِيهَا أَيْضا كل مَا يحْتَمل التَّأْوِيل فِي نَفسه وتواتر نَقله وَلم يتَصَوَّر أَن يقوم على خِلَافه برهَان فمخالفته تَكْذِيب مَحْض وَمَا تطرق إِلَيْهِ احْتِمَال تَأْوِيل وَلَو بمجال بعيد فَإِن كَانَ برهانه قَاطعا وَجب القَوْل بِهِ لَكِن إِن كَانَ فِي إِظْهَاره مَعَ الْعَوام ضَرَر لقُصُور إفهامهم فإظهاره بِدعَة وَإِن كَانَ الْبُرْهَان يُفِيد ظنا غَالِبا وَلَا يعظم ضَرَره فِي الدّين فَهُوَ بِدعَة وَإِن عظم ضَرَره فَهُوَ كفر وَفِيه احْتِمَال قَالَ وَلم تجر عَادَة السّلف بالدعوة بِهَذِهِ المحادثات بل شَدَّدُوا القَوْل على من يَخُوض فِي الْكَلَام ويشتغل بالبحث وَالسُّؤَال وَقَالَ فِيهَا أَيْضا الْإِيمَان الْمُسْتَفَاد من الْكَلَام ضَعِيف وَالْإِيمَان الراسخ إِيمَان الْعَوام الْحَاصِل فِي قُلُوبهم فِي الصِّبَا بتواتر السماع وَبعد الْبلُوغ بقرائن يتَعَذَّر التَّعْبِير عَنْهَا ويؤكده مُلَازمَة الْعِبَادَة وَالذكر فَإِن كَلَام الْمُتَكَلِّمين يشْعر السَّامع أَن فِيهِ صَنْعَة يعجز عَنْهَا الْعَاميّ لَا أَنه حق وَرُبمَا كَانَ ذَلِك سَبَب عناده

وَقَالَ شَيْخه أَبُو الْمَعَالِي يحرص الإِمَام مَا أمكنه على جمع عَامَّة الْخلق على سلوك سَبِيل السّلف فِي ذَلِك

وَقَالَ الصَّيْمَرِيّ أجمع أهل الْفَتْوَى على أَن من عرف بهَا لَا يَنْبَغِي أَن يضع خطه بفتوى فِي مَسْأَلَة كَلَام كالقضاء وَالْقدر وَكَانَ بَعضهم

ص: 47

لَا يستتم قِرَاءَة مثل هَذِه الرقعة

وَنقل ابْن عبد البرالامتناع من الْكَلَام فِي ذَلِك عَن الْفُقَهَاء الْعلمَاء قَدِيما وحديثا من أهل الْفَتْوَى والْحَدِيث قَالَ وَإِنَّمَا خَالف فِي ذَلِك أهل الْبدع وَقيل إِن كَانَت الْمَسْأَلَة مِمَّا يُؤمن فِي تَفْصِيل جوابها من ضَرَر الْخَوْض الْمَذْكُور جَازَ الْجَواب مفضلا بِأَن يكون جوابها مُخْتَصرا مفهوما فِيمَا لَيْسَ لَهُ أَطْرَاف يتجاذبها إِلَيْهِم المتنازعون وَالسُّؤَال عَنهُ صادر من مسترشد خَاص منقاد أَو من عَامَّة قَليلَة التَّنَازُع والمماراة والمفتي مِمَّن ينقادون لفتياه وَنَحْو هَذَا وعَلى هَذَا وَنَحْوه يخرج مَا جَاءَ عَن بعض السّلف من الْفَتْوَى فِي بعض الْمسَائِل الكلامية وَذَلِكَ مِنْهُم قَلِيل نَادِر وَقد ورد فِي ذمّ الْكَلَام عَن السّلف وَالْخلف شَيْء كثير مَشْهُور

حَتَّى أَن شيخ الْإِسْلَام الْأنْصَارِيّ جمع من ذَلِك مجلدا

وَقد قَالَ أَحْمد

لست بِصَاحِب كَلَام وَلَا أرى الْكَلَام فِي شَيْء إِلَّا مَا كَانَ فِي كتاب الله أَو سنة رَسُوله وَقَالَ كُنَّا نؤمر بِالسُّكُوتِ فَلَمَّا دعينا إِلَى الْكَلَام تكلمنا يَعْنِي زمن المحنة للضَّرُورَة فِي دفع شبههم لما الجئ إِلَيّ ذَلِك وَقَالَ لَا يكون الرجل من أهل السّنة حَتَّى يدع الْجِدَال وَأَن أَرَادَ بِهِ السّنة وَقَالَ من ارتدى بالْكلَام لم

ص: 48

يفلح وَقَالَ لَا تجالسوا أهل الْكَلَام وَإِن ذبوا عَن السّنة

وَقَالَ مَالك لَيْسَ من السّنة أَن تجَادل عَن السّنة بل السّنة أَن تخبر بهَا فَإِن سَمِعت مِنْك وَإِلَّا سكت

وَإِذا كَانَ هَذَا حَال متكلمي الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم فَكيف نَحن وَمن يتبع الْآثَار

وَقَالَ بعض الْعلمَاء النَّاس يَكْتُبُونَ أحسن مَا يسمعُونَ ويحفظون أحسن مَا يَكْتُبُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ بِأَحْسَن مَا يحفظون

وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كفى بِالْمَرْءِ كذبا أَو إِثْمًا أَن يحدث بِكُل مَا سمع فَمَا كَانَ يُعلمهُ الْإِنْسَان يَنْبَغِي أَن لَا يعلم بِهِ من لَيْسَ أَهلا لَهُ وَلَا يَأْمَن عَلَيْهِ من ضَرَر أَو على غَيره بِسَبَبِهِ وَأكْثر أهل السّنة يعْرفُونَ الْيَسِير مِنْهُ وَلَا ينتمون إِلَيْهِ وَلَا يدلون النَّاس عَلَيْهِ وَلَا يَدعُونَهُمْ إِلَيْهِ

وَقد قَالَ الشَّافِعِي

حكمي فِي أَصْحَاب الْكَلَام أَن يضْربُوا بِالْجَرِيدِ وَيُطَاف بهم فِي العشائر وَيُقَال هَذَا جَزَاء من ترك الْكتاب وَالسّنة واشتغل بالْكلَام أَو معنى ذَلِك

وَقَالَ لقد اطَّلَعت من أهل الْكَلَام على شَيْء لِأَن يبتلى الْمَرْء

ص: 49

بِكُل شَيْء نهي عَنهُ غير الْكفْر أَهْون من أَن يَبْتَلِي بِهِ أَو نَحْو ذَلِك

وَعلم الْكَلَام المذموم هُوَ أصُول الدّين إِذا تكلم فِيهِ بالمعقول الْمَحْض أَو الْمُخَالف للمنقول الصَّرِيح فَإِن تكلم فِيهِ بِالنَّقْلِ فَقَط أَو بِالنَّقْلِ وَالْعقل الْمُوَافق لَهُ فَهُوَ أصُول الدّين وَطَرِيقَة أهل السّنة وَعلم السّنة وَأَهْلهَا وَاجْتنَاب الْجَواب فِي جَمِيع الْمسَائِل الْمُتَعَلّقَة بذلك لغير المسترشد أولى وَأسلم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَن الْخَطَأ فِي أصُول الدّين إِمَّا كفر أَو فسق وَلَيْسَ ذَلِك هينا

وَقد قَالَ الْغَزالِيّ أخيرا الْخَوْض فِي الْكَلَام حرَام لِكَثْرَة الآفة فِيهِ إِلَّا الرجل وَقعت لَهُ شُبْهَة لَيست تَزُول بِكَلَام قريب وعظي وَلَا بِحَدِيث نقلي فَيجوز أَن يكون القَوْل الْمُرَتّب الكلامي رَافعا شبهته ودواء لَهُ من مَرضه فيستعمل مَعَه ويحرس عَنهُ سمع الصَّحِيح الَّذِي لَيْسَ كَذَلِك أَو لرجل كَامِل الْعقل راسخ الْقدَم فِي الدّين ثَابت الْإِيمَان كأنوار الْيَقِين يُرِيد أَن يحصل هَذَا الْعلم ليداوي بِهِ مَرِيضا إِذا وَقعت لَهُ شُبْهَة ويفحم بِهِ مبتدعا إِذا نبغ وليحرس بِهِ معتقدة إِذا قصد مُبْتَدع أَن يغويه فتعلم ذَلِك لهَذَا الْغَرَض فرض كِفَايَة وَتعلم قدر مَا يزِيل بِهِ الشَّك والشبهة فِي حق المشكك فرض عين إِذا لم يُمكن إِعَادَة اعْتِقَاده المجزوم بطرِيق آخر سواهُ فَمن وَقعت لَهُ شُبْهَة جَازَ جَوَابه إِذا أَمن عَلَيْهِ وعَلى غير من التشويش

ص: 50