المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَمُحَمّد والمزني وَابْن سُرَيج هَل كَانُوا مجتهدين مستقلين أَو فِي - صفة الفتوى

[ابن حمدان]

الفصل: وَمُحَمّد والمزني وَابْن سُرَيج هَل كَانُوا مجتهدين مستقلين أَو فِي

وَمُحَمّد والمزني وَابْن سُرَيج هَل كَانُوا مجتهدين مستقلين أَو فِي مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ وفتوى الْمُجْتَهد الْمَذْكُور كفتوى الْمُجْتَهد الْمُطلق فِي الْعَمَل بهَا والاعتداد بهَا فِي الاجماع وَالْخلاف

‌فصل

وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة إِذا كَانَ رجل مُجْتَهدا فِي مَذْهَب إِمَام وَلم يكن مُسْتقِلّا بالفتوى فِيهِ عَن نَفسه فَهَل لَهُ أَن يُفْتِي بقول ذَلِك الإِمَام على وَجْهَيْن

أَحدهمَا يجوز وَيكون متبعه مُقَلدًا للْمَيت لَا لَهُ

وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَنَّهُ مقلد لَهُ لَا للْمَيت والسائل إِنَّمَا أَرَادَ الاستفتاء على قَول الْمَيِّت وَالْأول أصح لِأَن مستفتيه عمل بقول الْمَيِّت الَّذِي عرف الْمُفْتِي صِحَّته بِالدَّلِيلِ فقد وَافقه فِيهِ فَصحت فتياه وَإِن منعنَا تَقْلِيد الْمَيِّت فِي وَجه لنا بعيد وَمذهب لغيرنا ضَعِيف لاحْتِمَال تغير اجْتِهَاده لَو كَانَ حَيا وجدد النّظر عِنْد حُدُوث الْمَسْأَلَة حِين الْفَتْوَى وَفِي وُجُوبه مذهبان سنذكرهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى

الْحَالة الثَّانِيَة

أَن يكون مُجْتَهدا فِي مَذْهَب إِمَامه مُسْتقِلّا بتقريره بِالدَّلِيلِ لَكِن لَا يتَعَدَّى أُصُوله وقواعده مَعَ إتقانه للفقه وأصوله وأدلة مسَائِل الْفِقْه عَارِفًا بِالْقِيَاسِ وَنَحْوه تَامّ الرياضة قَادِرًا على التَّخْرِيج والإستنباط وإلحاق الْفُرُوع بالأصول وَالْقَوَاعِد الَّتِي

ص: 18

لإمامه وَقيل وَلَيْسَ من شَرطه معرفَة هَذَا علم الحَدِيث واللغة الْعَرَبيَّة لكَونه يتَّخذ أصُول إِمَامه أصولا يستنبط مِنْهَا الْأَحْكَام كنصوص الشَّارِع وَقد يرى حكما ذكره إِمَامه بِدَلِيل فيكتفي بذلك من غير بحث عَن معَارض أَو غَيره وَهُوَ بعيد وَهَذَا شَأْن أهل الْأَوْجه والطرق فِي الْمذَاهب وَهُوَ حَال أَكثر عُلَمَاء الطوائف الْآن فَمن عمل بِفُتْيَا هَذَا فقد قلد إِمَامه دونه لِأَن معوله على صِحَة اضافة مَا يَقُول إِلَى إِمَامه لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إِلَى الشَّارِع بِلَا وَاسِطَة إِمَامه وَالظَّاهِر مَعْرفَته بِمَا يتَعَلَّق بذلك من حَدِيث ولغة وَنَحْو وَقيل أَن فرض الْكِفَايَة لَا يتَأَدَّى بِهِ لِأَن تَقْلِيده نقص وخلل فِي الْمَقْصُود وَقيل يتَأَدَّى بِهِ فِي الْفَتْوَى لَا فِي إحْيَاء الْعُلُوم الَّتِي تستمد مِنْهَا الْفَتْوَى لِأَنَّهُ قد قَامَ فِي فتواه مقَام إِمَام مُطلق فَهُوَ يُؤَدِّي عَنهُ مَا كَانَ يتَأَدَّى بِهِ الْفَرْض حِين كَانَ حَيا قَائِما بِالْفَرْضِ مِنْهَا وَهَذَا على الصَّحِيح فِي جَوَاز تَقْلِيد الْمَيِّت ثمَّ قد يُوجد من الْمُجْتَهد الْمُقَيد اسْتِقْلَال بِالِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة خَاصَّة أَو بَاب خَاص فَيجوز لَهُ أَن يُفْتِي فِيمَا لم يجده من أَحْكَام الوقائع مَنْصُوصا عَلَيْهَا عَن إِمَامه لما يُخرجهُ على مذْهبه وعَلى هَذَا الْعَمَل وَهُوَ أصح فالمجتهد فِي الْمَذْهَب أَحْمد مثلا إِذا أحَاط بقواعد مذْهبه وتدرب فِي مقاييسه وتصرفاته تنزل من الالحاق بمنصوصاته وقواعد مذْهبه منزلَة الْمُجْتَهد المستقل فِي إِلْحَاقه مَا لم

ص: 19

ينص عَلَيْهِ الشَّارِع بِمَا نَص عَلَيْهِ وَهَذَا أقدر على ذَا من ذَاك على ذَاك فَإِنَّهُ يجد فِي مَذْهَب إِمَامه قَوَاعِد مُمَيزَة وضوابط مهذبة مِمَّا لَا يجده الْمُجْتَهد فِي أصُول الشَّرْع ونصوصه وَقد سُئِلَ الإِمَام أَحْمد رضي الله عنه عَمَّن يُفْتِي بِالْحَدِيثِ هَل لَهُ ذَلِك إِذا حفظ أَرْبَعمِائَة ألف حَدِيث فَقَالَ أَرْجُو فَقيل لأبي اسحق ابْن شاقلا فَأَنت تُفْتِي وَلست تحفظ هَذَا الْقدر فَقَالَ لكنني أُفْتِي بقول من يحفظ ألف ألف حَدِيث يَعْنِي الإِمَام أَحْمد

ثمَّ إِن المستفتي فِيمَا يفتيه بِهِ من تَخْرِيجه هَذَا مقلد لإمامه لَا لَهُ وَقيل مَا يُخرجهُ أَصْحَاب الإِمَام على مذْهبه هَل يجوز أَن ينْسب إِلَيْهِ وَأَنه مذْهبه فِيهِ لنا ولغيرنا خلاف وتفصيل وَالْحَاصِل أَن الْمُجْتَهد فِي مَذْهَب إِمَامه هُوَ الَّذِي يتَمَكَّن من التَّفْرِيع على أَقْوَاله كَمَا يتَمَكَّن الْمُجْتَهد من التَّفْرِيع على مَا انْعَقَد عَلَيْهِ الاجماع وَدلّ عَلَيْهِ الْكتاب أَو السّنة أَو الاستنباط وَلَيْسَ من شَرط الْمُجْتَهد أَن يُفْتِي فِي كل مَسْأَلَة بل يجب أَن يكون على بَصِيرَة فِيمَا يُفْتِي بِهِ بِحَيْثُ يحكم فِيمَا يدْرِي ويدري أَنه يدْرِي بل قد يجْتَهد الْمُجْتَهد فِي الْقبْلَة ويجتهد الْعَاميّ فِيمَن يقلده ويتبعه ثمَّ تَخْرِيجه تَارَة يكون من نَص لإمامه فِي مَسْأَلَة مُعينَة وَتارَة لَا يجد لإمامه نصا معينا يخرج مِنْهُ فَيخرج على وفْق أُصُوله وقواعده بِأَن يجد دَلِيلا من جنس مَا يحْتَج بِهِ إِمَامه وعَلى شَرطه فيفتي بِمُوجبِه وَجعل هَذَا مذهبا لإمامه بعيد ثمَّ إِن وَقع النَّوْع الأول من التَّخْرِيج فِي صُورَة فِيهَا

ص: 20

نَص لإمامه مخرجا هُوَ فِيهَا بِخِلَاف نَصه فِيهَا من نَص آخر فِي صُورَة أُخْرَى فَهِيَ قَول مخرج كنصه على حكمين مُخْتَلفين فِي مَسْأَلَتَيْنِ متشابهتين فِي وَقْتَيْنِ فَيخرج من كل وَاحِدَة فِي الْأُخْرَى فَيكون لَهُ فِي مَسْأَلَة قَولَانِ قَول مَنْصُوص وَقَول مخرج وَإِن قُلْنَا الأول من قوليه لَيْسَ مذهبا لَهُ لم يجز النَّقْل والتخريج من الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة إِلَى الْمُتَأَخِّرَة وَيجوز عَكسه هَذَا قَول الشَّافِعِيَّة وأصحابنا وَفِي جَوَازه خلاف وتفصيل نذكرهُ آنِفا وَأكْثر الشَّافِعِيَّة يطلقون النَّقْل والتخريج من غير تَفْصِيل فَيلْزم التَّخْرِيج من الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة إِلَى الْمُتَأَخِّرَة فَيكون الْقَدِيم مذهبا والجديد لَيْسَ مذهبا

وَإِذا وَقع النَّوْع الثَّانِي فِي صُورَة قد قَالَ فِيهَا بعض الْأَصْحَاب غير ذَلِك سمي ذَلِك وَجها لمن خرجه وَيُقَال فِيهَا وَجْهَان وَقد يخرج بعض الْأَصْحَاب فِي بعض الْمسَائِل خلاف نَص الإِمَام فِيهَا على مَا يرَاهُ دَلِيلا من جنس أَدِلَّة الإِمَام وَذَلِكَ بَين أَصْحَابنَا كثير وَالْخلاف هُنَا إصطلاح لَفْظِي وَشرط التَّخْرِيج الْمَذْكُور أَولا عِنْد اخْتِلَاف النصين أَن لَا يُوجد بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فرق يُؤثر وَلَا يكون الإِمَام فرق بَينهمَا أَو كَانَ زمن الْقَوْلَيْنِ قَرِيبا وَلَا حَاجَة فِي مثل ذَلِك إِلَى عِلّة جَامِعَة وَهُوَ كإلحاق الْأمة بِالْعَبدِ فِي الْعتْق وَمَتى أمكن الْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ لم يجز لَهُ على الْأَصَح التَّخْرِيج وَلَزِمَه تَقْرِير النصين على ظاهرهما للفارق والمؤثر

ص: 21

وَاخْتلفُوا فِي القَوْل بالتخريج فِي مثل ذَلِك لإختلافهم فِي إِمْكَان الْفرق وَتَمام ذَلِك يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى

الْحَالة الثَّالِثَة

أَن لَا يبلغ بِهِ رُتْبَة أَئِمَّة الْمذَاهب أَصْحَاب الْوُجُوه والطرق غير أَنه فَقِيه النَّفس حَافظ لمَذْهَب إِمَامه عَارِف بأدلته قَائِم بتقريره ونصرته يصور وَيجوز ويمهد ويقرر ويزيف ويرجح لكنه قصر عَن دَرَجَة أُولَئِكَ إِمَّا لكَونه لم يبلغ فِي حفظ الْمَذْهَب مبلغهم وَإِمَّا لكَونه غير متبحر فِي أصُول الْفِقْه وَنَحْوه على أَنه لَا يَخْلُو مثله فِي ضمن مَا يحفظه من الْفِقْه ويعرفه من أدلته عَن أَطْرَاف من قَوَاعِد أصُول الْفِقْه وَنَحْوه وَإِمَّا لكَونه مقصرا فِي غير ذَلِك من الْعُلُوم الَّتِي هِيَ أدوات للإجتهاد الْحَاصِل لاصحاب الْوُجُوه والطرق وَهَذِه صفة كثير من الْمُتَأَخِّرين الَّذين رتبوا الْمذَاهب وحرروها وصنفوا فِيهَا تصانيف بهَا يشْتَغل النَّاس الْيَوْم غَالِبا وَلم يلْحقُوا من يخرج الْوُجُوه ويمهد الطّرق فِي الْمذَاهب وَإِمَّا فِي فتاويهم فقد كَانُوا يتبسطون فِيهَا كتبسط أُولَئِكَ أَو نَحوه ويقيسون غير الْمَنْقُول والمسطور على الْمَنْقُول والمسطور فِي الْمَذْهَب غير مقتصرين فِي ذَلِك على الْقيَاس الْجَلِيّ وَقِيَاس لَا فَارق نَحْو قِيَاس الْمَرْأَة على الرجل فِي رُجُوع البَائِع إِلَى عين مَاله عِنْد تعذر الثّمن وَلَا تبلغ فتاويهم فَتَاوَى أَصْحَاب الْوُجُوه وَرُبمَا تطرق بَعضهم إِلَى تَخْرِيج قَول وإستنباط وَجه وإحتمال وفتاويهم مَقْبُولَة أَيْضا

ص: 22

الْحَالة الرَّابِعَة

أَن يقوم بِحِفْظ الْمَذْهَب وَنَقله وفهمه فَهَذَا يعْتَمد على نَقله وفهمه فَهَذَا يعْتَمد نَقله وفتواه فِيمَا يحكيه من مسطورات مذْهبه من منصوصات إِمَامه وتفريعات أَصْحَابه الْمُجْتَهدين فِي مذْهبه وتخريجاتهم وَأما مَا يجده مَنْقُولًا فِي مذْهبه فَإِن وجد فِي الْمَنْقُول مَا هَذَا فِي مَعْنَاهُ بِحَيْثُ يدْرك من غير فضل فكر وَتَأمل أَنه لَا فَارق بَينهمَا كَمَا فِي الْأمة بِالنِّسْبَةِ إِلَى العَبْد الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي اعتاق الشَّرِيك جَازَ لَهُ إِلْحَاقه بِهِ وَالْفَتْوَى بِهِ وَكَذَلِكَ مَا يعلم إندراجه تَحت ضَابِط ومنقول ممهد فِي الْمَذْهَب وَمَا لم يكن كَذَلِك فَعَلَيهِ الْإِمْسَاك عَن الْفتيا بِهِ وَمثل هَذَا يَقع نَادرا فِي حق مثل الْفَقِيه الْمَذْكُور إِذْ يبعد أَن تقع وَاقعَة لم ينص على حكمهَا فِي الْمَذْهَب وَلَا هِيَ فِي معنى بعض الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِيهِ من غير فرق وَلَا مندرجة تَحت شَيْء من ضوابط الْمَذْهَب المحررة فِيهِ ثمَّ إِن هَذَا الْفَقِيه لَا يكون إِلَّا فَقِيه النَّفس لِأَن تَصْوِير الْمسَائِل على وَجههَا وَنقل أَحْكَامهَا بعده لَا يقوم بِهِ إِلَّا فَقِيه النَّفس وَيَكْفِي استحضار أَكثر الْمَذْهَب مَعَ قدرته على مطالعة بَقِيَّته قَرِيبا

ص: 23