المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل   وَلما كَانَ من اللَّازِم الِالْتِزَام بِأَهْل الدّين وعلماء الشَّرِيعَة المبرزين - صفة الفتوى

[ابن حمدان]

الفصل: ‌ ‌فصل   وَلما كَانَ من اللَّازِم الِالْتِزَام بِأَهْل الدّين وعلماء الشَّرِيعَة المبرزين

‌فصل

وَلما كَانَ من اللَّازِم الِالْتِزَام بِأَهْل الدّين وعلماء الشَّرِيعَة المبرزين وأكابر الْأَئِمَّة المتبعين المتبوعين والمشهورين من الْمُحَقِّقين المحقين المتدينين المتورعين والموفقين المسددين المرشدين وَكَانَ الإِمَام الْعَالم السالك الناسك الْكَامِل ابو عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رضي الله عنه قد تَأَخّر عَن أَئِمَّة الْمذَاهب الْمَشْهُورَة وَنظر فِي مذاهبهم ومذاهب من قبلهم وأقاويلهم وسبرها وخبرها وانتقدها وَاخْتَارَ أرجحها وأصحها وَوجد من قبله قد كَفاهُ مُؤنَة التَّصْوِير والتأصيل وَالتَّفْصِيل فتفرغ للاختيار وَالتَّرْجِيح والتنقيح والتكميل وَالْإِشَارَة بَين الصَّحِيح مَعَ كَمَال آلَته وبراعته فِي الْعُلُوم الشرعيه وترجحه على من سبقه لما يَأْتِي ثمَّ لم يُوجد بعده من بلغ مَحَله فِي ذَلِك كَانَ مذْهبه أولى من غَيره بالاتباع والتقليد وَهَذَا طَرِيق الْإِنْصَاف والسلامة من الْقدح فِي بعض الْأَئِمَّة وَقد ادّعى الشَّافِعِيَّة ذَلِك فِي مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا وَأَنه أولى من غَيره وَنحن نقُول كَانَ الإِمَام أَحْمد أَكْثَرهم علما بالأخبار وَعَملا بالآثار واقتفاء للسلف واكتفاء بهم دون الْخلف وَهُوَ من أَجلهم قدرا وذكرا وأرفعهم منزلَة وشكرا وأسدهم طَريقَة وأقومهم سطرا وأشهرهم ديانَة وصيانة وَأَمَانَة وأمرا وأعلمهم برا وبحرا قد اجْتمع لَهُ من الْعلم وَالْعَمَل وَالدّين والورع والاتباع وَالْجمع والاطلاع والرحلة وَالْحِفْظ والمعرفة والشهرة بذلك كُله وَنَحْوه مَا لم يجْتَمع مثله

ص: 74

لإِنْسَان وَأثْنى عَلَيْهِ أَئِمَّة الْأَمْصَار وَأهل الْأَعْصَار وَإِلَى الْآن وَاتَّفَقُوا على إِمَامَته وفضيلته واتباعه لمن مضى بِإِحْسَان وَأَنه إِمَام فِي سَائِر عُلُوم الدّين مَعَ الْإِكْثَار والإتقان وَكَانَ أولى بالاتباع وَأَحْرَى بالبعد عَن الابتداع وَقد صنف النَّاس فِي فضائله ومناقبه كتبا كَثِيره تدل على إِمَامَته ورجحانه على غَيره فَلذَلِك وَنَحْوه تعين الْوُقُوف بِبَابِهِ والانتماء إِلَيْهِ والاققتداء بِهِ والاهتداء بِنور صَوَابه والارتداء بهديه فِي وُرُوده وإيابه والاقتفاء لمطالبه وأسبابه والاكتفاء بِصُحْبَة أَصْحَابه وَلِأَن مذْهبه من أصح الْمذَاهب وأكمل وأوضح المناهج وأجمل لِكَثْرَة أَخذه لَهُ من الْكتاب وَالسّنة مَعَ مَعْرفَته بهما وبأقوال الْأَئِمَّة وأحوال سلف الْأمة وتطلعه على عُلُوم الاسلام وتطلعه من الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة وَالْأَحْكَام وَدينه التَّام وَعَمله الْعَام وَالثنَاء عَلَيْهِ من أكَابِر الْعلمَاء وشهادتهم لَهُ بِالْإِمَامَةِ والتقدم على أَكثر القدماء وإطنابهم فِي مدحه وشكره وإسهابهم فِي نشر فَضله وَذكره وَلم يشكوا فِي صِحَة اعْتِقَاده وانتقاده وَأَن الصِّحَّة تحصل بإخباره والنفرة بإنكاره وَالْعبْرَة بإعتباره والخبرة بإختباره والخيرة لإختياره بل يرجعُونَ فِي دينهم إِلَيْهِ ويعولون عَلَيْهِ ويرضون بِمَا ينْسب إِلَيْهِ وَلَو كذب عَلَيْهِ فَللَّه الْحَمد إِذْ وفقنا لإتباع مذْهبه والإبتداء بتحصيله وَطَلَبه وللإنتهاء إِلَى الرضى بِهِ لصِحَّة مطلبه وَهَذَا وَأَمْثَاله قَلِيل من كثير ونقطة من بَحر غزير وَالْغَرَض الْحَث على

ص: 75

إتباعه وَمَعْرِفَة أَتْبَاعه فِي الْعُلُوم وإتساع بَاعه فَرضِي الله عَنهُ وأرضاه وَجَعَلنَا من أَتْبَاعه وحشرنا فِي زمرة أَتْبَاعه وَقد ذكرنَا جملَة من مناقبه وَكَلَام الْعلمَاء فِي مدحه وإمامته فِي كتب أُخْرَى وَلَو لم يقل فِيهِ النَّاس سوى مَا نذكرهُ الْآن لَكَانَ فِيهِ أبلغ غَايَة وأنهى نِهَايَة وَفِي بعضه كِفَايَة

قَالَ الشَّافِعِي أَحْمد إِمَام فِي ثَمَان خِصَال إِمَام فِي الحَدِيث إِمَام فِي الْفِقْه إِمَام فِي الْقُرْآن إِمَام فِي اللُّغَة إِمَام فِي السّنة إِمَام فِي الزّهْد إِمَام فِي الْوَرع إِمَام فِي الْفقر وَقَالَ خرجت من بَغْدَاد وَمَا خلفت بهَا أورع وَلَا أتقى وَلَا أفقه وَلَا أعلم من أَحْمد ابْن حَنْبَل وَقَالَ لِأَحْمَد أَنْتُم أعلم منا بِالْحَدِيثِ فَإِذا كَانَ الحَدِيث كوفيا أَو شاميا فأعلموني حَتَّى أذهب إِلَيْهِ وَقَالَ كل مَا فِي كتبي حَدثنِي الثِّقَة فَهُوَ أَحْمد بن حَنْبَل

وَقَالَ يحيى بن معِين وَالله مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أفقه من أَحْمد ابْن حَنْبَل لَيْسَ فِي شَرق وَلَا غرب مثله

وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ رَأَيْت أَحْمد كَأَن الله قد جمع لَهُ علم الْأَوَّلين والآخرين من كل صنف يَقُول مَا شَاءَ ويدع مَا شَاءَ وعد الْأَئِمَّة وَقَالَ كَانَ أَحْمد أفقه الْقَوْم

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْخُتلِي كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل إِذا سُئِلَ عَن الْمَسْأَلَة كَأَن علم الدُّنْيَا بَين عَيْنَيْهِ

وَقَالَ الْخلال كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل إِذا تكلم فِي الْفِقْه تكلم بِكَلَام رجل قد انتقد الْعلم فَتكلم على معرفَة

ص: 76

وَقَالَ أَحْمد بن سعيد مَا رَأَيْت أسود الرَّأْس أحفظ لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا أعلم بفقهه ومعانيه من أَحْمد

وَقَالَ عبد الرَّزَّاق مَا رَأَيْت أفقه من أَحْمد بن حَنْبَل وَلَا أورع وَمَا رَأَيْت مثله وَمَا قدم علينا مثله

وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب وَمَا رَحل إِلَى أحد بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا رَحل إِلَى عبد الرَّزَّاق

وَقَالَ أَبُو عبيد إنتهى الْعلم إِلَى أَرْبَعَة عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأحمد بن حَنْبَل وَكَانَ أَحْمد أفقههم فِيهِ

وَقَالَ قُتَيْبَة بن سعيد لَو أدْرك أَحْمد عصر الثَّوْريّ وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَنظر إِلَيْهِم لَكَانَ هُوَ الْمُقدم وَقيل تقيس أَحْمد إِلَى التَّابِعين فَقَالَ إِلَى كبار التَّابِعين كسعيد بن الْمسيب وَسَعِيد ابْن جُبَير وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق إِمَامًا الدُّنْيَا

وَقَالَ أَبُو بكر بن دَاوُد لم يكن فِي زمن أَحْمد مثله وَقَالَ عبد الْوَهَّاب الْوراق كَانَ أَحْمد أعلم أهل زَمَانه وَهُوَ من الراسخين فِي الْعلم وَمَا رَأَيْت مثله قَالَ وَقد أجَاب عَن سِتِّينَ ألف مَسْأَلَة بأخبرنا وَحدثنَا وَقَالَ أَبُو ثَوْر أجمع الْمُسلمُونَ على أَحْمد بن حَنْبَل وَقَالَ كنت إِذا رَأَيْته خيل إِلَيْك أَن الشَّرِيعَة لوح بَين عَيْنَيْهِ

ص: 77

وَقَالَ إِسْحَق أَنا أَقيس أَحْمد إِلَى كبار التَّابِعين كسعيد بن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير وَهُوَ حجَّة بَين الله وَبَين عبيده فِي أرضه وَلَا يدْرك فَضله

وَقَالَ ابْن مهْدي لقد كَاد هَذَا الْغُلَام أَن يكون إِمَامًا فِي بطن أمه

وَقَالَ أَبُو زرْعَة كَانَ أَحْمد يحفظ ألف ألف حَدِيث قيل وَمَا يدْريك قَالَ ذاكرته فَأخذت عَلَيْهِ الْأَبْوَاب وَقَالَ حزرنا استشهادات أَحْمد فِي الْعُلُوم فوجدناه يحفظ سَبْعمِائة ألف حَدِيث فِيمَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ وَقَالَ مَا اعْلَم فِي أَصْحَابنَا أسود الرَّأْس أفقه مِنْهُ وَمَا رَأَيْت أكمل مِنْهُ اجْتمع فِيهِ فقه وزهدو أَشْيَاء كَثِيرَة وَمَا رَأَيْت مثله فِي فنون الْعلم وَالْفِقْه والزهد والمعرفة وكل خير وَهُوَ أحفظ مني وَمَا رَأَيْت من الْمَشَايِخ الْمُحدثين أحفظ مِنْهُ

وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد كَانَ أبي يذاكر بألفي ألف حَدِيث وَقَالَ مهنا مَا رَأَيْت أجمع لكل خير من أَحْمد وَمَا رَأَيْت مثله فِي عمله وفقهه وزهده وورعه

وَقَالَ الْهَيْثَم بن جميل إِن عَاشَ هَذَا الْفَتى سَيكون حجَّة على أهل زَمَانه

وَقَالَ أَحْمد رحلت فِي طلب الْعلم وَالسّنة إِلَى الثغور والشامات والسواحل وَالْمغْرب والجزائر وَمَكَّة وَالْمَدينَة والحجاز واليمن والعراقين جَمِيعًا وَفَارِس وخراسان وَالْجِبَال والأطراف ثمَّ عدت

ص: 78

إِلَى بَغْدَاد وَقَالَ اسْتَفَادَ منا الشَّافِعِي أَكثر مِمَّا استفدنا مِنْهُ

وَقَالَ أَبُو الْوَفَاء عَليّ بن عقيل قد خرج عَن أَحْمد إختيارات بناها على الْأَحَادِيث بِنَاء لايعرفه أَكْثَرهم وَخرج عَنهُ من دَقِيق الْفِقْه مَا لَيْسَ نرَاهُ لأحد مِنْهُم وَانْفَرَدَ بِمَا سلموه لَهُ من الْحِفْظ وشاد لَهُم وَرُبمَا زَاد على كبارهم وَله التصانيف الْكَثِيرَة مِنْهَا الْمسند وَهُوَ بِزِيَادَة ابْنه عبد الله أَرْبَعُونَ ألف حَدِيث إِلَّا أَرْبَعِينَ حَدِيثا وَمِنْهَا التَّفْسِير وَهُوَ مائَة ألف وَعِشْرُونَ ألفا وَقيل بل مائَة ألف وَخَمْسُونَ ألفا وَمِنْهَا الزّهْد وَهُوَ نَحْو مائَة جُزْء وَمِنْهَا النَّاسِخ والمنسوخ وَمِنْهَا الْمُقدم والمؤخر فِي الْقُرْآن وجوابات أسئلة وَمِنْهَا المنسك الْكَبِير والمنسك الصَّغِير وَالصِّيَام والفرائض وَحَدِيث شُعْبَة وفضائل الصَّحَابَة وفضائل أبي بكر وفضائل الْحسن وَالْحُسَيْن والتاريخ والأسماء والكنى والرسالة فِي الصَّلَاة ورسائل فِي السّنة والأشربة وَطَاعَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَالرَّدّ على الزَّنَادِقَة والجهمية وَأهل الْأَهْوَاء فِي متشابه الْقُرْآن وَغير ذَلِك كثير ومشايخه أَعْيَان السّلف وأئمة الْخلف وَأَصْحَابه خلق كثير قَالَ الشريف أَبُو جَعْفَر الْهَاشِمِي لَا يحصيهم عدد وَلَا يحويهم بلد ولعلهم مائَة ألف أَو يزِيدُونَ وروى الْفِقْه عَنهُ أَكثر من مِائَتي نفس أَكْثَرهم أَئِمَّة أَصْحَاب

ص: 79