الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة في ذكر تصرم الأيام المهدية وذهابها وتضرك نار الفتن والتهابها
قد علم ما يمن الله تعالى به على الأنام، في الأيام المكرمة المهدية من عموم البركة والخير، وفهم ما يدرأ به عن الأمة في الدولة المقدسة الإمامية من الضرر والضير، وكل ذلك تنبيه على شرف من بنهضته بالقيام بها أقعد كل قائم، وتنويه بذكر من بيقظته ويُمْنِ حركته سكن واطمأن كل نائم، وإشارة إلى أن الله تعالى يتم به الدين كما بدأه بجده، ويشفي بشفار صوارمه صدور قوم مؤمنين ويبيد أعداهم بحده.
ومن كان أبو هذا الوصي وجده النبي، فلا غزو أن يملك من السيادة أعلى راياتها، ومن كان الله تعالى له ولياً وبه حفياً فلا عجب أن يدرك من السعادة أقصى غاياتها، ومعلوم أن كل نعيم في دار الزوال زائل، وكل حال في فناء الفناء حائل، فلا راد لما لله تعالى في مراد، ولا صاد لحكمه جل ذكره في العباد والبلاد.
فله سبحانه سر لا يشارك في علم مكنونه، وأمر نافذ لا يغالب في حكم مضمونه، فله الحمد على السراء والضراء، والشدة والرخاء.
بينما الملة الحنفية المعظمة ممدودة الرواق، شامخة الأطواد، مشتدة السواعد، والدولة والإمامية المكرمة مشدودة النطاق، راسخة الأوتاد، مشيدة القواعد، والأمور منتظمة الأمور آمنة المهالك، والثغور مبتسمة الثغور ساكنة المسالك، والإيمان قد كثر رجاله واتسع لهم المجال، والكفر
قد دنت آجاله وأحاط بأهله الأوجال، إذ ظهر من قبل المشرق عدو الله اللعين الدجال، بجحافل متلاطمة الأمواج كالجبال، فتكدر بظهوره المناهل والمشارب، وينجم بنجومه الكواهل والغوارب، وتمسك السماء قطرها، والأرض نباتها، وتعدم كل نفس صبرها وثباتها، ويشتد الجهد والغلاء، ويمتد الضر والبلاء، فتقوي الديار، وتخرب المرابع، وتقفر الآثار، وتمحل المراتع، ويهلك الخف والحافر، ويودي الصائح والظافر، حتى لا يسمع صياح راغية، ولا يطمع في رواح ثاغية، ويعيش المؤمنون في ذلك الزمان بالتسبيح والتكبير والتهليل، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام إلا القليل، وتخرج أهل طيبة منها وهي أطيب ما تكون بالنسبة إلى غيرها وأينع، ويفارقونها فرقاً من الدجال وليس له فيها مطمع، وترجف بمن فيها رجفات فتنفي الخبث عن تلك البقاع، وتبقى مذللة لعافية الطير والسباع، وهذه فاتحة كل حادثة لنار الفتن مؤرثة، وسابقة كل كارثة للأسى والوهن مورثة.
ثم يسير ومعه نهر من ماء وجبل من ثريد، ويوهم أنه رب معبود وهو من أخس العبيد، فيحتوي على معظم البلاد والنوادي، ويكون أكثر من يؤمن به أهل البوادي، وذلك لما يخيل لهم من قدرته، ويطمعون فيه من حسن عشرته.
فإذا وصل المدينة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، صد عنها وصوف وجهه إلى الشام، فيرجع بإياس مولد للحسرات، وهم مصعد للزفرات، ويتوجه إلى الشام بأنواع من الكفرة متتابعة الأفواج، وأتباع من الفجرة متدافعة الأمواج.
ويسير إلى الأرض المقدسة بخيله ورجله ويجل بمحل هلاكه تقله رجله، وهي يومئذ مقر الإمام المهدي ومحل مسيرته، ومجتمع أنصاره وأعوانه وأسرته،
وهي حينئذ كالأم وغيرها من البقاع كالأطفال، وكالليت وغيرها من القلاع كالأشبال، فيخرج إليه الإمام بجيش مستمسكين بعروة التوحيد، وأناس متنزهين عن عار التقليد، يدرعون الصدق والتقى، ويتبعون الحق والهدى، ما منهم إلا فارس لا يفل سيفه ولا يخشى عثاره، وشجاع لا يثني عطفه ولا يدرك غباره، فيخوضون في غمرات الحرب، ويضرمون نار الطعن والضرب، ويلتف الساق بالساق، وتلعب السيوف بالأعناق، وتخضب الدماء الخناجر، وتبلغ القلوب الخناجر، فيمن الله تعالى على عبده، ويؤيده بنصر من عنده، ويقتل من أصحاب اللعين ثلاثين ألفاً أو يزيدون، وينعكس عليهم كل ما كانوا به يكيدون، فلا ترى إلا أشلاء طريحة، وموتي بلا لحود، وأعضاء جريحة، وأسرى بلا قيود، ويحيق به مكره ويحص جناحه، ويضيق ذرعه وتركد رياحه، ويفل حده وتخمد ناره، ويعفر خده وتنهتك أستاره، ويقل عدده، وينهدم عرشه، وينقطع مدده، وينهزم جيشه.......
وينزل روح الله عليه السلام، فإذا رآه ذاب كما يذوب الرصاص، ويولي الشيطان حينئذ وله حصاص، فيقتله نبي الله عيسى عليه السلام من غير ممانعة ولا مدافعة، وذلك بعد ما يصلي خلف الإمام المهدي ويبايعه ويتابعه، وينقسم ما بقي من جموعه بين مولي الدبر ومقطوع الدابر، ويستوعب الذل والصغار الأصاغر منهم والأكابر، وينطق الله تعالى كل ما يتوارون به بالتنبيه على قتلهم، إلا الغرقدة فإنها من شجرهم.
فهذا طرف من قصة الدجال اللعين، ومدة أيامه في الأرض أربعين، وما من نبي إلا حذر أمته منها، ولا وصي إلا خبر شيعته عنها،
وليس بين يدي الساعة أمر أكبر ممن فتنتها، ولا شر أكثر من محنتها، وإن كانت مدتها قصيرة، فوطأتها أليمة ثقيلة، وإن كانت عدتها يسيرة، فخطتها وخيمة وبيلة.
وهي أدل دليل على انقضاء الأيام المهدية، سقى الله عهدها، ثم لا خير في عيش الحياة بعدها، وليس بينها وبين النفخة الأولى مدة طويلة ولا نعمة طائلة، بل تترى فيما بين ذلك أمور معضلات وأهوال هائلة، وتضرب الفتن بكل خطة فسطاطها، وتؤجج نارها، وتنصب المحن بكل بقعة سراطها وتزهج غبارها.
ويخرج يأجوج ومأجوج في عدد لا يحصيه غير الذي خلقهم، مختلفة أحوالهم وأشكالهم، وينتشرون في السهل والوعر، وينشفون المياه، ويرعون الشجر، ولا تمنعهم الجبال السامية، ولا تدفعهم البحار الطامية، يعدون الفراسخ وإن امتدت خطوة، والأيام وإن طالت هفوة، ويخصرون نبي الله عيسى ومن معه من المسلمين، ويرمون بنشابهم إلى السماء مقاتلين، فيهلكم في ليلة واحدة ذو القوة المتين، ويستوقد المسلمون من جعابهم وقسيهم سبع سنين، ويرسل الله تعالى عليهم طيراً فتحمل رممهم إلى حيث شاء، ويطهر الأرض من جيفهم مطر السماء، ثم تنزل السماء بركتها، وتخرج الأرض ثمرتها، فتعم البركة والخير الأداني من الناس والأقاصي، ويندفع الضر والضير عن الأطراف منهم والنواصي.
ثم يبعث الله ريحاً طيبة، فتقبض كل روح طيبة زكية، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الخمر الإنسية.
وتخرج الدابة فتسم كل باد وحاضر، وتميز بين كل مؤمن وكافر، وينقطع سبل الحاج وتخرب يشرب ويغلق باب التوبة، وتطلع الشمس من المغرب ويرتفع القرآن الكريم من المصاحف والصدور، ويمتد البلاء
وتشتد الأمور، وتعبد الأصنام والأوثان، وتقل الرجال ويكثر النسوان، ولا يشتغل أحد بسنة ولا فرض، ولا تمطر السماء ولا تنبت الأرض، وينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويشتد البأس ولا يبقى على الأرض من لله فيه حاجة، وتكلم السباع الناس، ويندرس الإسلام وتنتقض عراه، ولا يبقى من يعرف صياماً ولا نسكاً ولا صلاة، وتحل محن أفواجها كالقلل تشيب الوليد، وتظل فتن أمواجها كالظلل تذيب الحديد، حتى لا ترى إلا نكبة بعد نكبة، وتهدم الحبشة الكعبة، وتلك خاتمة الأمور، وقاصمة الظهور، ولا مطمع بعدها في الحياة لراغب، ولا عاصم من أمر الله تعالى لهارب.
فيا لها من رزايا عمت مشارق الدنيا ومغاربها، وجبت كواهل العلياء وغواربها، وغادرت القلوب مرصوصة ملتهبة، والدموع مفضوضة منسكبة.
وسيأتي بيان ذلك في هذه الفصول على ما تقدم مفصلاً، وشرح ما يجري من الفتن على ما نقل أولاً فأولاً، وإلى الله تعالى الرغبة من العصمة من الفتن والخطل، وعموم التوفيق في القول والعمل.