الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع في من ذهب إلى أن الدجال غير ابن صياد وإن كان من وصفه غير عاري مستدلاً على ذلك بما صح من حديث تميم الداري
.
عن عامر بن شراحيل الشعبي، شعب همدان، أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثاً سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تسنديه إلى أحد غيره.
فقالت: لئن شئت لأفعلن.
فقال لها: أجل، حدثيني.
فقالت: نكحت ابن المغيرة، وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في ألو الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف، في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه أسامة بن زيد. وكنت قد حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:" من أحبني فليحب أسامة " فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أمري بيدك، فأنكحني من شئت.
فقال: " انتقلي إلى أم شريك ".
وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان.
قلت: سأفعل.
قال: " لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، وينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن
انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمر وابن أم مكتوم ".
وهو رجل من بني فهر قريش، وهو من البطن الذي هي منه.
فانتقلت إليه، فلما انقضت عدتي، سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر، وهو يضحك، فقال:" ليلزم كل إنسان مصلاه "، ثم قال:" أتدرون لما جمعتكم "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمة الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع، وأسلم، فحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً، ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يذرون ما قبله من دبره.
فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة.
قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في
الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق.
قال: لما سمت لنا رجلاً، فرقنا منها أن تكون شيطانة.
قال: فانطلقنا سراعاً، حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.
قلنا: ويلك، ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟......
قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت. قالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اغمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانه.
فقال: أخبروني عن نخل بيسان.
قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا له: نعم.
قال: إنها توشك أن لا تثمر.
قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية.
قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماءٌ؟ قالوا: هي كثيرة الماء.
قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب.
قال: أخبروني عن عين زغر.
قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها.
قال:
أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة، ونزل يثرب.
قال: أقاتله العرب؟ قلنا. نعم.
قال: كيف صنع بهم؟.
فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه.
قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم.
قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، هما محلامتان على كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها ".
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: " هذه طيبة، هذه طيبة " يعني المدينة " ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ ".
فقال الناس: نعم.
قال: " فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق ما هو ". وأومأ بيده إلى المشرق.
قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه الإمام مسلم، في صحيحه.
قال الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، رحمه الله بعد ذكر لأحاديث ابن صياد: ومن ذهب إلى أن الدجال غيره، يعني ابن صياد، احتج بحديث تميم الداري، وإسناده أصح، مع جواز موافقة صفته صفة الدجال، والدجال غيره، كما جاء في الخبر، أنه أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، وليس به، وأمر ابن صياد على ما حكي عنه، كانت فتنة ابتلى الله بها عباده، كما كان أمر العجل في زمن موسى عليه السلام فتنة ابتلاهم الله بها، إلا أن الله عز وجل عصم منها أمة محمد، عليه الصلاة والسلام، ووقاهم شرها، وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويحتمل أنه، عليه السلام، كان كالمتوقف في بابه، حتى جاء التثبيت من الله عز وجل، أنه غيره، فقال في حديث تميم الداري ما قال، والله أعلم.؟