المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثامن: من مطاعنهم في حق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن - عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي - جـ ٣

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الباب الرابع: ردود أهل السنة على الفرق النحرفة في اعتقادها نحو الصحابة

- ‌الفصل الأول: ردود على مطاعن الشيعة في الصحابة

- ‌المبحث الأول: تعريف التشيع والرفض لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: بداية نشأة التشيع

- ‌المبحث الثالث: التعريف بأهم فرق الشيعة

- ‌المبحث الرابع: رد أهل السنة على مطاعن الشيعة الإمامية في الصحابة على سبيل العموم

- ‌المبحث الخامس: الرد على مطاعنهم في أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: من مطاعنهم في الفاروق رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: من مطاعنهم في حق ذي النورين عثمان رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن: من مطاعنهم في حق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

- ‌المبحث التاسع: آثار في ذم الرافضة

- ‌الفصل الثاني: ردود أهل السنة على مطاعن الخوارج والنواصب في الصحابة

- ‌المبحث الأول: نشأة الخوارج

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأهم فرق الخوارج

- ‌المبحث الثالث: الرد على مطاعنهم في الصحابة

- ‌المبحث الرابع: ذكر أحاديث وآثار تتضمن ذمهم

- ‌المبحث الخامس: الرد على معتقد النواصب في الصحابة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثامن: من مطاعنهم في حق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

‌المبحث الثامن: من مطاعنهم في حق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

لم تسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعاً من طعن الشيعة الرافضة ومن تنقصهم وعيبهم، فقد استحوذ الشيطان عليهم وتمكن منهم وحملهم على أن قالوا فيهن قولاً عظيماً، وأكثر ما طعنوا على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بما يدل على خبث قلوبهم وعلى فساد عقولهم وليكن البدء في هذا المبحث بما طعنوا به على عائشة رضي الله عنها، ثم نذكر ما قالوه من الطعن فيهن عموماً.

فمن مطاعنهم على عائشة رضي الله عنها: أنهم لم يرضوا تسميتها أم المؤمنين وزعموا أن الذي سماها بهذا الاسم هم أهل السنة والجماعة قال ابن المطهر الحلي: "وسموها أم المؤمنين ولم يسموا غيرها بذلك الاسم"1.

والرذ على هذا الهذيان:

أنه من البهتان الواضح الظاهر لكل إنسان ولا يصدر هذا الإنكار إلا من معاند لما في كتاب الله عز وجل، "إذ من المعلوم أن كل واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها أم المؤمنين، وعائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم سلمة وسودة بنت زمعة وميمونة بنت الحارث الهلالية وجويرية بنت الحارث المصطلقية وصفية بنت حيي بن أخطب الهارونية رضي الله عنهن، وقد قال تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} 2، وهذا أمر معلوم للأمة علماً عاماً، وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح هؤلاء بعد موته صلى الله عليه وسلم على غيره

1ـ منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 2/198.

2ـ سورة الأحزاب آية/6.

ص: 1093

وعلى وجوب احترامهن فهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم ولسن أمهات المؤمنين في المحرمية، فلا يجوز لغير أقاربهن الخلوة بهن ولا السفر بهن كما يخلو الرجل ويسافر بذوات محارمه"1.

فالله تبارك وتعالى هو الذي سمى عائشة وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأمهات المؤمنين، وليس أهل السنة والجماعة هم الذين سموا عائشة بأم المؤمنين كما يزعم ذلك الشيعة الرافضة إذ لما عميت بصائرهم عما دل عليه الكتاب وانضم إلى ذلك جهلهم ظنوا أن أهل السنة والجماعة هم الذين سموها بذلك الاسم، ونسوا أن الله ـ جل وعلا ـ هو الذي أكرم نساء نبيه بهذه الخصيصة الشريفة والمنقبة الرفيعة حيث جعلهن أمهات لجميع المؤمنين ومن شدة حقد وغل الرافضة لعائشة رضي الله عنها حسدوها على هذه التسمية الربانية بل وصل البغض ببعض الشيعة الرافضة إلى أن عاند تسمية الله لها بهذا الاسم وسماها "بأم الشرور"2 مع أن من تفوه به هو الأحق بهذا الاسم وأهله، أما عائشة رضي الله عنها فقد سماها الله "بأم المؤمنين" على رغم أنف كل شيعي رافضي وليمت بغيظه من لم يرتض لها هذا الاسم الإلهي.

ومما طعنوا به على عائشة رضي الله عنها: الحديث الذي رواه البخاري عنها رضي الله عنها أنها قالت: "ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: "إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد" 3.

ووجه طعنهم عليها رضي الله عنها بهذا الحديث أنهم استنبطوا منه بأفهامهم

1ـ منهاج السنة 2/198-199.

2ـ انظر الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 3/161.

3ـ صحيح البخاري 2/315.

ص: 1094

المعكوسة وقلوبهم المنكوسة " أنها حسدت خديجة لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من مدحها وثنى عليها، ولذلك عاتبته كما يزعمون فاعتذر إليها بإحسان خديجة إليه وحسن صحبتها له"1.

والرد على هذا الاستنباط الباطل:

أن الباعث لعائشة رضي الله عنه على قولها في الحديث هو الغيرة كما صرحت هي بذلك لا الحسد، كما يزعمه الشيعة الرافضة والغيرة كما هو معلوم جبلة في النساء ولا مؤاخذة على الأمور الجبلية الناشئة عن الغيرة، فلو صدر قول أو فعل مخالف للشرع تتوجه الملامة للغيرة، وقد ورد أن بعض أمهات المؤمنين غارت على أخرى حين أرسلت إلى رسول الله طعاماً وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك في بيت من غارت، فكسرت قصعة الطعام وانصب الطعام على الأرض، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بجمع الطعام ويقول "غارت أمكم"، ولم يعاتبها ولم يوبخها على ذلك وإنما غاية ما أمرها به أن تبدلها إناء بدل إنائها2 فكيف يسوغ بعد هذا للشيعة الرافضة أن يجعلوا أمهات المؤمنين هدفاً لسهام مطاعنهم نعوذ بالله من الخسران.

ومن مطاعنهم في حق عائشة رضي الله عنها ما ذكره ابن المطهر الحلي بقوله الذي خاطب به أهل السنة والجماعة حيث قال: "وأعظموا أمر عائشة على باقي نسوانه مع أنه عليه السلام كان يكثر من ذكر خديجة بنت خويلد، وقالت له عائشة إنك تكثر ذكرها وقد أبدلك الله خيراً منها فقال: "والله ما بدلت بها ما هو خير منها صدقتني إذ كذبني الناس، وآوتني إذ طردني الناس، وأسعدتني بمالها ورزقني الله الولد منها ولم أرزق من غيرها" 3

1ـ انظر كتاب انظر الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف 1/291.

2ـ انظر سنن النسائي 7/70-71، المسند 6/148، 277، سنن أبي داود 2/267.

3ـ منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 2/182.

ص: 1095

والرد على هذا اللغو:

يقال لهم: "إن أهل السنة والجماعة لم يجمعوا على أن عائشة رضي الله عنها أفضل أمهات المؤمنين، لكن ذهب الكثير منهم إلى ذلك واحتجوا على ذلك بمثل قوله عليه الصلاة والسلام: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" 1، وبمثل قوله صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن العاص أنه قال: قلت يا رسول الله أي النساء أحب إليك؟، قال: "عائشة" قلت: ومن الرجال؟ قال: "أبوها"، قلت: ثم من؟، ثال: "عمر وسمى رجالاً" 2.

أما قولهم أنه قال لخديجة: "ما أبدلني الله خيراً منها" إن صح فمعناه "ما أبدلني خيراً لي منها فإن خديجة نفعته في أول الإسلام نفعاً لم يقم غيرها فيه مقامها، فكانت خيراً له من هذا الوجه لكونها نفعته وقت الحاجة وعائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين، فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن يدرك إلا أول النبوة، فكانت أفضل لهذه الزيادة فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت بغيرها، وبلغت من العلم والسن ما لم يبغله غيرها، فخديجة كان خيرها مقصوراً على نفس النبي صلى الله عليه وسلم لم تبلغ عنه شيئاً، ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعت بعائشة، ولأن الدين لم يكن قد كمل حتى تعلمه ويحصل لها من كمالاته ما حصل لمن علم وآمن به بعد كماله، ومعلوم أن من اجتمع همه على شيء واحد كان أبلغ ممن تفرق همه في أعمال متنوعة، فخديجة رضي الله عنه خير له من هذا الوجه لكن أنواع البر لم تنحصر في ذلك ـ ولهذا كان من الصحابة من هو أعظم إيماناً وأكثر جهاداً بنفسه وماله كحمزة وعلي وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير وغيرهم ـ هم أفضل ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وينفعه في نفسه أكثر

1ـ صحيح البخاري 2/308، صحيح مسلم 4/1895.

2ـ صحيح مسلم 4/1856.

ص: 1096

منهم كأبي رافع وأنس بن مالك وغيرهما ـ ولسنا في صدد ذكر تفصيل الكلام في تفضيل عائشة وخديجة رضي الله عنهما لكن المقصود هنا أن أهل السنة مجمعون على تعظيم عائشة ومحبتها وأن نساءه أمهات المؤمنين اللواتي مات عنهن كانت عائشة أحبهن إليه وأعظمهن حرمة عند المسلمين"1.

والذي يشذ عن هذا الذي أجمع عليه المسلمون فشذوذه هذا يدل على مرض قلبه بداء النفاق والعياذ بالله.

ومن مطاعنهم في حق عائشة رضي الله عنها: "زعمهم أنها أذاعت سر رسول الله صلى الله عليه وسلم"2.

والرد على هذا:

يقال لهم: لا شك أن الله جل وعلا قال في محكم كتابه: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} 3.

وقد جاء في صحيح البخاري من حديث عبيد بن حنين، قال: سمعت ابن عباس يقول: "أردت أن أسأل عمر رضي الله عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فما أتممت كلامهي حتى قال: عائشة وحفصة"4.

وهنا يقال عن الشيعة الرافضة: أنهم عمدوا أولاً إلى نصوص القرآن التي فيها ذكر ذنوب ومعاصي بينة، لمن نصت عنه من المتقدمين، ثم يعمدون إلى تأويلها بأنواع التأويلات وأهل السنة يقولون: إن أصحاب الذنوب تابوا منها

1ـ انظر منهاج السنة 2/182-183.

2ـ انظر منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 2/184، وانظر الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف 1/292.

3ـ سورة التحريم آية/3.

4ـ صحيح البخاري 3/206.

ص: 1097

ورفع الله درجاتهم بالتوبة.

ويقال لهم ثانياً: بتقدير أن يكون هناك ذنب لعائشة وحفصة فيكونان قد تابتا منه، هذا ظاهر بنص قوله تعالى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} 1، فدعاهما الله تعالى إلى التوبة ولا يظن بهما انهما لم يتوبا مع ما ثبت من علو درجتهما، وأنهما زوجتا نبينا في الجنة، وأن الله خيرهن بين الحياة الدنيا وزينتها فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك حرم الله على رسوله أن يستبدل بهن غيرهن وحرم عليه أن يتزوج عليهن واختلف في إباحة ذلك له بعد ذلك2، ومات عنهن وهن أمهات المؤمنين بنص القرآن ـ ثم إن ـ الذنب يزول عقابه بالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة.

ويقال ثالثاً: إن المذكور عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كالمذكور عمن شهد له بالجنة من أهل بيته وغيرهم من الصحابة، فإن علياً لما خطب ابنة أبي جهل على فاطمة، وقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال:"إن بني المغيرة استأذنوني أن ينكحوا علياً ابنتهم وإني لا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها"3.

فلا يظن بعلي رضي الله عنه أنه ترك الخطبة في الظاهر فقط، بل تركها بقلبه وتاب بقلبه عما كان طلبه وسعى فيه.

وكذلك لما صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم الحديبية وقال لأصحابه: "انحروا واحلقوا رؤوسكم" فلم يقم أحد فدخل مغضباً على أم سلمة، فقالت: من أغضبك أغضبه الله؟، فقال:"ما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا يطاع"

1ـ سورة التحريم آية/4.

2ـ انظر الأقوال في ذلك: أحكام القرآن لابن العربي 3/1570-1571، الجامع لأحكام القرآن../219-220.

3ـ صحيح البخاري 3/265.

ص: 1098

فقالت: يا رسول الله أدع بهديك فانحره وأمر الحلاق فليحلق رأسك"1 وأمر علياً أن يمحوا اسمه فقال: والله لا أمحوك، فأخذ الكتاب من يده ومحاه"2، فمعلوم أن تأخر علي وغيره من الصحابة عما أمروا به حتى غضب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قال القائل: هذا ذنب كان جوابه كجواب القائل: إن عائشة أذنبت في ذلك فمن الناس من يتأول ويقول وإنما تأخروا متأولين لكونهم كانوا يرجون تغيير الحال بأن يدخلوا مكة، وآخر يقول: لو كان لهم تأويل مقبول لم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم بل تابوا من ذلك التأخير ورجعوا عنه مع أن حسناتهم تمحوا مثل هذا الذنب وعلي دخل في هؤلاء رضي الله عنهم أجمعين3.

وبهذا يبطل طعن الشيعة الرافضة على عائشة وحفصة رضي الله عنهما بأنهما أذاعتا سر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يزعمون وأنه على تقدير ثبوته فقد أحدثا منه توبة لأن الله دعاهما إلى ذلك ولا يجوز لأحد أن يلوم أحد، أو يعيره بذنب قد تاب منه.

ومما طعنوا به على عائشة رضي الله عنها زعمهم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "إنك تقاتلين علياً وأنت ظالمة"4.

والرد على هذا الاختلاق: أنه لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة ولا له إسناد معروف وهو بالموضوعات المكذوبات أشبه منه بالأحاديث الصحيحة، بل هو كذب قطعاً.

فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج للقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها5.

1ـ انظر الحديث في صحيح البخاري 2/122، المسند 4/331.

2ـ انظر الحديث في صحيح البخاري 2/122، صحيح مسلم 3/1409-1411.

3ـ انتظر السنة 2/184-185، وانظر مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/269-270.

4ـ منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 2/183، الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 2/164.

5ـ انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 8/18، سير أعلام النبلاء 2/177، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 6/600.

ص: 1099

وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزبير وعلي1 رضي الله عنهم أجمعين، لم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم فإنه لما تراسل علي وطلحة والزبير وقصدوا الاتفاق على المصلحة وأنهم إذا تمكنوا طلبوا قتلة عثمان أهل الفتنة وكان علي رضي الله عنه غير راض بقتل عثمان ولا معيناً عليه كما كان يحلف فيقول "والله ما قتلت ولا مالأت على قتله"2 وهو الصادق في يمينه فخشي القتلة أن يتفق علي معهم على إمساك القتلة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير فظن طلحة والزبير أن علياً حمل عليهم فحملوا دفعاً عن أنفسهم، فظن علي أنهم حملوا عليه فحمل دفعاً عن نفسه فوقعت الفتنة بغير اختياره وعائشة راكبة لا قاتلت ولا أمرت بالقتال، هكذا ذكره غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار"3.

ومما مطاعنهم التي تناولوا بها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: قولهم "إنها خالفت أمر الله في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} 4، حيث خرجت في ملأ من الناس لتقاتل علياً على غير ذنب لأن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان"5.

والرد على هذا أنه باطل من وجوه:

الوجه الأول: أنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها كما لو خرجت للحج والعمرة أو

1ـ قال رضي الله عنه يوم الجمل كما في مصنف أبي شيبة 15/282: "وددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة".

2ـ انظر البداية والنهاية 7/212.

3ـ منهاج السنة 2/185.

4ـ سورة الأحزاب آية/33.

5ـ انظر منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 2/183، انظر الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف 1/293، مقدمة مرآة العقول 1/50، الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 3/161، الأنوار النعمانية 2/215-216.

ص: 1100

خرجت مع زوجها في سفر، فإن هذه الآية نزلت في حياته صلى الله عليه وسلم، وقد سافر بهن بعد ذلك في حجة الوداع سافر بعائشة رضي الله عنها وغيرها وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها وأردفها خلفه وأعمرها من التنعيم وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية، ولهذا كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحججن كما حججن في خلافة الفاروق، وكان يوكل بقطارهن عثمان أو عبد الرحمن بن عوف وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزاً فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في هذا، واجتهدت والمجتهد إذا أصاب في اجتهاده كان له أجران ـ وإذا كان مخطئاً فالخطأ مغفور بالكتاب والسنة"1.

قال العلامة ابن العربي مبيناً بطلان طعن الرافضة على عائشة بآية الأحزاب السابقة: "تعلق الرافضة ـ لعنهم الله ـ بهذه الآية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إذ قالوا: "إنها خالفت أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وخرجت تقود الجيوش وتباشر الحروب وتقتحم مآزق الحرب والضرب فيما لم يفرض عليها ولا يجوز لها، ولقد حصر عثمان فلما رأت ذلك أمرت برواحلها فقربت لتخرج إلى مكة، فقال لها مروان بن الحكم: يا أم المؤمنين أقيمي هاهنا وردي هؤلاء الرعاع عن عثمان، فإن الإصلاح بين الناس خير من حجك.

وقال علماؤنا ـ رحمة الله عليهم ـ: "إن عائشة كانت نذرت الحج قبل الفتنة، فلم تر التخلف عن نذرها وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب، ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة، وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح وطمعوا في الاستيحاء منها إذا وقفت إلى الخلق وظنت هي ذلك، فخرجت مقتدية بالله في قوله:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} 2، وبقوله: {وَإِنْ

1ـ منهاج السنة 2/185-186، انظر مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/268-269.

2ـ سورة النساء آية/114

ص: 1101

طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} 1، والأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر وأنثى، حر أو عبد، فلم يرد الله بسابق قضائه ونافذ حكمه أن يقع إصلاح، ولكن جرت مطاعنات وجراحات حتى كاد يفنى الفريقان، فعمد بعضهم إلى الجمل فعرقبه، فلما سقط الجمل لجنبه أدرك محمد بن أبي بكر عائشة، فاحتملها إلى البصرة، وخرجت في ثلاثين امرأة قرنهن علي بها حتى أوصلوها إلى المدينة، برة تقية مجتهدة مصيبة ثابتة فيما تأولت مأجورة فيما تأولت وفعلت إذ كل مجتهد في الأحكام مصيب2، وقد بينا في كتب الأصول تصويب الصحابة في الحروب، وحمل أفعالهم على أجمل تأويل"3.

الوجه الثاني: أما زعمهم أنها خرجت في ملأ من الناس تقاتل علياً على غير ذنب فهذا كذب عليها فإنها لم تخرج لقصد القتال، ولا كان أيضاً طلحة والزبير قصدهما القتال لعلي، ولو قدر انهما قصدا القتال فهذا هو القتال المذكور في قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} 4، فجعلهم مؤمنين أخوة في الاقتتال، وإذا كان هذا ثابتاً لمن هو دون أولئك من المؤمنين فهم به أولى وأحرى.

الوجه الثالث: أما زعمهم أن المسلمين أجمعوا على قتال عثمان، فهذا أيضاً

1ـ سورة الحجرات آية/9.

2ـ هذا إذا كان المراد إصابة الأجر فهو صحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" وإذا كان المقصود إصابة الحق ففيه نظر للحديث لأن فيه أصاب وأخطأ. والحديث رواه الشيخان انظر صحيح البخاري 4/268، صحيح مسلم 3/1342.

3ـ أحكام القرآن لابن العربي 3/1535-1536، وانظر الجامع لأحكام القرآن 14/181-182.

4ـ سورة الحجرات آية/9-10.

ص: 1102

من أظهر الكذب وأبينه، فإن جماهير المسلمين لم يأمروا بقتله ولا شاركوا في قتله ولا رضوا بقتله، فإن أكثر المسلمين لم يكونوا بالمدينة بل كانوا بمكة واليمن والشام والكوفة والبصرة ومصر وخراسان وخيار المسلمين لم يدخل واحد منهم في دم عثمان لا قتل ولا أمر بقتله، وإنما قتله طائفة من المفسدين في الأرض من أوباش القبائل وأهل الفتن، وكان علي رضي الله عنه يحلف دائماً:"إني ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله"، ويقول: اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر والسهل والجبل"1.

لكن الرافضة لم يهتدوا لمعرفة براءة علي، من دم عثمان بل كذبوا عليه حيث قالوا:"إنه كان راضياً بقتل عثمان".

قال عبد الله شبر: "والعجب من المخالفين2 أنهم يستدلون على حقية خلافة المشايخ بسكوت علي الدال على رضاه، ولا يستدلون بسكوته عن قتل عثمان على رضاه"3.

وهذا من أظهر الكذب على علي رضي الله عنه من الشيعة الرافضة وقد قدمنا في المبحث الذي قبل هذا براءة علي من دم عثمان وعدم رضاه بذلك وأن الشيعة كاذبون مفترون عليه في أنه كان راضياً بقتله وهذا من طعنهم في علي رضي الله عنه.

ومما طعنوا به على عائشة رضي الله عنه: "زعمهم عليها أنها كانت في كل وقت تأمر بقتل عثمان وتقول: اقتلوا نعثلاً4 قتل الله نعثلاً ولما بلغها

1ـ انظر منهاج السنة 2/186.

2ـ يقصد أهل السنة والجماعة.

3ـ حق اليقين في معرفة أصول الدين لعبد الله شبر 1/192.

4ـ كان أعداء عثمان يسمونه نعثلاً تشبيها برجل من مصر كان طويل اللحية اسمه "نعثل" النهاية في غريب الحديث 5/79-80.

ص: 1103

قتله فرحت بذلك"1.

والرد على هذا الزور: يقال لهم: أولاً: أين النقل الصحيح الذي يثبت هذا عن عائشة.

ويقال ثانياً: إن المنقول عن عائشة يكذب ذلك ويبين أنها أنكرت قتله وذمت من قتله2. ودعت على أخيها محمد وغيره3 لمشاركتهم في ذلك.

ويقال لهم ثالثاً: على سبيل الفرض إن واحداً من الصحابة عائشة أو غيرها قال في ذلك كلمة على وجه الغضب لإنكاره بعض ما ينكر، فليس قوله حجة ولا يقدح في إيمان القائل ولا المقول له، بل قد يكون كلاهما ولياً لله تعالى من أهل الجنة، ويظن أحدهما جواز قتل الآخر بل يظن كفره وهو مخطيء في هذا الظن كما ثبت في الصحيحين عن علي وغيره في قصة حاطب بن أبي بلتعة وكان من أهل بدر والحديبية أن غلامه قال: يا رسول الله والله ليدخلن حاطب النار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كذبت إنه شهد بدراً والحديبية" 4.

وفي حديث علي أن حاطباً كتب إلى المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد غزوة الفتح فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال لعلي والزبير:"اذهبا حتى تأتيا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب" فلما أتيا بالكتاب قال: "ما هذا يا حاطب"، فقال: والله يا رسول الله ما فعلت هذا ارتداداً ولا رضى بالكفر ولكن كنت امرأ ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم بمكة قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب

1ـ منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 2/183، وانظر الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 3/30، ص/164، الأنوار النعمانية 2/216.

2ـ انظر ما جاء في إنكارها قتل عثمان. تاريخ خليفة بن خياط ص/175-176.

3ـ انظر المصنف لابن أبي شيبة 15/277، تاريخ الطبري 4/513.

4ـ الحديث في صحيح مسلم4/1942 من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 1104

عنق هذا المنافق، فقال:"إنه شهد بدراً وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وأنزل الله تعالى فيه أول سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} 1 الآيات، وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها، وهي متواترة عندهم معروفة عند علماء التفسير وعلماء المغازي والسير والتواريخ وعلماء الفقه وغير هؤلاء، وكان رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة، وروى ذلك عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى، وعثمان وطلحة والزبير أفضل باتفاق المسلمين من حاطب بن أبي بلتعة، وكان حاطب مسيئا إلى مماليكه وكان ذنبه في مكاتبته للمشركين وإعانتهم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعظم من الذنوب التي تضاف إلى هؤلاء ومع هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله وكذب من قال إنه يدخل النار لأنه شهد بدراً والحديبية وأخبر بمغفرة الله لأهل بدر، ومع هذا فقال عمر رضي الله عنه:"دعني أضرب عنق هذا المنافق" فسماه منافقاً واستحل قتله، ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ولا في كونه من أهل الجنة"2.

وبهذا الرد يبطل زعم الرافضة أن عائشة كانت في وقت تأمر بقتل عثمان وتقول في كل وقت "اقتلوا نعثلاً" ولما بلغها قتله فرحت بذلك، وأن هذا من اختلاق الرافضة وأكاذيبهم عليها وكلمة "نعثل" لم تعرف إلا من ألسنة قتل عثمان رضي الله عنه وأول من تفوه بهذه الكلمة منهم جبلة بن عمرو الساعدي وقد جاء بجامعة3 في يده وقال مجاهراً بوقاحته مخاطباً عثمان رضي الله عنه:"يا نعثلاً والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار"4.

1ـ انظر الحديث في صحيح البخاري 3/200، صحيح مسلم 4/1941-1942.

2ـ منهاج السنة 2/188-189.

3ـ الجامعة: الغل يوضع في العنق.

4ـ تاريخ الأمم والملوك 4/365.

ص: 1105

ولما تفوه بهذه الكلمة الخبيثة يوم الدار كانت عائشة رضي الله عنها حينذاك في مكة تلبي ربها عز وجل وتوجه قلبها إليه ولم تطرق هذه اللفظة سمعها إلا بعد رجوعها من مكة رضي الله عنها وأرضاها.

ومن مطاعنهم في حق عائشة رضي الله عنها: "أنهم يزعمون أنها سألت بعد أن قتل عثمان من تولى الخلافة، قالوا: علي، فخرجت لقتاله على دم عثمان ثم يقولون ـ وأي ذنب كان لعلي في ذلك"1.

والرد على هذا الزور:

يقال لهم: إن القول بأن عائشة وطلحة والزبير اتهموا علياً بأنه قتل عثمان وقاتلوه على ذلك كذب ظاهر وإنما طلبوا القتلة الذين كانوا تحيزوا إلى علي وهم يعلمون أن براءة علي من دم عثمان كبراءتهم وأعظم، لكن قتلة عثمان كانوا قد أووا إليه فطلبوا قتل القتلة، ولكن كانوا عاجزين عن ذلك هم وعلي لأن القوم كانت لهم قبائل يذبون عنهم، والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء فصار الأكابر رضي الله عنهم عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها وهذا شأن الفتن كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 2 وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله ـ وأما قولهم ـ "فأي ذنب كان لعلي في قتله" فهذا تناقض منهم ـ فإن الرافضة يقولون: "إن علياً كان ممن يستحل قتل عثمان وترى الإعانة على قتله من الطاعات والقربات، فكيف يقول من هذا اعتقاده أي ذنب كان لعلي على ذلك وإنما يليق هذا التنزيه لعلي بأقوال أهل السنة لكن الرافضة من أعظم الناس تناقضاً"3.

ومن مطاعن الرافضة على عائشة رضي الله عنها " أنهم ينقمون عليها

1ـ منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 2/183.

2ـ سورة الأنفال آية/25.

3ـ منهاج السنة 2/192.

ص: 1106

مرافقة طلحة والزبير لها عندما توجهت إلى البصرة للطلب بدم عثمان، وقصد الإصلاح بين بنيها".

قال ابن المطهر الحلي: "وكيف استجاز طلحة والزبير وغيرهما مطاوعتها على ذلك وبأي وجه يلقون رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الواحد منا لو تحدث مع امرأة غيره أو أخرجها من بيتها أو سافر بها كان أشد الناس عداوة له"1.

والرد على هذا الهذيان:

يقال لهم: هذا من تناقضكم وجهلكم معشر الرافضة، فإنكم ترمون عائشة بالعظائم ثم منكم من يرميها بالفاحشة التي برأها الله منها2 وأنزل بتبرئتها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، والعجب من أمر هؤلاء فإنهم يعظمون عائشة في هذا المقام من أجل الطعن في طلحة والزبير ولا يعلمون أن طعنهم هذا إن كان متوجهاً إليهما، فالطعن في علي بذلك أوجه، فإن طلحة والزبير كانا معظمين لعائشة موافقين لها مؤتمرين بأمرها، وهما وهي من أبعد الناس عن الفواحش والمعاونة عليها، فإن جاز للروافض أن يقدحوا فيهما بقولهم: "بأي وجه يلقون رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الواحد منا لو تحدث مع امرأة غيره حتى أخرجها من منزلها وسافر بها

إلخ، كان للنواصب أن يقولوا: بأي وجه يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل امرأته وسلط عليها أعوانه حتى عقروا بها بعيرها وسقطت من هودجها وأعداؤها حولها يطوفون بها كالمسبية التي أحاط بها من يقصد سباءها، ومعلوم أن هذا في مظنة الإهانة لأهل الرجل

ولم يكن طلحة والزبير لا غيرهما من الأجانب يحملونها، بل كان في المعسكر من محارمها مثل عبد الله بن الزبير ابن أختها، وخلوته بها ومسه لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها جائز الكتاب والسنة والإجماع، وهي لم تسافر إلا مع ذي

1ـ منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 2/183.

2ـ انظر الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 3/165.

ص: 1107

محرمها، وأما العسكر الذين قاتلوها فلولا أنه كان في العسكر محمد بن أبي بكر مد يده إليها لمد يده إليها الأجانب، ولهذا دعت عائشة رضي الله عنها على من مد يده إليها، وقالت: يد من هذه أحرقها الله بالنار"؟، فقال: "أي أخت في الدنيا قبل الآخرة" فقالت: "في الدنيا قبل الآخرة" فأحرق بالنار بمصر1.

وبهذا الرد يبطل طعن الرافضة على عائشة رضي الله عنها بمطاوعة طلحة والزبير لها وخروجها معها إلى البصرة وأن طعنهم الذي يوجهونه إلى طلحة والزبير ينقلب ما هو أعظم منه في حق علي رضي الله عنه، فإن قالوا إن علياً كان مجتهداً فيما فعل وأنه أولى بالحق من طلحة والزبير يقال لهم أيضاً: وطلحة والزبير كانا مجتهدين.

ومما طعنوا به على عائشة رضي الله عنها زعمهم: "أن عسكرها لما أتوا البصرة نهبوا بيت المال وأخرجوا عامل علي عثمان بن حنيف الأنصاري مهاناً مع أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم"2.

والرد على هذا:

إن هذه الأمور لم تقع برضاء عائشة ولا علمت بهذا العمل حتى أنها لما علمت ما حصل في حق عثمان بن حنيف اعتذرت له واسترضته، ومثل هذا العمل وقع من عسكر علي رضي الله عنه مع أبي موسى الأشعري، فقد أحرقوا بيته ونهبوا متاعه لما دخلوا الكوفة ومنهم مالك الأشتر3.

وما حصل من هؤلاء وهؤلاء لا يسوغ الطعن لا في عائشة ولا في علي

1ـ منهاج السنة 2/194-195، وانظر خبر إحراق محمد بن أبي بكر: تاريخ خليفة بن خياط ص/192، تاريخ الطبري 5/104-105.

2ـ ذكر هذا الألوسي في مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/269، وانظر الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 3/164.

3ـ مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/269.

ص: 1108

رضي الله عنهما، فطعنهم على عائشة بهذا واضح البطلان.

ومن مطاعنهم في حق عائشة رضي الله عنها أنهم يقولون: "كيف أطاعها على خروجها إلى البصرة عشرات الآلاف من المسلمين وساعدوها على حرب علي ولم ينصر أحد منهم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلبت حقها من أبي بكر، ولا شخص واحد كلمه بكلمة واحدة"1.

والرد على هذا:

يقال لهم: إن قولكم هذا من أعظم الحجج عليكم، فإنه لا يشك عاقل أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ويعظمونه ويعظمون قبيلته وبنته أعظم من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولو لم يكن هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف إذا كان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أحب إليهم من أهليهم وأنفسهم فلا يستريب عاقل أن قريشاً وغير قريش كانت تدين لبني عبد مناف وتعظمهم أعظم مما يعظمون بني تيم وعدي ولهذا لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولى أبو بكر قيل لأبي قحافة "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال:"حدث عظيم، فمن ولي بعده؟ "قالوا: ابنك، قال: وهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع"2.

فإذا كان المسلمون كلهم ليس فيهم من قال: إن فاطمة رضي الله عنها مظلومة ولا أن لها حقاً عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا أنهما ظلماها ولا تكلم أحد في هذا بكلمة واحدة، دل ذلك على أن القوم كانوا يعلمون أنها ليست مظلومة، إذ لو علموا أنها مظلومة لكان تركهم لنصرتها إما عجزاً عن نصرتها وإما إهمالاً وإضاعة لحقها، وإما بغضاً فيها، إذ الفعل الذي يقدر عليه

1ـ منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة 2/183، وانظر الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 3/161-162، انظر الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف 1/292 وما بعدها.

2ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 3/184، الاستيعاب على حاشية الإصابة 2/247.

ص: 1109

الإنسان إذا أراده إرادة جازمة فعله لا محالة، فإذا لم يرده ـ مع قيام المقتضي لإرادته ـ فإما أن يكون جاهلاً به أو له معارض يمنعه من إرادته، فلو كانت مظلومة مع شرفها وشرف قبيلتها وأقاربها وأن أباها أفضل الخلق وأحبهم إلى أمته وهم يعلمون أنها مظلومة، لكانوا إما عاجزين عن نصرتها، وإما أن يكون لهم معارض عارض إرادة النصر من بغضها، وكلا الأمرين باطلن فإن القوم ما كانوا كلهم عاجزين أن يتكلم واحد منهم بكلمة حق وهم كانوا أقدر على تغيير ما هو أعظم من هذا، وأبو بكر لم يكن ممتنعاً من سماع كلام أحد منهم ولا هو معروفاً بالظلم والجبروت واتفاق هؤلاء كلهم مع توفر دواعيهم على بغض فاطمة مع قيام الأسباب الموجبة لمحبتها مما يعلم بالضرورة امتناعه"1.

فلا استقامة لطعن الشيعة الرافضة على عائشة رضي الله عنها بمن خرج معها من الصحابة إلى البصرة وأن دعواهم أن ذلك العدد من الصحابة الذي يذكرونه أنهم نصروا عائشة على حرب علي ولم ينصروا ابنته على طلب حقها كل ذلك كذب وتمحل فعائشة ومن معها لم يخرجوا لحرب علي وقتاله كما يزعم ذلك الرافضة، وإنما كان خروج عائشة ومن معها لقصد الإصلاح بإقامة حد القصاص على قتلة عثمان، ومن جهلهم أنهم يستدلون بأدلة هي حجة عليهم فعندما يقولون إن عشرات الآلاف كانوا مناصرين لها ولم ينصروا فاطمة لما طلبت حقها ولم يتمكم أحد منهم ولا بكلمة واحدة، فهذا من أكبر الأدلة على أنها لم تهضم ولم تظلم مثقال حبة من خردل، وما يذكره الرافضة من أنها ظلمت من قبل الصديق أو الفاروق كله من القول بالباطل الذي لا صحة له ولا ثبوت بحال من الأحوال، ويكفينا هنا في هذا المبحث ما تقدم ذكره من مطاعنهم في أم المؤمنين ليعرف القاريء منزلة أم المؤمنين وحبيبة رسول رب العالمين عند الشيعة الرافضة وهي مطاعن كلها أكاذيب مختلقة وتقول عليها بما لم يثبت عليها أو يصدر

1ـ منهاج السنة 2/196.

ص: 1110

منها رضي الله عنها وأرضاها.

وأما مطاعنهم على سبيل العموم في أمهات المؤمنين جميعاً فيكفي أن نسوق في ذلك روايتين:

الأولى: ما رواه الكشي: عن ابن عباس من حديث طويل وفيه: "لما هزم علي بن أبي طالب أصحاب الجمل، بعث عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة، قال ابن عباس: "فأتيتها وهي في قصر خلف في جانب البصرة، قال: فطلبت الإذن عليها، فلم تأذن، فدخلت عليها من غير إذنها ـ وفيه أنه قال لها: وما أنت إلا حشية1 من تسع حشايات خلفهن بعده لست بأبيضهن لوناً ولا بأحسنهن وجهاً، ولا بأرشحهن عرقاً ولا بأنضرهن ورقاً ولا بأطرئهن أصلاً، قال ابن عباس: ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها، قال علي: أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك"2.

الثانية: قال الطبرسي: وروى عن الباقر "ع" أنه قال: لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل، قال أمير المؤمنين "ع": والله ما أراني إلا مطلقها فأنشد الله رجلاً سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي" لما قام فشهد؟ فقال: فقام ثلاثة عشر رجلاً فيهم بدريان وشهدوا: أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب "ع""يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي" قال: فبكت عائشة حتى سمعوا بكاءها3

الحديث.

هاتان الروايتان فيهما بيان موقفهم من نساء النبي الطاهرات المطهرات من

1ـ الحشية: الفراش المحشو بغيره. انظر لسان العرب 14/179-180.

2ـ رجال الكثي ص/57-60.

3ـ الاحتجاج للطبرسي 1/164.

ص: 1111

كل رجس.

فالرواية الأولى التي هي رواية الكشي: تبين مكانة أمهات المؤمنين عند الشيعة الرافضة وهي كما نرى أنه لا مكانة لهن عندهم، ولا قيمة لهن لديهم وأنهن بمنزلة الفراش المحشو بغيره فلا يكرمونهن ولا يحترمونهن.

والرواية الثانية التي هي رواية الطبرسي فيها بيان أنهم يعتقدون أن لعلي رضي الله عنه حق فصم عصمتهن من الرسول صلى الله عليه وسلم وحاشا علياً وابن عباس أن يصدر عنهما ما ذكر في هاتين الروايتين وما ذكر فيهما إن هو إلا اختلاق وكذب وإفك عليهما، فقد أجمع أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف وقد عرفوا بامتيازهم بكثرة الكذب"1 ولذا فهم يكثرون من ذكر القصص التي فيها عيب وتنقص للصحابة ويوردونها دون أسانيد، ومن السهل على كل أحد أن يذكر ما شاء بدون إسناد ورحم الله عبد لله بن المبارك حيث قال: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"2.

وهذا دأب الرافضة يكيلون المثالب في الصحابة بدون وازع ديني يردعهم ولا ضمير يؤنبهم، وهذا لا يخفى على من يعرف ما لهم في هذا الباب من المصنفات وأن جميع مطاعنهم واعتراضاتهم على الصحابة من قبيل الهذيان نسأل الله العصمة من الضلالة والخذلان.

ونختم هذا المبحث بما يجب التنبيه عليه وهو أن مطاعن الشيعة الرافضة في الصحابة نوعان: أحدهما: ما هو كذب إما كذب كله وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن.

1ـ انظر منهاج السنة 1/13.

2ـ أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه 1/15، شرح السنة للبغوي 1/244.

ص: 1112

النوع الثاني: ما هو صدق وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوباً وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب، وما قدر من هذه الأمور ذنباً محققاً فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة منها التوبة الماحية، ومنها الحسنات الماحية للذنوب فإن الحسنات يذهبن السيئات ومنها المصائب المكفرة، ومنها دعاء المؤمنين بعضهم لبعض وشفاعة نبيهم فما من سبب يسقط به الذم والعقاب عن أحد من الأمة إلا والصحابة أحق بذلك، فهم أحق بكل مدح ونفي كل ذم ممن بعدهم من الأمة"1.

1ـ منهاج السنة النبوية 3/19.

ص: 1113