المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: رد أهل السنة على مطاعن الشيعة الإمامية في الصحابة على سبيل العموم - عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي - جـ ٣

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الباب الرابع: ردود أهل السنة على الفرق النحرفة في اعتقادها نحو الصحابة

- ‌الفصل الأول: ردود على مطاعن الشيعة في الصحابة

- ‌المبحث الأول: تعريف التشيع والرفض لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: بداية نشأة التشيع

- ‌المبحث الثالث: التعريف بأهم فرق الشيعة

- ‌المبحث الرابع: رد أهل السنة على مطاعن الشيعة الإمامية في الصحابة على سبيل العموم

- ‌المبحث الخامس: الرد على مطاعنهم في أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المبحث السادس: من مطاعنهم في الفاروق رضي الله عنه

- ‌المبحث السابع: من مطاعنهم في حق ذي النورين عثمان رضي الله عنه

- ‌المبحث الثامن: من مطاعنهم في حق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

- ‌المبحث التاسع: آثار في ذم الرافضة

- ‌الفصل الثاني: ردود أهل السنة على مطاعن الخوارج والنواصب في الصحابة

- ‌المبحث الأول: نشأة الخوارج

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأهم فرق الخوارج

- ‌المبحث الثالث: الرد على مطاعنهم في الصحابة

- ‌المبحث الرابع: ذكر أحاديث وآثار تتضمن ذمهم

- ‌المبحث الخامس: الرد على معتقد النواصب في الصحابة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الرابع: رد أهل السنة على مطاعن الشيعة الإمامية في الصحابة على سبيل العموم

‌المبحث الرابع: رد أهل السنة على مطاعن الشيعة الإمامية في الصحابة على سبيل العموم

إن الرافضة وقفوا من الصحابة موقفاً لم ترضه اليهود في أصحاب موسى ولم ترضه النصارى في أصحاب عيسى، فلقد اجترءوا على الصحابة الكرام وتناولوهم بالطعن والقدح المشين استجابة منهم بذلك إلى سلوك غير سبيل المؤمنين فيهم فلهم مطاعن في الصحابة على وجه العموم، ولهم مطاعن في أفراد منهم على وجه الخصوص، وذلك كالخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كما سيأتي ذكر هذا ورده في المباحث التي ستأتي بعد هذا المبحث الذي سنقتصر فيه على ذكر بعض مطاعنهم التي شملوا بها جميع الصحابة.

فمن مطاعنهم في الصحابة عموماً أن أكثرهم انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير التي جاءت من الشام وتركوه وحده في خطبة الجمعة وتوجهوا إلى اللهو واشتغلوا بالتجارة وذلك دليل على عدم الديانة1.

والرد على هذا أن هذه القصة حصلت في بداية زمن الهجرة ولم يكونوا رضي الله عنهم قد علموا جميع الآداب الشرعية وكان قد أصاب أهل المدينة جوع فغلب على ظنهم أن الإبل التي جاءت محملة بالميرة2 لو ذهبت يزيد الغلاء ويعم البلاء، ثم لم ينفضوا جميعهم بل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر كانوا قائمين

1ـ انظر مختصر الاثنى عشرية ص/271-272، وانظر كتاب الصافي في تفسير القرآن 2/701، تفسير القمي 2/367، مجمع البيان للطبرسي 5/287، 289، تفسير فرات الكوفي ص/185.

2ـ الميرة: هي الطعام الذي يجلب من بلد إلى بلد آخر. انظر مختار الصحاح ص/640، المصباح المنير 2/587.

ص: 951

عنده صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ولذا لم يشنع على الذين خرجوا عند وصول القافلة التجارية إلى المدينة، ولم يتوعدهم الله سبحانه بعذاب ولم يعتب عليهم المصطفى صلى الله عليه وسلم1.

قال الألوسي رحمه الله مبيناً طعن الشيعة على الصحابة بقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} الآية2، وبيان بطلان ذلك حيث قال عند هذه الآية:"وطعن الشيعة بهذه الآية الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنهم آثروا دنياهم على آخرتهم حيث انفضوا إلى اللهو والتجارة ورغبوا عن الصلاة التي هي عماد الدين وأفضل كثير من العبادات لا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أن ذلك قد وقع مراراً منهم، وفيه أن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر3 وسائر العشرة المبشرة لم ينفضوا والقصة كانت في أوائل زمن الهجرة ولم يكن أكثر القوم تام التحلي بحلية آداب الشريعة بعد وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر، فخاف أولئك المنفضون اشتداد الأمر عليهم بشراء غيرهم ما يقتات به لو لم ينفضوا ولذا لم يتوعدهم الله تعالى على ذلك بالنار أو نحوها بل قصارى ما فعل ـ سبحانه ـ أنه عاتبهم ووعظهم ونصحهم، ورواية أن ذلك وقع منهم مراراً إن أريد بها رواية البيهقي في شعب الإيمان عن مقاتل بن حيان أنه قال: بلغني والله تعالى أعلم أنهم فعلوا ثلاث مرات، فمثل ذلك لا يلتفت إليه، ولا يعول عند المحدثين عليه، وإن أريد بها غيرها فليبين ولتثبت صحته، وأنى بذلك؟، وبالجملة الطعن بجميع الصحابة لهذه القصة التي كانت من بعضهم في أوائل أمرهم وقد عقبها منهم عبادات؟ لا تحصى سفه ظاهر وجهل وافر"أهـ4.

1ـ انظر مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/272.

2ـ سورة الجمعة آية/11.

3ـ انظر مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/272.

4ـ روح المعاني للألوسي 28/107، ورواية البيهقي المشار إليها أوردها السيوطي في الدر 8/166، ولم يعزها لغيره.

ص: 952

ورد آخر على هذه القصة أنه ورد في بعض الأخبار أنها وقعت لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة على الخطبة يوم الجمعة.

قال الحافظ ابن كثير: "ولكن ههنا شيء ينبغي أن يعلم وهو: أن هذه القصة قد قيل إنها كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة كما رواه أبو داود في كتاب المراسيل1.

فلا مطعن على الصحابة بما حصل منهم في أوائل زمن الهجرة حيث لم يزالوا حينها في بداية تعلم الآداب الشرعية وأيضاً لم ينفضوا جميعهم بل إن عظماء الصحابة كالعشرة المبشرة بالجنة لم يخرجوا بل لزموا النبي صلى الله عليه وسلم، فطعن الشيعة على الصحابة بهذا كله هراء وهذيان لا يقلبه من نور الله قلبه بنور الإيمان.

ومن مطاعنهم في جميع الصحابة أنهم يعتقدون فيهم أنهم ارتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى أنهم جحدوا النص على إمامة علي، وبايعوا غيره بالخلافة ولم يستثنوا منهم بعد علي وبعض أهل البيت ـ إلا سلمان الفارسي وأبا ذر والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وأبو الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وعبادة بن الصامت وأبو أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت وأبو سعيد الخدري2، وبعض الشيعة يرى أن الطيبين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عدداً من هؤلاء.

فقد روى الكليني بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: ارتد الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة هم المقداد وسلمان وأبو ذر3.

وروى أيضاً: عن عبد الرحمن القصير قال: قلت لأبي جعفر: إن الناس

1ـ تفسير القرآن العظيم 7/13-14، وانظر الخبر في كتاب المراسيل لأبي داود ص/105، وذكره السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور 8/165-166، ونسبها إلى أبي داود فقط.

2ـ انظر الإرشاد للمفيد ص/9، حق اليقين لعبد الله شبر ص/215، رجال الكشي ص/12-13.

3ـ الأصول من الكافي الرواية رقم 341.

ص: 953

يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدوا، فقال: يا عبد الرحمن إن الناس عادوا بعدما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أهل جاهلية إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير جعلوا يبايعون سعداً وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية1.

وروى أيضاً: بسنده عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك فما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟، قال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ـ وأشار بيده ـ إلا ثلاثة، قال حمران: فقلت: جعلت فداك ما حال عمار؟، قال: رحم الله عماراً أبا اليقظان بايع وقتل شهيداً"2.

هذا أخبث معتقد للشيعة الإمامية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.

والرد على هذا المعتقد الفاسد أن مضمونه التكذيب بالمحكم من آيات الكتاب العزيز التي شهد الله لهم فيها بما وقر في قلوبهم، من حقيقة الإيمان وشهادة الله عز وجل للصحابة الكرام بالإيمان الصادق ليست شهادة قاصرة على الحياة الدنيا بل امتدت حتى شملت حسن الخاتمة بالموت على ذلك وما يستتبعه من وعده ـ تعالى ـ لهم بالمغفرة والرضوان وحسن المثوبة في الجنان.

قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 3.

ففي هذه الآية إخبار من الله عز وجل عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ورضاهم بما أعده لهم من جنات النعيم

1ـ الأصول من الكافي الرواية رقم 455.

2ـ الأصول من الكافي 2/244.

3ـ سورة التوبة آية/100.

ص: 954

وهذا يعني الموت على الإيمان بشهادة محكم القرآن فأين من الإيمان بالقرآن من يسبون من رضي الله عنهم ووعدهم بجنة الخلد وفوز الأبد.

وقال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} 1.

وفي هذه الآيات شهد الله لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا، وشرفوا بالهجرة والجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم بالفوز وعظيم الدرجات، وبشرهم برحمة منه ورضوان وبالنعيم المقيم في الجنات فهل هذه الشهادة وهذه البشارة تكون لقوم علم الله أنهم سيرتدون من بعد عن دينهم ويموتون وهم كفار؟، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

وقال تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 2.

وفي هاتين الآيتين وعد من الله ـ جل وعلا ـ لرسوله وللذين آمنوا معه بالخيرات والدرجات العلى في جنات الفردوس، فهل يكون هذا الوعد لقوم علم الله أنهم سيرتدون على أعقابهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان هؤلاء ثلاثة أشخاص، أو عشرة كما يزعم الزاعمون أم أنهم جيوش تحقق بهم نصر الله وتمكن من مواجهة جيوش دولة الروم التي كانت في زمنهم أقوى وأعظم دولة على وجه الأرض؟.

1ـ سورة التوبة آية/19-22.

2ـ سورة التوبة آية/88-89.

ص: 955

وقال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1.

وفي هذه الآية إخبار من الرب ـ جل وعلا ـ أنه أكرم أصحاب نبيه وأنزلهم منزلة عالية حيث قرن بينهم وبين نبيهم في التوبة وهؤلاء هم الصحابة الذين خرجوا معه في غزوة تبوك وكان عددهم أكثر من ثلاثين ألفاً2، فالذي يعتقد أن الصحابة كفروا إلا ثلاثة نفر أو عشرة أو أكثر فهو ضال مضل لا يؤمن بيوم الحساب.

وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} 3.

هذه الآية تضمنت وعد الله باستخلاف الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الحاضرين في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا الاستخلاف لم يحصل إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لأن استخلاف غيره لا يكون إلا بعده ومما هو معلوم بالضرورة أنه لا نبوة بعده عليه الصلاة والسلام فيكون المراد بالاستخلاف هي الخلافة الراشدة التي كانت بعده صلى الله عليه وسلم للخلفاء الأربعة الراشدين وقد حصل في زمن أبي بكر وعمر وعثمان من الفتوح العظيمة وحصول التمكين وظهور الدين والأمن ما هو معلوم لدى كل إنسان بصره الله لاتباع الحق وهدى قلبه للإيمان، ولا يجحد ذلك إلا من استحب العمى على الهدى ومليء قلبه بعقيدة المخذولين من الرافضة الذين جحدوا ما لخيار الأمة من الفضل وحيازة قصب السبق إلى الإسلام، والدين الذي مكنه الله لهم ونشروه في مشارق الأرض ومغاربها هو

1ـ سورة التوبة آية/117.

2ـ انظر فتح الباري 8/117-118.

3ـ سورة النور آية/55.

ص: 956

دين الإسلام، الذي ارتضاه الله لعباده ديناً ولا يقبل منهم سواه، فما يجرؤ على القول بتكفير أولئك الخلفاء العظام الذين تحقق على أيديهم وعد الله إلا إنسان امتلأ قلبه بالتكذيب لما أخبر الله به عنهم من صدق الإيمان وقوة اليقين وما يكذب الله في أخباره بذلك إلا الرافضة الذين وقفوا منهم موقفاً لم ترضه اليهود والنصارى في أصحاب موسى وعيسى.

قال العلامة ابن العربي: "ما رضيت النصارى واليهود في أصحاب موسى وعيسى ما رضيت الروافض في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين حكموا عليهم بأنهم قد اتفقوا على الكفر والباطل، فما يرجى من هؤلاء وما يستبقي منهم؟، وقد قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} 1 وهذا قول صدق ووعد حق وقد انقرض عصرهم ولا خليفة ولا تمكين ولا أمن ولا سكون إلا في ظلم وتعد وغصب وهرج وتشتيت وإثارة ثائرة"2.

وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} 3.

هذه الآية الكريمة أخبر الله تعالى فيها أنه رضي عن أصحاب بيعة الرضوان وزكاهم بما وقر في قلوبهم من الوفاء والصدق بقوله في الآية: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} وكان عددهم رضي الله عنهم ألفاً وأربعمائة4 فمن اعتقد أن الصحابة كفروا إلا نفراً يسيراً فهو من أخسر الخاسرين وأهلك الهالكين.

1ـ سورة النور آية/55.

2ـ العواصم من القواصم ص/185.

3ـ سورة الفتح آية/18.

4ـ انظر صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 7/443.

ص: 957

وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} 1.

هذه الآية الكريمة تضمنت المدح والثناء للصحابة بكثرة الصلاة وصدق إخلاصهم فيها لله ـ جل وعلا ـ يرجون من وراء ذلك عظيم الأجر وجزيل الثواب وأخبر تعالى أنه وعدهم على ذلك المغفرة والأجر العظيم ووعده تبارك وتعالى حق وصدق لا يخلف ولا يبدل، وهذا فيه القطع لهم بصدق الإيمان الذي عاشوا عليه وماتوا عليه.

وقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} 2.

فكيف يسوغ لهالك خاسر بعد هذا أن يقول إنهم ارتدوا إلا نفراً قليلاً نعوذ بالله من الضلال والخذلان، هذه الآيات المتقدم ذكرها كلها فيها إثبات شهادة الرب ـ جل وعلا ـ للصحابة الكرام بما وقر في قلوبهم من حقيقة الإيمان، وبما كانوا عليه من الإخلاص في الطاعات والصدق في العبادات، كما تضمنت ثناءه عليهم بالهجرة والجهاد والنصرة وسائر أنواع القربات، فلقد خسر قوم أنفسهم وكابروا الحق حيث زعموا أنه لم يبق منهم على الدين إلا ثلاثة نفر، أو إلا عشرة على الأكثر، ونسبوا الباقين منهم إلى الكفر والردة، فأين أولئك المفترون من هذه الآيات البينات والحقائق الراسخات ولا يمكن أن يخرج قول من اعتقد كفر الصحابة إلا على أساس الطعن

1ـ سورة الفتح آية/29.

2ـ سورة الحجرات آية/7.

ص: 958

في القرآن والتشكيك في صحته، وهذا ما حصل بالفعل من غلاة الرافضة، فقد ألف بعضهم المطولات في إثبات تحريف القرآن1، ولا يكون لنسبة الصحابة إلى الكفر بعد ما ورد لهم من الثناء العظيم في محكم الكتاب المبين من تفسير إلا التكذيب بتلك الآيات أو تجهيل الله عز وجل حيث قد وعد بالجنة قوماً لم يدر بم يختم لهم؟، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.

ومن الوقاحة الفاضحة التي وصل إليها الشيعة الرافضة أنهم يستدلون على ارتداد المهاجرين والأنصار بما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ".... وأن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ} ـ إلى قوله ـ {الحكيم} 2.

تستدل الرافضة بمثل هذا الحديث على ارتداد المهاجرين والأنصار والذي أوصلهم إلى هذا الفهم السقيم أنهم عموا وصموا واتبعوا الهوى واستحبوا العمى على الهدى، فزاغت قلوبهم عن المراد بالأصحاب في الحديث فليس المراد بالأصحاب في الحديث ما هو المعلوم في العرف، "بل المراد بهم مطلق المؤمنين به صلى الله عليه وسلم المتبعين له وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة أصحاب أبي حنيفة ولمقلدي الشافعي أصحاب الشافعي وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في المذهب أصحابنا مع أن بينه وبينهم عدة من السنين ومعرفته صلى الله عليه وسلم مع عدم رؤيتهم في الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم، فقد جاء في

1ـ انظر كتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" للنوري الطبري، وهو كتاب مطبوع إلا أنه خال من مكان الطبع وتاريخه.

2ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 6/386-387، صحيح مسلم 4/2194-2195، والآية رقم 117 من سورة المائدة.

ص: 959

الخبر1 أن عصاة هذه الأمة يمتازون يوم القيامة من عصاة غيرهم كما أن طائعيهم يمتازون عن طائعي غيرهم، وجذبهم إلى ذات الشمال كان تأديباً لهم وعقاباً على معاصيهم ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو المعلوم في العرف فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق رضي الله تعالى عنه"2.

قال عبد القاهر البغدادي: "وأجمع أهل السنة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من كندة، وحنيفة، وفزارة، وبني أسد، وبني بكر بن وائل ـ لم يكونوا من الأنصار ولا المهاجرين قبل فتح مكة، وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة، وأولئك بحمد الله ومنه درجوا على الدين القويم والصراط المستقيم"3.

فإذن لا يوجد ولله الحمد ممن ارتد أحد من الصحابة الذين يعدلهم أهل السنة ويترضون عنهم وأولئك المرتدون هددهم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فعندما ارتد المرتدون تصدى لهم أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم فتبين أن المقصود بقوله عز وجل: {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} 4 الآية هم الصحابة رضي الله عنهم ولا يعلم تصد لهم إلا تصدي الصديق وأصحابه ويكفي أن علياً رضي الله عنه كان أحد المتصدين مع بقية الصحابة، أما الذين ينتقصون الصحابة ويتلذذون بسبهم ولعنهم والبراءة منهم فعليهم إن كانوا صادقين في تشيعهم لأهل البيت أن يكونوا تابعين لهم في تعظيم الصحابة ومحبتهم، ولكنهم كاذبون في ذلك وأنهم أعداء لأهل البيت إذ أهل البيت لم يخرجوا عما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه

1ـ انظر المسند 3/102، فقد أورد الإمام أحمد هنا حديثاً من أحاديث الحوض وفيه "يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". ففيه إشارة إلى أن هناك علامة يتميز بها عصاة هذه الأمة.

2ـ مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/272-273.

3ـ الفرق بين الفرق ص/359.

4ـ سورة المائدة آية/54.

ص: 960

الراشدون من بعده، فالشيعة الرافضة في واد وأهل البيت في واد آخر.

ومن مطاعنهم أيضاً في عموم الصحابة أنهم لا يعتقدون عدالتهم جميعاً وإنما يقولون هم كغيرهم من الناس فيهم العدل وفيهم مجهول الحال، وفيهم المنافقون والبغاة.

قال شرف الدين الموسوي: "إن الصحبة بمجردها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنها بما هي من حيث هي غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول وهم عظماؤهم وعلماؤهم وفيهم البغاة وفيهم أهل الجرائم من المنافقين وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة ـ إلى أن قال: "إن أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليه ولو تدبروا1 القرآن الحكيم لوجدوه مشحوناً بذكر المنافقين منهم وحسبك منه سورة التوبة والأحزاب"2.

وقال مرتضى العسكري: "وفي شان العدالة نرى أن الصحابة فيهم المؤمن العدل البر التقي، وهم المقصودون في ما ورد من ثناء لهم في القرآن والحديث ـ إلى أن قال: "وفيهم المنافقون مردوا على النفاق لا يعلمهم إلا الله"أهـ3.

هذا معتقد الشيعة الرافضة في عدالة الصحابة جميعاً، وبمجرد أن يسمعه من نور الله بصيرته يقطع بأنه دليل على الخذلان وعلى سوء الفهم لكتاب الله حيث لم يفهموا منه إلا صفات المنافقين، ولم يهتدوا لدلالته على تعديل الصحابة قاطبة حيث نص الله على عدالتهم في غير ما آية من كتابه العزيز ومن ذلك قول الله عز وجل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} 4.

1ـ يقصد أهل السنة والجماعة.

2ـ الفصول المهمة في تأليف الأمة ص/203، وانظر الصحابة في نظر الشيعة الإمامية لأسد حيدر ص/31-32.

3ـ مقدمة مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 1/8.

4ـ سورة البقرة آية/143.

ص: 961

ومعنى {وسطاً} في الآية أي: عدولاً.

وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1.

ووجه دلالة الآيتين على عدالة الصحابة عموماً أنهم أول من يدخل في منطوقها، وكون ـ الرب جل وعلا ـ جعلهم شهداء على الناس دليل قاطع على عدالتهم جميعاً وعلى صدق إيمانهم، فالرب تبارك وتعالى لا يستشهد بغير عدول ولا يستشهد بمن يدين الكذب والخداع ويسميه بغير اسمه.

ويبطل زعمهم أن العدالة ثابتة لبعض الصحابة دون البعض الآخر بأن يقال لهم: إن الصحابة كلهم عدول وكلهم موعودون بالحسنى وهي الجنة ويكفي قوله عز وجل: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} 2. وقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 3.

فلينظر كل ذي بصيرة في هذه الآيات بتدبر حيث يجد حيث فيها أن الباري جل وعلا شهد لجميع الصحابة مهاجرين وأنصار بصدق الإيمان وزكاهم وأثنى

1ـ سورة آل عمران آية/110.

2ـ سورة الحديد آية/10.

3ـ سورة الحشر آية/8-10.

ص: 962

عليهم بما ثبت في قلوبهم من الإخلاص في الأعمال الصالحة وتركهم ديارهم وأموالهم حيث خرجوا منها ابتغاء نصرة الله ورسوله، كما أثنى على من جاء بعدهم مستغفراً لهم، ولا يستغفر لهم إلا أهل السنة، أما الشيعة الرافضة فلا يستغفرون لهم وإنما يدينون بالاعتقاد بتكفير أولئك الأخيار وبسؤالهم ربهم أن يملأ قلوبهم غلاً للصحابة الكرام وهاهم كذلك ولا نصيب لهم من الثناء الذي اشتملت عليه الآية ما داموا على ذلك.

فالثناء على المهاجرين عموماً بخروجهم من ديارهم وأموالهم يبتغون بذلك رضوان الله وينصرون الله ورسوله والشهادة لهم بأنهم صادقون، وكذا ثناؤه ـ جل وعلا ـ على الأنصار قاطبة بتبوئهم الدار والإيمان وحبهم لإخوانهم المهاجرين وإيثارهم لهم على أنفسهم وشهادة الباري تبارك وتعالى لهم بالفلاح كل ذلك أدلة قطعية على عدالة الصحابة جميعاً مهاجرين وأنصار.

أما نسبة النفاق إلى خيار هذه الأمة بدعوى أنه كان في المدينة منافقون فهي فرية واضحة لا تثبت لها قدم، وهي شبهة أوهى من بيت العنكبوت لأن المنافقين لم يكونوا مجهولين في مجتمع الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم يكونوا هم السواد الأعظم والجمهور الغالب فيهم وإنما كانوا فئة معلومة آل أمرهم إلى الخزي والفضيحة حيث علم بعضهم بعينه، والبعض الآخر منهم علم بأوصافه، فقد ذكر الله في كتابه من أوصافهم وخصوصاً في سورة التوبة ما جعل منهم طائفة متميزة منبوذة لا يخفى أمرها على أحد فأين هذه الفئة ممن أثبت الله لهم في كتابه نقيض صفات المنافقين حيث أخبر عن رضاه عنهم من فوق سبع سموات وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، فنسبة الرافضة النفاق إلى الصحابة إنما منشؤه من عمى البصيرة، ومحبة العمى على الهدى وعدم التمييز بين من أوقفوا حياتهم لنصرة الله ورسوله، ولم ينقضوا عهد الله من بعد ميثاقه وبين الذين لم يعرفوا في تاريخ الإسلام إلا بالخيانة والتآمر على الإسلام وأهله.

ص: 963

فالصحابة رضي الله عنهم عدول كلهم لا سبيل إلى تجريحهم لأن الله ـ جل وعلا ـ هو الذي تولى تزكيتهم وتعديلهم من فوق سبع سموات.

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى بعد أن ذكر أنه لا بد في رجال الأسانيد والرواة من معرفة أنسابهم وأحوالهم قال: "والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح والتعديل، فإنهم كلهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح لأن الله عز وجل زكاهم وعدلهم وذلك مشهور لا نحتاج لذكره"أهـ1.

والأمر كما ذكر رحمه الله فإن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مليئان بالثناء الحسن على الصحابة الكرام رضي الله عنهم مما يدل على أن ثبوت عدالتهم أمر قطعي لم يجحده إلا المخذولون من الرافضة، فالذي ينفي عدالة الصحابة وينسب إليهم النفاق ويعتقد ذلك فهو مكذب للقرآن والسنة اللذين تضمنا الشهادة للصحابة الكرام بصدق اليقين وكمال الإيمان.

ومما مطاعنهم العامة في الصحابة: أنهم حرفوا القرآن وأسقطوا منه كلمات بل آيات وأن القرآن الموجود لدى الشيعة كما يزعمون يعادل ثلاث مرات من القرآن الموجود بين أيدينا وما فيه حرف واحد منه ويزعمون أن ما جمع القرآن كما أنزل إلا الإمام علي رضي الله عنه ومن ادعى غير ذلك فهو كذاب.

فلقد ذكر الكليني في "الكافي" عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة "ع" وما يدريهم ما مصحف فاطمة "ع"؟، قال: قلت: وما مصحف فاطمة "ع"، قال: مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: والله هذا العلم2.

وذكر عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد

1ـ أسد الغابة 1/3.

2ـ الأصول من الكافي 1/457.

ص: 964

من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام

وذكر أيضاً: عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام، أنه قال: ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن ظاهره وباطنه غير الأوصياء1.

ولقد توارث الشيعة هذا المعتقد الزائف وتمسكوا به وأثبتوه في مؤلفاتهم وأشادوا بأن أكابر المتقدمين من علمائهم كانوا على هذا.

فقد قال المفيد في كتابه أوائل المقالات: "اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة واتفقوا على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى، واتفقوا على أن أئمة الضلال2 خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم3.

وقال الكاشاني في مقدمة كتابه المسمى "تفسير الصافي" بعد أن ذكر الروايات التي تفيد تحريف القرآن ونقصانه، وأن الصحابة هم الذين حذفوا مناقب أهل البيت منه، وإتيان علي رضي الله عنه إلى الصحابة ورفضهم بأن يعملوا بالقرآن الذي جمعه وأنهم أيدوا زيد بن ثابت رضي الله عنه بجمع غيره، قال بعد ذلك: "أقول: المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليهم غير مرة ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ومنها غير ذلك وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وبه قال علي

1ـ المصدر السابق 1/441.

2ـ يقصد الصحابة الكرام رضي الله عنهم وغضب عليه إن كان مات على هذا المعتقد الفاسد.

3ـ المقالات ص/48-49.

ص: 965

ابن إبراهيم"1.

والنتيجة التي انتهى إليها بعد أن قرر أن القرآن محرف هي أن العمل به غير ممكن ولا يمكن الإقرار بصحته ولا الاعتماد عليه حيث قال: "لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل الله فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك"2.

ثم قرر أن اعتقاده بتحريف القرآن ليس بدعاً من علماء الإمامية الذين يقرون بتحريف القرآن بل يذكر أنه سبقه في ذلك كبار علمائهم أمثال الكليني والقمي والطبرسي حيث قال: "وهذا ما عندي من التقصي عن الإشكال والله يعلم حقيقة الحال، وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه "الكافي" ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه أستاذه علي بن إبراهيم القمي فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه3 وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي4 فإنه أيضاً نسج على على منوالهما في كتاب الاحتجاج"5.

وقد حكى أبو المظفر الإسفرائيني إجماع الإمامية على طعن الصحابة بتغيير القرآن بالزيادة والنقصان فيه حيث قال بعد ذكره لفرق الإمامية: "واعلم أن جميع من ذكرناهم من فرق الإمامية متفقون على تكفير الصحافة ويدعون أن القرآن قد

1ـ كتاب الصافي في تفسير القرآن 1/32.

2ـ المصدر السابق 1/33.

3ـ انظر ما تفوه به القمي من اعتقاد تحريف القرآن تفسيره 1/10-11.

4ـ انظر كتاب الاحتجاج للطبرسي 1/153، فقد ساق رواية على طريقة السؤال والجواب بين علي وطلحة يستدل بها على نقصان القرآن وأنه لم يجمعه كاملاً إلا علي وأن الصحابة لم يقبلوا منه ما جمعه.

5ـ كتاب الصافي في تفسير القرآن 1/34.

ص: 966

غير عما كان ووقع فيه الزيادة والنقصان من قبل الصحابة ويزعمون أنه لا اعتماد على الشريعة التي في أيدي المسلمين وينتظرون إماماً يسمونه المهدي يخرج ويعلمهم الشريعة وليسوا في الحال على شيء من الدين"أهـ1.

والرد على هذا الافتراء الذي اختلقته فرق الإمامية على الصفوة المختارة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصدر إلا ممن فسدت ديانته وخبثت سريرته وهذا الافتراء يتضمن تكذيب الله تعالى الذي أخبر بأنه حافظ لكتابه العزيز من الزيادة والنقصان والتبديل وأنه ليس للبطلان إليه سبيل لأنه منزل من رب العالمين، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 2 فقد قرر تعالى في هذه الآية "أنه هو الذي أنزل على نبيه الذكر ـ وهو القرآن ـ وهو الحافظ له من التغيير والتبديل"3.

قال أبو عبد الله القرطبي في قوله: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} من أن يزاد فيه أو ينقص منه.

وذكر عن قتادة وثابت البناني أنهما قالا: حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلاً أو تنقص منه حقاً فتولى ـ سبحانه ـ حفظه فلم يزل محفوظاً"أهـ4.

وقال الرازي: "واعلم أنه لم يتفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير، إما في الكثير منه، أو في القليل، وبقاء هذا الكتاب مصوناً عن جميع جهات التحريف مع أن دواعي الملحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده من أعظم المعجزات وأيضاً: أخبر الله تعالى عن بقائه محفوظاً عن التغيير والتحريف وانقضى الآن قريباً من

1ـ التبصير في الدين ص/41.

2ـ سورة الحجر آية/9.

3ـ تفسير القرآن العظيم 4/154.

4ـ الجامع لأحكام القرآن 10/5.

ص: 967

ستمائة سنة1 فكان هذا إخباراً عن الغيب فكان ذلك أيضاً معجزاً قاهراً"أهـ2.

وقال تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} 3، وفي هذه الآية بين الله تعالى أن القرآن "محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه، دل على هذا المعنى قوله تعالى:{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 4 فالذي يعتقد أن القرآن يدخله التغيير والزيادة، والنقص، فهو مكذب لله رب العالمين، ومنسلخ من دين الإسلام بالكلية ليس له أمانة ولا دين.

وقال أبو محمد بن حزم مبيناً بطلان اعتقاد الرافضة في أن الصحابة بدلوا القرآن وأسقطوا منه وزادوا فيه.

قال رحمه الله: "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام قد انتشر وظهر في جميع جزيرة العرب من منقطع البحر المعروف ببحر القلزم ماراً إلى سواحل اليمن كلها إلى بحر فارس إلى منقطعه ماراً إلى الفرات ثم على ضفة الفرات إلى منقطع الشام إلى بحر القلزم، وفي هذه الجزيرة من المدن والقرى ما يعرف عدده إلا الله عز وجل كاليمن والبحرين وعمان ونجد وجبلي طي وبلاد مضر وربيعة وقضاعة والطائف ومكة كلهم قد أسلم وبنوا المساجد ليس منها مدينة ولا قرية ولا حلة لأعراب إلا قد قريء فيها القرآن في الصلوات وعلمه الصبيان والرجال والنساء وكتب ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون كذلك ليس بينهم اختلاف في شيء أصلاً بل كلهم أمة واحدة ودين واحد ومقالة واحدة، ثم ولي أبو بكر سنتين وستة أشهر فغزا فارس والروم وفتح اليمامة وزادت قراءة الناس للقرآن وجمع الناس

1ـ هذا التحديد إلى عصر الرازي وكانت وفاته سنة ست وستمائة.

2ـ التفسير الكبير 19/161.

3ـ سورة فصلت آية/42.

4ـ سورة الحجر آية/9.

ص: 968

المصاحف كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد وأبي زيد1 وابن مسعود وسائر الناس في البلاد، فلم يبق بلد إلا وفيه المصاحف، ثم مات رضي الله عنه والمسلمون كما كانوا لا اختلاف بينهم في شيء أصلاً أمة واحدة ومقالة واحدة

ثم مات أبو بكر وولي عمر ففتحت بلاد الفرس طولاً وعرضاً وفتحت الشام كلها والجزيرة ومصر كلها ولم يبق بلد إلا وبنيت فيه المساجد ونسخت فيه المصاحف وقرأ الأئمة القرآن وعلمه الصبيان في المكاتب شرقاً وغرباً، وبقي كذلك عشرة أعوام وأشهراً والمؤمنون كلهم لا اختلاف بينهم في شيء بل ملة واحدة ومقالة واحدة وإن لم يكن عند المسلمين إذ مات عمر مائة ألف مصحف من مصر إلى العراق إلى الشام إلى اليمن فيما بين ذلك فلم يكن أقل، ثم ولي عثمان فزادت الفتوح واتسع الأمر فلو رام أحد إحصاء مصاحف أهل الإسلام ما قدر وبقي كذلك اثنا عشر عاماً حتى مات وبموته حصل الاختلاف وابتداء الروافض واعلموا أنه لو رام أحد أن يزيد في شعر النابغة اوشعر زهير كلمة أو ينقص أخرى ما قدر لأنه كان يفتضح الوقت وتخالفه النسخ المثبوتة فكيف القرآن في المصاحف وهي من آخر الأندلس وبلاد البربر وبلاد السودان إلى آخر السند وكابل وخراسان والترك والصقالبة2 وبلاد الهند فيما بين ذلك، فظهر حمق الرافضة ومجاهرتها بالكذب

ومما يبين كذب الروافض في ذلك أن علي بن أبي طالب الذي هو عند أكثرهم إله خالق وعند بعضهم نبي ناطق وعند سائرهم إمام معصوم مفترضة طاعته ولي الأمر وملك فبقي خمسة أعوام وتسعة أشهر خليفة مطاعاً ظاهر الأمر ساكناً بالكوفة مالكاً الدنيا حاشا الشام ومصر إلى الفرات والقرآن يقرأ في المساجد في كل مكان وهو يؤم الناس به والمصاحف

1ـ اختلف في اسمه فقيل: أوس، وقيل ثابت بن زيد، وقيل: معاذ، وقيل: سعد بن عبيد، وقيل: قيس بن السكن وهذا هو الراجح. الإصابة 4/78.

2ـ قال أبو منصور: الصقالبة جبل حمر الألوان صهب الشعور يتخامون بلاد الخزر في أعالي جبال الروم، وقال غيره: الصقالبة بلاد بين بلغار وقسطنطينية وتنسب إليهم الخرم الصقالبة وأحدهم صقلبي "معجم البلدان" 3/416.

ص: 969

معه وبين يديه فلو رأى فيه تبديلاً كما تقول الرافضة أكان يقرهم على ذلك فكيف يسوغ لهؤلاء أن يقولوا إن في المصحف حرفاً زايداً أو ناقصاً أو مبدلاً مع هذا ولقد كان جهاد من حرف القرآن وبدل الإسلام أوكد عليه من قتال أهل الشام الذين إنما خالفوه في راي يسير رأوه ورأى خلافه فقط فلاح كذب الرافضة ببرهان لا محيد عنه والحمد لله رب العالمين"أهـ1.

فاعتقاد الشيعة الرافضة أن القرآن قد دخله التغيير والزيادة والنقصان من قبل الصحابة اعتقاد فاسد وكذب واضح على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قاموا بجمعه في مصحف واحد وحرصوا على ذلك أشد الحرص خوفاً عليه من الضياع، فكان جمعهم له من أسباب حفظ الله تعالى إياه فإنه لما تكفل بحفظ كتابه قيضهم لذلك رضي الله عنهم وأرضاهم لكن الشيعة لهم مقصد خبيث من وراء طعنهم على الصحابة بأنهم حرفوا القرآن بين ذلك الإسفرائيني في كتابه "التبصير في الدين فإنه قال بعد أن ذكر أن الإمامية متفقون على القول بتكفير الصحابة وأنهم حرفوا القرآن بالزيادة فيه والنقص منه "وليس مقصودهم من هذا الكلام تحقيق الكلام في الإمامة، ولكن مقصودهم إسقاط كلفة تكليف الشريعة عن أنفسهم حتى يتوسعوا في استحلال المحرمات الشرعية، ويعتذروا عند العوام بما يعدونه من تحريف الشريعة وتغيير القرآن من عند الصحابة ولا مزيد على هذا النوع من الكفر إذ لا بقاء فيه على شيء من الدين"أهـ2.

ومن مطاعنهم في الصحابة عموماً أنهم يقولون: إن كثيراً منهم فروا يوم الزحف في غزوتي أحد وحنين، والفرار من الزحف أكبر الكائر3.

والرد على هذا الهراء أن الفرار يوم أحد كان قبل النهي عن الفرار من

1ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/78-80.

2ـ التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية على فرق الهالكين ص/41.

3ـ مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/273، وانظر تفسير الكاشاني المسمى تفسير الصافي 1/691، تفسير القمي 1/287. الميزان 9/226.

ص: 970

الزحف ولو فرض أنه حصل منهم بعد النهي فهو معفو عنه بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} "ولا تعيير بعد عفو الله تعالى عن الجميع"2، وأما الفرار يوم حنين فبعد التسليم أنه كان فراراً في الحقيقة معاتباً عليه، فإن أولئك المخلصين رضي الله عنهم لم يصروا عليه، بل انقلبوا وظفروا بدليل قوله تعالى:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} 3، ولم يحصل الفرار من الجميع وأن من فر منهم لم يكن على نية الاستمرار في الفرار لما رواه مسلم من حديث كثير بن عباس بن عبد المطلب، قال: قال عباس شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أي عباس، ناد أصحاب السمرة"، فقال عباس ـ وكان رجلاً ـ صيتاً ـ فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة، قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها

الحديث"4.

قال النووي: قال العلماء في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيداً، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من

1ـ انظر مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/273 والآية رقم 155 من سورة آل عمران.

2ـ روح المعاني للألوسي 4/99.

3ـ سورة التوبة آية/26.

4ـ صحيح مسلم 3/1398-1399.

ص: 971

فطعن الشيعة الرافضة على الصحابة الكرام بأنهم فروا يوم الزحف في غزوتي أحد وحنين كله هراء يدل على تعمقهم في الجهل وسوء الفهم.

ومن مطاعنهم على سبيل العموم في الصحابة أنهم طعنوا عليهم بما رواه مسلم في صحيحه بإسناده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ "، قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أو غير ذلك تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض"2.

قالوا: "هذا صريح في وقوع التنافس والتدابر والتباغض فيما بين الصحابة والجواب أن الخطاب وإن كان للصحابة لكن باعتبار وقوع ذلك فيما بينهم وهو لا يستدعي أن يكون منهم ويدل على ذلك أن الصحابة إما مهاجرون أو أنصار والحديث صريح في أن أولئك ليسوا مهاجرين، والواقع ينفي كونهم من الأنصار لأنهم ما حملوا المهاجرين على التحارب فتعين أنهم من التابعين، وقد وقع ذلك منهم فإنهم حملوا المهاجرين على التحارب بينهم كمالك الأشتر وأضرابه"3 وقد اعترف الأشتر بأنه أحد قتلة الخليفة الراشد عثمان بن عفان وذلك عندما أتاه الخبر

1ـ شرح النووي على صحيح مسلم 12/115-116.

2ـ صحيح مسلم 4/2274.

3ـ مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/274.

ص: 972

باستعمال علي بن عباس رضي الله عنهما وقال: علام قتلنا الشيخ إذاً! اليمن لعبيد الله والحجاز لقثم، والبصرة لعبد الله، والكوفة لعلي"1.

ومن مطاعنهم على الصحابة عموماً زعمهم أنهم آذوا علياً وحاربوه 2 وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من آذى علياً فقد آذاني"3.

والجواب على هذا الافتراء أن أساسه عدم فهم الرافضة للأسباب التي أدت لاقتتالهم رضي الله عنهم فيما بينهم، ولو أمعنوا النظر في الحروب التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم في موقعتي الجمل وصفين لفهموا أنها كانت لأمور اجتهادية، فلا يلحقهم طعن من ذلك، لكن من ابتلي بالوقوع في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قلبه مشبعاً بعقيدة الرافضة فإنه لا يعرف الحق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يرحمه الله فيبرأ من طريقة الروافض حينئذ يحمل ما وقع بين الصحابة على أحسن المحامل، ويؤوله بما يندفع به الطعن عن أولئك السادة الأماثل، وهذا لا يتحقق إلا لمن سار في ركب أهل السنة والجماعة ويكفينا من مطاعن الرافضة في الصحابة عموماً ما تقدم ذكره وإلا فمطاعنهم لا تدخل تحت حصر وسقنا هذه المطاعن العامة والرد عليها ليتبين أن الرافضة يعادون الصحابة جميعاً ولا يحبونهم ولا يوالون منهم إلا نفراً يسيراً يعدون بالأصابع كما تقدم قريباً.

1ـ تاريخ الأمم والملوك للطبري 4/492.

2 ـ مختصر التحفة الاثنى عشرية ص/274.

3 ـ رواه الحاكم في المستدرك 3/122، وقال عقبه: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ص: 973