المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَهُنَاكَ الْكثير من الْحفاظ غير مَا ذكرت مِمَّن يحفظون الْكثير - علم الجرح والتعديل

[عبد المنعم السيد نجم]

الفصل: وَهُنَاكَ الْكثير من الْحفاظ غير مَا ذكرت مِمَّن يحفظون الْكثير

وَهُنَاكَ الْكثير من الْحفاظ غير مَا ذكرت مِمَّن يحفظون الْكثير وبمثل هَذَا الْحِفْظ يَسْتَطِيع الرَّاوِي أَن يعرف الْأَسَانِيد سَوَاء كَانَت للشاميين أَو للمصريين أَو للبصريين أَو الْمَدَنِيين أَو الخراسانيين وَمَا إِلَى ذَلِك مهما اخْتلفت، ويميز طَرِيق كل حَدِيث عَن غَيره وتصبح الرِّوَايَات والرواة مهما تَبَاعَدت الْبلدَانِ فِي حفظه وَبَين يَدَيْهِ وَيفرق بَين الصَّحِيح والسقيم مِنْهَا وَلَا يَسْتَطِيع دخيل أَن يندس بَين راوة الحَدِيث لِأَنَّهُ يعرف الروَاة بأعيانهم وأحوالهم وَلَا تخفى عِلّة عَلَيْهِ، وَعمل البُخَارِيّ مَعَ الَّذين آتوا بِمِائَة حَدِيث مَعَ عشرَة أشخاص مَقْلُوبَة السَّنَد والمتن ليختبروه فَلَمَّا سَمعهَا على الْحَالة الْمَذْكُورَة رد كل حَدِيث إِلَى سَنَده، وكل سَنَد إِلَى حَدِيثه، وَمَا ذَلِك إِلَّا لحفظه وتمكنه ومعرفته بتركيب الْأَسَانِيد والمتون، أما مَا يَفْعَله الْبَعْض من الجهلة والزنادقة من التطاول على سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والتعدي على المصنفات الحديثية الْمُعْتَمدَة ونقدها من غير حفظ وَلَا اطلَاع على فن الحَدِيث وعلومه ففعلهم مرض فِي قُلُوبهم وحقد على مصدر الْإِسْلَام وَبعد عَن الدّين وَاتِّبَاع للشَّيْطَان حَيْثُ قَامَ على غير أساس، وَلَو سَأَلت الْوَاحِد مِنْهُم كم يحفظ من الْأَحَادِيث بأسانيدها لأجابك بِالنَّفْيِ وفاقد الشَّيْء لَا يُعْطِيهِ.

وَالسَّبَب فِي رد الْحَافِظ المتقن رِوَايَة الرَّاوِي وَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ من عِلّة قادحة فِيهِ أَو فِي رِوَايَته كَمَا جَاءَ فِي التَّعْرِيف، وَالْعلَّة عبارَة عَن سَبَب غامض خَفِي قَادِح فِي الحَدِيث مَعَ أَن ظَاهره السَّلامَة مِنْهُ أَي السَّبَب الغامض، وبتعريف آخر نقُول الحَدِيث الْمُعَلل مَا اطلع فِيهِ الْحَافِظ الْخَبِير بالفن على عِلّة تقدح فِي صِحَّته مَعَ ظُهُور السَّلامَة عَلَيْهِ وَتَكون الْعلَّة فِي الْإِسْنَاد الْجَامِع شُرُوط الصِّحَّة ظَاهرا مَعَ خفائها فِيهِ، أما علامتها وَكَيْفِيَّة مَعْرفَتهَا: فتعرف الْعلَّة بتفرد الرَّاوِي، وبمخالفة غَيره لَهُ مَعَ قَرَائِن تُضَاف إِلَى ذَلِك تنبه الْعَارِف بِهَذَا الشَّأْن الَّذِي أدمن الِاطِّلَاع فِيهِ وسبر أَهله على وهم وَقع بإرسال الْمَوْصُول أَو وقف فِي الْمَرْفُوع أَو دُخُول حَدِيث فِي حَدِيث أَو غير ذَلِك بِحَيْثُ يغلب على ظَنّه فَيحكم بِعَدَمِ صِحَة الحَدِيث أَو يتَرَدَّد فَيتَوَقَّف فِي قبُوله.. قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ:"الْبَاب إِذا لم تجمع طرقه لم يتَبَيَّن خَطؤُهُ.." وَبَقِيَّة قيود التَّعْرِيف سنذكرها إِن شَاءَ الله بعد تَعْرِيف التَّعْدِيل.

التَّعْدِيل: جَاءَ من عدل الحكم أَقَامَهُ، وَعدل الرجل زَكَّاهُ، وَالْمِيزَان سواهُ، وَعَلِيهِ فالتعديل التَّقْوِيم والتسوية والتزكية، والعادل من النَّاس من يقْضِي بِالْحَقِّ وَالْعدْل من الْأَشْيَاء مَا قَامَ فِي النُّفُوس أَنه مُسْتَقِيم والمقبول والمرضى قَوْله وَحكمه، وَجَائِز الشَّهَادَة، وَتقول امْرَأَة عدل ونسوة عدل وَقد يجْرِي مجْرى الْوَصْف الَّذِي لَيْسَ بمصدر فَتَقول امْرَأَة عَدَالَة.

وَالتَّعْدِيل فِي الِاصْطِلَاح: وصف الرَّاوِي بِمَا يَقْتَضِي قبُول رِوَايَته..

زِيَادَة إِيضَاح:

وأستطيع أَن أعرفهُ بتعريف آخر مُجمل فَأَقُول: هُوَ علم يبْحَث فِيهِ عَن جرح الروَاة وتعديلهم بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة.. ومراتب تِلْكَ الْأَلْفَاظ..

وَهَذَا الْعلم من فروع علم رجال الحَدِيث وَلم تكْثر الْكِتَابَة فِيهِ مَعَ أَنه علم عَظِيم لِأَنَّهُ ميزَان رجال الحَدِيث ومعيار الحكم عَلَيْهِم وَهُوَ الحارس للسّنة من كل زيف ودخيل..

وَالْكَلَام فِي الرِّجَال جرحا وتعديلا ثَابت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ عَن كثير من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ، وَجوز ذَلِك تورعا وصونا للشريعة لَا طعن فِي النَّاس، وكما جَازَ الْجرْح فِي الشُّهُود جَازَ فِي الروَاة والتثبت فِي أَمر الدّين أولى من التثبت فِي الْحُقُوق وَالْأَمْوَال.. فَلهَذَا افترضوا على أنفسهم الْكَلَام فِي ذَلِك سَيَأْتِي بَيَان أول من عني بذلك من الْأَئِمَّة.

ص: 55

‌الْجرْح وَأَحْكَامه

..

الْجرْح أُجِيز فِي الروَاة بِاتِّفَاق أَئِمَّة الشَّأْن صِيَانة للشريعة الإسلامية من أَن يدْخل فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا ونصيحة لله وَرَسُوله عليه السلام وَالْمُسْلِمين وَلَا يقف على معرفَة ذَلِك إِلَّا الْمُحدث الصَّادِق الْمَشْهُور بِطَلَب الحَدِيث

ص: 55

التقى الْوَرع.. روى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِفَايَته بِسَنَدِهِ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ قَالَ:- سَمِعت يحي بن معِين يَقُول: "آلَة الحَدِيث الصدْق والشهرة بِطَلَبِهِ وَترك الْبدع وَاجْتنَاب الْكَبَائِر".

الْبَيَان:

لما كَانَت السّنة هِيَ الصادرة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال والتقريرات وَكَانَت الْبَيَان لكتاب الله والتشريع للنَّاس فِي كل زمَان وَمَكَان كَانَ لابد فِيهَا من أَن تكون وَارِدَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بطرِيق ثَابت ومنسوبة إِلَيْهِ نِسْبَة حَقِيقِيَّة، وَقد أَمر عليه السلام بتبليغها عَنهُ وَنهى عَن الْكَذِب فِيهَا وَنقل الصَّحَابَة عَنهُ ذَلِك وَمَشوا عَلَيْهِ..

روى الْخَطِيب أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة عَن سُوَيْد قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: "إِذا حدثتكم عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فوَاللَّه لِأَن أخر من السَّمَاء أحب إِلَيّ من أَن أكذب على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم..وَإِذا حدثتكم فِيمَا بَيْننَا فَإِن الْحَرْب خدعة.." وَمن هُنَا احتاط الصَّحَابَة فِي الرِّوَايَة وَالْبَعْض مِنْهُم لم يكثر مِنْهَا خوف أَن يدْخل فِي الحَدِيث شَيْء لم يرد.. روى الْخَطِيب بِسَنَدِهِ عَن جَامع بن شَدَّاد قَالَ سَمِعت عَامر بن عبد الله بن الزبير يحدث عَن أَبِيه قَالَ: "قلت لأبي الزبير مَالِي لَا أَرَاك تحدث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا حدث فلَان وَفُلَان وَابْن مَسْعُود.." قَالَ: وَالله يَا بني مَا فارقته مُنْذُ أسلمت وَلَكِنِّي سمعته يَقُول: "من كذب عَليّ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده فِي النَّار.." وَمعنى هَذَا وَالله مَا قَالَ مُتَعَمدا وَأَنْتُم تَقولُونَ مُتَعَمدا.. وَمعنى هَذَا أَنه لَا بُد من الصدْق فِي الرِّوَايَة وَيحرم الْكَذِب فِيهَا عمدا وَغير عمد وَلَا يعْذر غير اليقظ فِيهَا.. قَالَ الْخَطِيب: "وَمن سلم من الْكَذِب وأتى شَيْئا من الْكَبَائِر فَهُوَ فَاسق يجب رد خَبره وَمن أَتَى صَغِيرَة فَلَيْسَ بفاسق، وَمن تَتَابَعَت مِنْهُ الصَّغَائِر وَكَثُرت رد خَبره.." وَقد رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي بَيَان الْكَبَائِر عدَّة أَحَادِيث: "اجتنبوا السَّبع الموبقاتٍ" وَالْكذب على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من الْكَذِب على غَيره..وَالْفِسْق بِهِ أظهر والوزر بِهِ أكبر.. وروى بن أبي حَاتِم فِي كتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي تثبيت السّنَن بِنَقْل الروَاة لَهَا من قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأمره بِنَقْل الْأَخْبَار عَنهُ، روى بِسَنَدِهِ قَالَ أَخْبرنِي أبي نَا الْأَوْزَاعِيّ حَدثنِي حسان بن عَطِيَّة قَالَ حَدثنِي أَبُو كَبْشَة السَّلُولي قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "بلغُوا عني وَلَو آيَة وَحَدثُوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج وَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار". وروى بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: خرج إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم..وَنحن سكُوت لَا نتحدث فَقَالَ: "مَا يمنعكم من الحَدِيث" قُلْنَا سمعناك تَقول: من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار: "حدثوا عني وَلَا حرج.." وروى بِسَنَدِهِ عَن عَبَايَة بن رَافع بن خديج عَن رَافع قَالَ: مر بِنَا يَوْمًا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَنحن نتحدث فَقَالَ "مَا تتحدثون" قُلْنَا نتحدث عَنْك يَا رَسُول الله فَقَالَ: "حدثوا وليتبوأ من كذب عَليّ مَقْعَده من جَهَنَّم" وروى بِسَنَدِهِ عَن الْحَارِث بن عَمْرو قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أَو بِعَرَفَات ثمَّ قَالَ: " أَيهَا النَّاس أَي يَوْم هَذَا وَأي شهر هَذَا قَالَ فَإِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم وشهركم وبلدكم اللَّهُمَّ هَل بلغت فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب.."

بَيَان النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن سنته ستنقل وَتقبل:

وَردت أَخْبَار مفادها أَن السّنة ستنقل عَن طَريقَة التَّحَمُّل والأداة بِرِوَايَة الْعُدُول فقد روى ابْن أبي حَاتِم بِسَنَدِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن ثَابت بن قيس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم وَيسمع مِمَّن يسمع مِنْكُم.." وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابه: "تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم وَيسمع مِمَّن يسمع مِنْكُم" وَرَوَاهُ عَنهُ بِثَلَاث طرق مثله وَهَذَا إِخْبَار من النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَن سنته ستشيع بَين النَّاس وتنقل من إِنْسَان لإِنْسَان.

ص: 56