الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: في ذكر أمثلة تطبيقية للعلل في الحديث في ضوء شروط الصحيح
الفصل الأول: في ذكر أمثلة للأحاديث التي وقعت العلة فيها في معرفة العدل من غيره
مثال العلة في معرفة الراوي العدل من غيره.
ما ذكره العلامة المحدث محمد ناصر الدين في سلسلته الضعيفة حديث: “اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر” ثم قال: موضوع، أخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل رقم (93) حدثنا دحيم، ثنا عبد الله بن يوسف عن الهيثم بن حميد قال: سمعت رجلاً يحدث مكحولاً عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: هو إسناد ضعيف رجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم.
والحديث قال المنذري في الترغيب (1: 88) : "رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به"
وقال الهيثمي في المجمع (1/209) : "رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون".
قلت: في قوليهما إشعار لطيف بأن إسناده لا يخلو من ضعف ولا سيما قول الهيثمي: "ورجاله موثقون" فإنه لا يقول هذا عادة إلا فيمن كان فيه توثيق غير معتبر.
فقول المناوي في "فيض القدير": رمز المصنف لحسنه وهو أعلى من ذلك، ثم ذكر قول المنذري والهيثمي المتقدم فأقول: إنه لا وجه لتحسينه بله تصحيحه لما ذكرنا، ومن المؤسف أن الجزء الذي فيه مسند أبي أمامة من المعجم الكبير ليس في المكتبة الظاهرية عمرها الله تعالى؛ ولذلك فإني غير
مطمئن لتحسين السيوطي للحديث فضلاً عن تصحيح المناوي له، ولا سيما مع كشف إسناد ابن أبي عاصم عن علته. والله أعلم.
ثم طبع المعجم الكبير بهمة أخينا الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي فرأيت الحديث فيه (8/ 157)(رقم 7605)، قال: حدثنا بكر بن سهل، ثنا عبد الله بن يوسف بإسناده المتقدم عن ابن أبي عاصم.
وبهذا الإسناد أخرجه الطبراني أيضاً في مسند الشاميين (ص655) وقد عرفت علته وهي الرجل الذي لم يسم، وقد سماه إسماعيل بن إبراهيم فقال: ثنا أيوب عن مكحول به.
أخرجه الطبراني أيضاً رقم (7607) وإسماعيل هذا هو أبو إبراهيم الترجماني وهو من رجال النسائي وقال هو وغيره: لا بأس به.
وشيخه أيوب هو ابن مدرك الحنفي كما في الميزان، وقال: قال ابن معين: ليس بشيء وقال مرة: كذاب، وقال النسائي وأبو حاتم: متروك.
وبهذا يتبين خطأ قول المنذري والهيثمي المتقدم، بله ميل المناوي إلى تصحيحه، فقد تبين أن الرجل الذي لم يسم في الطريق الأولى إنما هو أيوب ابن مدرك في الطريق الأخرى وهو متهم ولعل المناوي تبين له هذا الذي ذكرته بعد الذي قاله في الفيض فقد رأيته بيض للحديث في التيسير ولم يحسنه، ومنشأ هذا الخطأ في نقدي: أنهم رأوا (أيوب) هذا جاء في السند غير منسوب، فتوهموا أنه أيوب بن أبي علقمة، وهو ثقة حجة، وساعدهم على ذلك أنهم رأوا الراوي عنه إسماعيل بن إبراهيم، فتوهموا أيضاً أنه إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) وهو ثقة حافظ؛ لأنهم رأوا في ترجمته أنه روى عن أيوب وهو السختياني وكل ذلك خطأ، وإنما هذا أبو
إبراهيم الترجماني كما تقدم وشيخه أيوب هو ابن مدرك، وليس السختياني كما جاء مصرحاً بهذا كله في الطبراني في حديث آخر قبل هذا.
وقال أيضا: ً ثم إن للحديث علة أخرى عند ابن حبان ألا وهي الانقطاع. فقد قال في ترجمة ابن مدرك هذا من كتابه الضعفاء (1: 168) يروي المناكير عن المشاهير ويدعي شيوخاًلم يرهم ويزعم أنه سمع منهم روى عن مكحول نسخة موضوعة ولم يره.
ثم قال الشيخ: واعلم أيها القارئ الكريم أن مثل هذا التحقيق يكشف لطالب هذا العلم الشريف أهمية تتبع طرق الحديث، والتعرف على هوية رواته، فإن ذلك يساعد مساعدة كبيرة جداً على الكشف عن علة الحديث، التي تستلزم الحكم على الحديث بالسقوط " (1) .
وعكسه قد يكون الراوي ثقة فيظنه البعض ضعيفاً؛ لاشتباهه ولاشتراكهما في الاسم، وبخاصة إذا ورد غير منسوب إلى أبيه أو إلى ما يميزه عن سميه، ذكر السيوطي عن ابن فيل في جزئه حديثاً من طريق المؤمل بن إسماعيل عن عبد الكريم عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة عاق، ولا منان، ولا مرتد أعرابياً بعد هجرة، ولا ولد زنى، ولا من أتى ذات محرم"، ثم قال: لا يصح، عبد الكريم متروك" (2) .
وهنا ذهب ظن السيوطي أن عبد الكريم هو ابن أبي المخارق وهوضعيف وله فيه عذره، فهو ليس منسوباً. وهذا الموضع يشتبه الأمر على كثيرين، وإنما
(1) سلسلة الأحاديث الضعيفة (4/ 262- 264) رقم الحديث (1782) .
(2)
اللآلئ المصنوعة (2/ 192) .
كان يعرف عبد الكريم بوجهه الصحيح بعد التتبع وبعد الجمع لطرق الحديث.
فقد ظهر بعد التتبع أن تعيينه بعبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف خطأ، وإنما هو عبد الكريم بن مالك الجزري الثقة المشهور، وقد جاء مصرحاً بنسبه عند أبي نعيم في الحلية، فقد رواه من طريق مؤمل أيضاً، ثنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو به.
وهذا النوع من الخطأ خطير جداً، فإذا توهم الراوي في تعيين الراوي فقد ينقلب الإسناد من الضعف إلى الصحة وبالعكس، كما هو واضح ومغبته واضحة.
وروى الإمام أبو عبد الله بن ماجه حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن شعيب بن شابور حدثنا عبد الرحمن بن يزيد عن جابر عن سعيد بن أبي سعيد أنه حدثه عن أنس بن مالك قال: إني لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيل عليّ لعابها فسمعته يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث" قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3: 144) : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، ومحمد بن شعيب وثقه دحيم وأبو داود، وباقي الإسناد على شرط البخاري.
ولكن قال ابن حجر في "النكت الظراف" في الكلام على ترجمة الحافظ المزي لسعيد بن أبي سعيد المقبري:
قلت: وهو سعيد بن أبي سعيد الساحلي شامي، وأما المقبري فهو مدني، وقد أوضحت ذلك في التهذيب.
وفي حاشية "تحفة الأشراف" حاشية بخط ابن عبد الهادي: سعيد بن أبي سعيد راوي هذه الأحاديث عن أنس ليس هو المقبري أحد الثقات، وإنما هو
الساحلي وهو غير محتج به كذلك جاء مصرحا به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (1) .
ومن أمثلة العلة في تعيين العدل من غيره:
ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم فتح مكة فقال: "لا يتوارث أهل ملتين المرأة ترث من دية زوجها وماله وهو يرثها من ديتها ومالها مالم يقتل أحدهما صاحبه عمداً، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً لم يرث من ديته وماله وإن قتل صاحبه خطأً ورث من ماله ولم يرث من ديته".
أخرجه ابن ماجه وابن الجارود في المنتقى والدارقطني في سننه والبيهقي (2) .
كلهم من طريق الحسن بن صالح عن محمد بن سعيد عن عمرو بن شعيب قال: أخبرني أبي عن جدي عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وهذا الحديث فيه الحسن بن صالح العجلي وهو الحسن بن سلمة بن صالح العجلي قال ابن حجر: مجهول (3) .
ولكن رواه محمد بن يحيى الذهلي كما عند ابن ماجه، ولكن سمى شيخه عمر بن سعيد محمد بن سعيد هذا هو الصواب، وقد قيل عمر بن سعيد وهو خطأ والصواب محمد كما صوَّبه الذهبي في "الكاشف"(4) .
(1) انظر أحاديث معلة ظاهرها الصحة للشيخ مقبل بن هادي الوادعي (ص 44- 45) .
(2)
سنن ابن ماجه (2/ 914) كتاب الفرائض، باب: ميراث القاتل، والمنتقى (ص 358) ،وسنن الدارقطني (4/ 72- 73) ، وسنن البيهقي (9/ 263) .
(3)
التقريب ص238تحقيق أبوالأشبال.
(4)
الكاشف 2/312.
ومحمد بن سعيد هل هو الشامي المصلوب وهو مكذب ذكر بوضع الحديث (1) ؟
وبه قال غير واحد: قال البوصيري في الزوائد: “في إسناده محمد بن سعيد وهو المصلوب، قال أحمد: حديثه موضوع” (2) .
وكذا قال العلامة محمد ناصر الدين الألباني في تخريج "مشكاة المصابيح": هو محمد بن سعيد المصلوب: قال أحمد: حديثه موضوع (3) ، وبناءً عليه حكم في ضعيف ابن ماجه بأنه موضوع (4) .
وكذا قلده بعض من علق على الكاشف للذهبي والصواب أنه ليس محمد ابن سعيد المصلوب الشامي المقتول بالزندقة بل هو محمد بن سعيد الطائفي أبو سعيد المؤذن صدوق (5) أو ثقة. والذي بينه هو الدارقطني رحمه الله فقد أخرجه في سننه ثم قال: محمد بن سعيد الطائفي ثقة ثم بإسناد آخر عن الحسن ابن صالح وقال بإسناده مثله، محمد بن سعيد الطائفي ثقة (6) .
فقد ظهر بهذا أن محمد بن سعيد هذا ليس المتروك بل هو ثقة أو صدوق فيكون الحكم على الحديث يختلف من الضعف جداً إلى الصحة أو الحسن، إذا لم تكن في الإسناد علة أخرى.
(1) تقريب التهذيب (ص 847) .
(2)
حاشية سنن ابن ماجه (2/ 914) .
(3)
مشكاة المصابيح (2/ 149) تعليقاً على حديث أبي هريرة برقم (3048) .
(4)
ضعيف سنن ابن ماجه رقم (544) .
(5)
تقريب التهذيب (ص 848) .
(6)
سنن الدارقطني (4/ 73) .
ومن هذا النوع ما أورده العلامة الألباني في "الصحيحة" قال: زيادة ومغفرته في رد السلام ثم قال: كنا إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم علينا قلنا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته.
قال الشيخ: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/1/330) قال: قال محمد: حدثنا إبراهيم بن المختار عن شعبة عن هارون بن سعد عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم قال: فذكره.
ثم قال: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات كلهم من رجال التهذيب غير إبراهيم بن المختار وهو الرازي، روى عنه جماعة من الثقات ذكرهم ابن أبي حاتم (1/1/138) ثم قال: سألت أبي عنه فقال: صالح الحديث، وهو أحبُّ إليَّ من سلمة بن الفضل وعلى بن مجاهد.
ومحمد الراوي عنه هو ابن سعيد بن الأصبهاني وهو من شيوخ البخاري في الصحيح، فالإسناد متصل غير معلق (1) .
قلت: قد صحح الألباني رحمه الله هذا الحديث، واستنبط منه جواز زيادة ومغفرته في السلام بناءً على ثقة رجاله، والمسألة تتعلق بالوصول إلى طرق الحديث المختلفة، حتى تظهر علة الحديث إن كانت فيه، فقد أخرجه البيهقي في شعبه من طريق علي بن الحسين بن حسان قال: نا محمد بن حميد قال: نا إبراهيم بن المختار عن شعبة عن هارون بن سعد عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم به.
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 433) ، رقم (1449) .
ثم قال: تابعه محمد بن غالب عن محمد بن حميد، وهذا إنْ صَحَّ قلنا به غير أن في إسناده إلى شعبة من لا يحتج به (1) .
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير قال: حدثنا محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني وجعفر بن أحمد بن سنان الواسطي قالا: ثنا محمد بن حميد الرازي ثنا إبراهيم بن المختار به (2) .
ففيه نسبته إلى الرازي فلا شك أنه ليس محمد بن سعيد بن الأصبهاني، الثقة بل هو محمد بن حميد الرازي قال فيه في "التقريب": محمد بن حميد بن حيان الرازي حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه (3) .
وما دام قد تبين أن مدار الحديث على راو ضعيف، فيكون إسناد الحديث ضعيفاً.
ولا يغض هذا من منزلة العلامة الألباني في الحديث فقد وقع فيه الكبار قبله، وهذا الهيثمي ذكر الحديث في مجمع الزوائد وقال: وفيه إبراهيم بن المختار وثقه أبو داود وأبو حاتم، وقال ابن معين ليس بذاك وبقية رجاله ثقات (4) .
(1) شعب الإيمان للبيهقي (15/ 399- 400) ، طبعة دار السلفية وفي طبعة زغلول (6/456) أزهر بن المختار بدل إبراهيم وهوخطأ.
(2)
المعجم الكبير (5/ 202) رقم (5015) .
(3)
تقريب التهذيب (ص 839) .
(4)
مجمع الزوائد (2/ 146) .