المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع: في ذكر أمثلة وقعت العلة فيها لأجل الشذوذ - علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة النبوية

[وصى الله عباس]

الفصل: ‌الفصل الرابع: في ذكر أمثلة وقعت العلة فيها لأجل الشذوذ

‌الفصل الرابع: في ذكر أمثلة وقعت العلة فيها لأجل الشذوذ

وأما الشذوذ فقد مضى تعريفه، كما مضى ذكر الراجح في تعريفه، وهو: اشتراط مخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق منه، أو مخالفته جماعة من الثقات.

وهذا السبب كاد أن يكون هو السبب الغالب في إثبات علة الحديث، لذا نرى الأئمة إذا ذكروا حديثاً في بعض الأحيان من طريق واحد أو إسناد خاص أو ذكروا المتن بلفظ خاص فيحشدون لَه طرقاً كثيرة لإثبات العلة وتعيين الصواب فيه.

وهذه سيما يتميز بها كتاب "العلل" للدارقطني، ومن قبل كتاب "التمييز" للإمام مسلم رحمه الله.

والشذوذ قد يكون في الإسناد بذكر راوٍ تفرد عنه أحد الرواة في حين خالفه الأكثرون.

وقد يكون في المتن برفع موقوف أو وقف مرفوع أو إرسال موصول، أو وصل مرسل.

وقد مضى قول الأئمة: السبيل إلى معرفة علة الحديث أن تجمع بين طرقه وتنظر في اختلاف رواته وتعتبر أي الخطأ والصواب بمكانهم من الحفظ.

وقال ابن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه"(1) .

(1) توضيح الأفكار (2/28-29) .

ص: 72

فأول حديث في علل الدارقطني: سئل الشيخ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الحافظ عن حديث عمر بن الخطاب عن أبي بكر في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة وقول أبي بكر لعمر: "لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضتَ عليّ، إلا أني علمتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فلم أكن لأفشِيَ سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لقَبِلْتها".

قال: يرويه الزهري عن سالم عن أبيه عن عُمر "تأيّمتْ حَفْصة من خُنَيْس (1) بن حذافة السَّهْمي. وهو حديث صحيح من حديث الزهري رواه عنه جماعة من الثقات الحفاظ فاتفقوا على إسناده منهم:

شعيب بن أبي حمزة، وصالح بن كيسان، ويونس وعُقيل ومحمد بن أخي الزهري، وسفيان ين حُسَين، والوليد بن محمد الموقري وعبد الله بن أبي زياد الرصافي، وغيرهم عن الزهري فاتفقوا على لفظ واحد في قول أبي بكر لعمر: “لم يمنعني أن أرجع إليك شيئاً إلا أني قد كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر حفصة”.

ورواه معمر بن راشد عن الزهري بهذا الإسناد فجوّده وأسنده، وقال فيه: “لم يمنعني أن أرجع إليك شيئاً إلا أني كنتُ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها، ولم أكن أفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم“.

وهو حديث صحيح عن الزهري أخرجه البخاري في الصحيح من حديث معمر ومن حديث صالح بن كيسان وشعيب عن الزهري.

إلا أن معمراً قال: فيما حكى عنه هشام بن يوسف – قال فيه: حُبيش ابن حذافة، صحّف فيه.

(1) بخاء معجمة ونون وسين مهملة مصغراً، (المغني في الضبط: ص95) .

ص: 73

وأما عبد الرزاق فقال عن معمر: خُنيس بن حذافة أو حذيفة. والصحيح أنه خُنَيس بن حذافة بن قيس السهمي أخو عبد الله بن حذافة (1) .

ثم ذكر الدارقطني بعده الاختلافات الأخرى في الرواية، فالذي يظهر أن الدارقطني رحمه الله ساق هذا القول لبيان أمرين: الأول: الاختلاف في قوله: “لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ”، وهو لفظ الجماعة.

الثاني: في اسم زوج حفصة، فقال الجماعة أن اسمه خنيس بن حذافة، وقال معمر وحده حُبيش بن حذافة، وبه قضى للجماعة، وأثبت به تشذيذه لمعمر في هذين اللفظين، والله أعلم.

مثال آخر:

سئل الدارقطني عن حديث عمر عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" الحديث.

فقال: هو حديث يرويه الزهري، واختلف عنه:

فمِمّن رواه على الصواب: شعيب بن أبي حمزة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن الوليد الزبيدي وعُقَيْل، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والنعمان بن راشد، وسفيان بن حسين، وسليمان بن كثير، ومحمد ابن إسحاق، وجعفر بن بُرقان، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم.

فرووه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة قال: قال عمر لأبي بكر.

واختلف عن سفيان بن حُسين.

(1) العلل الواردة في الأحاديث (1/153، وما بعدها) .

ص: 74

فأسنده عنه محمد بن يزيد الواسطي عن الزهري عن عبيد الله، عن أبي هريرة، وأرسله يزيد بن هارون، فأسقط منه أبا هريرة.

ورواه معمر بن راشد واختلف عنه، فأسنده رباح بن زيد عن معمر عن الزهري عن عُبَيْد الله عن أبي هريرة بمتابعة من تقدم حديثه.

وأرسله عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري عن عُبَيْد الله، لم يذكر أبا هريرة.

ورواه عمران القطان عن مَعْمر، وقال: عن الزهري عن أنس بن مالك عن أبي بكر، ووهم فيه على معمر.

ورواه يحيى بن أبي أُنَيْسة عن الزُهْري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووهم أيضاً في ذكر سعيد.

ورواه صالح بن أبي الأخضر فقال: عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة.

ورواه الوليد بن مسلم عن شُعَيْب ومرزوق بن أبي الهذيل وسفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة.

ووهم فيه على شعيب وعلى ابن عُيينة، لأن شعيباً يرويه عن الزهري عن عُبيد الله عن أبي هريرة.

وابن عيينة يرويه عن الزهري مرسلاً لا يذكر فوقه أحداً.

والقول الأول هو الصواب (1) .

فهنا جمع الدارقطني رحمه الله أحد عشر طريقاً لهذا الحديث عن الزهري

(1) علل الدارقطني (1/162-166) .

ص: 75

وقضى لهم بالصواب ووهم الآخرين _ ومنهم بعض الثقات المعروفين؛ مثل معمر بن راشد وسفيان بن عيينة _ لأنهم شذوا في رواياتهم عن الزهري، وخالفوا جماعة كثيرين.

وإن قال أحد إن الزهري كثير الشيوخ وكثير الرواية، فمن الممكن أن (تُسَلّم) بعض الروايات الأخرى التي يصح إسنادها إلى الزهري، ويقال: إن هذه الطرق أيضاً صحيحة، والله أعلم.

ص: 76

ومن أمثلة علة الشذوذ:

سئل الدارقطني عن حديث حمران عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من علم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".

فقال يرويه شعبة، واختلف عنه.

فرواه عبد الله بن حمران، عن شعبة، عن بيان عن بشر، عن حمران عن عثمان.

وخالفه غندر وعبد الصمد وغيرهما رووه عن شعبة عن خالد الحذاء عن أبي بشر (العنبري) الوليد بن مسلم عن حمران وهو الصواب (1) .

قلت: طريق عبد الله بن حمران، أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (2) .

وكذلك طريق غندر هو وأحمد (3) .

وقال النسائي: حديث عبد الله بن حمران خطأ، والصواب طريق غندر.

والطبراني في جزء من حديثه عن النسائي وقال: لم يرو هذا الحديث عن شعبة إلا عبد الله بن حمران (4) .

ويدخل في باب العلة كل ما خالف فيه راو مقبول من هو أوثق. فتدخل الأنواع الأخرى التي ذكرت سابقاً في المخالفة أعني المنكر والمقلوب والمدرج، والمزيد في متصل الأسانيد والمصحّف والمحرّف.

(1) العلل الواردة في الأحاديث (3/19) .

(2)

عمل اليوم والليلة (ص597-598) .

(3)

مسند أحمد (1/65) .

(4)

نقلاً عن تعليق محقق علل الدارقطني (2/19) .

ص: 77