المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: في ذكر أمثلة وقعت العلة الخفية فيها لأجل عدم الاتصال - علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة النبوية

[وصى الله عباس]

الفصل: ‌الفصل الثالث: في ذكر أمثلة وقعت العلة الخفية فيها لأجل عدم الاتصال

‌الفصل الثالث: في ذكر أمثلة وقعت العلة الخفية فيها لأجل عدم الاتصال

1-

مثال العلة في اتصال السند إذا ثبت فيه انقطاع ظاهره السلامة والانقطاع هو عدم سماع بعض الرواة من البعض، فهو بحسب موقعه في الإسناد يتنوع إلى أنواع ويسمى بأسماء مختلفة:

1-

إذا كان الانقطاع من آخر السند الذي في طرفه الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم، فيسمى مرسلاً.

2-

إذا كان الانقطاع في وسط السند وكان الساقط واحداً أو أكثر ولكن من غير التوالي، فيسمى منقطعاً.

3-

إذا كان الانقطاع من وسط السند باثنين على التوالي، فيسمى معضلاً.

4-

إذا كان الانقطاع من أول السند كُلاً أو بعضاً منه، فيسمى معلقاً.

5-

إذا كان الراوي معروفاً بالتدليس ففيه خوف الانقطاع فيحكم له بالانقطاع حتى يثبت له سماعه من شيخه.

ولا يدخل في البحث الخاص بالعلة، إلا ما كان الانقطاع فيه خفياً لا ظاهراً.

ولذلك لا نذكر من الأمثلة إلا ما كان الانقطاع فيها خفياً.

مثال الانقطاع الذي فيه إمكان الانقطاع وعدمه: ما رواه مدلّس، مثل: أبي إسحاق السبيعي، روى الترمذي قال: حدثنا عبدُ بن حميد، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب، قال:

ص: 65

مات رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تُحرّمَ الخمر، فلما حُرّمت الخمر قال رجال: كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر. فنزلت: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [المائدة:93]، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب.

فنرى أن الترمذي يحسن ويصحح الحديث، وذكر -فيما يظهر والله أعلم- رواية شعبة عن أبي إسحاق بعدها متابعة لإسرائيل لرفع الاختلاط والتدليس عن أبي إسحاق في هذا الحديث؛ لأن شعبة كان أشد الناس على التدليس والمدلسين، ولأنه سمع من أبي إسحاق قبل اختلاطه فيما يظهر.

فقال حدثنا بندار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: قال البراء فذكره ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.

ولكن هنا خفي الاتصال، وظهر للناظر فيه أن شعبة لم يكن يروي عن المدلسين ومن أوثق الناس فالحديث صحيح، ولكن قد ظهر الانقطاع الخفي بعد جمع الطرق، فقد روى أبو يعلى في مسنده بعد إخراجه هذا الحديث: شعبة قال لأبي إسحاق: أسمعته من البراء؟ قال: لا (1) . وعليه فالحديث منقطع.

وهذا النوع من الانقطاع الخفي.

وأخرجه الدارقطني في سننه (2) من ثلاث طرق:

الأولى: من طريق معاوية بن سعيد التُجيببي ثنا الزهري عن أم عبد الله الدوسية.

(1) مسند أبي يعلى (3/266) .

(2)

وانظر أحاديث معلة ظاهرها الصحة (ص65-66) .

ص: 66

الثانية: من طريق الحكم بن عبد الله بن سعد عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجمعة واجبة على أهل كل قرية وإن لم يكونوا إلا ثلاثة رابعهم إمامهم".

وقال الدارقطني في الثانية أي التي فيها التحديث: لا يصح هذا عن الزهري، كل من رواه عنه متروك.

وقال في الثالثة: الزهري لا يصح سماعه من الدوسية، والحكم هذا متروك (1) .

فهنا قد يخفى هذا الانقطاع، فإن الزهري وصف بتدليس قليل وبخاصة مع تصريح التحديث في بعض الروايات، فهذا النوع من الانقطاع الخفي داخل في العلة.

ومن أمثلة العلة في اتصال السند إذا ثبت الانقطاع فيه وظاهره السلامة منه:

ما رواه أبو داود: قال حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل والحسن بن علي قالا: ثنا عبد الرزاق -قال أحمد- ثنا معمر أخبرني أشعث، وقال الحسن: عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في مستحَمِّه ثم يَغْتَسِل فيه"، وفي رواية:"ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه"(2) .

قال الحاكم في المستدرك: ”صحيح على شرطهما“، ووافقه الذهبي (3) .

(1) سنن الدارقطني (2/19) .

(2)

سنن أبي داود (1/7) باب في البول في المستحم، وهوفي مسند أحمد (5/56) .

(3)

مستدرك الحاكم (1/167) .

ص: 67

وقال المنذري في الترغيب: “إسناده صحيح متصل”.

وهذا الإسناد الذي حكموا عليه بالصحة لا شك أن رجاله ثقات ولكن له علة خفية، وهي عنعنة الحسن وهو البصري.

قال الذهبي فيه: “كان الحسن البصري كثير التدليس، فإذا قال في حديث: عن فلان، ضَعُفَ احتجاجه، ولا سيما عمن قيل: إنه لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه” (1) .

وهو وإن كانوا قد ذكروا له سماعاً من عبد الله بن مُغَفَّل، فليس معنى ذلك أن كل حديث له عنه موصول سمعه منه، بل لا بُدّ من تصريحه بالسماع من كل صحابي، يروي عنه ليكون حجة خالياً من عِلَّةٍ، هذا هو الذي يقتضيه علم مصطلح الحديث (2) .

ومن أمثلته: قال مُهنّا قلت لأحمد ويحيى: حدثوني عن عبد المجيد بن أبي روّاد عن عبيد الله بن عُمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفيان"، فقالا جميعاً: ليس بصحيح، وليس يعرف هذا الحديث من أحاديث عبيد الله ولم يسمع عبد المجيد بن أبي روَّاد من عُبيد الله شيئاً، ينبغي أن يكون عبد المجيد دلّسه سمعه من إنسان فحدث به (3) .

والانقطاع في الإسناد سبب مضعف للحديث كما هو واضح وهو قد يكون ظاهراً وقد يكون خفياً.

(1) ميزان الاعتدال (1/527) .

(2)

ينظر ضعيف سنن أبي داود (1/18) .

(3)

المنتخب من العلل للخلال (ص227) .

ص: 68

وهنا علّل الأئمة في الأحاديث المذكورة لخفاء الانقطاع.

ومن أمثلته ما ذكره الحاكم في "معرفته" بإسناده عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جلس مجلساً كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذاك".

قال أبو عبد الله: “هذا حديثٌ مَنْ تأمَّله لم يشك أنه من شرط الصحيح، وله علة فاحشة، ثم ذكر بإسناده أن مسلماً جاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبَّل بين عينيه وقال: دعني حتى أقبِّل رجلك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله، فذكر الحديث بإسناد البخاري فقال محمد بن إسماعيل: هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول، حدثنا به موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: ثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله، قال محمد بن إسماعيل: هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماعٌ من سهيل” (1) .

وكان الانقطاع هنا خفيّاً جداً، حتى أظهره أمير المؤمنين في الحديث: البخاري؛ لأن سهيلاً وموسى بن عقبة متعاصران، فقد مات سهيل بن أبي صالح سنة 138? تقريباً، ومات موسى بن عقبة قريباً من سنة 141?، وسهيل لم يوصف بالتدليس فيما أعلم، وأما موسى بن عقبة فقد تُكلِّم في روايته عن الزهري فقط، ولم يتكلم أحد في روايته عن سهيل، وكلاهما مدني، فتعليل البخاري الحديث بالانقطاع بينهما -وقد كان خفياً شديداً- له اعتباره، فقد خفي هذا الانقطاع حتى على مسلم رحمه الله.

(1) معرفة علوم الحديث (113-114) .

ص: 69

ويدخل في علة الانقطاع روايات شيوخ ثقات قد سمعوا من شيوخهم أحاديث كثيرة فإذا روى أحدهم من أحد شيوخه حديثاً لم يسمع منه، خفي على الناظر عدم السماع وحكم على الحديث بالاتصال والصحة في حين أن الحديث فقد شرط الاتصال.

وهذا النوع من العلة لا يظهر إلا للجهابذة الذين يتتبعون روايات الشيخ واحدة واحدة.

قال الإمام أحمد: قال سفيان: قلت لرجل: سل زيداً -يعني ابن أسلم- سمعته من عبد الله -يعني ابن عمر- حديث: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجد بني عمرو ابن عوف، وهِبْتُ أن أسأله، فقال: يا أبا أسامة سمعتَه من عبد الله بن عمر؟ فقال: أما أنا فقد رأيته وكلّمته".

قال أحمد أيضاً: حدثنا سفيان قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ (1) .

قال سفيان حدثنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن يحيى منذ أربع وسبعين، فسألت بعد ذلك بقليل، فكان يحيى أكبر منه.

قال أحمد: قال سفيان: سمعت منه ثلاثة أحاديث، وسمعت أنا هذا الحديث من سفيان ثلاث مرار.

قال: قال سفيان: لم أسمع منه حديث عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحمّام والمقبرة. قال الإمام أحمد: قد حدثنا به سفيان دلّسه (2) .

(1) أخرجه الترمذي (1/66) أبواب الطهارة، باب ما جاء فيمن توضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه مرتين مرتين، ومسح برأسه وغَسل رجليه مرتين، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

العلل ومعرفة الرجال (1/191-192) .

ص: 70

وأخرج الترمذي من طريق إبراهيم النخعي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن المسح على الخفين، فقال:"للمسافر ثلاثة وللمقيم يوم"، ثم قال: وقد روى الحكم بن (عتيبة) وحماد عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت، ولا يصح.

وقال: قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح (1) .

(1) سنن الترمذي (1/160) ، أبواب الطهارة، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، وأخرجه أحمد (5/215،213) ، والبيهقي (1/278) من هذا الطريق.

ص: 71