الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام، وأقوال أصحابها في أوجه الإعجاز المعتبرة، والثانية: بيان أوجه الإعجاز التى دارت حولها أقوال العلماء.
ولكن يسبق ذلك لتمام الفائدة، ولحاجة البحث مسائل تتعلق ببيان المراد بمصطلح إعجاز القرآن، وأهمية علم الإعجاز، وحاجة المفسرين إليه، ومناط الإعجاز المتفق عليه عند علماء الأمة، ورد ما يخالف ذلك.
أسأل الله العلي القدير أن يوفق لإتمامه على النحو الذي يرضيه سبحانه، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به، ويثيبني بما هو أهله عز وجل وأن يتجاوز عما يكون فيه من تقصير هو من لوازم البشر، والله من وراء القصد وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.
بيان المراد بـ (إعجاز القرآن)
مصطلح "إعجاز القرآن" –كما يبدو من صياغته-مركب إضافي، طرفاه كلمتا:(إعجاز) و (القرآن) ولمعرفة المراد بهذا المركب يلزم تحديد معنى طرفه الأول وهو كلمة "الإعجاز" ثم معرفة المراد بالمصطلح كله عند إضافة هذه الكلمة إلى (القرآن)
فما معنى الإعجاز؟؟
الإعجاز: مصدر أعجز، ومادة الكلمة هي العجز، وكلام أهل اللغة في معناها يدور حول الضعف، وعدم القدرة على النهوض بالأمر، وكذلك القعود عما يجب فعله.
قال ابن منظور: (العجز: نقيض الحزم والعجز: الضعف، والمعجزة بفتح الجيم وكسرها: مفعلة من العجز: عدم القدرة، وفي الحديث- كل
شيء بقدر حتى العجز والكيس (1) .- وقيل أراد بالعجز: ترك ما يجب فعله بالتسويف) (2) .
ومقتضى آخر الكلام فيما ساقه صاحب اللسان أن العجز أعم من أن يكون ضعفا وانعدام قدرة،وإنما يمكن أن يعني ترك الأمر تسويفا، مما يفهم منه أن ما ترك في حيز القدرة عليه، لكن الباعث على تركه هو الكسل الحامل على التأجيل والتسويف.
لكن لنا في أصالة معنى العجز في الدلالة على عدم القدرة، وأن ترك الفعل عجزاً إنما يكون لعدم القدرة عليه في الأصل.
أقول: لنا في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذبك من الهم والحزن، والعجز والكسل.."(3) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: (إن الهم:لما يتصوره العقل من المكروه في الحال، والحزن لما وقع في الماضي، والعجز ضد الاقتدار، والكسل ضد النشاط)(4) .
فالجمع في الحديث بين الاستعاذة من كل من العجز والكسل فيه دلالة على تغاير المعنى فيهما، فالأول عدم القدرة والثاني عدم النشاط والنهوض للأمر.
(1) الحديث أخرجة مسلم في صحيحه: كتاب القدر، باب كل شئ بقدر
(2)
لسان العرب: مادة (عجز)
(3)
صحيح البخاري: كتاب الدعوات، باب الاستعاذة من الجبن والكسل
(4)
فتح البارى11/178
وعليه فالإعجاز: هو جعل من يقع عليه أمر التحدي بالشيء عاجزاً عن الإتيان به، ونسبته إلى العجز، وإثباته له، فالإعجاز بالنسبة للمعجز هو الفوت والسبق، يقال أعجزني فلان أي: فاتني،وبالنسبة للعاجز عدم القدرة على الطلب والإدراك (وقال الليث: أعجزني فلان إذا عجزت عن طلبه وإدراكه) (1) .
إذا كان هذا معنى الإعجاز، فبإضافته إلى القرآن، ومنهما يكون مصطلح:(إعجاز القرآن) كما سبق بيانه يكون المراد: إثبات القرآن عجز الخلق عن الإتيان بما تحداهم به، وهو أن يأتوا بمثله أو بشيء من مثله، فهو من إضافة المصدر إلى فاعله، والمفعول محذوف للدلالة على عموم من تحداهم القرآن، وهم الإنس والجن، وكذلك ما تعلق به الفعل محذوف للعلم به، وهو القرآن أو بعضه كما ثبت في كثير من آيات التحدي.
ويكتمل بيان المراد بهذا المصطلح إذا عرفنا أن إعجاز القرآن مَن تحداهم عن الإتيان بمثله أو بشيء من مثله ليس أمراً مقصوداً لذاته، وليس هو الغاية في نفسه، ولكن المقصود هو اللازم الناتج عن هذا الإعجاز، وهو إظهار وإثبات أن هذا الكتاب حق، ووحي من عند الله تعالى، ومقتضى ذلك كله إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به قومه من الرسالة، ودعاهم إليه من الإسلام، وعليه فإن حقيقة الإعجاز وهى إثبات العجز لمن وقع عليه التحدى استلزمت إظهار هذا العجز، وهذا الإظهار بدوره استلزم إظهار صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المقصود الأول من الإعجاز.
(1) لسان العرب:مادة (عجز)