الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمسائل التي أنكرها الملحدون من الكفار، وطعنوا بسببها في دين الإسلام لقصور إدراكهم عن معرفة حكمها البالغة) (1) .
وبالفعل ساق الشيخ من ذلك مسائل متعددة ذكر فيها هدى القرآن التي هي أقوم وأعدل في مجالات كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، فليرجع إليها من شاء في هذا التفسير في المجلد الثالث منه.
وممن اهتم بهذا الجانب كذلك الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى في كتابه (المعجزة الكبرى) وكذلك الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني رحمه الله تعالى في كتابه (مناهل العرفان في علوم القرآن)
وبالجملة:فإن هدى القرآن وتشريعه في إصلاح حياة البشر، وفي مراعاته لكل طوائفهم، وصلاحه لكل أزمنتهم وعصورهم تشريع معجز، لا يرقى إليه ولا يستطيعه تشريع بشري.
سابعا: الإعجاز العلمي
في القرآن الكريم ما يزيد على ألف آية تتحدث عن معالم هذا الكون، وتذكر مفرداته من: السموات والأرض، والشمس والقمر، والكواكب والنجوم، والجبال والبحار والأنهار، والمطر والرعد والبرق.. إلى آخره وإذا كانت هذه الآيات قد ذكرت تلك المفردات في سياق لفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله عز وجل في الخلق، استدلالاً على تفرده سبحانه بالربوبية والألوهية، وقياساً عليها أحقية البعث الذي أنكره الكفار، فإنها مع ذلك قد جاءت في أسلوب وعبارة تفتح أمام العقل البشري آفاقا واسعة للتفكير في
دلالاتها عبر عصوره المتعاقبة من بعد نزول القرآن، فيقوم لديه من هذه الدلالات في كل عصر ما يشهد بالحق الذي جاءت به.
وفي عصرنا الذي نعيشه، وفي غضون عشرات قليلة من السنين، وبالقياس إلى تاريخ البشرية الممتد وصلت المكتشفات العلمية المتعلقة بالكون في آفاقه، وفي أنفس مخلوقاته ما لم تصل إليه من قبل.
وانطلاقاً من اهتمام المسلمين بكتاب ربهم تبارك وتعالى، فإن علماءهم في هذا المجال بدؤوا يمعنون النظر والفكر في هذه الآيات، ويتلمسون فيها من جوانب القدرة –فيما أشارت إليه-ما يعد جانبا من جوانب الإعجاز القرآني، يصلح لدعوة الناس إلى دين الله سبحانه، في زمن فتن الناس فيه بالعلم، وبما تحقق من منجزاته فتنة عظيمة، وهذا ما يطلق عليه- من جوانب الإعجاز القرآني- الإعجاز العلمي.
وفي إيضاح يراه مهماً، يفرق أحد أبرز علماء الجيولوجيا-وهو الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار الذي عمل أستاذا للجيولوجيا في بعض جامعات العالم، ومنها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران بالمملكة العربية السعودية، وضم إلى ذلك اهتماما كبيرا بدراسة القرآن الكريم وعلومه-بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي، فيقول:(إن التفسير العلمي للقرآن الكريم يقصد به أن يوظف أهل كل جيل كل المعارف المتاحة لهم في حسن فهم دلالة القرآن الكريم) ويزيد كلامه وضوحاً فيقول (في مجال التفسير العلمي لا يتردد الإنسان أن يوظف كل المعارف المتاحة، الثابت منها وغير الثابت، لأن التفسير يبقى جهداً إنسانيا يصيب الإنسان فيه ويخطئ، وخطأ الإنسان في التفسير لا ينسحب على جلال القرآن الكريم، بل ينسحب على المفسر، لذلك لا بدلنا من توظيف كل المعارف المتاحة لحسن فهم دلالة
الآيات القرآنية- طبعا بعد التأهل للقيام بهذه المسؤولية الخطيرة- وهى التعرض لكلام الله، وهذا التأهل يقتضي فهماً للغة العربية وقواعدها وأسرارها، وفهما لأسباب النزول، وفهما للناسخ والمنسوخ، وفهما للمأثور من تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك لابد أن ينفر من كل جيل نفر من الناس يتأهلون لهذه العدة، ويعرضون فهما جديداً للآيات القرآنية، خاصة في مجال القضايا العلمية، والقضايا الكونية، بحيث لا يعتمد على التفسيرات القديمة فقط، ولذلك أقول:إن التفسير العلمي للقرآن الكريم لا نخاف أن نوظف فيه كل المعارف المتاحة من نظريات –فروض- حقائق علمية قطعية- القوانين،فكل هذا يوظف.
(أما بالنسبة للإعجاز العلمي، فلا يجوز لنا أن نوظف فيه إلا الحقائق العلمية القاطعة، لأن الإعجاز نريد به أن نثبت للناس مسلمين وغير مسلمين أن هذا القرآن العظيم الذي نزل على نبي أمي في أمة أمية قبل 1400سنة يحتوي من حقائق هذا الكون على ما لم يستطع الإنسان أن يتوصل إلى معرفته إلا بعد جهود مضنية وقبل عشرات السنين فقط)(1) .
وإذا كنا سنوافق هذا العالم الجليل على قوله، فلا بد من تحوُّط نسوقه بين يدي هذه الموافقة، وهو: أن المفسر للقرآن على هذا النحو، بل وكل مفسر ينبغي أن يصوغ عبارته بطريقة تفهم بأن ما قاله إنما هو فهمه من الآيات، الذي استطاع أن يتوصل إليه بعد أخذه بأدوات التفسير التي تؤهله لذلك، فلا يقطع بأن ما فهمه من الآية هو مراد الله تعالى منها.
(1) مجلة (العلميون) عدد يونيو سنة 1997 ص 48.
وهذا الأمر ينسحب على الإعجاز العلمي من جهة أن ما جاء في الآيات من مظاهره إنما هو توسيع لمدلول هذه الآيات في جوانب أخرى، إضافة إلى ما كان من جوانب سابقة، وسيأتي مزيد إيضاح لذلك.
على أننا نود أن ننبه هنا إلى أمرين على جانب كبير من الأهمية:-
أولهما: أنه لن يكون هناك تعارض أو تناقض بأي حال، ولا من أي نوع بين أي نص قرآني صريح في دلالته، وبين أي حقيقة علميه بلغت يقين المعاينة، والمشاهدة، ضرورة أن خالق الكون سبحانه هو منزل القرآن الكريم، ولن يكون تناقض أبداً بين قول الله تعالى وبين خلقه {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك:14) .
ثانيهما: أن القرآن الكريم في الأساس كتاب هداية، أنزله الله تعالى لإخراج الناس من الظلمات إلى النور:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الإسراء:9) . {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (إبراهيم:1) .
تلك هي مهمة القرآن الأصلية، وقد وضحت سبل الهداية فيه: في عقائده وتشريعاته، وكانت مظاهر القدرة في الآيات الكونية فيه- كما بيننا –وسيلة من وسائل الاحتجاج للحق الذي جاء به.
فالقرآن- والأمر كذلك-ليس كتاباً في العلوم التطبيقية مثل الطب أو الفيزياء أو الفلك أو الهندسة أو الزراعة أو التعدين ونحوها، وإنما هو دستور للهدى والحق، لكنه مع ذلك يتضمن في سياق آياته وفي رسم طريق الهداية للبشر من المعارف فيما سبق من العلوم بطريق التبع حقائق تدهش أهل التخصص في تلك العلوم، فيستقر في عقولهم من جراء ذلك ما يرسخ يقينهم، ويثبت إيمانهم إن كانوا مؤمنين أصلا أو يقيم الدليل عندهم على حق كانوا في
شك فيه- وهو صدق القرآن- إن كانوا غير مؤمنين، فيهتدون إلى الإسلام، وبذلك يتحقق المقصود النهائي من القرآن وهو الهداية –كما أسلفنا –أو تقوم الحجة عليهم في هذا الباب كما قامت في غيره من أبواب أخرى إن ظلوا على كفرهم مقيمين.
ونعود إلى اهتمام علماء المسلمين بهذا الجانب من جوانب الإعجاز في القرآن الكريم، لنجد أن جهوداً كبيرة قد بذلت في هذا المجال، ولعل من أبرز ما تمخضت عنه هذه الجهود: إنشاء هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في إطار رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، تلك الهيئة التي حددت أهداف نشاطها فيما يلي:
أولا: وضع القواعد والمناهج، وطرق البحث العلمي التي تضبط الاجتهادات في بيان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
ثانيا: إعداد جيل من العلماء والباحثين لدراسة المسائل العلمية والحقائق الكونية في ضوء ما جاء في القرآن والسنة.
ثالثا: صبغ العلوم الكونية بالصبغ الإيمانية، وإدخال مضامين الأبحاث المعتمدة في مناهج التعليم في شتى مؤسساته ومراحله.
رابعا: الكشف عن دقائق معاني الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث الشريفة المتعلقة بالعلوم الكونية في ضوء الكشوف العلمية الحديثة، ووجوه الدلالة اللغوية، ومقاصد الشريعة الإسلامية دون تكاليف.
خامسا: إمداد الدعاة والإعلاميين في العالم: أفراداً ومؤسسات بالأبحاث المعتمدة للانتفاع بها، كلُ في مجاله.
سادسا: نشر هذه الأبحاث بين الناس بصورة متناسبة مع مستوياتهم العلمية والثقافية، وترجمة ذلك إلى لغات المسلمين المشهورة، واللغات الحية في العالم.
وكان من إصدارتها من الكتب في هذا المجال: علم الأجنة في ضوء الكتاب والسنة، المصب والحواجز بين البحار في القرآن الكريم، تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في أ-عالم النحل ب- اللبن حـ- الحبة السوداء، علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة "باللغة الإنجليزية"، المفهوم الجيولوجي للجبال في القرآن والسنة "باللغة الإنجليزية"، إعجاز القرآن الكريم في وصف أنواع: الرياح والسحب والمطر، تأملات في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة حول: الإنسان في الارتفاعات العالية- الإحساس بالألم، الإعجاز العلمي في آيات السمع والبصر في القرآن الكريم، من أوجه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في عالم البحار، إلى غير ذلك من الكتب، والأشرطة المرئية (1) .
ويطول بنا المقام إذا نحن حاولنا التوسع في ذكر الأمثلة والشواهد على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ومع ذلك لا ينبغي أن يخلو البحث من مثل هذه الشواهد، وبخاصة ما التزم فيها جانب الرشد وفق ما قدمناه من الضوابط، فلم يقطع فيه الباحث بأن ما ذكر فيه هو مراد الله تعالى، وإنما استشهد بالدلالة اللغوية لعبارة القرآن على ما كشف عنه العلم في الجانب العلمي.
(1) يراجع ذلك في نهاية كتاب: (من أوجه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في عالم النبات) ص:46،47 وهو من إصدارات الهيئة، تأليف: د. قطب عامر فرغلي، د. السيد محمد زيدان الطبعة الأولى سنة 1417هـ.
وفي هذا الإطار نسوق قول الله تعالى في سورة النبأ: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً. وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} ففي إبراز وجه الإعجاز العلمي فيها يقول الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار:
(من أروع الحقائق الكونية التي وردت في هذا السياق أن الله تعالى قد جعل الجبال أوتاداً {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً. وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} النبأ:6،7- ووصف الجبال بأنها أوتاد هو من أبلغ صور الإعجاز العلمي في كتاب الله، وهذه شهادة صدق بأن القرآن الكريم كلام الله، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم أنبيائه ورسله، وأنه صلى الله عليه وسلم كان موصولاً بالوحى، معلما من قبل خالق السموات والأرض {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:3،4) .
(ففي الوقت الذي يصف فيه القرآن الكريم الجبال بأنها أوتاد قبل أربعة عشر قرناً، نجد كل المجامع اللغوية والعلمية إلى يومنا هذا تعرف الجبل بأنه: نتوء أرضي يرتفع بارزاً فوق ما يحيط به من الأرض بصوره تفوق ارتفاع التل، ويختلف الدارسون في تحديد ارتفاع كل من الجبل والتل، فبينما يضع بعضهم الحد الفاصل بين هذين الشكلين من أشكال سطح الأرض عند ارتفاع 305أمتار فوق مستوى سطح البحر، نجد آخرين يرفعونه إلى ضعف هذا الرقم، ومن ثم فإنهم يقصرون الجبال على المرتفعات الأرضية التي تفوق 610 أمتار فوق سطح البحر، ويعتبرون كل مادون ذلك من التلال أو الربى، والربوة عندهم هي التل المرتفع.
(وانطلاقاً من ذلك فإن "معجم مصطلحات علوم الأرض" يعرف الجبل بأنه: تل مرتفع، أو بصياغة أدق ربوة مرتفعة، أو مرتفع أرضي يفوق في ارتفاعه الأراضي المجاورة له بشكل ملحوظ.
(
…
وفي معجم البيئة الطبيعية "الفطرية" يعرف الجبل بأنه:" نتوء أرضي مرتفع بشكل ملحوظ تحيط به منحدرات شديدة تصل ارتفاعاته إلى مستوى الجروف البارزة، أو القمم الفردية السامقة، وليس للجبل ارتفاع محدد، وإن وصل ذلك في بريطانيا عادة إلى ما فوق-600متر أو 2000قدم –إلا إذا ارتفع الجبل فجأة من أرض منخفضة محيطه به"
(وفي دائرة المعارف البريطانية الجديدة يعرف الجبل بأنه:" منطقة من الأرض تعلو الأراضي المحيطة بها نسبيا بشكل واضح، وتضيف: وعليه فإن ما يدعى بالتلال في مناطق السلاسل الجبلية العظيمة كجبال الهملايا تعد جبالاً لو وجدت في إطار منطقة أخرى أقل تضاريسَ"
(وبالمثل تعرف دائرة المعارف الأمريكية الجبل بأنه: جزء من سطح الأرض يرتفع فوق مستوى المنطقة المحيطة به" وتضيف:: وبصفة عامة يتناقص ارتفاع السلاسل الجبلية على مراحل حتى يصل إلى مستوى السهول مروراً بمرحلة التلال، إلا أنه في بعض الأحوال تكون عمليه الانتقال من الجبال إلى السهول فجائية على هيئة منحدرات شديدة:
(ويتضح مما تقدم أن جميع التعريفات البشرية للجبال، اللغوية منها والعلمية تقتصر على تضاريس الأرض الناتئة بشموخ فوق باقي المناطق الأرضية المحيطة بها، سواء كانت تتميز بقمم سامقة أم لا، أو بسفوح متدرجة في الانخفاض، أو فجائية في الانحدار، التي عادة ما توجد في مجموعات متوازنة أو شبه متوازنة من الأطواق الطولية، أو المجموعات أو النظم أو السلاسل الجبلية، أو في محاور جبلية عملاقة للقارات، توجد بينها اتجاهات سائدة لمحاورها الطولية، وإن كان من الممكن للجبل أن يوجد على هيئة مرتفع منفرد معزول
(إن الدراسات الميدانية قد أثبتت منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي أن القشرة الأرضية تزداد في السمك تحت كل التضاريس المرتفعة فوق سطح البحر مثل- الجبال، الربى، التلال، الهضاب، القارات- ويبلغ سمك القشرة الأرضية مداه في المناطق الجبلية، حيث تندفع مادة الجبل لتخترق الغلاف الصخري للأرض- الذي يبلغ سمكه في المتوسط مائة كيلومتر- لتطفو في مادة لزجة شبه منصهرة، عالية الكثافة، توجد تحت الغلاف الصخري للأرض مباشرة، وتعرف باسم-النطاق الضعيف- وتحكم مادة الجبل الطافية في نطاق الضعف هذا قوانين الطفو التي تؤمن لكتلة الجبل دعما طافيا يعين الجبل على الانتصاب فوق سطح الأرض، وسبحان القائل: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} (الغاشية: 17-19)
وكلما أخذت عوامل التعرية من قمم الجبال ارتفعت تلك الجبال بفعل مادة وشاح الأرض، ويظل الأمر كذلك حتى تتساوى تلك الامتدادات العميقة للجبال مع سمك الغلاف الصخري للأرض، وحينئذ يتوقف الجبل عن الارتفاع وتصل الامتدادات العميقة للجبال إلى أضعاف مضاعفة لارتفاعها فوق سطح الأرض، وتتراوح بين عشرة أضعاف وخمسة عشر ضعفا بناء على التباين في كثافة الصخور المكونة للكتلة الجبلية.
(
…
وعلى ذلك: فإن امتدادات الجبال تحت سطح الأرض تفوق ارتفاعاتها فوق سطحها بأضعاف مضاعفة، تصل إلى أكثر من خمسة عشر ضعفا، فقمة:إفرست" التي يبلغ ارتفاعها فوق سطح البحر حوالي التسعة كيلومترات تقريبا (8848متر) لها امتدادات في الغلاف الصخري للأرض يصل إلى حوالي 135 كيلو مترا.
(وهنا تتضح صورة من أروع صور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الذي نزل قبل أربعة عشر قرنا ليصف الجبال بأنها "أوتاد" ففي كلمة واحدة أوتاد-شمل التعبير القرآني وصف كلٍ من الشكل الخارجي للجبال فوق سطح الأرض، وامتداداتها العميقة تحت ذلك السطح، كما وصف وظيفة الجبال، وهى تثبيت الغلاف الصخري للأرض في مادة الوشاح اللدنة، الموجودة تحت ذلك الغلاف الصخري مباشرة، تماما كالوتد الذي يندس معظمه تحت سطح الأرض، بينما يرتفع الجزء الأصغر منه فوق ذلك السطح.
(فسبحان الذي أنزل هذا الوصف الدقيق للجبال قبل أربعة عشر قرنا على خاتم أنبيائه ورسله، وسبحان الذي حفظ لنا هذا الوصف الدقيق شاهداً على أن القرآن الكريم كلام الله الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته)(1) .
بقى بعد ذلك أن ننبه إلى وجوب وضع هذا الوجه من الإعجاز في موضعه الصحيح، فإننا وإن قلنا به، ورغبنا فيه، وعددناه وسيلة لدعوة فريق من الناس إلى الحق،إلا أن ذلك ليس معناه أن كون القرآن حقا وصدقا يتوقف على القول بالإعجاز العلمي، حتى يتكلف البعض ذلك تكلفاً يوقع في أخطاء تعود في النهاية على الباحث في هذا المجال بعكس مقصوده، فالقرآن الكريم قد ثبت صدقه وكونه وحياً من عند الله تعالى بما سبق من وجوه الإعجاز الأخرى وبغيرها من الأدلة.
(1) مجلة (القافلة) : العدد 7، المجلد:43 رجب سنة 1415هـ-ديسمبر سنة1994، مقال بعنوان:" "من آيات الإعجاز العلمي في القرآن" أد/ زغلول النجار من ص1 إلى ص 4
ومن ثم فنحن مع الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى عندما نعى على المتكلفين في هذا الأمر، وبين كيفية التعامل مع هذا الوجه من الإعجاز في اعتدال لا شطط فيه ولا غلو، قال رحمه الله:
(وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة- أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسلفنا –تحتوى أولا على خطأ منهجي، كما أنها تنطوي على معان ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن الكريم:
الأولي: هي الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع، ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم، على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه، ونهائي في حقائقه، والعلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس
…
والثانية: سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته، وهى أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناءً يتفق- بقدر ما تسمح به طبيعة الإنسان النسبية- مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي، حتى لا يصطدم بالكون من حوله، بل يصادقه ويعرف بعض أسراره..
والثالثة: هي التأويل المستمر- مع التمحل والتكلف- لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يجد فيها جديد.
(وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن،كما أنه يحتوي على خطأ منهجي كما أسلفنا، ولكن هذا لا يعني ألا ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات- ومن حقائق – عن الكون والحياة والإنسان في فهم القرآن..كلا! إن هذا ليس هو الذي عنيناه بالبيان، ولقد قال الله سبحانه:
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} فصلت: 53) . ومن هذه الإشارة أن نظل نتدبر كل ما يكشفه العلم في الآفاق وفي الأنفس من آيات الله وأن نوسع بما يكشفه مدى المدلولات القرآنية في تصورنا) (1) .
فالقول بالإعجاز العلمي للقرآن، والبحث فيه أمر لا بأس به، بل هو مرغوب ومطلوب فيما أشرنا إليه من زيادة يقين المؤمن لإيناسه وتثبيته على الحق بما يرى من دلائله آناً بعد آن، وكذلك من إقامة الحجة على الكافر في مجالٍ فتن البشر بمنجزاته في مرحلة من الزمن تقدمت فيها العلوم المادية تقدما غير مسبوق.
هذا وهناك وجوه الإعجاز ذكرها العلماء ولم نتطرق إليها لضيق المقام، وهي:
1-
كون القرآن محفوظاً من الزيادة والنقصان على مر الدهور والأزمان.
2-
تيسير حفظه.
3-
شموله على جميع البراهين والأدلة على توحيد الألوهية والربوبية.
4-
إعجاز القرآن في أسمائه وأوصافه.
5-
إعجاز القرآن في حروف المعجم.
(1) في ظلال القرآن:1/182،183.