المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

النَّوْع الرَّابِع   مَا اخْتصَّ بِهِ صلى الله عليه وسلم من الْفَضَائِل - غاية السول في خصائص الرسول

[ابن الملقن]

الفصل: النَّوْع الرَّابِع   مَا اخْتصَّ بِهِ صلى الله عليه وسلم من الْفَضَائِل

النَّوْع الرَّابِع

مَا اخْتصَّ بِهِ صلى الله عليه وسلم من الْفَضَائِل والكرامات وَهِي أَيْضا قِسْمَانِ مُتَعَلق بِالنِّكَاحِ وَغير مُتَعَلق بِهِ

‌الْقسم الأول

الْمُتَعَلّق بِهِ وَفِيه مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى أَن أَزوَاجه اللَّاتِي توفّي عَنْهُن مُحرمَات على غَيره أبدا قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله وَلَا أَن تنْكِحُوا أَزوَاجه من بعده أبدا}

قيل نزلت فِي طَلْحَة بن عبيد الله فَإِنَّهُ قَالَ إِن مَاتَ لأَتَزَوَّجَن عَائِشَة

ص: 223

ولأنهن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قَالَ تَعَالَى {وأزواجه أمهاتهم} أَي مثل أمهاتهم فِي وجوب احترامهن وطاعتهن - كَمَا سَيَأْتِي - وَتَحْرِيم نِكَاحهنَّ لما فِي إحلالهن لغيره من النَّقْص لمنصبه

ولأنهن أَزوَاجه فِي الْجنَّة كَمَا رَأَيْته فِي الْخِصَال للخصاف من أَصْحَابنَا وعيون المعارف للقضاعي ذكره فِيمَا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء وَأمته فَإِن الْمَرْأَة فِي الْجنَّة لآخر أزواجها كَمَا قَالَ ابْن الْقشيرِي

وَلِأَنَّهُ حَيّ صلى الله عليه وسلم

وَلِهَذَا حكى الْمَاوَرْدِيّ وَجها أَنه لَا يجب عَلَيْهِنَّ عدَّة والوفاة

وفيمن فَارقهَا فِي الْحَيَاة كالمستعيذة وَالَّتِي وجد بكشحها بَيَاضًا ثَلَاثَة أوجه

ص: 224

أَحدهَا يحرمن أَيْضا وَهُوَ الْمَنْصُوص فِي أَحْكَام الْقُرْآن لشمُول الْآيَة السالفة

والبعدية فِي قَوْله تَعَالَى {من بعده} عِنْد هَذَا الْقَائِل لَا تخْتَص بِمَا بعد الْمَوْت بل بِمَا هُوَ أَعم مِنْهُ فَيكون التَّقْدِير من بعد نِكَاحه

قَالَ بَعضهم وحرمن لوُجُوب محبَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِن الْعَادة أَن زوج الْمَرْأَة يكره زَوجهَا الأول قَالَ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا أرجح

وَقَالَ ابْن الصّلاح إِنَّه أشبه بِظَاهِر نَص الشَّافِعِي

وَقيل إِن وَجه التَّفْصِيل - يَعْنِي الثَّلَاثَة - أصح

وَعبارَة الْقُضَاعِي تقضي هَذَا الْوَجْه أَيْضا فَإِنَّهُ أطلق أَن نِسَاءَهُ حرمن على غَيره وَجعل ذَلِك من خَصَائِصه دون غَيره من الْأَنْبِيَاء

وَثَانِيها لَا يحرمن لإعراض النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنْهَا وَانْقِطَاع الاعتناء بهَا وَلِأَن فِي ذَلِك إِضْرَارًا والبعدية على هَذَا مَخْصُوصَة بِمَا بعد الْمَوْت

وَثَالِثهَا وَبِه قَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه الصَّحِيح

وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير إِنَّه الْأَظْهر وَصَححهُ الْمَاوَرْدِيّ وَالْغَزالِيّ أَيْضا

وَقَالَ الإِمَام إِنَّه الأعدل

وَجزم بِهِ صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير

يحرم الْمَدْخُول بهَا

فَقَط لما رُوِيَ أَن الْأَشْعَث بن قيس نكح المستعيذة فِي زمن عمر رضى الله عَنهُ فهم عمر برجمها

فَأخْبر أَنه لم

ص: 225

يكن مَدْخُولا بهَا فَكف عَنْهُمَا

كَذَا أوردهُ الإِمَام وَالْغَزالِيّ وَالْقَاضِي قَالَ هم بجلد الْأَشْعَث بدل رجمه

وَالْمَاوَرْدِيّ ذكره كَالْأولِ وَذكر أَنه رُوِيَ أَنه عليه الصلاة والسلام تزوج فِي ربيع الأول من سنة عشر - الَّتِي مَاتَ فِيهَا - قتيلة أُخْت الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ وَلم يدْخل بهَا فأوصى فِي مرض مَوته أَن تخير إِن شَاءَت أَن يضْرب عَلَيْهَا الْحجاب وَتحرم على الْمُؤمنِينَ (وتجري عَلَيْهَا مَا يجْرِي على أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ) وَإِن شَاءَت أَن تنْكح من شَاءَت فَاخْتَارَتْ النِّكَاح فَتَزَوجهَا عِكْرِمَة بن أبي جهل بحضرموت فَبلغ أَبَا بكر رضي الله عنه فَقَالَ لقد هَمَمْت أَن أحرق عَلَيْهِمَا فَقَالَ عمر رضي الله عنه مَا هِيَ من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ مَا دخل بهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا ضرب عَلَيْهَا حِجَابا فَكف عَنْهُمَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ

ص: 226

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فَصَارَ كالإجماع

فَإِن حرمنا فَفِي أمة يفارقها بِالْمَوْتِ أَو غَيره بعد وَطئهَا وَجْهَان فِي الرَّافِعِيّ وهما فِي التَّهْذِيب أَحدهمَا لَا يحل كالمنكوحة الَّتِي فَارقهَا

وَالثَّانِي لَا لِأَن مَارِيَة غير مَعْدُودَة فِي أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِن مَاتَ عَنْهَا كمارية أم وَلَده إِبْرَاهِيم حرم نِكَاحهَا وَإِن لم تصر أما للْمُؤْمِنين كالزوجات لنقصها بِالرّقِّ

وَإِن بَاعهَا فَفِي تَحْرِيمهَا على مشتريها وعَلى سَائِر الْمُسلمين وَجْهَان كالمطلقة

وَجزم فِي بَاب اسْتِبْرَاء أم الْوَلَد بِالتَّحْرِيمِ وينتظم من ذَلِك ثلَاثه أوجه

ثمَّ الْأَوْجه السالفة فِي غير المخيرات أما المخيرات فَمن اخْتَارَتْ مِنْهُنَّ الدُّنْيَا فَفِي حلهَا للأزواج طَرِيقَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ بطرد الْأَوْجه

وَقطع أَبُو يَعْقُوب الأبيوردي وَآخَرُونَ بِالْحلِّ لتحصل فَائِدَة

ص: 227

التَّخْيِير

وَهُوَ التَّمَكُّن من زِينَة الدُّنْيَا وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الإِمَام وَنقل الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَمنعه الْغَزالِيّ

فَإِن قُلْنَا لَا تحل فَفِي وجوب نَفَقَتهَا من خمس الْخمس وَجْهَان

أَحدهَا تجب كَمَا تجب نَفَقَة اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن لتحريمهن

وَثَانِيها لَا لِأَنَّهَا لم تجب فِي حَيَاته فَأولى أَن لَا تجب بعد مَوته وَلِأَنَّهَا مَقْطُوعَة الْعِصْمَة بِالطَّلَاق

(فَائِدَة) فِي عدد أَزوَاجه وَمن مَاتَ مِنْهُنَّ فِي حَيَاته وَمن فارقهن وَمن مَاتَ عَنْهُن فِي عصمته صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَعَهم

وَقد تزوج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا قيل أَربع عشرَة وَقيل خمس عشرَة حَكَاهُ ابْن الصّباغ

وَأَنه دخل مِنْهُنَّ بِثَلَاث عشرَة وَقيل سبع عشرَة وَقيل ثَمَانِي عشرَة حَكَاهُ القَاضِي حُسَيْن وَابْن الصّباغ أَيْضا

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ ثَلَاثًا وَعشْرين سِتّ متن قبله وتسع مَاتَ قبلهن

ص: 228

وثمان فارقهن

واللاتي متن قبله خَدِيجَة بنت خويلد رضي الله عنها وَهِي أول نِسَائِهِ تزَوجهَا قبل النُّبُوَّة عِنْد مرجعه من الشَّام وعمره خمس وَعِشْرُونَ سنة

وَهِي أم أَوْلَاده خلا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة من كورة انصنا من الديار المصرية كَانَ الْمُقَوْقس أهداها لَهُ وَلم يتَزَوَّج على خَدِيجَة حَتَّى مَاتَت كَمَا هُوَ مخرج فِي الصَّحِيح

وَكَانَ مَوتهَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَهِي أول من آمن من النِّسَاء قطعا

ص: 229

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَقّهَا خير نسائها مَرْيَم بنت عمرَان وَخير نسائها خَدِيجَة وَقَالَت عَائِشَة رضي الله عنها مَا غرت على امْرَأَة مَا غرت عَلَيْهَا من كَثْرَة ذكر رَسُول الله إِيَّاهَا

قَالَت تزَوجنِي بعْدهَا بِثَلَاث سِنِين وَأمره ربه أَو جِبْرِيل أَن يبشرها بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب

// رَوَاهُ البُخَارِيّ //

وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن عَائِشَة ناظرت فَاطِمَة رضي الله عنهما فَقَالَت تزَوجنِي بكرا وَتزَوج أمك ثَيِّبًا فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (قولي لَهَا إِن كَانَ قد أخذك بكرا فقد أخذت هِيَ رَسُول الله بكرا)

وَلأَجل هَذَا قَالَ فريق من أَصْحَابنَا - كَمَا قَالَ القَاضِي وَالْمُتوَلِّيّ - إِن خَدِيجَة

ص: 230

أفضل من عَائِشَة

وَقَالَ فريق بل عَائِشَة أفضل لدوام صحبتهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد النُّبُوَّة وَطول مدَّتهَا إِلَى مَوته وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ (أريتك فِي الْمَنَام ثَلَاث لَيَال جَاءَنِي بك الْملك فِي سَرقَة من حَرِير فَيَقُول هَذِه امْرَأَتك فأكشف عَن وَجهك فَإِذا أَنْت هِيَ فَأَقُول (إِن يكن من عِنْد الله يمضه) // أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ //

وَجه الدّلَالَة قَوْله (هَذِه امْرَأَتك)

وَالسَّرِقَة وَاحِدَة السرق وَهُوَ الشقق الْبيض من الْحَرِير خَاصَّة

وَلِأَنَّهَا كَانَت حب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ عليه الصلاة والسلام (فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام)

وَسَأَلَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ (عَائِشَة)

// أخرجه البُخَارِيّ //

وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا أَيْضا فِي أَن عَائِشَة أفضل من فَاطِمَة أم فَاطِمَة أفضل مِنْهَا وَقد تقدم مناظرتها لَهَا فِيمَا حكيناه عَن القَاضِي حُسَيْن فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قبل النَّوْع الثَّالِث

نعم هِيَ لَا توجب التَّفْضِيل

قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب مرج الْبَحْرين ذكر بعض الجهلة أَن عَائِشَة أفضل من فَاطِمَة وَاسْتدلَّ على ذَلِك أَنَّهَا عِنْد عَليّ فِي الْجنَّة وَعَائِشَة عِنْد

ص: 231

رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

قَالَ وَهَذَا لَا يُوجب التَّفْضِيل

ثمَّ أَطَالَ فِي الرَّد عَلَيْهِ قَالَ وَسُئِلَ الْعَالم الْكَبِير أَبُو بكر بن دَاوُد بن عَليّ أعائشة أفضل أم خَدِيجَة فَقَالَ عَائِشَة أقرأها السَّلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم من جِبْرِيل وَخَدِيجَة أقرأها جِبْرِيل

ص: 232

السَّلَام من رَبهَا على لِسَان نبيه فَهِيَ أفضل

فَقيل لَهُ فَمن أفضل أخديجة أم فَاطِمَة فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن فَاطِمَة بضعَة مني) وَلَا أعدل ببضعة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحدا

قلت وَلَقَد قَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام حِين بَكت بَعْدَمَا سَارهَا ثَانِيًا عِنْد مَوته (أما ترْضينَ أَن تَكُونِي سيدة نسَاء الْمُؤمنِينَ) أَو (سيدة نسَاء هَذِه الْأمة) فَضَحكت

وَلَيْسَ لَهَا فِي الصَّحِيح سواهُ

وَقَوْلها لما دفن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا أنس أطابت أَنفسكُم أَن تحثوا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم التُّرَاب

وَادّعى ابْن دحْيَة فِي تنويره أَنه لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ سوى الأول

قَالَ الْعلمَاء وَفَاطِمَة أفضل من أخواتها لِأَنَّهُنَّ فِي ميزَان النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي ميزانها

أما مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لزيد بن حَارِثَة أَلا تَنْطَلِق فتجيء بِزَيْنَب - يَعْنِي ابْنَته لما خرجت

ص: 233

من مَكَّة وأدركها هَبَّار بن الْأسود حَتَّى أَلْقَت مَا فِي بَطنهَا وَأَعْطَاهُ خَاتمه وَجَاء إِلَى راعي غنم لَهَا فَأعْطَاهُ الْخَاتم واستكتمه فَأَعْطَاهَا الْخَاتم فعرفته حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْل خرجت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا ارْكَبِي بَين يَدي قَالَت لَا لَكِن اركب أَنْت فَركب وَركبت وَرَاءه حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم هِيَ أفضل بَنَاتِي أُصِيبَت فِي

فَجَوَابه - إِن صَحَّ - أَنه يحْتَمل كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ وهب الله لفاطمة من الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَالْأَحْوَال السّنيَّة والكمال مَا لم يشركها فِيهِ أحد من بَنَاته سواهَا

وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن مَجِيء زيد بِزَيْنَب بِأَن زيدا كَانَ فِي حكم التبني أَخا لِزَيْنَب محرما لَهَا جَائِزا لَهُ السّفر بهَا كَمَا يجوز للْأَخ لَو كَانَ لَهَا

الثَّانِيَة زَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة أم الْمَسَاكِين دخل بهَا وأقامت عِنْده شهورا ثمَّ مَاتَت وَهِي أُخْت مَيْمُونَة بنت الْحَارِث من أمهَا وَجزم ابْن الْأَثِير فِي معرفَة الصَّحَابَة بِأَنَّهُ لم يمت من أَزوَاجه قبله غَيرهَا وَغير خَدِيجَة

ص: 234

الثَّالِثَة سبا بنت الصَّلْت مَاتَت قبل أَن يصل إِلَيْهَا

الرَّابِعَة أساف أُخْت دحْيَة الْكَلْبِيّ مَاتَت قبل أَن تصل إِلَيْهِ

الْخَامِسَة خَوْلَة بنت الْهُذيْل مَاتَت قبل أَن يدْخل بهَا وَقيل هِيَ الَّتِي وهبت نَفسهَا

السَّادِسَة خَوْلَة بنت حَكِيم السلمِيَّة مَاتَت قبل أَن يدْخل بهَا وَقيل أَيْضا الَّتِي وهبت نَفسهَا

ص: 235

وَأما التسع اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن

فَالْأولى عَائِشَة بنت الصّديق

تزَوجهَا بعد موت خَدِيجَة بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث كَمَا سلف عَن رِوَايَة البُخَارِيّ

وَالْأولَى فِي البُخَارِيّ أَيْضا بِمَكَّة وَهِي بنت سبع أَو سِتّ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيح

وَبنى بهَا بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّال فِي السّنة الثَّانِيَة وَقَالَ الْوَاقِدِيّ فِي الأولى وَقَالَ ابْن دحْيَة الأول هُوَ

ص: 236

الصَّحِيح والواقدي كَذَّاب

وَقَالَ الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي بل الصَّحِيح مَا قَالَه الْوَاقِدِيّ فأوضحه

وَهِي بنت تسع وَلم يتَزَوَّج بكرا غَيرهَا

وَمَات عَنْهَا وَهِي بنت ثَمَانِي عشرَة سنة

وَهِي أول أمْرَأَة تزَوجهَا بعد خَدِيجَة

وَقيل بل تزوج قبلهَا سَوْدَة بنت زَمعَة

وَكَانَت عَائِشَة أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ

ص: 237

الثَّانِيَة سَوْدَة بنت زَمعَة تزَوجهَا بعد عَائِشَة كَمَا أخْبرت بذلك فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَمَّا عرف أَخُوهَا عبد بن زَمعَة حثا التُّرَاب على رَأسه ثمَّ سفه نَفسه فِي ذَلِك لما أسلم

الثَّالِثَة حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي عَنْهُمَا تزَوجهَا بِالْمَدِينَةِ بعد سَوْدَة

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ كَانَ عُثْمَان خطبهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة

ص: 238

وَالسَّلَام (أَلا أدلك على من هُوَ خير لَهَا من عُثْمَان وأدل عُثْمَان على من هُوَ خير لَهُ مِنْهَا)

وَتَزَوجهَا عليه الصلاة والسلام وَزوج بنته أم كُلْثُوم بعثمان

وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم طَلقهَا فَقيل لَهُ رَاجعهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وفيهَا وَفِي عَائِشَة نزل قَوْله تَعَالَى (إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا)

الرَّابِعَة أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان - رَملَة - كَانَت تَحت عبيد الله بن

ص: 239

جحش مَاتَ عَنْهَا بِأَرْض الْحَبَشَة وَزوجهَا مِنْهُ عُثْمَان بن عَفَّان

وَقيل خَالِد بن سعيد بن العَاصِي

وَقيل الْوَلِيد وهم أَوْلَاد عَم أَبِيهَا بِإِذْنِهَا

وَقيل النَّجَاشِيّ وَقبل لَهُ وَكيله عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَأَمْهَرهَا النَّجَاشِيّ عَنهُ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم

وَقيل تزوج بِالْمَدِينَةِ بعد مجيئها من الْحَبَشَة

وَمَا وَقع فِي مُسلم أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم الْفَتْح أزَوجك أجمل الْعَرَب وَأَحْسبهُ أم حَبِيبَة قَالَ (نعم) فطعن ابْن حزم فِي شريك رَاوِيه

فَأجَاب غَيره بِأَن المُرَاد تَجْدِيد العقد أَو غير ذَلِك مِمَّا أوضحته فِي كتاب الْوكَالَة من تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ ونقلته إِلَى شرح الْعُمْدَة فسارع إِلَيْهَا

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقيل إِن فِي تَزْوِيجهَا نزل قَوْله تَعَالَى {عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة}

وَلما تنَازع أَزوَاجه عليه الصلاة والسلام فِي حضَانَة ابْنه إِبْرَاهِيم قَالَ ادفعوه إِلَى أم حَبِيبَة فَإِنَّهَا أقربهن مِنْهُ رحما

ص: 240

الْخَامِسَة مِنْهُنَّ أم سَلمَة هِنْد بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة المخزومية تزَوجهَا بعد وَفَاة أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد

السَّادِسَة مَيْمُونَة بنت الْحَارِث خَالَة ابْن عَبَّاس

وكل النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَبَا رَافع فِي قبُول نِكَاحهَا وَهِي بِمَكَّة

وَهل كَانَ حَلَالا أَو محرما فَفِيهِ خلاف قَدمته

وَدخل بهَا عَام الْفَتْح سنة ثَمَان بسرف وَبِه مَاتَت

وَبَدَأَ بِهِ صلى الله عليه وسلم الْمَرَض فِي بَيتهَا

وَرُوِيَ أَنه تزَوجهَا عمْرَة الْقَضَاء وَكَانَت سنة سبع

قَالَ عَطاء وَكَانَ لَا يقسم لَهَا فَلَعَلَّهُ كَانَ يرضاها

وَهُوَ مَا حَكَاهُ

ص: 241

الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره

الْمَعْرُوف أَن الَّتِي لَا يقسم لَهَا سَوْدَة

قَالَ عَطاء وَكَانَت آخِرهنَّ موتا مَاتَت بِالْمَدِينَةِ

السَّابِعَة صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب من سبي بني النَّضِير من ولد هَارُون عليه السلام اصطفاها عليه السلام وأعتقها وَتَزَوجهَا فِي سنة سبع

وَهِي الَّتِي أَهْدَت إِلَيْهَا زَيْنَب بنت سَلام الْيَهُودِيَّة الشَّاة المسمومة فَأكل مِنْهَا صلى الله عليه وسلم وَسميت صَفِيَّة لاصطفائها من الْمغنم وَقيل بل كَانَ اسْمهَا من قبل

الثَّامِنَة جوَيْرِية بنت الْحَارِث من بني المصطلق من خُزَاعَة

سبيت

ص: 242

فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع

وَقد تقدم فِي رِوَايَة أَنه عليه الصلاة والسلام جعل عتقهَا صَدَاقهَا

وَفِي أبي دَاوُد أَنَّهَا جَاءَت تستعينه فِي كتَابَتهَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (أؤدي عَنْك كتابتك وأتزوجك) قَالَت قد فعلت

فَلَمَّا تسامع النَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تزَوجهَا أرْسلُوا بِمَا فِي أَيْديهم من السَّبي فأعتقوهم وَقَالُوا أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

فَكَانَت أبرك امْرَأَة على قَومهَا عتق بِسَبَبِهَا أَكثر من مائَة أهل بَيت من بني المصطلق

التَّاسِعَة زَيْنَب بنت جحش وَكَانَ اسْم أَبِيهَا مرّة فَسَماهُ

ص: 243

رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جحشا

وَقَالَ (لَو كَانَ مُسلما سميناه اسْما من أسمائنا)

وَكَانَت ابْنة عمته لِأَن أمهَا أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب

وَبَدَأَ ابْن الْأَثِير فِي جَامعه بعائشة ثمَّ بحفصة ثمَّ أم سَلمَة ثمَّ بِزَيْنَب ثمَّ بِأم حَبِيبَة ثمَّ بصفية ثمَّ بجويرية ثمَّ بسودة ثمَّ بميمونة وَهَذَا التَّرْتِيب بِحَسب فضلهن كَمَا ادَّعَاهُ صَاحب الْمطلب لَا بِحَسب التَّقْدِيم فِي النِّكَاح

قَالَ فَإِن أول من تزوج بعد خَدِيجَة على الْمَشْهُور عَائِشَة ثمَّ سَوْدَة ثمَّ حَفْصَة ثمَّ أم سَلمَة ثمَّ أم حَبِيبَة ثمَّ زَيْنَب بنت جحش ثمَّ مَيْمُونَة ثمَّ جوَيْرِية ثمَّ صَفِيَّة كَذَا قَالَ

وَقَالَ أَعنِي ابْن الْأَثِير - فِي معرفَة الصَّحَابَة أول نِسَائِهِ خَدِيجَة ثمَّ بعْدهَا سَوْدَة وَقيل عَائِشَة وَتزَوج حَفْصَة سنة ثَلَاث وَزَيْنَب بنت جحش سنة خمس

وَقيل غير ذَلِك

وَأم حَبِيبَة سنة سِتّ وَبنى بهَا سنة سبع

وَجُوَيْرِية سنة سِتّ وَقيل خمس

ومَيْمُونَة سنة سبع وَصفِيَّة سنة تسع

وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة سنة ثَلَاث

وَأم سَلمَة سنة أَربع

وَأما الثمان اللَّاتِي فارقهن فِي حَيَاته

أ - فأسماء بنت النُّعْمَان الكندية المستعيذة على أحد الْأَقْوَال

ص: 244

ب - وليلى بنت الخطيم الأوسية أَتَت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غافل فَضربت ظَهره

فَقَالَ (من هَذَا أكله الْأسد)

فَقَالَت أَنا ليلى جِئْت أعرض عَلَيْك نَفسِي فَقَالَ (قد قبلت)

ثمَّ علمت كَثْرَة ضرائرها فاستقالته فأقالها

فَدخلت حَائِطا بِالْمَدِينَةِ فَأكلهَا الذِّئْب

ج - وَعمرَة بنت يزِيد الْكلابِيَّة دخل بهَا ثمَّ رَآهَا تتطلع فَطلقهَا

د - الْعَالِيَة بنت ظبْيَان دخل بهَا وَمَكَثت عِنْده مَا شَاءَ الله ثمَّ طَلقهَا

هـ - وَفَاطِمَة بنت الضَّحَّاك اخْتَارَتْ فِرَاقه عِنْد التَّخْيِير ففارقها بعد الدُّخُول

ووَقتيلَة بنت قيس أُخْت الْأَشْعَث بن قيس تزَوجهَا فِي مَرضه فَاخْتَارَتْ فِرَاقه وَلم يدْخل بهَا

ز - ومليكة بنت كَعْب الليثية كَانَت مَذْكُورَة بالجمال فَقيل إِن عَائِشَة رضي الله عنها دست إِلَيْهَا أَلا تستحين تزوجي قَاتل أَبِيك يَوْم الْفَتْح فاستعيذي مِنْهُ فَإِنَّهُ يعيذك فَفعلت فَطلقهَا

ص: 245

ح - وَامْرَأَة من غفار رأى بكشحها وضحا فَقَالَ (ضمي إِلَيْك ثِيَابك والحقي بأهلك)

فَهَؤُلَاءِ ثَمَان دخل مِنْهُنَّ بِثَلَاث

تذنيب

أخرج فِي الصَّحِيح أَنه عليه السلام كَانَ يَدُور على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار وَهن إِحْدَى عشرَة قيل لأنس وَكَانَ

ص: 246

يطيقه قَالَ كُنَّا نتحدث أَنه أعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ

وَهُوَ صَرِيح فِي الْجمع بَين إِحْدَى عشرَة فِي وَقت وَاحِد

التسع اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن وَاثْنَتَانِ غَيْرهنَّ

وَلَا يجوز أَحدهمَا زَيْنَب بنت خُزَيْمَة لِأَنَّهُ لَا يجمع بَينهَا وَبَين أُخْتهَا مَيْمُونَة

نعم يجوز ان يَكُونَا من الثَّلَاثَة الْمُتَقَدّمَة اللَّاتِي دخل بِهن إِمَّا أَسمَاء أَو فَاطِمَة أَو عمْرَة

(فَائِدَة) تسرى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بمارية الْقبْطِيَّة أم وَلَده إِبْرَاهِيم وَرَيْحَانَة بنت عَمْرو وَهِي من بني قُرَيْظَة ثمَّ أعْتقهَا فلحقت بِأَهْلِهَا

وَقيل إِنَّه تزَوجهَا ثمَّ طَلقهَا

وَقيل مَاتَ عَنْهَا وَهِي زوجه

وَفِي الشَّامِل لِابْنِ الصّباغ أَنه اتخذ من الْإِمَاء ثَلَاثًا

ص: 247

وَقد قدمت عَن الْمَاوَرْدِيّ أَن رَيْحَانَة أسلمت ذكرته فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قبل النَّوْع الثَّالِث

وَقد آن لنا أَن نعود إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول

المسالة الثَّانِيَة من هَذَا النَّوْع فأزواجه عليه الصلاة والسلام أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قَالَ تَعَالَى {وأزواجه أمهاتهم}

وَقَرَأَ مُجَاهِد وَهُوَ أَب لَهُم وَقيل إِنَّهَا قِرَاءَة أبي بن كَعْب

قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر أمهاتهم فِي معنى دون معنى

وَذَلِكَ أَنه لَا يحل نِكَاحهنَّ بِحَال وَلَا يحرم بَنَات لَو كن لَهُ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام زوج بَنَاته وَهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ

وَذكر نَحوه فِي الْأُم

وَجعل الْقُضَاعِي ذَلِك لَهُ دون غَيره من الْأَنْبِيَاء وَقد خُولِفَ فِي ذَلِك كَمَا سَيَأْتِي

فأزواجه صلى الله عليه وسلم أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ سَوَاء من مَاتَ تَحْتَهُ وَمن مَاتَ عَنْهَا وَهِي تَحْتَهُ

وَذَلِكَ فِي تَحْرِيم نِكَاحهنَّ وَوُجُوب احترامهن وطاعتهن

وَفِي تعدِي ذَلِك إِلَى جَوَاز النّظر وَجْهَان فِي الْحَاوِي وَالْمَشْهُور الْمَنْع وَبِه جزم الرَّافِعِيّ

وَلَا يثبت لَهُنَّ حكم الأمومة فِي جَوَاز الْخلْوَة والمسافرة وَلَا فِي النَّفَقَة وَالْمِيرَاث

وَلَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَى غَيْرهنَّ فَلَا يُقَال بناتهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ بِدَلِيل أَنه لَا يحرم على الْمُؤمنِينَ التَّزَوُّج ببناتهن وأخواتهن

وَلَا على

ص: 248

إخوانهن التَّزْوِيج بالمؤمنات

وَقد زوج صلى الله عليه وسلم بَنَاته من الْمُؤمنِينَ عَليّ وَعُثْمَان ونكح الزبير أُخْت عَائِشَة وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف حمْنَة أُخْت زَيْنَب

وَكَذَا لَا يُقَال آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات الْمُؤمنِينَ بل يقْتَصر على مَا ورد من ثُبُوت حكم الأمومة لَهُنَّ فِي بعض الْأَحْكَام

وَحكى الرَّافِعِيّ وَجها أَن اسْم الْأُخوة يُطلق على بناتهن وَاسم الخؤولة ينْطَلق على إخوتهن وأخواتهن لثُبُوت اسْم الأمومة لَهُنَّ وَإِن لم توجب ذَلِك تَحْرِيم النِّكَاح كَمَا أَن المسلمات كُلهنَّ أَخَوَات الْمُسلمين فِي الْإِسْلَام وَلَا يُوجب ذَلِك تَحْرِيم النِّكَاح

قَالَ وَهَذَا ظَاهر لفظ الْمُخْتَصر يُشِير إِلَى قَوْله زوج بَنَاته وَهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ لَكِن أَكثر الْأَصْحَاب - كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ - غلطوا فِيهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَقد تزوج بَنَاته وَهن غير أَخَوَات الْمُؤمنِينَ

وَقيل إِن الْكَاتِب حذف لَفْظَة غير

وَقيل مَا قَالَه صَحِيح

وَتَقْدِيره قد زوج بَنَاته أَي يزوجهن وَهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ

وَالْقَاضِي حُسَيْن حكى الْخلاف فِي جَوَاز تَسْمِيَة مُعَاوِيَة خَال الْمُؤمنِينَ مَعَ جزمه بتخطئة الْمُزنِيّ

ص: 249

(فرع) قَالَ الْبَغَوِيّ وَكن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ من الرِّجَال دون النِّسَاء

رُوِيَ ذَلِك عَن عَائِشَة رضي الله عنها يَا أُمَّاهُ فَقَالَت لست لَك بِأم إِنَّمَا أَنا أم رجالكم وَهَذَا جَار على الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَصْحَابنَا وَغَيرهم من أهل الْأُصُول أَن النِّسَاء لَا يدخلن فِي خطاب الرِّجَال

وَحكى الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره خلافًا فِي كونهن أُمَّهَات الْمُؤْمِنَات وَهُوَ خَارج على مَذْهَب من أدْخلهُنَّ فِي الْخطاب تَعْظِيمًا لحقهن

وَوجه مُقَابِله أَن فَائِدَة أمومتهن فِي حق الرِّجَال مفقودة فِي حق النِّسَاء

قَالَ أَصْحَابنَا فالأمومة ثَلَاث وأحكامها مُخْتَلفَة.

أ - أمومة الْولادَة وَيثبت فِيهَا جَمِيع أَحْكَام الأمومة

ب - وأمومة أَزوَاجه عليه الصلاة والسلام وَلَا يثبت إِلَّا تَحْرِيم النِّكَاح

ج - وأمومة الرَّضَاع متوسطة بَينهمَا

(فرع) قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَبَا الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا

ص: 250

وَقَالَ الواحدي قَالَ بعض أَصْحَابنَا لَا يجوز أَن يُقَال هُوَ أَب المؤمين لقَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم}

قَالَ وَنَصّ الشَّافِعِي أَن يُقَال هُوَ أَب الْمُؤمنِينَ فِي الْحُرْمَة

وَمعنى الْآيَة لَيْسَ أحد من رجالكم ولد صلبه

قَالَ صَاحب الْمطلب وَفِيه نظر لِأَن ذَلِك مَعْلُوم ببداهة الْعُقُول وَالشَّرْع لَا يرد بِمثلِهِ

إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ التَّنْبِيه على أَن تَحْرِيم نِكَاح زَوْجَة الابْن يخْتَص بِابْن الصلب

وَلَا يتَعَدَّى إِلَى ابْن التبني فَإِن سَبَب نزُول الْآيَة زواجه عليه الصلاة والسلام بِزَيْنَب زَوْجَة زيد فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون غَرضا مَقْصُودا

وَعَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق أَنه لَا يُقَال أَبونَا وأنما يُقَال هُوَ كأبينا لما رُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِنَّمَا أَنا لكم كالوالد)

وَنقل صَاحب الْمُحكم عَن الزّجاج فِي معنى قَوْله تَعَالَى قَالَ يَا قوم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم الْآيَة كنى بنسائه عَن نِسَائِهِم وَنسَاء أمة كل نَبِي بِمَنْزِلَة نِسَائِهِ وأزواجه بِمَنْزِلَة أمهاتهم وَحكى جمَاعَة من الْمُفَسّرين فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه أَرَادَ بَنَاته حَقِيقَة لِأَن الْجمع يَقع على الْإِثْنَيْنِ وَالثَّانِي أَنه أَرَادَ نسَاء أمته لِأَنَّهُ ولي أمته وَالله أعلم

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة تَفْضِيل زَوْجَاته على سَائِر النِّسَاء

هَذَا لفظ الرَّافِعِيّ وَسبق الْخلاف فِي تَفْضِيل فَاطِمَة على خَدِيجَة

وَالْخلاف شهير فِي مَرْيَم هَل هِيَ نبية أَو لَا

ص: 251

قَالَ الْقُرْطُبِيّ روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (إِن فِي النِّسَاء أَربع نبيات حَوَّاء وآسية وَأم مُوسَى وَمَرْيَم)

ثمَّ قَالَ وَالصَّحِيح أَن مَرْيَم كَانَت نبية لِأَن الله تَعَالَى أوحى إِلَيْهَا بِوَاسِطَة الْملك كَمَا أوحى إِلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهل فضلهن - يَعْنِي زَوْجَاته - على نسَاء زمانهن أَو على النِّسَاء كُلهنَّ فِيهِ قَولَانِ

وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فِي حَدِيث فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام فضل عَائِشَة على النِّسَاء زَائِد كزيادة فضل الثَّرِيد على غَيره من الْأَطْعِمَة

وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيح لتفضيلها على مَرْيَم وآسية لاحْتِمَال أَن المُرَاد بفضلها بفضلها على نسَاء الْأمة

(فرع) وَجعل ثوابهن وعقابهن مضاعفا

قَالَ الله تَعَالَى {يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة} الْآيَتَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِي قَالَ الله تَعَالَى {يَا نسَاء النَّبِي لستن كَأحد من النِّسَاء إِن اتقيتن} الْآيَة

فأبانهن بِهِ صلى الله عليه وسلم من نسَاء الْعَالمين

أَي

ص: 252

جَعلهنَّ مباينات لأجل صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِنسَاء سَائِر الْعَالمين فِي الثَّوَاب عِنْد الاتقاء وَفعل الْخَيْر وَكَذَا فِي جَزَاء الجريمة لَو اتّفقت مِنْهُنَّ وَالْعِيَاذ بِاللَّه والفاحشة المبينة الزِّنَا قَالَه السّديّ

وَقَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما النُّشُوز وَسُوء الْخلق والقنوت الطَّاعَة وَالْأَجْر مرَّتَيْنِ فِي الْآخِرَة

وَقيل أَحدهمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخر فِي الْآخِرَة

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مضاعفة الْعَذَاب فَقيل عَذَاب فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب فِي الْآخِرَة

وغيرهن إِذا عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا لم يُعَاقب فِي الْآخِرَة لِأَن الْحُدُود كَفَّارَات

ص: 253

وَقَالَ مقَاتل حدان فِي الدُّنْيَا

قَالَ وَلَا يُضَاعف عَلَيْهِنَّ فِي السّرقَة لَو قدرت

قَالَ سعيد بن جُبَير وَكَذَا عَذَاب من قذفهن يُضَاعف فِي الدُّنْيَا فيجلد مائَة وَسِتِّينَ

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَلم أر للشَّافِعِيّ نصا فِي ذَلِك من الْقَوْلَيْنِ غير أَن الأشبة بِكَلَامِهِ أَنَّهُمَا حدان فِي الدُّنْيَا

وَإِنَّمَا ضوعف الْحَد بفضلهن كَمَا أَن حد الْحر ضعف حد العَبْد لكماله وفضله

قَالَ صَاحب التَّلْخِيص قَالَ الله تَعَالَى {لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} وَعمل غَيره إِنَّمَا يحبط بِالْمَوْتِ على الْكفْر

قَالَ وَقَالَ تَعَالَى فِيهِ {لقد كدت تركن إِلَيْهِم} الْآيَة

(فرع) لَا يحل لأحد أَن يسألهن إِلَّا من وَرَاء حجاب

قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا} الْآيَة

وَأما غَيْرهنَّ فَيجوز أَن

ص: 254

يسألهن مشافهة

جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة والرافعي نَقله عَن التَّهْذِيب لِلْبَغوِيِّ وَأقرهُ

وَقَالَ القَاضِي عِيَاض الْمَالِكِي خصصن بِفَرْض الْحجاب عَلَيْهِنَّ بِلَا خلاف فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يجوز لَهُنَّ كشف ذَلِك لشهادة وَلَا غَيرهَا وَلَا إِظْهَار شخوصهن وَإِن كن مستترات إِلَّا لضَرُورَة خروجهن للبراز

قَالَ وَكن إِذا قعدن للنَّاس جلسن من وَرَاء الْحجاب وَإِذا خرجن حجبن وسترن أشخاصهن كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث حَفْصَة يَوْم وَفَاة عمر

وَلما توفيت زَيْنَب جعلُوا لَهَا قبَّة فَوق نعشها يستر شخصها وَأقرهُ على ذَلِك النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم

ذكره فِي بَاب إِبَاحَة الْخُرُوج للنِّسَاء لقَضَاء حَاجَة الْإِنْسَان

(فَائِدَة) ذكر الْبَغَوِيّ عَن الْخطابِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ كَانَ نسَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي معنى المعتدات وللمعتدة السُّكْنَى فَجعل لَهُنَّ سكن الْبيُوت مَا عشن وَلَا يملكن رقابها

ص: 255