الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ثَلَاث هن عَليّ فَرَائض وَلكم تطوع النَّحْر وَالْوتر وركعتا الضُّحَى)
رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه كَذَلِك وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ الْفجْر بدل الضُّحَى
وَابْن عدي وَلَفظه (ثَلَاث عَليّ فَرِيضَة وَلكم تطوع الْوتر وَالضُّحَى وركعتا الْفجْر)
وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه شَاهدا بِلَفْظ (ثَلَاث هن عَليّ فَرَائض وَلكم تطوع النَّحْر وَالْوتر وركعتا الْفجْر)
نقد المُصَنّف لهَذَا الحَدِيث
ومدار هَذَا الحَدِيث على أبي جناب الْكَلْبِيّ واسْمه يحيى بن أبي حَيَّة وَاسم أبي حَيَّة حييّ رَوَاهُ عَن عِكْرِمَهْ عَن ابْن عَبَّاس وَأَبُو جناب هَذَا
ضَعِيف مُدَلّس وَقد عنعن وَإِن وَثَّقَهُ بَعضهم
وَاخْتلف كَلَام ابْن حبَان فِيهِ فَذكره فِي ثقاته وضعفائه
وَقَالَ الإِمَام أَحْمد أَحَادِيثه مَنَاكِير قلت فَكيف أخرجت لَهُ فِي مسندك وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته أَبُو جناب هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ فِي سنَنه ضَعِيف
وَقَالَ ابْن الصّلاح هَذَا حَدِيث غير ثَابت ضعفه الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته
قلت وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَان من حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ عَن
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا (أمرت بركعتي الْفجْر وَالْوتر وَلَيْسَ عَلَيْكُم) رَوَاهُ الْبَزَّار وَجَابِر ضَعِيف
وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَلم يذكر لَفْظَة (عَلَيْكُم) وَقَالَ بدلهَا (وَلم يكْتب) وَفِي رِوَايَة (أمرت بركعتي الضُّحَى وَلم تؤمروا بهَا وَأمرت بالأضحى وَلم يكْتب)
وَطَرِيق ثَالِث من طَرِيق وضاح بن يحيى عَن منْدَل عَن يحيى بن سعيد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا (ثَلَاث عَليّ فَرِيضَة وَهن لكم تطوع الْوتر وركعتا الْفجْر وركعتا الضُّحَى) وَهُوَ ضَعِيف قَالَ ابْن حبَان لَا يحْتَج بِهِ فالوضاح كَانَ يروي عَن الثِّقَات الْأَحَادِيث المقلوبة الَّتِي كَأَنَّهَا معمولة وَقد ضعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله فَقَالَ هَذَا حَدِيث لَا يَصح وَقَالَ فِي الْأَعْلَام أَيْضا إِنَّه حَدِيث لَا يثبت
فتلخص ضعف الحَدِيث من جَمِيع طرقه وَحِينَئِذٍ فَفِي ثُبُوت خُصُوصِيَّة هَذِه الثَّلَاثَة بِهِ نظر
فَإِن الَّذِي يَنْبَغِي وَلَا يعدل إِلَى غَيره أَن لَا تثبت خُصُوصِيَّة إِلَّا بِدَلِيل صَحِيح على أَنه قد جَاءَ مَا يُعَارضهُ وَهُوَ مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث قَتَادَة عَن أنس مَرْفُوعا (أمرت بالوتر والأضحى وَلم يعزم عَليّ)
وَرَوَاهُ ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه وَقَالَ (وَلم تفرض عَليّ) لكنه حَدِيث ضَعِيف فِيهِ عبد الله بن مُحَرر وَهُوَ ضَعِيف باجماعهم وَذكر ابْن
شاهين فِي نَاسخ ومنسوخة حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمُتَقَدّم من طَرِيق الوضاح وَحَدِيث أنس هَذَا ثمَّ قَالَ الحَدِيث الأول أقرب إِلَى الصَّوَاب من الثَّانِي لِأَن فِيهِ عبد الله بن مُحَرر وَلَيْسَ بمرضي عِنْدهم قَالَ وَلَا أعلم النَّاسِخ مِنْهُمَا لصَاحبه
قَالَ وَلَكِن الَّذِي يشبه أَن يكون حَدِيث عبد الله بن مُحَرر - على مَا فِيهِ - نَاسِخا للْأولِ لِأَنَّهُ لَيْسَ يثبت أَن هَذِه الصَّلَوَات فرض
وَهَذَا كُله كَلَام عَجِيب فَلَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ لِأَن النّسخ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة الصَّحِيحَة وَلَا مُعَارضَة إِذا
ثمَّ هَهُنَا أُمُور تنبه لَهَا
أَحدهَا أحسن بعض الْأَصْحَاب فِيمَا حكى عَن أبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ فَقَالَ إِن الْأُضْحِية وَالْوتر لما يجب عَلَيْهِ وَقد يشْهد للوتر فَقَط فعله صلى الله عليه وسلم على الرَّاحِلَة
لَكِن قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فِي كَلَامه عَن الْوتر أَن من خَصَائِصه صلى الله عليه وسلم جَوَاز فعل هَذَا الْوَاجِب الْخَاص بِهِ عَلَيْهِ على الرَّاحِلَة
وَفِي ذهني أَن الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي ادّعى وُجُوبه عَلَيْهِ فِي الْحَضَر دون السّفر وَهُوَ كَمَا ظَنَنْت فَإِنَّهُ قَالَ فعل الْوتر فِي السّفر على الرَّاحِلَة وَالْوتر لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْحَضَر صرح بِهِ فِي شرح الْمَحْصُول وَشرح التنقية والحليمي فِي شعب الْإِيمَان وَالشَّيْخ عز الدّين فِي قَوَاعِده
ثَانِيهَا روى التِّرْمِذِيّ عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نقُول لَا يَدعهَا
ويدعها حَتَّى نقُول لَا يُصَلِّي ثمَّ قَالَ // حسن غَرِيب //
وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي عدم الْوُجُوب
وَكَذَا حَدِيث عبد الله بن شَقِيق قلت لعَائِشَة أَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى قَالَت لَا إِلَّا أَن يَجِيء من مغيبه // رَوَاهُ مُسلم //
وحديثها أَيْضا مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبْحَة الضُّحَى وَإِنِّي لأسبحها // رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم //
وَلم أر من قَالَ بِهِ وَنَقله النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَن الْعلمَاء أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يداوم على صَلَاة الضُّحَى مَخَافَة أَن تفرض على الْأمة فيعجزوا عَنْهَا وَكَانَ يَفْعَلهَا فِي بعض الْأَوْقَات
قلت وَكَيف يجمع بَين هَذَا وَبَين مَا ذكره فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا أَنَّهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ وَلَو قَالَ إِنَّه عليه الصلاة والسلام كَانَ يظهرها فِي وَقت ويخفيها فِي وَقت آخر لَكَانَ أولى
وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم لما صلاهَا يَوْم الْفَتْح واظب عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ وَفِيه نظر
فَفِي سنَن أبي دَاوُد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى
قَالَ مَا أخبرنَا أحد أَنه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى الضُّحَى غير أم هَانِئ فَإِنَّهَا أخْبرت بهَا يَوْم فتح مَكَّة وَلم يره أحد صَلَّاهُنَّ بعد
وَذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث أنس أَن رجلا صنع طَعَاما ودعا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ونضح لَهُ طرف الْحَصِير فصلى فِيهِ رَكْعَتَانِ فَقَالَ فلَان بن فلَان بن الْجَارُود لأنس أَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى قَالَ مَا رَأَيْته صلى غير ذَلِك الْيَوْم
لَا جرم ذهبت طَائِفَة من السّلف إِلَى حَدِيث عَائِشَة السَّابِق وَلم يرَوا صَلَاة الضُّحَى حَكَاهُ ابْن بطال وَأبْعد بَعضهم فَقَالَ إِنَّهَا بِدعَة
وَحكى الطَّبَرِيّ عَن جمَاعَة اسْتِحْبَاب فعلهَا غبا وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد
وَذَهَبت طَائِفَة على أَنَّهَا إِنَّمَا تفعل لسَبَب من الْأَسْبَاب وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا فعلهَا لسَبَب فَصلَاته لَهَا يَوْم الْفَتْح كَانَت من أجل الْفَتْح
ثَالِثهَا هَل كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم إِذا قُلْنَا بِهِ - أقل الضُّحَى أَو أَكْثَرهَا أَو أدنى كمالها لم أر فِي ذَلِك نقلا نعم فِي رِوَايَة لِأَحْمَد (أمرت بركعتي الضُّحَى وَلم تؤمروا بهَا) وَقد سلفت
رَابِعهَا هَل كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي الْوتر أَقَله أم أَكْثَره أم أدنى كَمَاله لم أر فِيهِ نقلا
خَامِسهَا هَل كَانَ الْأَضْحَى فِي الحَدِيث السالف وَكَلَام أَصْحَابنَا المُرَاد بِهِ الضَّحَايَا كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح يُقَال أضحى فِي الْوَاحِد وَالْجمع أضحى وَيُقَال ضحية وضحايا وأضحية وأضاحي بِالتَّشْدِيدِ
وَهَذَا التَّقْرِير قد يفهم أَنه كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ ضحايا فِي كل سنة وَلَعَلَّ الْإِشَارَة بِهِ إِلَى وجوب ذَلِك فِي الأعوام
وَقد ضحى صلى الله عليه وسلم بكبشين كَمَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث
عَائِشَة وَفِي ابْن ماجة وَالْحَاكِم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يُضحي اشْترى كبشين عظيمين
…
الحَدِيث
سادسها وَقع فِي كَلَام الْآمِدِيّ وَتَبعهُ ابْن الْحَاجِب عد رَكْعَتي الْفجْر من خَصَائِصه وَلم أر لَهما سلفا فِي ذَلِك وَحَدِيث ابْن عَبَّاس السالف يشْهد لَهُ لكنه ضَعِيف كَمَا سلف (وَرَأَيْت صَاحب الْفُصُول من الْحَنَابِلَة عدهما من خَصَائِصه)
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة التَّهَجُّد أَكَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ قَالَ الْقفال وَهُوَ أَن يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَإِن قل
قَالَ الله تَعَالَى {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} الْآيَة
أَي زِيَادَة على ثَوَاب الْفَرَائِض بِخِلَاف تهجد غَيره فَإِنَّهُ جَابر للنقصان المتطرق إِلَى الْفَرَائِض وَهُوَ عليه الصلاة والسلام مَعْصُوم عَن تطرق الْخلَل إِلَى مفروضاته وَقد غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر حَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَذكر الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره نَحوه
قَالَ الْحسن وَغَيره لَيْسَ لأحد نَافِلَة إِلَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن فَرَائِضه كَامِلَة وَأما غَيره فَلَا يَخْلُو عَن نقص فنوافله تكمل فَرَائِضه
وَاسْتدلَّ الْبَيْهَقِيّ فِي
دَلَائِل النُّبُوَّة عَن مُجَاهِد وَكَذَا ابْن الْمُنْذر فِي تَفْسِيره وَذكر - أَعنِي ابْن الْمُنْذر - عَن الضَّحَّاك نَحوه
وَذكره سُلَيْمَان بن حَيَّان عَن أبي غَالب عَن أبي أُمَامَة
…
إِلَخ
ثمَّ اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ وَغَيره أَيْضا بِحَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (ثَلَاث هن عَليّ فَرَائض وَهن لكم سنة الْوتر والسواك وَقيام اللَّيْل)
وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته وَفِي سَنَده مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ
قَالَ ابْن عدي مُنكر الحَدِيث وضع على ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس كتابا فِي التَّفْسِير جمعه من كَلَام مقَاتل الْكَلْبِيّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ مُوسَى هَذَا ضَعِيف جدا وَلم يثبت فِي هَذَا إِسْنَاد
وَاعْلَم أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد نقل بعد حِكَايَة ذَلِك عَن الْأَصْحَاب
أَن الشَّافِعِي نَص على أَنه نسخ وُجُوبه فِي حَقه كأمته قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي تشهد لَهُ الْأَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث سعد بن هِشَام عَن عَائِشَة فِي مُسلم وَقد قَالَ لَهَا انبئيني عَن قيام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَت أَلَسْت تقْرَأ يَأ يها المزمل
فَقَالَت كَانَ الله فرض قيام اللَّيْل من أول هَذِه السُّورَة فَقَامَ عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابه حولا وَأمْسك الله خاتمتها اثْنَي عشر شهرا حَتَّى أنزل الله فِي آخرهَا التَّخْفِيف فَصَارَ قيام اللَّيْل تَطَوّعا بعد فَرِيضَة
وَفِي آخِره فَانْطَلَقت إِلَى ابْن عَبَّاس رضي الله عنه فَحَدَّثته بحديثها فَقَالَ صدقت
وأشارت رضي الله عنها بِالْآخرِ إِلَى قَوْله
{علم أَن لن تحصوه فَتَابَ عَلَيْكُم} وَبَعْضهمْ قَالَ إِن النَّاسِخ قَوْله تَعَالَى {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} وَقَوله تَعَالَى {علم أَن لن تحصوه فَتَابَ عَلَيْكُم} نَاسخ لقِيَام اللَّيْل فِي حق أمته وَفِيه نظر لِأَن الْخطاب فِي أول السُّورَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد شركته فِيهِ فالخطاب فِي آخرهَا إِذا يتَوَجَّه لمن يتَوَجَّه إِلَيْهِ الْخطاب فِي أَولهَا
وَقد قيل إِن الْمَنْسُوخ من صَلَاة اللَّيْل مَا كَانَ مُقَدرا وَأما أصل الْوُجُوب فَهُوَ بَاقٍ لقَوْله تَعَالَى فاقرؤا مَا تيَسّر مِنْهُ
فَتكون الْآيَة كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي}
إِذْ لَا بُد من الْهَدْي فَكَذَلِك لَا بُد من صَلَاة اللَّيْل
والْحَدِيث الصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها (أَفلا أكون عبدا شكُورًا) من جملَة مَا يدل على عدم وُجُوبه عَلَيْهِ وَلَا أعلم أحدا قَالَ بِوُجُوبِهِ علينا دونه
تَنْبِيهَات
الأول ان إِن قلت قَوْله تَعَالَى {نَافِلَة لَك} يَقْتَضِي أَن ذَلِك غير وَاجِب عَلَيْهِ قَالَ الْجَوْهَرِي النَّفْل والنافلة عَطِيَّة التَّطَوُّع حَيْثُ لَا يجب وَمِنْه نَافِلَة الصَّلَاة وَالنَّفْل التَّطَوُّع
فَالْجَوَاب أَن النَّافِلَة الزِّيَادَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَيَعْقُوب نَافِلَة} وَلَا يلْزم مِنْهُ كَونهَا غير وَاجِبَة
الثَّانِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل - فِي الْحَج - الثَّابِت فِي صَحِيح مُسلم أَنه صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمزْدَلِفَة فصلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ وَلم
يسبح بَينهمَا شَيْئا ثمَّ اضْطجع حَتَّى طلع الْفجْر فصلى الْفجْر حِين تبين لَهُ الصُّبْح بِأَذَان وَإِقَامَة دَال على عدم وجوب الْوتر والتهجد لِأَن الظَّاهِر أَنه لم يفعلهما تِلْكَ اللَّيْلَة
وَقد يُجَاب عَن التَّهَجُّد بِأَنَّهُ لَعَلَّه إِذْ ذَاك كَانَ مَنْسُوخا وَفِي هَذَا رد على مَا خرج بِهِ الدَّارمِيّ من أَصْحَابنَا فِي استذكاره من أَن الْجَامِع بِالْمُزْدَلِفَةِ يَأْتِي بالوتر دون سنة الْعشَاء وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَغَيرهَا أَن السّنة ترك النَّفْل بعد الْعشَاء كَمَا يسن تَركه بعد الْمغرب وَصرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْن وَغَيرهمَا وَأبْعد الْعجلِيّ فَقَالَ يَأْتِي فَقَالَ إِنَّه يَأْتِي بِسنة الْمغرب بعد الْعشَاء ثمَّ سنة الْعشَاء بعد الْوتر وَهُوَ مصادم للنَّص
الثَّالِث قَالَ الرَّافِعِيّ مُقْتَضى الرَّاوِي عَن عَائِشَة - أَي الَّذِي سلف - وَكَلَام الْأَئِمَّة هُنَا كَون الْوتر غير التَّهَجُّد الْمَأْمُور بِهِ وَذَلِكَ مُخَالف لما مر فِي بَاب صَلَاة التَّطَوُّع أَنه يشبه أَن يكون الْوتر هُوَ التَّهَجُّد ويعتضد بِهِ الْوَجْه الْمَذْكُور هُنَاكَ عَن رِوَايَة القَاضِي الرَّوْيَانِيّ
قَالَ وَكَأن التغاير أظهر وَكَذَا قَالَ فِي تذنيبه على الشرحين إِنَّه الْأَظْهر وَتَبعهُ صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير
قلت وَحَدِيث عَائِشَة فِي
الصَّحِيحَيْنِ (مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يزِيد فِي رَمَضَان وَلَا غَيره على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة يُصَلِّي أَرْبعا فَلَا تسْأَل عَن حسنهنَّ وطولهن ثمَّ يُصَلِّي أَرْبعا فَلَا تسْأَل عَن حسنهنَّ وطولهن ثمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا) يدل على أَن التَّهَجُّد هُوَ عين الْوتر نعم حَدِيثهَا الآخر يدل على مُقَابلَة وَهُوَ مَا أخرجه مُسلم عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي من اللَّيْل ثَلَاث عشرَة رَكْعَة يُوتر من ذَلِك بِخمْس لَا يجلس فِي شَيْء إِلَّا فِي آخرهَا
الرَّابِع فَصلَاته عليه السلام بِاللَّيْلِ كَانَت أنواعا
أ - سِتّ رَكْعَات مفصولات ويوتر بِثَلَاث رَوَاهُ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما
ب - إِحْدَى عشرَة مفصولات ويوتر بِوَاحِدَة روته عَائِشَة رضي الله عنها
ج - ثَلَاث عشرَة كَذَلِك
د - ثَمَان رَكْعَات موصولات ويوتر بِخمْس مُتَوَالِيَة لَا يجلس إِلَّا فِي آخرهَا
هـ - تسع تسع رَكْعَات لَا يجلس فِي شَيْء مِنْهُنَّ إِلَّا فِي الثَّامِنَة ثمَّ ينْهض وَلَا يسلم ثمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَة وَيسلم وَيُصلي رَكْعَة بعد مَا يسلم
وسبع رَكْعَات كالتسع الْمَذْكُورَة ثمَّ يُصَلِّي بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ جَالِسا مثنى ويوتر بِثَلَاث مَوْصُولَة
ز - أَربع رَكْعَات رُوِيَ فَتَأمل ذَلِك
فَائِدَة حكى النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فِي بَاب صَلَاة اللَّيْل عَن بعض السّلف أَنه يجب على الْأمة من قيام اللَّيْل مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَلَو قدر حلب شَاة قَالَ وَهُوَ غلط مَرْدُود بِإِجْمَاع من قبله مَعَ النُّصُوص الصَّحِيحَة أَنه لَا وَاجِب إِلَّا الصَّلَوَات الْخمس
الْخَامِس تَعْبِيره فِي الرَّوْضَة فِي التَّهَجُّد بِالصَّحِيحِ لأجل الْوَجْه الآخر أَنه نسخ فِي حَقه فإياك أَن تعترض عَلَيْهِ كَمَا وَقع لبَعْضهِم
السَّادِس ذكر فِي (الرَّوْضَة) فِي كتاب السّير أَن الله تَعَالَى فرض من قيام اللَّيْل أَولا مَا ذكر فِي سُورَة المزمل ثمَّ نسخه بِمَا (فِي آخرهَا ثمَّ نسخه بالخمس)
السَّابِع السِّوَاك وَكَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم على الصَّحِيح وَاسْتدلَّ لَهُ بِحَدِيث عَائِشَة السالف وَقد علمت ضعفه
نعم روى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحهمَا من حَدِيث عبد الله بن حَنْظَلَة بن عَامر الغسيل أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤمر بِالْوضُوءِ لكل صَلَاة طَاهِرا أَو غير طَاهِر فَلَمَّا شقّ ذَلِك على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمر بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة وَوضع عَنهُ الْوضُوء إِلَّا من حدث وَأخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقَالَ حَدِيث على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ
وَمن أَصْحَابنَا من حكى وَجها فِي حَقه كَمَا فِي حق الْأمة
قلت وَاسْتدلَّ بِحَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت بِالسِّوَاكِ حَتَّى خشيت أَن يكْتب عَليّ) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من طَرِيقين مدارهما على لَيْث
وروى ابْن ماجة من حَدِيث أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (تسوكوا فَإِن السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب مَا جَاءَنِي جِبْرِيل إِلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى خشيت أَن يفْرض عَليّ وعَلى أمتِي وَلَوْلَا
خشيت على أمتِي لفرضته عَلَيْهِم وَإِنِّي لأستاك حَتَّى إِنِّي خشيت أَن تدَرْدر مقادم فمي) وَفِي سَنَده من تكلم فِيهِ
تَنْبِيهَانِ
الأول هَل المُرَاد بِوُجُوبِهِ فِي حَقه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة أَو فِي النَّافِلَة أَيْضا أَو إِلَى الْأَحْوَال الَّتِي أكدها فِي حَقنا أَو مَا هُوَ أَعم من
ذَلِك لم أر فِيهِ نقلا
وَسِيَاق حَدِيث عبد الله بن حَنْظَلَة السالف يُقَوي الأول
وَادّعى ابْن الرّفْعَة فِي كِفَايَته فِي بَاب السِّوَاك أَنه لم يَصح أَنه صلى الله عليه وسلم فعل السِّوَاك إِلَّا عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَعند تغير الْفَم ثمَّ قَالَ فَإِن قلت قد روى مُسلم عَن شُرَيْح بن هَانِئ سَأَلت عَائِشَة رضي الله عنها عَن أَي شَيْء كَانَ يبْدَأ بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا دخل بَيته قَالَت بِالسِّوَاكِ
وَلَفْظَة كَانَ تؤذن بالدوام
ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون فعل ذَلِك لأجل تغير حصل فِي فَمه ثمَّ استبعده بِأَن فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ينْصَرف فيستاك
الثَّانِي قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح ترددوا فِي وجوب السِّوَاك عَلَيْهِ وَقَطعُوا بِوُجُوب الضُّحَى والأضحى وَالْوتر مَعَ أَن مُسْتَنده الحَدِيث الضَّعِيف
وَلَو عكسوا فَقطعُوا بِوُجُوب السِّوَاك للْحَدِيث السالف وترددوا فِي الْأُمُور الثَّلَاثَة لَكَانَ أقرب
وَيكون مُسْتَند التَّرَدُّد فيهمَا أَن ضعف الحَدِيث من جِهَة ضعف رِوَايَة أبي جناب الْكَلْبِيّ وَفِي ضعفه خلاف بَين أَئِمَّة الحَدِيث وَقد وَثَّقَهُ بَعضهم
قلت قد ترددوا فِي وجوب الْوتر والأضحى أَيْضا كَمَا سلف
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة مُشَاورَة ذَوي الأحلام فِي الْأُمُور
وَهِي وَاجِبَة عَلَيْهِ على الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} وَظَاهر الْأَمر الْوُجُوب وَوجه من قَالَ باستحبابها الْقيَاس على غَيره وَالْأَمر للاستبحاب استمالة لقُلُوبِهِمْ وَحَكَاهُ ابْن الْقشيرِي عَن نَص الشَّافِعِي وَأَنه جعله كَقَوْلِه عليه الصلاة والسلام (الْبكر تستأمر تطييبا لقلبها لَا أَنه وَاجِب وَهُوَ قَول الْحسن رضي الله عنه حَيْثُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} علم الله أَنه مَا بِهِ إِلَيْهِم من حَاجَة وَلَكِن أَرَادَ أَن يستن بِهِ من بعده
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتلف فِيمَا يشاور فِيهِ فَقَالَ قوم فِي الحروب ومكايدة الْعَدو خَاصَّة وَقَالَ آخَرُونَ فِي أُمُور الدُّنْيَا وَالدّين تَنْبِيها لَهُم على علل الْأَحْكَام وَطَرِيق الِاجْتِهَاد وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره اخْتلف فِي الْمَعْنى الَّذِي أَمر الله تَعَالَى نبيه بالمشاورة لَهُم فِيهِ مَعَ كَمَال عقله وجزالة رَأْيه وتتابع الْوَحْي عَلَيْهِ وَوُجُوب طَاعَة أمته فِيمَا أَحبُّوا أَو كَرهُوا فَقيل هُوَ خَاص فِي الْمَعْنى وَإِن كَانَ عَاما فِي اللَّفْظ
وَمعنى الْآيَة وشاورهم فِيمَا لَيْسَ عنْدك فِيهِ من الله تَعَالَى عهد
يدل عَلَيْهِ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وشاورهم فِي بعض الْأَمر
قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ يَعْنِي ناظرهم فِي لِقَاء الْعَدو ومكابدة الحروب عِنْد الْغَزْو ثمَّ ذكر قَول الْحسن السالف وَغَيره
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة كَانَ يجب عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مصابرة الْعَدو وَإِن كثر عَددهمْ وَالْأمة إِنَّمَا يلْزمهُم الثَّبَات إِذا لم يزدْ عدد الْكفَّار على
الضعْف وَلم يبوب الْبَيْهَقِيّ على هَذِه الخصوصية فِي سنَنه
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة هَل كَانَ يجب عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم إِذا رأى مُنْكرا أَن يُنكره ويغيره وَغَيره إِنَّمَا يلْزمه ذَلِك عِنْد الْإِمْكَان وَوَجهه أَن الله تَعَالَى وعده بالعصمة وَالْحِفْظ فَقَالَ {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت (مَا خير رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أَمريْن إِلَّا أَخذ أيسرهما مَا لم يكن إِثْمًا فَإِذا كَانَ إِثْمًا كَانَ أبعد النَّاس مِنْهُ وَمَا انتقم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لنَفسِهِ إِلَّا أَن تنتهك حُرْمَة الله فينتقم لله بهَا)
وَأورد النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة سؤالا فَقَالَ قد يُقَال هَذَا لَيْسَ من الخصائص بل كل مُكَلّف تمكن من إِزَالَة الْمُنكر لزمَه تَغْيِيره
ثمَّ أجَاب بِأَن المُرَاد لَا يسْقط عَنهُ للخوف فَإِنَّهُ مَعْصُوم بِخِلَاف غَيره وَهَذَا قد ذكرته فِي غُضُون كَلَامي
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة كَانَ يجب عَلَيْهِ قَضَاء دين من مَاتَ من الْمُسلمين مُعسرا عِنْد اتساع المَال
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتى بِالرجلِ الْمُتَوفَّى عَلَيْهِ الدّين فَيسْأَل (هَل ترك لدينِهِ من قَضَاء) فَإِن حدث أَنه ترك وَفَاء صلى عَلَيْهِ وَإِلَّا قَالَ للْمُسلمين (صلوا على صَاحبكُم)
فَلَمَّا فتح الله عَلَيْهِ الْفتُوح قَامَ فَقَالَ أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم فَمن توفّي من الْمُؤمنِينَ فَترك دينا فعلي قَضَاؤُهُ وَمن ترك مَالا فلورثته وَحكى الإِمَام وَجها أَنه لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ بل كَانَ يَفْعَله تكرما وَبِه جزم الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم كَانَ يَقْضِيه من مَال الْمصَالح وَقيل من خَالص مَاله
وعَلى الأول هَل يجب ذَلِك على الْأَئِمَّة بعده من مَال الْمصَالح وَجْهَان
وَقد
جَاءَ فِي رِوَايَة قيل يَا رَسُول الله وعَلى كل إِمَام بعْدك قَالَ (وعَلى كل إِمَام بعدِي) وَلكنهَا ضَعِيفَة عزيزة الْوُجُود
وَقَالَ الإِمَام بعد حكايتها وَفِي الْإِطْلَاق نظر
لِأَن من اسْتَدَانَ وَبَقِي مُعسرا حَتَّى مَاتَ لم يقْض دينه من بَيت المَال لِأَنَّهُ يلقى الله وَلَا مظْلمَة عَلَيْهِ
قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها لِأَن أَمُوت وَعلي مائَة ألف وَأَنا لَا أملك قضاءها أحب إِلَيّ أَن أخلف مثلهَا
وَإِن ظلمه بالمطال فاعسر فَمَاتَ فَفِيهِ احْتِمَال وَالْأولَى أَن لَا يقْضى فَإِن أوجبناه فشرطه اتساع المَال وفضله عَن مصَالح الْأَحْيَاء
وَوجه الْقَضَاء ترغيب أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي مُعَاملَة المعسرين
وَفِي زَوَائِد الرَّوْضَة فِي بَاب قسم الصَّدقَات عَن صَاحب الْبَيَان حِكَايَة وَجْهَيْن فِي أَن من مَاتَ وَعَلِيهِ دين وَلَا وَفَاء لَهُ هَل يقْضى من سهم الغارمين
قَالَ وَلم يتَبَيَّن الْأَصَح مِنْهُمَا وَالأَصَح الْأَشْهر لَا يقْضى مِنْهُ
قلت وَحكي ذَلِك عَن أبي حنيفَة وَمَالك وَغَيرهمَا
وَنقل أَبُو عبيد الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَهِي الدَّعْوَى توجب التَّوَقُّف فِي إِثْبَات الْوَجْهَيْنِ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا افترق الْحَيّ وَالْمَيِّت فِي كَونه يقْضى عَن الْغَارِم فِي حَيَاته دون مَوته أَن الْحَيّ يحْتَاج إِلَى وَفَاء دينه وَالْمَيِّت إِن كَانَ عصى بِهِ أَو بِتَأْخِيرِهِ فَلَا يُنَاسب حَاله الْوَفَاء عَنهُ
وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا يُطَالب بِهِ وَلَا حَاجَة لَهُ وَالزَّكَاة إِنَّمَا تُعْطى لمحتاج بِخِلَاف الْأَدَاء من غير الزَّكَاة لبراءة ذمَّته وَالتَّخْفِيف عَنهُ فِي الْآخِرَة
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة كَانَ يجب عَلَيْهِ إِذا رأى شَيْئا يُعجبهُ أَن يَقُول لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة وَذكر الرَّافِعِيّ بِصِيغَة قيل وَجزم بِهِ ابْن الْقَاص فِي تلخيصه لَفظه فِيهِ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذا رأى شَيْئا يُعجبهُ قَالَ (لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة) ثمَّ قَالَ هَذِه كلمة صدرت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أنعم حَاله يَوْم حجه بِعَرَفَة ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ
وَفِي أَشد حَاله يَوْم الخَنْدَق ثمَّ ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ
كَمَا ذكرته عَنهُ فِي كتابي الْمُسَمّى بالبدر الْمُنِير فِي تَخْرِيج أَحَادِيث
الرَّافِعِيّ الْكَبِير للْإِمَام أبي الْقَاسِم الرَّافِعِيّ وَهُوَ الْكتاب الَّذِي لَا يسْتَغْنى عَنهُ
الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة كَانَ عَلَيْهِ أَدَاء فرض الصَّلَاة كَامِلَة لَا خلل فِيهَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
وَقد تقدم فِي الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة مثله عَن حِكَايَة الإِمَام وَذكره الْعِرَاقِيّ فِي شرح الْمُهَذّب أَيْضا
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة كَانَ يلْزمه كل تطوع يَبْتَدِئ بِهِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَن بَعضهم وَسَيَأْتِي منزعه فِي الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من النَّوْع الثَّانِي
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة عد ابْن الْقَاص أمورا أُخْرَى وَمِنْه نقلتها مِنْهَا أَن يدْفع بِالَّتِي هِيَ أحسن وَمِنْهَا أَنه كلف من الْعلم وَحده
مَا كلفه النَّاس بأجمعهم وَمِنْهَا أَنه كَانَ يغان على قلبه فيستغفر الله وَيَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم سبعين مرّة وَمِنْهَا أَنه يُؤْخَذ عَن الدُّنْيَا