المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كراماته في غير النكاح - غاية السول في خصائص الرسول

[ابن الملقن]

الفصل: ‌كراماته في غير النكاح

الْقسم الثَّانِي

‌كراماته فِي غير النِّكَاح

وَفِيه مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى أَنه خَاتم النَّبِيين وَلَا يُعَارضهُ مَا ورد من نزُول عِيسَى عليه الصلاة والسلام آخر الزَّمَان فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بشريعة ناسخة بل مقررا لَهَا عَاملا بهَا

ص: 256

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن أمته خير الْأُمَم معصومة لَا تَجْتَمِع على ضلال ابدا

ص: 257

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة أَن إجماعها حجَّة على الصَّحِيح وَإِجْمَاع غَيرهَا من الْأُمَم لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الْأَكْثَرين خلافًا للأستاذ أبي إِسْحَاق وَآخَرين

وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ التَّوَقُّف فِي ذَلِك

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة أَن شَرِيعَته مُؤَبّدَة وناسخة لجَمِيع الشَّرَائِع

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة أَن كِتَابَة معجز بِخِلَاف سَائِر كتب الْأَنْبِيَاء مَحْفُوظ عَن التحريف والتبديل وأقيم بعده حجَّة على النَّاس ومعجزات سَائِر الْأَنْبِيَاء انقرضت بانقراضهم

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر) كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح

وروينا من حَدِيث السَّائِب ابْن أُخْت نمر (فضلت على الْأَنْبِيَاء بِخمْس)

فَذكر مِنْهَا (نصرت بِالرُّعْبِ شهرا أَمَامِي وشهرا خَلْفي)

ص: 258

الْمَسْأَلَة السَّابِعَة أَن رسَالَته عَامَّة إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ

وكل نَبِي بعث إِلَى قومه خَاصَّة

وَأما نوح عليه السلام فَصَارَت رسَالَته عَامَّة بعد الطوفان لانحصار البَاقِينَ فِيمَن كَانَ مَعَه فِي السَّفِينَة

وَأما قبله فَاخْتَلَفُوا فِي عمومها فَقيل كَانَت عَامَّة لعُمُوم الْعقَاب بالطوفان لمُخَالفَته وَقيل كَانَت خَاصَّة لِقَوْمِهِ

(تَنْبِيه) عبر الرَّافِعِيّ بقوله وَبعث إِلَى النَّاس كَافَّة

وَتبع فِي ذَلِك الْقُرْآن والْحَدِيث

وَهُوَ معنى قولي أَولا إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ فَإِن النَّاس قد يكون من الْجِنّ وَمن الْإِنْس

وأصلة أنَاس مخفف نبه عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي

ص: 259

الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة جعلت لَهُ ولأمته الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا

الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة أحلّت لَهُ ولأمته الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبله بل كَانُوا يجمعونها ثمَّ تَأتي نَار من السَّمَاء فتأكلها كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي الصَّحِيح من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي حَدِيث النَّبِي الَّذِي غزا وَحبس الله تَعَالَى لَهُ الشَّمْس

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي يحْتَمل أَن يُرَاد بحلها لَهُ أَن

ص: 260

يتَصَرَّف فِيهَا كَيفَ يَشَاء ويقسمها كَمَا أَرَادَ

كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول} الْآيَة

وَيحْتَمل أَن يُرَاد لم يحل شَيْء مِنْهَا لغيره صلى الله عليه وسلم وَأمته

وَفِي بعض الْأَحَادِيث (أحل لنا الْخمس)

أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه

قلت قد يُجَاب عَن هَذَا بِأَن الْخمس خص مِنْهَا لشرفه

الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة جعلت أمته شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة على الْأُمَم بتبليغ الرُّسُل إِلَيْهِم رسالاتهم

قَالَ الله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس} الْآيَة

ومستندهم فِي الشَّهَادَة وَإِن لم يرَوا ذَلِك إِخْبَار الله تَعَالَى لَهُم بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {كذبت قوم نوح الْمُرْسلين} {كذبت عَاد} كَذبك ثَمُود {فكذبوا رُسُلِي} وَنَحْوهَا من الْآيَات

ص: 261

الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة أَصْحَابه عليه الصلاة والسلام خير الْأمة فَكل مِنْهُم أفضل من كل من بعده وَإِن رقي فِي الْعلم وَالْعَمَل

وَخَالف ابْن عبد الْبر وَقَالَ قد يَأْتِي بعدهمْ من هُوَ أفضل من بَعضهم وأفضلهم عِنْد أهل السّنة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة على ترتيبهم فِي الْخلَافَة ثمَّ بَقِيَّة الْعشْرَة وَفضل بَعضهم عليا على عُثْمَان

وَفضل بَعضهم من مَاتَ فِي حَيَاته على من بَقِي بعده

ص: 262

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة جعلت صُفُوف أمته كَصُفُوف الْمَلَائِكَة

المسالة الثَّالِثَة عشرَة لَهُ صلى الله عليه وسلم شفاعات

أ - أولَاهُنَّ الشَّفَاعَة الْعُظْمَى فِي الْفَصْل بَين أهل الْموقف حِين يفزعون إِلَيْهِ بعد الْأَنْبِيَاء كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح فِي حَدِيث الشَّفَاعَة

ب - وَالثَّانيَِة فِي جمَاعَة يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب

ج - وَالثَّالِثَة فِي نَاس استحقوا دُخُول النَّار

ص: 263

د - وَالرَّابِعَة فِي نَاس دخلُوا النَّار فَيخْرجُونَ

هـ - وَالْخَامِسَة فِي رفع دَرَجَات نَاس فِي الْجنَّة

وَالْأولَى مُخْتَصَّة بِهِ وَكَذَا الثَّانِيَة

قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَيجوز أَن تكون الثَّالِثَة وَالْخَامِسَة أَيْضا أَي وَالرَّابِعَة يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره من الْأَنْبِيَاء وَالْعُلَمَاء والأولياء

وَقَالَ القَاضِي عِيَاض إِن شَفَاعَته لإِخْرَاج من فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من إِيمَان مُخْتَصَّة بِهِ إِذا لم يَأْتِ شَفَاعَة لغيره إِلَّا قبل هَذِه

ص: 264

و - وأهمل النَّوَوِيّ شَفَاعَة سادسة وَهِي تَخْفيف الْعَذَاب على من اسْتحق الخلود فِيهَا كَمَا فِي حق أبي طَالب فِي إِخْرَاجه من غَمَرَات النَّار إِلَى ضحضاحها

ز - وَالسَّابِعَة وَهِي الشَّفَاعَة لمن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ لما روى التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (من اسْتَطَاعَ أَن يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فليمت بهَا فَإِنِّي أشفع لمن مَاتَ بهَا)

نبه - على هَذِه وَالَّتِي قبلهَا - القَاضِي عِيَاض فِي الأكمال

وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَفعه (لَا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إِلَّا كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة)

فَهَذِهِ شَفَاعَة أُخْرَى خَاصَّة بِأَهْل الْمَدِينَة

وَكَذَلِكَ الشَّهَادَة زَائِدَة على شَهَادَته للْأمة

وَقد قَالَ عليه الصلاة والسلام فِي شُهَدَاء أحد (أَنا شَهِيد على هَؤُلَاءِ)

ص: 265

وَفِي العروة الوثقى للقزويني أَن من شفاعاته شَفَاعَته لجَماعَة من صلحاء الْمُؤمنِينَ فيتجاوز عَنْهُم فِي تقصيرهم فِي الطَّاعَات

وَأطلق الرَّافِعِيّ أَن من خَصَائِصه شَفَاعَته فِي أهل الْكَبَائِر

وَفِي ذَلِك نظر فَإِن المختصة بِهِ لَيست فِي مُطلق أهل الْكَبَائِر

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة أَنه أول شَافِع وَأول مُشَفع أَي أول من تجاب شَفَاعَته فقد يشفع اثْنَان وَيُجَاب الثَّانِي قبل الأول

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة

وَحَدِيث (فَإِذا مُوسَى باطش بِجَانِب الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أَكَانَ مِمَّن صعق فأفاق قبلي أم كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله) يحْتَمل كَمَا قَالَ القَاضِي عِيَاض أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَه قبل أَن يعلم أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض على الْإِطْلَاق

قَالَ وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ أَنه من الزمرة الَّذين أول من تَنْشَق عَنْهُم الأَرْض فَيكون مُوسَى من تِلْكَ الزمرة

وهم - وَالله أعلم - زمرة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام

ص: 266

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة أَنه أول من يقرع بَاب الْجنَّة

الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة أَنه سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة كَذَا عبر بِهِ الرَّافِعِيّ وَهُوَ لفظ رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة

وَفِي رِوَايَة لَهُ وللبخاري (أَنا سيد النَّاس يَوْم الْقِيَامَة)

عزاها إِلَيْهِمَا الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة

ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أنس رضي الله عنه أَيْضا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور بِزِيَادَة (وَلَا فَخر)

ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ (أَلا وَإِنِّي سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر)

وَهُوَ سيد ولد آدم مُطلقًا كَمَا عبر بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة

وَالسَّيِّد الَّذِي يفوق قومه وَإِنَّمَا خص يَوْم الْقِيَامَة بذلك لظُهُور ذَلِك الْيَوْم لكل أحد من غير مُنَازعَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لمن الْملك الْيَوْم} وَإِنَّمَا أخبر عليه الصلاة والسلام بذلك لأمرين

أَحدهمَا امتثالا لقَوْله تَعَالَى وَأما بنعمت رَبك فَحدث

ص: 267

وَالثَّانِي بِأَنَّهُ من الْبَيَان الَّذِي عَلَيْهِ تبليغه على أمته ليعرفوه ويعملوا بِمُقْتَضَاهُ

وَيلْزم من ذَلِك تفضيله على جَمِيع الْخلق لِأَن مَذْهَب أهل السّنة أَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أفضل من الْمَلَائِكَة

وَأما حَدِيث (لَا تفضلوا بَين الْأَنْبِيَاء)

فَجَوَابه من أوجه ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج والتنبيه وَاقْتصر الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة على أَنه مَحْمُول على مجادلة أهل الْكتاب فِي تَفْضِيل نَبينَا على أَنْبِيَائهمْ لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى الإزراء

وَنَقله على الْحَلِيمِيّ

ثمَّ نقل عَن الْخطابِيّ أَيْضا أَن النَّهْي عَن ذَلِك خوف الإزراء

قَالَ الْخطابِيّ وَالْجمع بَين حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه (أَنا سيد ولد آدم) وَحَدِيث ابْن عَبَّاس (مَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول أَنا) وَفِي رِوَايَة (إِنِّي خير من يُونُس بن مَتى) ظَاهر

لِأَن الأول إِخْبَار عَمَّا أكْرمه الله تَعَالَى بِهِ من التَّفْضِيل والسؤدد وَالثَّانِي مؤول بِوَجْهَيْنِ

أَحدهمَا أَن المُرَاد بِالْعَبدِ من سواهُ دون نَفسه

ص: 268

ثَانِيهمَا - وَهُوَ أولاهما - أَنه قَالَه إِظْهَارًا للتواضع

وَيَقُول لَا يَنْبَغِي لي أَن أَقُول أَنا خير مِنْهُ لِأَن الْفَضِيلَة الَّتِي نلتها كَرَامَة من الله لَا من قبل نَفسِي فَلَيْسَ لي أَن أفتخر بهَا

وَإِنَّمَا خص يُونُس بِالذكر فِيمَا نرى - وَالله أعلم - لما قد قصّ الله علينا من شَأْنه

وَمَا كَانَ من قلَّة صبره على أَذَى قومه وَخرج مغاضبا فَلم يصبر كَمَا صَبر أولو الْعَزْم من الرُّسُل

وَقَالَ الْخطابِيّ فِي مَوضِع آخر وَجه الْجمع بَينهمَا أَن هَذِه السِّيَادَة فِي الْقِيَامَة إِذا قدم فِي الشَّفَاعَة على جَمِيع الْأَنْبِيَاء

وَإِنَّمَا منع أَن يفضل على غَيره مِنْهُم فِي الدُّنْيَا وَإِن كَانَ مفضلا فِي الدَّاريْنِ من قبل الله

وَمعنى (لَا فَخر) أَي لَا أَقُول هَذَا القَوْل على سَبِيل الْفَخر الَّذِي يدْخلهُ الْكبر

وَأما قَوْله عليه الصلاة والسلام لما قَالَ لَهُ ذَلِك الرجل يَا خير الْبَريَّة (ذَاك إِبْرَاهِيم عليه السلام

// رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أنس //

فَفِيهِ جوابان

أَحدهمَا أَنه قَالَه تواضعا واحتراما لإِبْرَاهِيم عليه السلام لخلته وأبوته

وَذكره الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة

وَثَانِيهمَا أَنه قَالَه قبل أَن يعلم أَنه سيد ولد آدم

ص: 269

وَجَوَاب ثَالِث ذكره ابْن الْعَرَبِيّ أَن قَوْله ذَاك إِبْرَاهِيم يَعْنِي بعده

وَضَعفه ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمُسْتَوْفى فِي أَسمَاء الْمُصْطَفى قَالَ وَالصَّحِيح الْجَواب الثَّانِي

فَإِن قلت هَذَا خبر لَا يدْخلهُ خلف وَلَا نسخ

فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن المُرَاد خير الْبَريَّة الْمَوْجُودين فِي عصره

وَأطلق الْعبارَة الموهمة للْعُمُوم لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّوَاضُع

ثَانِيهمَا أَنه إِن كَانَ خَبرا فالنسخ يدْخلهُ لِأَن التَّفْضِيل يمنحه الله لمن يَشَاء

الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة أَنه أَكثر أَكثر الْأَنْبِيَاء أتباعا

المسالة التَّاسِعَة عشرَة صُفُوف أمته كَصُفُوف الْمَلَائِكَة

ص: 270

الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ كَانَ لَا ينَام قلبه وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء عليهم السلام كَمَا أخرجه البُخَارِيّ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء

المسالة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ يرى من وَرَاء ظَهره كَمَا ينظر أَمَامه

قَالَ فِي الشَّامِل وَمعنى ذَلِك الْحس والتحفظ

وَمن الْغَرِيب الْمُسْتَفَاد مَا ذكره الزَّاهدِيّ مُخْتَار بن مَحْمُود الْحَنَفِيّ شَارِح الْقَدُورِيّ ومصنف الْقنية فِي رسَالَته الناصرية أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

ص: 271

كَانَ بَين كَتفيهِ عينان مثل سم الْخياط وَكَانَ يبصر بهما وَلَا يحجبهما الثِّيَاب

وَذكر فِي هَذِه الرسَالَة أَنه قيل ظهر على يَد نَبينَا صلى الله عليه وسلم ألف معْجزَة وَقيل ثَلَاثَة آلَاف

وَذكر فِي هَذِه الرسَالَة أَيْضا أَن من معجزاته إنبات النَّخْلَة فِي سَنَام الْبَعِير وَإِدْرَاك ثَمَرهَا فِي الْحَال ثمَّ تنَاولهَا الْحَاضِرُونَ فَمن علم الله مِنْهُ أَنه يُؤمن كَانَت الثَّمَرَة حلوة فِي فَمه وَمن علم أَنه لَا يُؤمن عَاد حجرا فِي فَمه

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ تطوعه بِالصَّلَاةِ قَاعِدا كتطوعه قَائِما وَإِن لم يكن عذر

وتطوع غَيره على النّصْف

قَالَه صَاحب التَّلْخِيص وَالْبَغوِيّ والرافعي وَأنْكرهُ الْقفال وَقَالَ لَا يعرف هَذَا بل هُوَ كَغَيْرِهِ

وَهُوَ غَرِيب فَهُوَ ذُهُول عَمَّا فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي جَالِسا فَقلت حدثت يَا رَسُول الله أَنَّك قلت (صَلَاة الرجل قَاعِدا على نصف الصَّلَاة) وَأَنت تصلي قَاعِدا قَالَ (أجل وَلَكِنِّي لست كَأحد مِنْكُم)

لَا جرم قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة الْمُخْتَار الأول

وَقَالَ فِي شرح مُسلم فِي بَاب صَلَاة اللَّيْل إِنَّه الصَّوَاب الَّذِي قَالَه أَصْحَابنَا

وَذكر هَذِه الخصيصة الْقُضَاعِي فِيمَا خص بِهِ الْأَنْبِيَاء قبله

ص: 272

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ يخاطبه الْمُصَلِّي بقوله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَلَا يُخَاطب سَائِر النَّاس

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ لَا يجوز لأحد رفع صَوته فَوق صَوته قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} الْآيَة

وَلَا أَن يُنَادِيه من وَرَاء الحجرات

قَالَ الله تَعَالَى إِن الَّذِي يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات

الْآيَة

فَإِن قيل قد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه اسْتَأْذن على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعِنْده نسْوَة من قُرَيْش يكلمنه عالية أصواتهن فَالْجَوَاب يحْتَمل أَن يكون ذَلِك قبل النَّهْي

وَيحْتَمل أَن يكون علو الصَّوْت كَانَ بالهيئة الاجتماعية لَا بانفراد كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ

ذكره القَاضِي عِيَاض

قَالَ الْقُرْطُبِيّ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل} الْآيَة

ص: 273

أَي لَا تخاطبوه يَا أَحْمد يَا مُحَمَّد

وَلَكِن يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله توقيرا لَهُ

وَقيل لَا تَجْهَرُوا أَي عَلَيْهِ كجهر بَعْضكُم بَعْضًا الْكَاف كَاف التَّشْبِيه أَي لَا تَجْهَرُوا لَهُ جَهرا مثل جهر بَعْضكُم لبَعض وَفِي هَذَا دَلِيل على أَنهم لم ينهوا عَن الْجَهْر مُطلقًا حَتَّى لَا يسوغ لَهُم أَن يكلموه إِلَّا بالهمس والمخافتة

وَإِنَّمَا نهوا عَن جهر مَخْصُوص مُقَيّد بِصفة

قَالَ وَكره بَعضهم رفع الصَّوْت عِنْد قَبره صلى الله عليه وسلم

وَكره بَعضهم رفع الصَّوْت فِي مجَالِس الْعلمَاء تَشْرِيفًا لَهُم إِذْ هم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة السَّلَام

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ لَا يجوز أَن يُنَادِيه باسمه فَيَقُول يَا مُحَمَّد يَا أَحْمد

وَلَكِن يَقُول يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله لما تقدم من حَدِيث أنس أَن رجلا من أهل الْبَادِيَة جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُول الله أَتَانَا رَسُولك فَزعم لنا أَنَّك تزْعم أَن الله أرسلك

الحَدِيث لَعَلَّه كَانَ قبل النَّهْي أَو لم يبلغهُ النَّهْي

وروى يَعْقُوب بن أبي اسحاق بن أبي إِسْرَائِيل عَن ابْن حميد

ص: 274

قَالَ نَاظر أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور - ثَانِي خلفاء بني الْعَبَّاس - الإِمَام مَالِكًا فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَكَانَ بَين يَدي الْخَلِيفَة فِي ذَلِك الْيَوْم خَمْسمِائَة سيف

فَقَالَ لَهُ مَالك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا ترفع صَوْتك فِي هَذَا الْمَسْجِد فَإِن الله عز وجل أدب قوما فَقَالَ {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم} الْآيَة

ومدح قوما فَقَالَ {إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم} الْآيَة

وذم قوما فَقَالَ {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} الْآيَة

وَإِن حُرْمَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَيتا كحرمته حَيا

قَالَ فاستكان لَهَا الْخَلِيفَة أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور وَقَالَ يَا أَبَا عبد الله أستقبل الْقبْلَة وأدعو أم أستقبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ وَلم تصرف وَجهك عَنهُ وَهُوَ وسيلتك ووسيلة أَبِيك آدم عليه السلام بل استقبله واستشفع بِهِ

قَالَ تَعَالَى وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاؤك

الْآيَة

ص: 275

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ شعره طَاهِر وَإِن نجسنا شعر غَيره من النَّاس

وَكَذَلِكَ بَوْله وَدَمه وَسَائِر فضلاته على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا

ص: 276

وَيَنْبَغِي اخْتِيَاره وَقد صَححهُ القَاضِي حُسَيْن من أَصْحَابنَا وَكَانَ يستشفى ويتبرك ببوله وَدَمه كَذَا عبارَة النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة

وَعبارَة الرَّافِعِيّ وَكَانَ يستشفى ويتبرك ببوله وَدَمه

قَالَ السُّهيْلي وَفِي شرب بَوْله وَدَمه من الْفِقْه أَنَّهُمَا يخالفان بَوْل غَيره وَدَمه فِي التَّحْرِيم وَلم يُنكر - وَالله أعلم - ذَلِك للْحَدِيث الَّذِي بَيناهُ فِي نزُول الْملكَيْنِ عَلَيْهِ حِين غسلا جَوْفه بالثلج فِي طشت الذَّهَب الذَّهَب فَصَارَ بذلك من المطهرين

ص: 277

وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ نقل عَن أبي جَعْفَر التِّرْمِذِيّ الطَّهَارَة فِي الْكل وَهُوَ خلاف مَا فِي الْمَاوَرْدِيّ حَيْثُ قَالَ فِي حاويه فِي بَاب الْأَوَانِي وَكَانَ أَبُو جَعْفَر من أَصْحَابنَا يزْعم أَن شعر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَحده طَاهِر وَأَن شعر غَيره من النَّاس نجس

لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام حِين حلق شعره بمنى قسمه بَين أَصْحَابه وَلَو كَانَ نجسا لمنعهم مِنْهُ

قيل لَهُ فقد حجمه أَبُو طيبَة وَشرب دَمه بِحَضْرَتِهِ أفتقول أَن دَمه طَاهِر فَركب الْبَاب وَقَالَ أَقُول بِطَهَارَتِهِ

قيل لَهُ فقد رُوِيَ أَن امْرَأَة شربت بَوْله فَقَالَ لَهَا (إِذا لَا ييجع بَطْنك) أفتقول بِطَهَارَتِهِ قَالَ لَا لِأَن الْبَوْل مُنْقَلب من الطَّعَام وَالشرَاب وَلَيْسَ كَذَلِك الدَّم وَالشعر لِأَنَّهُمَا من أصل الْخلقَة

وَحَاصِل ذَلِك أَنا لَا نقُول بِطَهَارَة الْبَوْل وَالْغَائِط والقيء على خلاف مَا ذكره الرَّافِعِيّ

نعم الْخلاف ثَابت عَن غير أبي جَعْفَر حَكَاهُ الْقفال فِي شرح التَّلْخِيص فِي الخصائص وتلقاه مِنْهُ جمَاعَة

الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ من زنا بِحَضْرَتِهِ أَو استهان بِهِ كفر جزم بِهِ الرَّافِعِيّ

وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة فِي الزِّنَا نظر

الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ يجب على الْمُصَلِّي إِذا دَعَاهُ صلى الله عليه وسلم أَن يجِيبه لقصة أبي سعيد بن الْمُعَلَّى فِي صَحِيح البُخَارِيّ وأتى فِي التِّرْمِذِيّ

ص: 278

وَلَا تبطل صلَاته

وَفِيهِمَا وَجه بعيد

وأبداهما الرَّوْيَانِيّ فِي إِجَابَة الْوَالِد فِي الصَّلَاة

وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بِهِ من دون سَائِر الْأَنْبِيَاء

الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ أَوْلَاد بَنَاته ينسبون إِلَيْهِ

وَأَوْلَاد بَنَات غَيره لَا ينسبون إِلَيْهِ فِي الكفاءه وَغَيرهَا

قَالَ صلى الله عليه وسلم (كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سببي ونسبي)

رَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عمر وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

وَمن حَدِيث الْمسور بن مخرمَة بِزِيَادَة (وصهرتي)

ثمَّ قَالَ صَحِيح

وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد لَا أعلم بِهِ بَأْسا

وَقد وَقع لنا من حَدِيث عمر بطرِيق آخر غير مَا سلف

فلنذكره

ص: 279

بِالْإِسْنَادِ على عَادَة الْحفاظ الثِّقَات أَنبأَنَا بِهِ الذَّهَبِيّ أَنا أَحْمد بن سَلام إجَازَة عَن مَسْعُود بن أبي مَنْصُور أَنا أَبُو عَليّ الْمُقْرِئ أَنا أَبُو نعيم أَنا أَبُو جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ أَنا عباد بن زِيَاد أَنا يُونُس بن أبي يَعْفُور عَن أَبِيه سَمِعت ابْن عمر قَالَ سَمِعت عمر يَقُول

ص: 280

سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (كل سَبَب وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سببي ونسبي)

وَيدل لما ذَكرْنَاهُ أَيْضا أَنه عليه الصلاة والسلام أَخذ بيد الْحُسَيْن حِين أَرَادَ الْحُضُور للمباهلة لما نزل قَوْله تَعَالَى {قل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم} وَقَوله لِلْحسنِ (إِن ابْني هَذَا سيد)

وَقَوله حِين بَال عَلَيْهِ وَهُوَ صَغِير (لَا تزرموا ابْني)

وَهَذِه الخصيصة الَّتِي ذكرتها قَالَهَا صَاحب التَّلْخِيص

وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ فِي معنى الحَدِيث السالف

فَقيل مَعْنَاهُ أَن أمته ينسبون إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة وأمم سَائِر الْأَنْبِيَاء لَا ينسبون

وَقيل لَا ينْتَفع يَوْمئِذٍ بِسَائِر الْأَنْسَاب وَينْتَفع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بِهِ دون غَيره من الْأَنْبِيَاء

الْمَسْأَلَة الثَّلَاثُونَ صَحَّ عَنهُ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (تسموا باسمي وَلَا تكنوا يكنيتي)

كَمَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم جَابر وَأَبُو هُرَيْرَة وَغَيرهمَا

ص: 281

قَالَ الشَّافِعِي وَلَيْسَ لأحد أَن يكتني بِأبي الْقَاسِم سَوَاء كَانَ اسْمه مُحَمَّدًا أم لَا

قَالَ الرَّافِعِيّ وَمِنْهُم من حمله على كَرَاهِيَة الْجمع بَين الِاسْم والكنية وَجوز الْإِفْرَاد

قَالَ وَيُشبه أَن يكون هَذَا أظهر لِأَن النَّاس مَا زَالُوا يكتنون بِهِ فِي سَائِر الْأَعْصَار من غير إِنْكَار

قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا التَّأْوِيل وَالِاسْتِدْلَال ضَعِيف

وَالْأَقْرَب مَذْهَب مَالك وَهُوَ جَوَاز التكني بِأبي الْقَاسِم مُطلقًا لمن اسْمه مُحَمَّد وَلغيره

وَالنَّهْي مُخْتَصّ بحياته صلى الله عليه وسلم لِأَن سَبَب النَّهْي أَن الْيَهُود تكنوا بِهِ وَكَانُوا ينادون يَا أَبَا الْقَاسِم فَإِذا الْتفت النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالُوا لم نعنك

إِظْهَارًا للإيذاء

وَقد زَالَ ذَلِك الْمَعْنى

ص: 282

وَهَذَا نَقله الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء عَن الْعلمَاء

وَقَول النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة كَمَا سلف مَا ذكره الرَّافِعِيّ أَنه ضَعِيف

وَكَذَا قَوْله فِي الْأَذْكَار أَن فِيهِ مُخَالفَة لأصل الحَدِيث فِيهِ نظر بل فِيهِ مُوَافقَة لحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر رَفعه (من تسمى باسمى فَلَا يتكنى بكنيتي وَمن تكنى بكنيتي فَلَا يتسمى بإسمي) قَالَ التِّرْمِذِيّ // حسن غَرِيب //

ص: 283

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان بعد أَن أخرجه هَذَا إِسْنَاد صَحِيح

وَصَححهُ أَيْضا ابْن حبَان وَابْن السكن وَهُوَ مَذْهَب أبي حَاتِم بن حبَان من جلة أَصْحَابنَا كَمَا أوضحه فِي صَحِيحه

وشذ آخَرُونَ فمنعوا التَّسْمِيَة باسم النَّبِي صلى الله عليه وسلم جملَة كَيفَ مَا يكنى حَكَاهُ الشَّيْخ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ قَالَ وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن النَّهْي فِي ذَلِك مَنْسُوخ

قلت وَفِي آخر كتاب الصَّبْر - يَعْنِي الْحَافِظ بِخَطِّهِ - مَا نَصه ظئر مُحَمَّد بن طَلْحَة روى عَنْهَا عِيسَى بن طَلْحَة قَالَت لما ولد مُحَمَّد بن طَلْحَة أَتَيْنَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (ماسميتموه) فَقُلْنَا مُحَمَّدًا فَقَالَ (هَذَا اسْمِي وكنيته أَبُو الْقَاسِم)

فَإِن صَحَّ فَيحمل أَن هَذَا كَانَ قبل النّسخ

وَاعْلَم أَن جمَاعَة تسموا بِهَذَا الِاسْم وكنوا بِهَذِهِ بِهَذِهِ الكنية

وَبَعْضهمْ أدْرك زَمَنه صلى الله عليه وسلم مِنْهُم

أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فِي جَامع التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن ولد لي من بعْدك ولد أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وأكنيه بكنيتك قَالَ (نعم)

ص: 284

قَالَ وَكَانَت رخصَة لي

قَالَ التِّرْمِذِيّ // حَدِيث صَحِيح //

قلت ويروى أَنه قَالَ لعَلي رضي الله عنه (سيولد لَك بعدِي غُلَام وَقد نحلته اسْمِي وكنيتي وَلَا يحل لأحد من أمتِي بعده

وَمِنْهُم أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَمُحَمّد بن طَلْحَة بن عبيد الله وَمُحَمّد بن سعد بن أبي

ص: 285

وَقاص وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَمُحَمّد بن حَاطِب بن أبي بلتعة وَمُحَمّد بن الْأَشْعَث بن قيس وَكلهمْ كَانُوا يكتنون بِهَذِهِ الكنية

(تَنْبِيه) لما حكى فِي الرَّوْضَة من زَوَائِد الْمَذْهَب

الثَّالِث فِي التكني بِأبي الْقَاسِم قَالَ وَالثَّالِث يجوز لمن اسْمه مُحَمَّد دون غَيره كَذَا هُوَ فِي بعض النّسخ

وَهُوَ سَهْو مِنْهُ فِي التَّعْبِير

وَالصَّوَاب أَنه يجوز لمن لَيْسَ اسْمه مُحَمَّدًا دون غَيره فَتنبه لَهُ وَالله أعلم

(فَائِدَة غَرِيبَة) حكى ابْن الصّلاح فِي فَوَائده عَن كتاب الْأَعْدَاد لِابْنِ سراقَة الْفَقِيه نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن أَربع كنى أبي عِيسَى وَأبي الحكم وَأبي مَالك وَأبي الْقَاسِم لمن تسمى مُحَمَّدًا

الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ كَانَت الْهَدِيَّة لَهُ حَلَالا بِخِلَاف غَيره من الْحُكَّام وولاة الْأَمر من رعاياهم ذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة

وَذكر

ص: 286

الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف أَن من خَصَائِصه أَنه لايقبل هَدِيَّة مُشْرك وَلَا يَسْتَعِين بِهِ وَفِيمَا ذكره نظر

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ أعطي صلى الله عليه وسلم جَوَامِع الْكَلم

وأوتي الْآيَات الْأَرْبَع من آخر سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش لم يُعْطهنَّ أحد قبله وَلَا بعده

ص: 287

قَالَ الْهَرَوِيّ نعني بجوامع الْكَلم الْقُرْآن جمع الله فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة مِنْهُ الْمعَانِي الْكَثِيرَة

وَكَلَامه صلى الله عليه وسلم كَانَ بالجوامع قَلِيل اللَّفْظ كثير الْمعَانِي

وَقَالَ ابْن شهَاب بَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم أَن الله تَعَالَى يجمع لَهُ الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي كَانَت تكْتب قبله فِي الْأَمر الْوَاحِد والأمرين وَنَحْو ذَلِك

ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة فِي إِثْر حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (بعثت بجوامع الْكَلم) الحَدِيث وَعَزاهُ إِلَى البُخَارِيّ وَمُسلم

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ عرض عَلَيْهِ الْخلق كلهم من آدم إِلَى من بعده كَمَا علم آدم أَسمَاء كل شَيْء

ذكره الْعِرَاقِيّ فِي شرح الْمُهَذّب

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ فَاتَتْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام - رَكْعَتَانِ بعد الظّهْر فقضاهما بعد الْعَصْر ثمَّ داوم عَلَيْهِمَا بعده وَالأَصَح أَن هَذِه

ص: 288

المداومة خَاصَّة بِهِ

ذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة لَكِن ذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد حَدِيثا عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه كَانَ يُصَلِّيهمَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من طَرِيق يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَنهُ

فَإِن صَحَّ خدش فِي ذَلِك لما ذكره ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أم سَلمَة أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا - وَقد سَأَلته عَن فعله لهاتين الرَّكْعَتَيْنِ - (كنت أصليهما قبل الْعَصْر فصليتهما الْآن) قَالَت يَا رَسُول الله أنصليهما إِذا فاتتنا قَالَ (لَا)

قَالَ فِيهِ الْبَيَان بِأَن من فَاتَتْهُ رَكعَتَا الظّهْر إِلَى أَن صلى

ص: 289

الْعَصْر لَيْسَ عَلَيْهِ إعادتهما وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لَهُ خَاصَّة دون أمته اه

وَيَنْبَغِي أَن تحمل الْإِعَادَة فِي كَلَامه على الدَّوَام وَإِلَّا فَظَاهر كَلَامه لَيْسَ بجيد

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ لَا يجوز الْجُنُون على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِخِلَاف الْإِغْمَاء كَمَا أطلقهُ الرَّافِعِيّ وَغَيره

وَعَن القَاضِي حُسَيْن أَنه حكى فِي كتاب الصَّوْم عَن الدَّارمِيّ أَن الْإِغْمَاء إِنَّمَا يجوز عَلَيْهِم سَاعَة أَو ساعتين فَأَما الشَّهْر والشهران فَلَا كالجنون

وَالْأَشْهر امْتنَاع الِاحْتِلَام عَلَيْهِم كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة

قلت وَفِي الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَفعه (مَا احْتَلَمَ نَبِي قطّ إِنَّمَا الِاحْتِلَام من الشَّيْطَان)

وَضَعفه ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالْآيَاتِ الْبَينَات

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ من رَآهُ فِي الْمَنَام فقد رَآهُ حَقًا فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صورته كَمَا صَحَّ فِي الحَدِيث

قَالَ القَاضِي أَبُو

ص: 290

بكر مَعْنَاهُ أَن رُؤْيَاهُ صَحِيحَة لَيست بأضغاث

وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ رَآهُ حَقِيقَة

قَالَ القَاضِي عِيَاض وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مَا إِذا رَآهُ على صفته الْمَعْرُوفَة لَهُ فِي حَيَاته

فَإِن رَآهُ على خلَافهَا كَانَت رُؤْيا تَأْوِيل لَا رُؤْيا حَقِيقَة

قَالَ بعض الْعلمَاء خص عليه الصلاة والسلام بِأَن رُؤْيَته فِي الْمَنَام صَحِيحَة وَمنع الشَّيْطَان أَن يتَصَوَّر فِي خلقته لِئَلَّا يكذب على لِسَانه فِي النّوم كَمَا منع أَن يتَصَوَّر فِي صورته فِي الْيَقَظَة إِكْرَاما لَهُ

إِذا تقرر ذَلِك فَمَا سَمعه الرَّائِي فِي الْمَنَام مِمَّا تتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَام لَا يعْمل بِهِ لعدم ضبط الرَّائِي لَا للشَّكّ فِي الرُّؤْيَا

فَإِن الْخَبَر لَا يقبل إِلَّا من ضَابِط مُكَلّف والنائم بِخِلَافِهِ

هَذَا مَا ذكره القَاضِي حُسَيْن فِي فَتَاوِيهِ فِي مَسْأَلَة صِيَام رَمَضَان وَآخَرُونَ من الْأَصْحَاب وَجزم بِهِ فِي الرَّوْضَة من زوائده فِي أَوَائِل النِّكَاح فِي الْكَلَام على الخصائص

ص: 291

وَنقل القَاضِي عِيَاض الاجماع عَلَيْهِ

وَنقل النَّوَوِيّ أَيْضا فِي شرح مُسلم - فِي بَاب بَيَان أَن الْإِسْنَاد من الدّين - عَن أَصْحَابنَا وَغَيرهم أَنهم نقلوا الِاتِّفَاق على أَنه لَا يُغير بِسَبَب مَا يرَاهُ النَّائِم مَا تقرر فِي الشَّرْع

ثمَّ قَالَ وَهَذَا فِي مَنَام يتَعَلَّق بِإِثْبَات حكم على خلاف مَا يحكم بِهِ لولاه

وَأما إِذا رَآهُ وَأمره بِفعل مَا هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ أَو ينهاه عَن مَنْهِيّ عَنهُ أَو يرشده إِلَى فعل مصلحَة فَلَا خلاف فِي اسْتِحْبَاب الْعَمَل على وَفقه

لِأَن ذَلِك لَيْسَ حكما بِمُجَرَّد الْمَنَام بل بِمَا تقرر من أصل ذَلِك الشَّيْء

نعم عَن فتاوي الحناطي - من جلة أَصْحَابنَا - أَن إنْسَانا رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي مَنَامه على الصّفة المنقولة عَنهُ فَسَأَلَهُ عَن الحكم فأفتاه بِخِلَاف مذْهبه وَلَيْسَ مُخَالفا لنَصّ وَلَا أجماع

فَقَالَ فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا يُؤْخَذ بقوله لِأَنَّهُ مقدم على الْقيَاس

وَثَانِيهمَا لَا لِأَن الْقيَاس دَلِيل والأحلام لَا تعويل عَلَيْهَا فَلَا يتْرك من أجلهَا الدَّلِيل

وَعَن كتاب الجدل للأستاذ أبي إِسْحَاق الإسفرائيني حِكَايَة وَجْهَيْن فِي أَن الرجل لَو رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام وَأمره بِأَمْر هَل يجب عَلَيْهِ امتثاله إِذا

ص: 292

اسْتَيْقَظَ كَذَا هُوَ فِي مَجْمُوع عَتيق مَنْسُوب لِابْنِ الصّلاح عَنهُ

وَفِيه أَيْضا حِكَايَة وَجْهَيْن فِي وجوب التَّمَسُّك من حَيْثُ هُوَ فِي الْحَالة الْمَذْكُورَة

وَعَن رَوْضَة الْحُكَّام للْقَاضِي شُرَيْح من أَصْحَابنَا لَو كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لفُلَان على فلَان كَذَا هَل للسامع أَن يشْهد لفُلَان على فلَان كَذَا وَجْهَان

وَقد سلفا

(فَائِدَة) روى الطَّبَرَانِيّ - أَظُنهُ فِي أَوسط معاجمه - من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي وَلَا بِالْكَعْبَةِ)

ثمَّ قَالَ لَا تحفظ هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث

(تَنْبِيه) جعل الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية مِمَّا خص بهَا دون غَيره من الْأَنْبِيَاء

الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ أَن الأَرْض لَا تَأْكُل لُحُوم الْأَنْبِيَاء للْحَدِيث الصَّحِيح فِي ذَلِك

ص: 293

ذكره فِي الرَّوْضَة

الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ أَن الْكَذِب عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عمدا من الْكَبَائِر لقَوْله صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح (إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد)

نعم لَا يكفر فَاعله على الصَّحِيح وَهُوَ قَول الْجُمْهُور

وَقَالَ

ص: 294

الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هُوَ كفر فَإِن تَابَ قبلت تَوْبَته إِذا حسنت حَالَته

قَالَ جمَاعَة مِنْهُم الصَّيْرَفِي من أَصْحَابنَا لَا تقبل رِوَايَته بعْدهَا بِخِلَاف الْفسق وَبِخِلَاف الشَّهَادَة وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد

الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالثَّلَاثُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ وَيجوز على غَيره من الْأَنْبِيَاء

لِأَنَّهُ خَاتم النَّبِيين فَلَيْسَ بعده من يسْتَدرك خطأه بخلافهم فَلذَلِك عصمه الله تَعَالَى مِنْهُ

وَقَالَ الإِمَام الْحق أَنه لَا يخطأ اجْتِهَاده

وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب أَنه يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ بِشَرْط أَن لَا يقر عَلَيْهِ

وَنَقله الْآمِدِيّ عَن أَكثر أَصْحَابنَا والحنابلة وَأَصْحَاب الحَدِيث

وَاحْتج الْآمِدِيّ بأَشْيَاء مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} الْآيَة

وَقَوله تَعَالَى {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} الْآيَة

فَإِن عمر رضي الله عنه كَانَ قد أَشَارَ بِقَتْلِهِم فَلم يقتلهُمْ

ص: 295

والْحَدِيث (إِنَّمَا أحكم بِالظَّاهِرِ) وَالله أعلم

الْمَسْأَلَة الْأَرْبَعُونَ يبلغهُ صلى الله عليه وسلم سَلام النَّاس عَلَيْهِ بعد مَوته

ص: 296

وَيشْهد لجَمِيع النَّبِيين بِالْأَدَاءِ يَوْم الْقِيَامَة قَالَه الْمَاوَرْدِيّ

الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْأَرْبَعُونَ جعل ابْن سبع من خَصَائِصه أَنه كَانَ نورا

وَكَانَ إِذا مَشى فِي الشَّمْس أَو الْقَمَر لَا يظْهر لَهُ ظلّ

وَيشْهد لَهُ أَنه عليه الصلاة والسلام سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يَجْعَل فِي جَمِيع أعقابه وجهاته نورا وَختم ذَلِك بقوله (واجعلني نورا)

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْأَرْبَعُونَ قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه علم بعض النَّاس الدُّعَاء

فَقَالَ (قل اللَّهُمَّ إِنِّي أقسم عَلَيْك بنبيك مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة)

فَإِن صَحَّ فَيَنْبَغِي أَن يكون مَخْصُوصًا بِهِ فَإِنَّهُ سيد ولد آدم وَأَن لَا يقسم على الله بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة والأولياء فَإِنَّهُم لَيْسُوا فِي دَرَجَته

قلت الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عُثْمَان بن

ص: 297

حنيف بِلَفْظ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك وأتوجه إِلَيْك بنبيك مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة) الحَدِيث

ثمَّ قَالَ // حسن صَحِيح غَرِيب //

قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة ورويناه فِي كتاب الدَّعْوَات بِإِسْنَاد صَحِيح

وَرَوَاهُ من طَرِيق لَيْسَ فِيهَا (أقسم) بل (أَسأَلك)

ص: 299

فَوَائِد نختم بهَا الْكتاب

رَوَت عَائِشَة رضي الله عنها أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يرى فِي الظلمَة كَمَا يرى فِي النُّور لكنه ضعفه ابْن بشكوال كَمَا حَكَاهُ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْآيَات الْبَينَات لَهُ

وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من حَدِيثهَا بِلَفْظ كَانَ يرى فِي الظلماء كَمَا يرى فِي الضَّوْء

ثمَّ قَالَ هَذَا إِسْنَاد فِيهِ ضعف

ثمَّ أخرجه من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ كَانَ يرى بِاللَّيْلِ فِي الظلمَة كَمَا يرى بِالنَّهَارِ من الضَّوْء

ثمَّ قَالَ لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ

وَرُوِيَ أَن الأَرْض تبتلع بَوْله وغائطه ويفوح لذَلِك رَائِحَة طيبَة

رَوَت عَائِشَة أَيْضا أَنَّهَا قَالَت يَا

ص: 299

رَسُول الله إِنِّي أَرَاك تدخل الْخَلَاء ثمَّ يَجِيء الَّذِي يدْخل بعْدك فَلَا يرى لما يخرج مِنْك أثرا

فَقَالَ (يَا عَائِشَة أما علمت أَن الله تَعَالَى أَمر الأَرْض أَن تبتلع مَا خرج من الْأَنْبِيَاء)

قَالَ ابْن دحْيَة فِي الْكتاب الْمَذْكُور سَنَده ثَابت

وَأما الْبَيْهَقِيّ فَأخْرجهُ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من حَدِيثهَا أَيْضا بِلَفْظ كَانَ إِذا دخل الْغَائِط دخلت فِي أَثَره

فَلَا أرى شَيْئا إِلَّا أَنِّي كنت أَشمّ رَائِحَة الطّيب

فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ يَا عَائِشَة أما علمت أَن أَجْسَادنَا تنْبت أَرْوَاح أهل الْجنَّة وَمَا خرج مِنْهَا من شَيْء ابتلعته الأَرْض

ثمَّ قَالَ هَذَا من مَوْضُوعَات الْحُسَيْن بن علوان لَا يَنْبَغِي ذكره

فَفِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة والمشهورة كِفَايَة عَن كذب ابْن علوان

وَفِي الشِّفَاء لِابْنِ سبع عَن بعض أَصْحَابه أَنه قَالَ (صَحبه صلى الله عليه وسلم فِي سفر فَلَمَّا أَرَادَ قَضَاء حَاجته تأملته وَقد دخل مَكَانا فَقضى حَاجته فَدخلت

ص: 300

فِي الْموضع الَّذِي خرج مِنْهُ فَلم أر لَهُ أثر غَائِط وَلَا بَوْل وَرَأَيْت فِي ذَلِك الْموضع ثَلَاثَة أَحْجَار فأخذتهن فِي كفي فتعلقت رائحتهن رَائِحَة طيب وعطر

وروى أنس مَوْضُوعا (من كَرَامَتِي أَنِّي ولدت مختونا وَلم ير أحد سوأتي)

ذكر أبن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الْوَفَاء لَهُ

قَالَ ابْن دحْيَة وَلم تعرف علته واعتقد صِحَّته وَهُوَ حَدِيث مَصْنُوع الْإِسْنَاد

يُحَاسب عَلَيْهِ الْمُحدث إِن لم يبين علته يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ ذكرهَا

وَمن الْفَوَائِد الجليلة أَنه عليه الصلاة والسلام كَانَ لَا يتثاءب

أخرجه البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير وَأخرجه فِي كتاب الْأَدَب تَعْلِيقا

وَقَالَ مسلمة بن عبد الْملك مَا تثاءب نَبِي قطّ وَإِنَّهَا عَلامَة النُّبُوَّة

ص: 301

وَقيل كَانَ لَا يتمطى أَيْضا لِأَنَّهُ من عمل الشَّيْطَان

ذكره ابْن سبع فِي الشِّفَاء

قَالَ أهل اللُّغَة مِنْهُم ثَابت فِي دلائله صَوَاب هَذِه اللَّفْظَة تثأب مشدد الْهمزَة وَلَا يُقَال تثاوب

نَقله ابْن دحْيَة فِي خَصَائِص أَعْضَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَفِي الْمثل فِي الصِّحَاح أعدى من الثوباء تَقول مِنْهُ تثأبت وَلَا يُقَال تثاوبت

وَمِمَّا عد من خَصَائِصه صلى الله عليه وسلم أَنه أقرّ بِهِ جمَاعَة قبل بعثته كورقة بن نَوْفَل بل قيل وجوده فقد أقرّ بِهِ حبيب النجار الْمَوْجُود فِي عصر عِيسَى عليه السلام وَغَيره كَمَا ورد وَكَذَا تبع الْأَكْبَر

وَرَأَيْت فِي (أعذب الْمَوَارِد

ص: 302

وَأطيب الموالد) للعزفي الشيبي أَن من خَصَائِص سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ لَا ينزل عَلَيْهِ الذُّبَاب

وَحَكَاهُ أَيْضا غَيره كَمَا يَأْتِي

وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير عَن الْحسن بن جرير الصُّورِي ثَنَا صَفْوَان بن صَالح ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم ثَنَا عبد الْعَزِيز بن حُصَيْن عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} قَالَ إِذا نسيت الِاسْتِثْنَاء فَاسْتَثْنِ إِذا ذكرت

وَهِي لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَاصَّة وَلَيْسَ لنا أَن نستثني إِلَّا فِي صلَة الْيَمين

ص: 303

وَذكر ابْن شاهين أَن من جملَة شعب الْإِيمَان الِاسْتِثْنَاء فِي كل كَلَام

وروى بِإِسْنَاد ضَعِيف من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (لَا يتم إِيمَان العَبْد حَتَّى يَسْتَثْنِي فِي كل حَدِيثه) أَو قَالَ (فِي كل كَلَامه) وَذكر ابْن الْقَاص فِي تلخيصه من خَصَائِصه أَنه كَانَ لَا ينْطق عَن الْهوى

وَأَنه نهى عَن طَعَام الْفُجَاءَة فاجأه أَبُو الدَّرْدَاء على طَعَام لَهُ فَأمره بِأَكْلِهِ

وتبعهما عَلَيْهِمَا الْقُضَاعِي فِي عيونه

وَذكر أَن هَذِه مِمَّا خص بهَا دون سَائِر الْأَنْبِيَاء

وَذكر - أَعنِي الْقُضَاعِي - من هَذَا الْقسم أَنه خص بعصمته من النَّاس وَمن الأعلال الْمُوجبَة

وَأَن الْمَلَائِكَة قَاتَلت مَعَه يَوْم بدر وَلم تقَاتل مَعَ أحد قبله

ص: 304

قلت وَيَوْم أحد كَمَا فِي مُسلم

وَذكر أَن من خَصَائِصه صلى الله عليه وسلم أَنه لَا يشْهد على جور

وَفِيه نظر بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره

وَذكر القَاضِي عِيَاض فِي الشفا أَنه عليه الصلاة والسلام كَانَ يرى فِي الثريا أحد عشر نجما

وَذكر السُّهيْلي أَنه كَانَ يرى فِيهَا اثْنَي عشر نجما كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي كتاب أَسمَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَصِفَاته أَنه لَا تزيد على تِسْعَة أنجم فِيمَا يذكرُونَ ونظم ذَلِك فِي رجزه فَقَالَ

(وَهُوَ الَّذِي يرى النُّجُوم الخافية

مبينات فِي السَّمَاء الْعَالِيَة)

(إِحْدَى عشر عد فِي الثريا

لناظر سواهُ مَا تهيا)

ص: 305

وَمن خَصَائِصه صلى الله عليه وسلم بَيَاض إبطه فَإِنَّهُ أسود لأجل الشّعْر نَص على ذَلِك أَبُو نعيم فِي دلائله فَقَالَ بَيَاض إبطه صلى الله عليه وسلم من عَلامَة نبوته

وَادّعى الْمُهلب بن أبي صفرَة الْمَالِكِي أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يتَجَنَّب الطّيب فِي الْإِحْرَام

ونهانا عَنهُ لضعفنا عَن ملك الشَّهَوَات

إِذْ الطّيب من أَسْبَاع الْجِمَاع ودواعيه

وَفِي الشِّفَاء لِابْنِ سبع أَنه لم تقع على ثِيَابه ذُبَاب قطّ

وَلم يكن الْقمل تؤذيه تَعْظِيمًا لَهُ وتكريما

وَأَن كل دَابَّة ركب عَلَيْهَا بقيت على الْقدر الَّذِي كَانَ يركب عَلَيْهَا فَلم تهرم لبركته وَقَالَ غَرِيب

قَالَ وَكَانَ إِذا جلس أَعلَى من جَمِيع الْجُلُوس

وَإِذا مَشى بَين النَّاس ينْسب إِلَى الطول وَلم يكن أحد من النَّاس يماشيه إِلَّا طاله

ص: 306

وَفِي الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُورَة التَّحْرِيم فِي قَوْله {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم}

إِن قلت هَل كفر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لذَلِك قلت عَن الْحسن أَنه لم يكفر لِأَنَّهُ كَانَ مغفورا لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر

وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيم للْمُؤْمِنين

وَعَن مقَاتل أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رَقَبَة فِي تَحْرِيم مَارِيَة اه

قَالَ مُؤَلفه غفر الله لَهُ قَرَأت على الشَّيْخ الإِمَام صَلَاح الدّين أبي المحاسن يُوسُف بن أَحْمد بن عبيد الله بن جِبْرِيل الْموقع أَنا أَبُو الْفرج الْحَرَّانِي قِرَاءَة عَلَيْهِ أَنا أَبُو حَامِد عبد الله بن مُسلم بن حوالي قِرَاءَة عَلَيْهِ أَنا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أَنا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب

...

ص: 307

أَنا الْحسن بن أبي بكر بن شَاذان ثَنَا أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن نصر الشَّاعِر ثَنَا أَبُو عمر الآسي بِمصْر ثَنَا دِينَار مولى أنس قَالَ صنع أنس لأَصْحَابه طَعَاما فَلَمَّا طعموا قَالَ يَا جَارِيَة هَاتِي المنديل فَجَاءَت بمندل درم فَقَالَ اسجري التَّنور واطرحيه فِيهِ فَفعلت فابيض فَسَأَلْنَاهُ عَنهُ فَقَالَ إِن كَانَ هَذَا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِن النَّار لَا تحرق شَيْئا مسته أَيدي الْأَنْبِيَاء

وَهَذَا حَدِيث عَال وَقع عالي الْإِسْنَاد ودينار هَذَا ضَعَّفُوهُ

هَذَا آخر مَا تيَسّر جمعه - بِحَمْد الله وَمِنْه - وَأَنا ساع فِي الزِّيَادَة عَلَيْهِ أعاننا الله على ذَلِك

فخصائصه فِي الْحَقِيقَة لَا تحصى ومآثره أَكثر من أَن يجاء بهَا فتستقصى

قَالَ الْمُؤلف تغمده الله برحمته وَوَقع الْفَرَاغ مِنْهُ عِنْد زَوَال ظهر يَوْم الثُّلَاثَاء نصف شهر الله الْأَصَم رَجَب من سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة

أحسن الله بَعْضهَا وَمَا بعْدهَا فِي خير وعافية وَذَلِكَ بِالْقَاهِرَةِ المعزية من الديار المصرية حماها الله وَسَائِر بِلَاد الْإِسْلَام وَأَهله

ص: 308