المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأول المحرمات في غير النكاح - غاية السول في خصائص الرسول

[ابن الملقن]

الفصل: ‌الأول المحرمات في غير النكاح

النَّوْع الثَّانِي

مَا اخْتصَّ بِهِ صلى الله عليه وسلم من الْمُحرمَات وَذَلِكَ تكرمة لَهُ فَإِن أجر ترك الْمحرم أَكثر من أجر ترك الْمَكْرُوه وَفعل الْمَنْدُوب إِذْ الْمحرم فِي المنهيات كالواجب فِي المأمورات وَهِي أَيْضا قِسْمَانِ

‌الأول الْمُحرمَات فِي غير النِّكَاح

وَفِيه مسَائِل

الأولى الزَّكَاة فَإِنَّهَا حرَام عَلَيْهِ وشاركه فِي ذَلِك ذَوُو الْقُرْبَى بِسَبَبِهِ أَيْضا فالخاصية عَائِدَة إِلَيْهِ فَإِنَّهَا أوساخ النَّاس كَمَا أخرجه مُسلم ومنصبه منزه عَن ذَلِك وَهِي أَيْضا تُعْطى على سَبِيل الترحم المنبئ عَن ذل الْآخِذ

فأبدلوا عَنْهَا بِالْغَنِيمَةِ الْمَأْخُوذَة بطرِيق الْعِزّ والشرف المنبئ عَن عز الْآخِذ وذل الْمَأْخُوذ مِنْهُ

ص: 125

قد اخْتلف عُلَمَاء السّلف أَن الْأَنْبِيَاء تشاركه فِي ذَلِك أم يخْتَص بِهِ دونهم فَقَالَ بِالْأولِ الْحسن الْبَصْرِيّ وَبِالثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة

وَأما صَدَقَة التَّطَوُّع فَفِي تحريهما عَلَيْهِ وعَلى آله أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا نعم

وَثَانِيها لَا وَإِنَّمَا كَانَ عليه الصلاة والسلام يمْنَع عَنْهَا ترفعا

وأصحها تحرم عَلَيْهِ دونهم

وَرَابِعهَا يحرم عَلَيْهِم الْخَاصَّة دون الْعَامَّة أَي كالمساجد ومياه الْآبَار

وَأبْدى الْمَاوَرْدِيّ وَجها اخْتَارَهُ إِن مَا كَانَ مِنْهَا أَمْوَالًا مُتَقَومَة كَانَت مُحرمَة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم دون مَا كَانَ مِنْهَا غير مُتَقَوّم فَتخرج صلواته فِي الْمَسَاجِد وشربه مَاء زَمْزَم وبئر رومة

وَحكى الرَّافِعِيّ هُنَا الْخلاف من وَجْهَيْن فَقَالَ وَمن الْمُحرمَات

ص: 126

الصَّدَقَة فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ على مَا سبق فِي قسم الصَّدقَات وَتبع فِي حِكَايَة الْخلاف كَذَلِك الإِمَام هُنَا والطبري صَاحب الْعدة

وَكَذَا حَكَاهُ الْعجلِيّ فِي شرح الْوَسِيط والجرجاني فِي الشافي

لَكِن الَّذِي سبق من كَلَام الرَّافِعِيّ فِي قسم الصَّدقَات أَن الْخلاف قَولَانِ وَهُوَ الصَّوَاب الْمَذْكُور فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ هُنَا وَفِي الرَّوْضَة أَيْضا

فقد قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الْوَقْف إنَّهُمَا منصوصان فِي الْأُم

(فرع) حكى ابْن الصّلاح عَن أمالي أبي الْفرج السَّرخسِيّ أَن فِي صرف الْكَفَّارَة وَالنّذر إِلَى الْهَاشِمِي قَوْلَيْنِ وَالظَّاهِر جريانهما فِي المطلبي أَيْضا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ

ص: 127

الثَّانِيَة كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْكُل البصل والثوم والكراث وَمَا لَهُ رَائِحَة كريهة من الْبُقُول

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جَابر أَنه صلى الله عليه وسلم أُتِي بِقدر فِيهِ خضروات من الْبُقُول فَوجدَ لَهَا ريحًا فَسَأَلَ فَأخْبر من الْبُقُول فَقَالَ قربوها إِلَى بعض أَصْحَابه فَلَمَّا رَآهُ كره أكلهَا فَقَالَ (كل فَإِنِّي أُنَاجِي من لَا تناجي)

وَهل كَانَ ذَلِك حَرَامًا عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا وَبِه جزم الْمَاوَرْدِيّ نعم كَيْلا يتَأَذَّى بِهِ الْملك

وأشبههما لَا وَإِنَّمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يمْتَنع مِنْهُ ترفعا

وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي أَيُّوب أحرام هُوَ قَالَ (لَا

ص: 128

وَلَكِنِّي أكرهه من أجل رِيحه)

قَالَ فَإِنِّي أكره مَا كرهت

قَالَ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُؤْتى - يَعْنِي يَأْتِيهِ جِبْرِيل بِالْوَحْي -

وَهَذَا صَرِيح فِي نفي التَّحْرِيم وَإِثْبَات الْكَرَاهَة

وَفِي مُسْند أَحْمد وَسنَن أبي دَاوُد بِسَنَد صَالح من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها أَنَّهَا سُئِلت عَن أكل البصل فَقَالَت آخر طَعَام أكله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ بصل

وَلما ذكر ابْن الصّلاح حَدِيث أبي أَيُّوب قَالَ إِنَّه يبطل وَجه التَّحْرِيم اعْترض عَلَيْهِ صَاحب الْمطلب وَقَالَ فِيهِ نظر من جِهَة أَن حَدِيث أبي أَيُّوب كَانَ فِي ابْتِدَاء الْهِجْرَة وَالنَّهْي عَن أكل الثوم كَانَ عَام خَيْبَر كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه

قلت لَكِن فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي قصَّة خَيْبَر أَيْضا لكنه لما نهى عَن أكل الشَّجَرَة الخبيثة قَالَ النَّاس حرمت حرمت

فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ بِي تَحْرِيم مَا أحل الله لي وَلكم وَلكنهَا شَجَرَة أكره رِيحهَا)

ص: 129

الثَّالِثَة أَنه عليه الصلاة والسلام كَانَ لَا يَأْكُل مُتكئا

فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أبي جُحَيْفَة رضي الله عنه قَالَ كنت عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لرجل عِنْده (أَنا لَا آكل وَأَنا متكئ)

وَفِي شعب الْإِيمَان للبيهقي عَن يحيى بن أبي كثير أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ آكل كَمَا يَأْكُل العَبْد وأجلس كَمَا يجلس العَبْد فَإِنَّمَا أَنا عبد

وأسنده فِي دلائله وسننه من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَلَفظه (بل أكون عبدا نَبيا)

قَالَ فَمَا أكل بعد تِلْكَ الْكَلِمَة طَعَاما مُتكئا حَتَّى لَقِي الله

وَله طرق أوضحتها فِي تخريجي لأحاديث الرَّافِعِيّ فَرَاجعهَا مِنْهُ

وَهل كَانَ ذَلِك حَرَامًا عَلَيْهِ أَو مَكْرُوها كَمَا فِي حق الْأمة فِيهِ وَجْهَان

أشبههَا - كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ - الثَّانِي

وَجزم بِالْأولِ صَاحب التَّلْخِيص أَي لما فِيهِ من الْكبر وَالْعجب وَعلل الأول بِأَنَّهُ لم يثبت فِيهِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيم

وَاجْتنَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الشَّيْء واختياره غَيره لَا يدل على كَونه محرما عِنْده

ص: 130

إِذا تقرر ذَلِك

فَمَا المُرَاد بالمتكئ فِيهِ خلاف

قَالَ الْخطابِيّ المُرَاد بِهِ هُنَا الْجَالِس الْمُعْتَمد على وطاء تَحْتَهُ وَأقرهُ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه

وَأنْكرهُ عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ وَقَالَ المُرَاد بِهِ المائل على جنب

وَأما صَاحب الشِّفَاء ففسره بِمَا قَالَه الْخطابِيّ ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ هُوَ الْميل على شقّ عِنْد الْمُحَقِّقين وَكَذَا قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمُسْتَوْفى فِي أَسمَاء الْمُصْطَفى إِن الاتكاء فِي اللُّغَة هُوَ التَّمَكُّن فِي الْأكل

ص: 131

الرَّابِعَة الْخط وَالشعر قَالَ تَعَالَى {وَلَا تخطه بيمينك} الْآيَة

وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} الْآيَة

وهما حرامان عَلَيْهِ

قَالَ الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا يتَّجه القَوْل بتحريمهما مِمَّن يَقُول إِنَّه كَانَ يحسنهما

وَقد اخْتلف فِيهِ فَقيل كَانَ يحسنهما وَيمْتَنع مِنْهُمَا وَالأَصَح أَنه كَانَ لَا يحسنهما

قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَلَا يمْتَنع تحريمهما وَإِن لم يحسنهما وَيكون المُرَاد تَحْرِيم التَّوَصُّل إِلَيْهِمَا وَتمسك الْقَائِل بِأَنَّهُ كَانَ يحسن الْكِتَابَة بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ أَنه عليه الصلاة والسلام كتب هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله وَيُجَاب بِأَنَّهُ أَمر بهَا وَوَقع فِي أَطْرَاف ابي مَسْعُود الدِّمَشْقِي أَنه عليه الصلاة والسلام أَخذ الْكتاب وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب فَكتب مَكَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدًا وَكتب هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد

وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي

ص: 132

كتاب التَّنْوِير بعد أَن عزاها إِلَيْهِ وَهِي زِيَادَة مُنكرَة لَيست فِي الصَّحِيحَيْنِ

قَالَ وَذكر عمر بن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ أَنه عليه الصلاة والسلام كتب يَوْم الْحُدَيْبِيَة بِيَدِهِ ومحى فِي قَوْله إِلَى أَنه قصد الْكتاب عَالما بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت وَلم يُعلمهُ قبله وَأَن ذَلِك من معجزاته أَن يعلم الْكِتَابَة فِي وقته لِأَن ذَلِك خرق للْعَادَة

وَقَالَ بِهَذَا القَوْل بعض الْمُحدثين مِنْهُم أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو الْفَتْح النَّيْسَابُورِي وَالْقَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وصنف فِي ذَلِك كتابا

ص: 133

وَقيل إِنَّه كتب فِي ذَلِك الْيَوْم غير عَالم بِالْكِتَابَةِ وَلَا مُمَيّز لحروفها لكنه أَخذ الْقَلَم بِيَدِهِ فَخط بِهِ مَا لم يميزه هُوَ فَإِذا هُوَ كتاب ظَاهر بَين على حسب المُرَاد

قَالَ وَذهب إِلَى ذَلِك القَاضِي أَبُو جَعْفَر السمناني الأصولي

قَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد كَانَ من أوكد معجزاته أَن يكْتب من غير تعلم

قَالَ ابْن دحْيَة وَهَذَا كُله لَيْسَ بِشَيْء

وَقد رد على القَاضِي أبي الْوَلِيد وَخَطأَهُ فِي جُزْء كَبِير ابْن مفوز الْعَالم ثمَّ حكى حِكَايَة عَظِيمَة فِي ذَلِك رُؤْيا

قلت وَحَدِيث مجَالد حَدثنِي عون بن عبد الله عَن أَبِيه قَالَ (مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى كتب وَقَرَأَ)

وهاه الْبَيْهَقِيّ أَنه حَدِيث مُنْقَطع وَفِي رُوَاته جمَاعَة من الضُّعَفَاء والمجهولين

ص: 134

قلت وَقد وَقع مثله فِي قَوْله تَعَالَى {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا} الْآيَة

وَمَا رُوِيَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم من الرجز كَقَوْلِه

(هَل أَنْت إِلَّا أصْبع دميت

)

قَالَ الْأَخْفَش إِنَّه لَيْسَ بِشعر وَقيل إِنَّه عليه الصلاة والسلام لم يَقْصِدهُ وَإِنَّمَا وَقع مرجزا وَلَا يُسمى شعرًا وَلَا قَائِله شَاعِرًا

ص: 135

قَالَ الْحَرْبِيّ وَلم يبلغنِي أَنه عليه الصلاة والسلام أنْشد بَيْتا كَامِلا على رويه بل الصَّدْر كَقَوْل لبيد

(أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل

)

أَو الْعَجز كَقَوْل طرفَة

(ويأتيك بالأخبار من لم تزَود

)

فَإِن أنْشد بَيْتا كَامِلا غَيره قَالَ يَوْمًا

(أَتجْعَلُ نَهْبي وَنهب العبيد

بَين الْأَقْرَع والعيينة)

فَقيل لَهُ إِنَّمَا هُوَ بَين العيينة والأقرع

قَالَ (إِنَّمَا هُوَ بَين الْأَقْرَع والعيينة) فَقَالَ أَبُو بكر أشهد أَنَّك رَسُول الله ثمَّ قَرَأَ {وَمَا علمناه الشّعْر} الْآيَة

وَلَا فرق فِي الْخط بَين الْعَرَبِيّ وَغَيره وَألْحق الْمَاوَرْدِيّ بقول الشّعْر

ص: 136

رِوَايَته وبالكتابة الْقِرَاءَة أَي فِي الْكتاب لقَوْله تَعَالَى {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب} الْآيَة

وَعبارَة الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف إِن من خَصَائِصه أَنه لم يكن لَهُ أَن يَقُول شعرًا وَلَا أَن يتعلمه

(فَائِدَة) جَمِيع كتابات الْأُمَم اثْنَا عشرَة كِتَابَة الْعَرَبيَّة والحميرية واليونانية والفارسية والسريانية والعبرانية والرومية والقبطية والبربرية والأندلسية والهندية والصينية

ذهب مِنْهَا خمس فَلَا تعرف الْيَوْم الحميرية واليونانية

ص: 137

والقبطية والبربرية والأندلسية وَثَلَاث بقيت فِي بلادها وَلَا تعرف فِي بِلَاد الْإِسْلَام الرومية والهندية والصينية

وَبقيت أَربع تسْتَعْمل فِي بِلَاد الْإِسْلَام العبرانية والفارسية والسريانية والعربية

كَذَا قيل وَلَا يَخْلُو بعضه من نزاع

وَاخْتلف فِي أول من خطّ بِالْعَرَبِيَّةِ

قيل إِسْمَاعِيل عليه السلام وَالصَّحِيح مرامر بن مرّة من أهل الأنبار

وَقيل إِنَّه من بني مرّة وَمن الأنبار

ثمَّ انتشرت كِتَابَة الْعَرَبيَّة فِي النَّاس

الْخَامِسَة كَانَ يحرم عَلَيْهِ إِذا لبس لأمته أَن يَنْزِعهَا حَتَّى يلقى

ص: 138

الْعَدو وَيُقَاتل

فَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ مُرْسلا (لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ إِذا أَخذ لأمة الْحَرْب وَأذن فِي النَّاس بِالْخرُوجِ إِلَى الْعَدو أَن يرجع حَتَّى يُقَاتل)

ثمَّ قَالَ وَقد كتبناه مَوْصُولا بِإِسْنَاد حسن فَذكره من رِوَايَة ابْن عَبَّاس

وَأخرج الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر

وَذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي بَاب الْمُشَاورَة بِغَيْر إِسْنَاد

وَقَوله فِي الحَدِيث (لأمته) بِالْهَمْزَةِ

كَمَا قَيده صَاحب الْمَشَارِق وَغَيره

وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه (نِهَايَة السول فِي خَصَائِص الرَّسُول صلى الله عليه وسلم كَذَا سمعته وأرويه

ص: 139

قَالَ ابْن فَارس اللأمة مَهْمُوزَة الدرْع

قَالَ كَذَا قيدتها بِالْهَمْز فِي كتاب فقه اللُّغَة إِلَّا أَنه جعله الدرْع التَّامَّة وَكَذَا قيدته أَيْضا فِي كِفَايَة المتحفظ للأجدابي بِالْهَمْز وَجَمعهَا لأم لأم كتمرة وتمر وَيجمع أَيْضا على لؤم بِوَزْن نفر على غير قِيَاس كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِي كَأَنَّهُ جمع لؤمة بِضَم اللَّام واستلأم الرجل لبس اللأمة

ثمَّ مَا جزمنا بِهِ من تَحْرِيم النزع عَلَيْهِ حَتَّى يُقَاتل هُوَ الْمَشْهُور وَعَن رِوَايَة الشَّيْخ أبي عَليّ أَن ذَلِك كَانَ مَكْرُوها لَا محرما قَالَ الإِمَام وَهَذَا بعيد غير موثوق

قَالَ الْبَغَوِيّ وَقد قيل بِنَاء عَلَيْهِ إِنَّه كَانَ لَا يَبْتَدِئ تَطَوّعا إِلَّا لزمَه إِتْمَامه

السَّادِسَة كَانَ يحرم عَلَيْهِ مد الْعين إِلَى مَا متع بِهِ النَّاس لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك} الْآيَة

نَقله الرَّافِعِيّ عَن صَاحب

ص: 140

الإفصاح وَرِوَايَة فِي التَّلْخِيص مَجْزُومًا وَلذَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة

السَّابِعَة كَانَ يحرم عَلَيْهِ خَائِنَة الْأَعْين لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة آمن النَّاس إِلَّا سِتَّة مِنْهُم عبد الله بن أبي سرح فَاخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان

ص: 141

رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ بِهِ حَتَّى أوقفهُ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا نَبِي الله بَايع عبد الله فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى فَبَايعهُ بعد ذَلِك ثمَّ أقبل إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ (أما كَانَ فِيكُم رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حِين رَآنِي كَفَفْت عَن مبايعته فيقتله)

فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا نَدْرِي مَا فِي نَفسك أَلا أَوْمَأت إِلَيْنَا بِعَيْنِك قَالَ (إِنَّه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن يكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين)

// رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ // من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص

وَقَالَ الْحَاكِم حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم

ص: 142

وَاخْتلف فِي المُرَاد بخائنة الْأَعْين كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي مشكله فَقيل هِيَ الْإِيمَاء بِالْعينِ وَقيل مسارقة النّظر وَعبارَة الرَّافِعِيّ هِيَ الْإِيمَاء إِلَى مُبَاح من ضرب أَو قتل على خلاف مَا يظْهر ويشعر بِهِ الْحَال

وَإِنَّمَا قيل لَهَا خَائِنَة الْأَعْين تَشْبِيها بالخيانة من حَيْثُ إِنَّه يخفى خلاف مَا يظْهر وَلَا يحرم ذَلِك على غَيره إِلَّا فِي مَحْظُور

وَاسْتدلَّ بِهِ صَاحب التَّلْخِيص على أَنه لم يكن لَهُ أَن يخدع فِي الْحَرْب

وَخَالفهُ الْمُعظم كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ مُعَللا بِأَنَّهُ اشْتهر أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا ورى بِغَيْرِهِ وَهُوَ فِي الصَّحِيح من حَدِيث كَعْب بن مَالك

وَصَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْحَرْب خدعة) وَهُوَ بِفَتْح الْخَاء لُغَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَالْفرق أَن الرَّمْز يزري برامزه بِخِلَاف الْإِبْهَام فِي الْأُمُور الْعِظَام

الثَّامِنَة اخْتلف أَصْحَابنَا هَل كَانَ يحرم عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي على من عَلَيْهِ دين على وَجْهَيْن

وَفِي جَوَازه مَعَ وجود الضَّامِن على طَرِيقين حَكَاهُمَا

ص: 143

أَبُو الْعَبَّاس فِي الجرجانيات فِيمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَنهُ

قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة بعد أَن حكى الْخلاف فِي الثَّانِيَة وَجْهَيْن على خلاف من كَونه طَرِيقين

وَالصَّوَاب الْجَزْم بِجَوَازِهِ مَعَ الضَّامِن ثمَّ نسخ التَّحْرِيم

فَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي على من عَلَيْهِ دين وَلَا ضَامِن لَهُ ويوفيه من عِنْده

وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مصرحة بذلك

ص: 144

التَّاسِعَة كَانَ يحرم عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَن يمن ليستكثر وَمَعْنَاهُ أَن يُعْطي شَيْئا ليَأْخُذ أَكثر مِنْهُ قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تمنن تستكثر}

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ ذَلِك خَاص بِهِ عليه الصلاة والسلام كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ

ص: 145