الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقسم الثَّانِي
التخفيفات الْمُتَعَلّقَة بِالنِّكَاحِ
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى أُبِيح لَهُ صلى الله عليه وسلم الْجمع بَين أَكثر من أَربع نسْوَة وَهُوَ إِجْمَاع وَقد مَاتَ صلى الله عليه وسلم عَن تسع زَوْجَات كَمَا سَيَأْتِي
وَلِأَنَّهُ لما كَانَ الْحر - لفضله على العَبْد - يستبيح من النسْوَة أَكثر مِمَّا يستبيحه العَبْد وَجب أَن يكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم لفضله على جَمِيع الْأمة يستبيح من النِّسَاء أَكثر مِمَّا تستبيحه الْأمة
قيل فِي قَوْله تَعَالَى {أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله} الْآيَة
إِن المُرَاد بِالنَّاسِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُمْ حسدوه فِي نِكَاح تسع نسْوَة وَقَالُوا هلا شغلته النُّبُوَّة عَن النِّسَاء فأكذبهم الله تَعَالَى وَقَالَ كَانَ لِسُلَيْمَان الْملك الْعَظِيم وَلم يشْغلهُ عَن النُّبُوَّة وَكَانَ لَهُ ألف حرَّة ومملوكة
وَكَانَ لداود عليه السلام تسع وَتسْعُونَ زَوْجَة حَكَاهُ الإِمَام أَبُو نصر عبد الرَّحِيم الْقشيرِي فِي تَفْسِيره الْمُسَمّى بالتيسير فِي التَّفْسِير
وَحكى الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة أَنه أحل لنبينا عليه الصلاة والسلام تسعا وَتِسْعين امْرَأَة
قيل خص صلى الله عليه وسلم بذلك لِأَنَّهُ حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا الطّيب وَالنِّسَاء وَجعلت قُرَّة عينه فِي الصَّلَاة كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أنس وَصَححهُ الْحَاكِم على شَرط مُسلم وَوَقع فِي مطلب ابْن الرّفْعَة أَنه فِي الصَّحِيح وَالظَّاهِر وهمه
وَفِي إِسْنَاد الحَدِيث مقَال أوضحته فِي تَخْرِيج
أَحَادِيث الرَّافِعِيّ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتلف أهل الْعلم فِي تحبيب النِّسَاء إِلَيْهِ على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه زِيَادَة فِي الِابْتِلَاء والتكليف حَتَّى لَا يلهو بِمَا حبب إِلَيْهِ من النِّسَاء عَمَّا كلف بِهِ من أَدَاء الرسَالَة وَلَا يعجز عَن تحمل أثقال النُّبُوَّة فَيكون تِلْكَ أَكثر لمشاقه وَأعظم لأجره
وَالثَّانِي ليَكُون مَعَ من يشاهدها من نِسَائِهِ فيزول عَنهُ مَا يرميه الْمُشْركُونَ من أَنه سَاحر أَو شَاعِر فَيكون تحبيبه لَهُنَّ على هَذَا القَوْل للطف بِهِ
وَيحْتَمل قولا ثَالِثا وَهُوَ الْحَث لأمته عَلَيْهِ لما فِيهِ من النَّسْل الَّذِي تحصل بِهِ المباهاة يَوْم الْقِيَامَة
ورابعا هُوَ أَن قبائل الْعَرَب تتشرف بِهِ وَقد قيل إِنَّه لَهُ بِكُل قَبيلَة مِنْهَا اتِّصَالًا بمصاهرة وَغَيرهَا سوى تيم وتغلب
وخامسا هُوَ كَثْرَة العشائر من جِهَة نِسَائِهِ رجَالًا وَنسَاء فيكونون عونا على أعدائه
إِذا تقرر ذَلِك فَهَل يجوز لَهُ صلى الله عليه وسلم الزِّيَادَة على التسع فِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا أَحدهمَا لَا لِأَن الأَصْل استواؤه عليه الصلاة والسلام وَأمته فِي الْأَحْكَام لَكِن ثَبت لَهُ جَوَاز الزِّيَادَة إِلَى تسع فَيقْتَصر عَلَيْهِ
وأصحهما - وَبِه قطع الْمَاوَرْدِيّ - الْجَوَاز لِأَنَّهُ مَأْمُون الْجور ولظاهر قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك اللَّاتِي آتيت أُجُورهنَّ} الْآيَة
وَقد قيل إِنَّه كَانَ عِنْده حِين التَّخْيِير عشر نسْوَة الْعَاشِرَة بنت الضَّحَّاك الَّتِي اخْتَارَتْ الدُّنْيَا
وروى الْحَافِظ ضِيَاء الدّين فِي الْأَحَادِيث المختارة من حَدِيث أنس تزوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم خمس عشرَة امْرَأَة وَدخل مِنْهُنَّ بِإِحْدَى عشرَة وَمَات عَن تسع فَيكون قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك} ناسخة
وَفِي رِعَايَة الْحَنَابِلَة إِلَى أَن نزل {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} فَتكون ناسخة
(تَنْبِيه) ذكر الْقُضَاعِي فِي كِتَابه (عُيُون المعارف) هَذِه الخصيصة وَهِي أَنه أُبِيح لَهُ عليه الصلاة والسلام أَكثر من أَربع نسْوَة فِيمَا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء من قبله وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ وَقد أسلفت لَك مَا يُخَالِفهُ
(فَائِدَتَانِ)
الأولى قَالَ مُجَاهِد أعطي النَّبِي صلى الله عليه وسلم قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا كل رجل من رجال أهل الْجنَّة
وَسَيَأْتِي عَن أنس أَنه قَالَ كُنَّا نتحدث أَنه أعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ
الثَّانِيَة النِّكَاح فِي حَقه عليه الصلاة والسلام عبَادَة بِلَا شكّ وَمن جملَة فَوَائده فِي حَقه فَائِدَتَانِ عظيمتان
الأولى نقل الشَّرِيعَة الَّتِي لم يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال الثَّانِيَة نقل محاسنه الْبَاطِنَة فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم مكمل الظَّاهِر وَالْبَاطِن
وَتزَوج من الْقَبَائِل أم حَبِيبَة وأبوها ذَلِك الْوَقْت عدوه
وَصفِيَّة وَقد قتل أَبَاهَا وَغَيرهمَا فَلَو لم يطلعن من بَاطِن أَحْوَاله على أَنه أكمل الْخلق لكَانَتْ الطباع البشرية تَقْتَضِي ميلهن إِلَى آبائهن وقرابتهن
وَكَانَ فِي كَثْرَة النِّسَاء عِنْده بَيَان لمعجزاته وكماله بَاطِنا كَمَا عرفه الرِّجَال مِنْهُ ظَاهرا صلى الله عليه وسلم
(فرع) فِي انحصار طَلَاقه صلى الله عليه وسلم فِي الثَّلَاث طَرِيقَانِ أَحدهمَا فِيهِ وَجْهَان كالوجهين فِي عدد زَوْجَاته لَكِن صحّح الْبَغَوِيّ الْحصْر فِيهَا
كَغَيْرِهِ
وَصحح فِي أصل الرَّوْضَة
والرافعي ذكر الطَّرِيقَة الأولى ثمَّ قَالَ وروى صَاحب التَّتِمَّة الانحصار وَلم يزدْ على ذَلِك فِي شرحيه
وَالثَّانيَِة الْقطع بانحصاره فِيهِ بِخِلَاف عدد الزَّوْجَات لِأَن الْمَأْخُوذ عَلَيْهِ من أَسبَاب التَّحْرِيم أغْلظ كَذَا علله الْمَاوَرْدِيّ وَهُوَ جازم بِعَدَمِ انحصار النسْوَة وحاك لوَجْهَيْنِ فِي انحصار طَلَاقه وَمِنْه خرجت هَذِه الطَّرِيقَة
قَالَ وعَلى الْحصْر إِذا طلق وَاحِدَة ثَلَاثًا هَل تحل لَهُ من غير أَن تنْكح غَيره فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لما خص من تَحْرِيم نِسَائِهِ على غَيره
وَالثَّانِي لَا يحل لَهُ أبدا لما عَلَيْهِ من التَّغْلِيظ فِي أَسبَاب التَّحْرِيم
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي انْعِقَاد نِكَاحه بِلَفْظ الْهِبَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَغَيْرِهِ وأصحهما نعم وَهُوَ مَا قطع بِهِ الإِمَام وَالْغَزالِيّ لقَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ}
وعَلى هَذَا لَا يجب الْمهْر بِالْعقدِ وَلَا بِالدُّخُولِ كَمَا هُوَ مُقْتَضى الْهِبَة
وَهل يشْتَرط لفظ النِّكَاح من جِهَته صلى الله عليه وسلم أَو يَكْفِي لفظ الاتهاب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يشْتَرط كَمَا فِي حق الْمَرْأَة وأصحهما فِي أصل الرَّوْضَة والرافعي قَالَ إِنَّه أرجح وَعند الشَّيْخ أبي حَامِد يشْتَرط لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {أَن يستنكحها} الْآيَة فَاعْتبر فِي جَانِبه النِّكَاح
قَالَ الْأَصْحَاب وَينْعَقد نِكَاحه عليه الصلاة والسلام بِمَعْنى الْهِبَة حَتَّى لَا يجوز مهر ابْتِدَاء وَلَا انْتِهَاء وَفِي وَجه غَرِيب أَنه يجب الْمهْر الَّذِي خص بِهِ لانعقاد نِكَاحه بِلَفْظ الْهِبَة دون مَعْنَاهَا
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ مرّة بِسُقُوط الْمهْر
وَقَالَ مرّة اخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَن لم يسم لَهَا مهْرا فِي العقد هَل يلْزمه لَهَا مهر الْمثل على وَجْهَيْن وَجه الْمَنْع أَن الْمَقْصُود مِنْهُ التَّوَصُّل إِلَى ثَوَاب الله تَعَالَى
قَالَ وَاخْتلف الْعلمَاء هَل كَانَت عِنْده عليه الصلاة والسلام امْرَأَة موهوبة أم لَا من أجل اخْتِلَاف الْقُرَّاء فِي فتح إِن وَكسرهَا من قَوْله {إِن وهبت نَفسهَا} فعلى الثَّانِي يكون شرطا مُسْتَقْبلا وعَلى الأول يكون خَبرا عَن مَاض
وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فِي من هِيَ فَقيل أم شريك قَالَه
عُرْوَة وَأخرجه النَّسَائِيّ عَنْهَا
وَقيل مَيْمُونَة بنت الْحَارِث قَالَه ابْن عَبَّاس وَقَالَ الشّعبِيّ هِيَ زَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْأَنْصَارِيَّة أم الْمَسَاكِين
قلت اسْم أم شريك غزيَّة بنت جَابر بن حَكِيم وَقيل بنت ذروان بن عَوْف وَقيل غزيلة وَقيل ليلى بنت الخطيم
وَقيل فَاطِمَة بنت شُرَيْح
وَقيل خَوْلَة بنت حَكِيم قالته عَائِشَة رضي الله عنها فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَالَت كَانَت خَوْلَة بنت حَكِيم من اللائي وهبْنَ
أَنْفسهنَّ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت عَائِشَة رضي الله عنها أما تَسْتَحي الْمَرْأَة تهب نَفسهَا للرجل فَلَمَّا نزلت ترجئ من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء قلت يَا رَسُول الله مَا أرى رَبك إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك وَهَذَا يدل على أَن معنى قَوْله تَعَالَى ترجئ أَي تُؤخر من تشَاء من الواهبات {وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء} أَي بِقبُول هبتها وَقيل خِلَافه
وَعبارَة الْقُضَاعِي ابي عبد الله مُحَمَّد بن سَلام فِي كِتَابه عُيُون المعارف (أَن مِمَّا خص بِهِ لَهُ إِبَاحَة الْمَوْهُوب لَهُ خَاصَّة وَهُوَ أَن يَتَزَوَّجهَا بِلَفْظ الْهِبَة وَإِبَاحَة النِّكَاح بِغَيْر مهر وَلَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ إِلَّا بِالدُّخُولِ)
وَلَيْسَ ذَلِك بجيد مِنْهُ وَذكر هَذِه الخصوصية فِي قسم مَا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء من قبله
وَدون أمته تَشْرِيفًا لَهُ وتعظيما لشأنه
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا رغب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي نِكَاح امْرَأَة فَإِن كَانَت خلية فعلَيْهَا الْإِجَابَة على الصَّحِيح وَتحرم على غَيره خطبتها وَإِن كَانَت ذَات زوج وَجب على زَوجهَا طَلاقهَا لينكحها على الصَّحِيح لقَوْله تَعَالَى يأيها الَّذين آمنُوا اسْتجِيبُوا لله وَالرَّسُول
…
الْآيَة
كَذَا اسْتدلَّ بهَا الْمَاوَرْدِيّ
وَاسْتدلَّ الْغَزالِيّ فِي وسيطه لوُجُوب التَّطْلِيق بِقصَّة زيد رضي الله عنه وَهِي مَشْهُورَة
وَقد أوضحتها بطرقها فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ فسارع إِلَيْهِ
ثمَّ قَالَ - أَعنِي الْغَزالِيّ - لَعَلَّ السِّرّ من جَانب الزَّوْج امتحان إيمَانه بتكليفه النُّزُول عَن أَهله فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من أَهله وَمَاله وَولده ووالده وَالنَّاس أجميعين)
وَقد تقدم
وَقَالَ أَيْضا (لَا يكمل إِيمَان أحدكُم حَتَّى يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا)
رَوَاهُ مُسلم
ويحققه قَوْله تَعَالَى {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم}
وَمن جَانِبه صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه بالبلية البشرية وَمنعه من خَائِنَة الْأَعْين وَمن الْإِضْمَار الَّذِي يُخَالف الْإِظْهَار وَلَا شَيْء أدعى - إِلَى غض الْبَصَر وَحفظه من لمحاته الاتفاقية - من هَذَا التَّكْلِيف
قَالَ وَهُوَ مَا يُورِدهُ الْفُقَهَاء فِي صنف التَّخْفِيف وَعِنْدِي أَن ذَلِك فِي غَايَة التَّشْدِيد إِذْ لَو كلف بذلك آحَاد النَّاس لما فتحُوا أَعينهم فِي الشوارع والطرقات خوفًا من ذَلِك
وَلذَلِك قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها لَو كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يخفي شَيْئا لأخفى هَذِه الْآيَة
وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الصّلاح وَقَالَ لم يُوَافق فِي مُخَالفَة الْأَصْحَاب فِي ذَلِك
قَالَ وَحَاصِل مَا ذكره أَنه لم يكتف فِي حَقه عليه الصلاة والسلام بِالنَّهْي وَالتَّحْرِيم زاجرا عَن مسارقة النّظر وحاملا لَهُ على غض الْبَصَر من نسَاء غَيره حَتَّى شدد عَلَيْهِ بتكليف لَو كلف بِهِ غَيره لما فتحُوا أَعينهم فِي الطرقات
وَهَذَا غير لَائِق بِمَنْزِلَتِهِ الرفيعة
وَزعم أَن هَذَا الحكم فِي غَايَة التَّشْدِيد
الله تَعَالَى يَقُول فِي ذَلِك {مَا كَانَ على النَّبِي من حرج فِيمَا فرض الله لَهُ} الْآيَة
وَأما قَول عَائِشَة رضي الله عنها فَذَلِك لأمر آخر وَهُوَ إِظْهَار مَا دَار بَينه وَبَين مَوْلَاهُ وعتابه عَلَيْهِ
فَأُجِيب عَنهُ بِأَن الْغَزالِيّ لم يقل إِن النَّهْي فِي حَقه لَيْسَ كَافِيا فِي الِانْتِهَاء وَإِنَّمَا جعل ذَلِك كفا وحافظا عَن وُقُوع النّظر الاتفاقي الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِهِ نهي فَإِذا علم أَنه إِذا وَقع ذَلِك وَوَقعت مِنْهُ الْمَرْأَة موقعا وَجب على زَوجهَا مفارقتها
احْتَاجَ إِلَى زِيَادَة التحفظ فِي ذَلِك
وَالَّذِي كلف أخف مَا فِي النَّفس مَعَ إبداء الله لَهُ فَإِن كثيرا من الْمُبَاحَات الشَّرْعِيَّة يستحيي الْإِنْسَان من فعلهَا وَيمْتَنع مِنْهَا وَقَوله تَعَالَى {مَا كَانَ على النَّبِي من حرج} الْآيَة فِيهِ رفع الْإِثْم لَا نفي الْحيَاء من الشَّيْء
فَإِن قلت مَا الْجَواب عَن حَدِيث عَائِشَة الْمُتَّفق على صِحَّته (أَن رجلا اسْتَأْذن على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ (بئس أَخُو الْعَشِيرَة) أَو (بئس ابْن الْعَشِيرَة) فَلَمَّا جلس تطلق النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي وَجهه وانبسط فَلَمَّا انْطلق قَالَت لَهُ عَائِشَة يَا رَسُول الله حِين رَأَيْت الرجل فَقلت كَذَا وَكَذَا ثمَّ تطلقت فِي وَجهه وانبسطت لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا عَائِشَة مَتى عهدتيني فحاشا إِن شَرّ النَّاس عِنْد الله منزلَة يَوْم الْقِيَامَة من تَركه النَّاس اتقاء شَره) وَفِي لفظ اسْتَأْذن رجل فَقَالَ (ائذنوا لَهُ بئس أَخُو الْعَشِيرَة) فَلَمَّا دخل ألان لَهُ فِي الْكَلَام
ثمَّ ذكره نَحوه
فَالْجَوَاب أَنه يجوز أَن يُقَال الَّذِي منع مِنْهُ أَن يظْهر - بِلَفْظ لمن يخاطبه - شَيْئا يُرِيد خِلَافه
ولين الْكَلَام لم يرد بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا حَقِيقَته لأجل شَره وَمَا قَالَه فِي غيبته تَنْبِيها على صفته ليحذر مِنْهُ أَو يُعَامل بِمثل مَا عَامله النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَذَا أَمْثَاله وَهُوَ من قبيل الدّفع بِالَّتِي هِيَ أحسن
وَبِهَذَا يَقع الْجَواب أَيْضا عَن قَوْله عليه الصلاة والسلام لأبي بَصِير مسعر حَرْب لَو وجد أعوانا
(تَنْبِيه) مَا قَدمته أَولا أَنه يحرم على غير خطبتها هُوَ مَبْنِيّ على أَنه يجب عَلَيْهَا الْإِجَابَة
أما إِذا قُلْنَا لَا فَلَا يظْهر ذَلِك لما فِيهِ من الْإِضْرَار بهَا
المسالة الرَّابِعَة فِي انْعِقَاد نِكَاحه بِلَا ولي وَلَا شُهُود وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لعُمُوم قَوْله صلى الله عليه وسلم (لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل)
وأصحهما نعم
لِأَن اعْتِبَار الْوَلِيّ الْمُحَافظَة على الْكَفَاءَة وَلَا شكّ فِيهِ أَنه صلى الله عليه وسلم فَوق الْأَكفاء وَاعْتِبَار الشُّهُود لأمن الْجُحُود وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام لَا يجْحَد وَإِن جحدت هِيَ لم يرجع إِلَى قَوْلهَا على خلاف قَوْله بل قَالَ الْعِرَاقِيّ فِي شرح الْمُهَذّب تكون كَافِرَة بتكذيبه
وَيدل على الِانْعِقَاد أَيْضا أَن الصَّحَابَة كلهم أشكل عَلَيْهِم هَل تزوج صَفِيَّة وأحالوا ذَلِك على حجبها
وقصة زَيْنَب فِي تَزْوِيجه بهَا وَهَذَا الْخلاف فِي غير زَيْنَب
أما زَيْنَب فمنصوص عَلَيْهَا وَقد نبه عَلَيْهِ أَيْضا النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم فِي بَاب زواج زَيْنَب بنت جحش
وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء من قبله
(تَنْبِيه) قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة مَبْنِيّ على أَن الْمُتَكَلّم هَل يدْخل فِي عُمُوم خطابه أم لَا فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قد قَالَ (لَا نِكَاح إِلَّا بولِي مرشد وشاهدي عدل)
وَفِيمَا ذكره نظر لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ هُنَا إِنَّمَا هُوَ نفي مَاهِيَّة النِّكَاح عِنْد انْتِفَاء ذَلِك فتنتفي تِلْكَ الْمَاهِيّة أَيْضا فِي حَقه عملا بِهَذَا الحَدِيث
وَلم يَأْتِ لفظ عَام للأشخاص حَتَّى نقُول هَل دخل فيهم أم لَا
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة فِي انْعِقَاد نِكَاحه فِي حَال الْإِحْرَام وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لما روى البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَنه عليه الصلاة والسلام تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم
وَهَذَا مَا نسبه الْمَاوَرْدِيّ إِلَى أبي الطّيب ابْن سَلمَة
وَقَالَ الرَّافِعِيّ إِن كَلَام النقلَة بترجيحه أشبه
وَصَححهُ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة
وَثَانِيهمَا لَا كَغَيْرِهِ
وكما لَا يحل لَهُ الْوَطْء فِي الْإِحْرَام
وَهُوَ مَا نَقله الْمَاوَرْدِيّ عَن سَائِر الْأَصْحَاب وَنِكَاح مَيْمُونَة فِي أَكثر الرِّوَايَات جرى وَهُوَ حَلَال كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَغَيره
قَالَ القَاضِي عِيَاض وَغَيره وَلم يرو أَنه تزَوجهَا محرما إِلَّا ابْن عَبَّاس وَحده
قلت فِي صَحِيح ابْن حبَان عَن عَائِشَة أَنه عليه الصلاة والسلام تزوج بعض نِسَائِهِ وَهُوَ محرم
وروت
مَيْمُونَة وَأَبُو رَافع وَغَيرهمَا أَنه تزَوجهَا حَلَالا وهم أعرف بالقصة من ابْن عَبَّاس لتعلقهم بهَا وَلِأَنَّهُم أضبط من ابْن عَبَّاس وأكبر
قَالَ ابْن الْمسيب وَوهم ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك كَذَا رَوَاهُ عَنهُ أَبُو دَاوُد وَابْن عدي
قلت وَيُؤَيِّدهُ أَن الدَّارَقُطْنِيّ روى من حَدِيث ابْن عَبَّاس تزَوجهَا وَهُوَ حَلَال
رَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مخلد عَن أَبِيه عَن سَلام أبي الْمُنْذر وَعَن مطر الْوراق عَن عِكْرِمَة عَنهُ
ثمَّ قَالَ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن عُثْمَان عَن أَبِيه عَن سَلام وَهُوَ غَرِيب عَن مطر
وَرَوَاهُ أَبُو الْأسود عَن عِكْرِمَة أَيْضا
قلت وترجح رِوَايَة أبي رَافع أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ بَالغا إِذْ ذَاك بِخِلَاف ابْن عَبَّاس وَبِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام تزَوجهَا فِي عمْرَة الْقَضَاء كَمَا ذكره البُخَارِيّ وَغَيره وَلم يكن ابْن عَبَّاس مَعَه
وتؤول رِوَايَة ابْن عَبَّاس الْمَشْهُورَة بِأَن المُرَاد تزَوجهَا فِي الشَّهْر الْحَرَام أَو فِي الْبَلَد الْحَرَام
كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما
…
)
لِأَنَّهُ قتل فِي أَيَّام التَّشْرِيق من الشَّهْر الْحَرَام
(تَنْبِيه) عد الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة مِمَّا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء من قبله عليهم السلام
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي وجوب الْقسم عَلَيْهِ فِي زَوْجَاته وَجْهَان
أَحدهمَا وَبِه قطع الْإِصْطَخْرِي
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَطَائِفَة وَصَححهُ الْغَزالِيّ فِي الْخُلَاصَة وَعَلِيهِ اقْتصر فِي الْوَجِيز لَا يجب وَإِنَّمَا كَانَ يتَطَوَّع بِهِ
لِأَن فِي وُجُوبه عَلَيْهِ شغلا عَن لَوَازِم الرسَالَة وَلقَوْله تَعَالَى ترجئ من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء أَي تبعد من تشَاء فَلَا تقسم لَهَا وتقرب من تشَاء فتقسم لَهَا
وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ عَن أَكثر الْعلمَاء أَن الْآيَة نزلت مبيحة ترك ذَلِك وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يطوف على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة كَمَا أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس وَذَلِكَ يُنَافِي وُجُوبه عَلَيْهِ
وأصحهما عِنْد الشَّيْخ أبي حَامِد والعراقيين وتابعهم الْبَغَوِيّ وَهُوَ ظَاهر نَصه فِي الْأُم أَنه يجب لِأَنَّهُ كَانَ يُطَاف بِهِ فِي مَرضه على نِسَائِهِ حَتَّى
حللنه كَمَا ذكره الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر بلاغا
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي كتاب الْهِبَة عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت لما ثقل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ وَجَعه وَاسْتَأْذَنَ أَزوَاجه فِي أَن يمرض فِي بَيْتِي فَأذن لَهُ
وَصَحَّ أَنه عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُول (اللَّهُمَّ هَذَا قسمي فِيمَا أملك فَلَا تلمني فِيمَا تملك وَلَا أملك)
كَمَا أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَع وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم
وَلما هم بِطَلَاق سَوْدَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة فَجعل لَهَا يَوْمَيْنِ
وَأما الْآيَة فَهِيَ مَحْمُولَة على إِبَاحَة التبدل بِهن بعد التَّحْرِيم
وَقَالَ ابْن الْقشيرِي فِي تَفْسِيره إِنَّه كَانَ وَاجِبا ثمَّ نسخ بِهَذِهِ الْآيَة
وَذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْآيَة تأويلين
أَحدهمَا مَعْنَاهُ تعزل من شِئْت من أَزوَاجك فَلَا تأتيها وَتَأْتِي من شِئْت مِنْهُنَّ
وَهُوَ قَول قَتَادَة وَمُجاهد وَنَقله البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتلفُوا هَل أرجأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزُول هَذِه الْآيَة من نِسَائِهِ أحدا أم لَا فَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ الثَّانِي وانه مَاتَ عَن تسع وَكَانَ يقسم لثمان مِنْهُنَّ لِأَن سَوْدَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة
وَرُوِيَ أَنه بلغ نسْوَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُرِيد أَن يخلي سبيلهن فأتينه فَقُلْنَ لَا تخل سبيلنا وَأَنت فِي حل مِمَّا بَيْننَا وَبَيْنك فأرجأ مِنْهُنَّ نسْوَة وآوى نسْوَة وَكَانَت مِمَّن أرجأ مَيْمُونَة وَجُوَيْرِية وَأم حَبِيبَة وَصفِيَّة وَسَوْدَة وَكَانَ
يقسم بَينهُنَّ من نَفسه وَمَاله
وَكَانَ مِمَّن آوى عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم سَلمَة وَزَيْنَب فَكَانَ قسْمَة من نَفسه وَمَاله فِيهِنَّ سَوَاء
قَالَ ابْن الْقشيرِي وَقيل كَانَ أَرَادَ أَن يُفَارِقهُنَّ فَقُلْنَ اقْسمْ لنا من نَفسك مَا شِئْت وَدعنَا على حَالنَا
قلت وطوافه على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة يُجيب - الْقَائِل بِالْوُجُوب - عَنهُ بِأَن ذَلِك كَانَ برضاهن
وَاعْلَم أَن مَأْخَذ الْخلاف فِي هَذِه الْمسَائِل وَأَخَوَاتهَا أَن الزَّوْجَات فِي حَقه عليه الصلاة والسلام كالسراري فِي حق غَيره أَو كالزوجات
وَفِيه وَجْهَان إِن جعلناهن كالسراري لم يشْتَرط الْوَلِيّ وَلَا الشُّهُود وانعقد نِكَاحه فِي الْإِحْرَام وبلفظ الْهِبَة وَلم يحصر عدد منكوحاته وَلَا طَلَاقه وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقسم
وَإِن جعلناهن كالزوجات انعكس الحكم
وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِي أَن الله تَعَالَى خص نبيه صلى الله عليه وسلم بأَشْيَاء فِي النِّكَاح مِنْهَا أَنه أعطَاهُ سَاعَة لَا يكون لأزواجه فِيهَا حق
يدْخل فِيهَا على
جَمِيع أَزوَاجه فيفعل مَا يُرِيد بِهن ثمَّ يدْخل عِنْد الَّتِي يكون الدّور لَهَا
وَفِي كتاب مُسلم أَن تِلْكَ السَّاعَة كَانَت بعد الْعَصْر فَلَو اشْتغل عَنْهَا لكَانَتْ بعد الْمغرب أَو غَيره
فالذلك قَالَ أنس (كَانَ عليه الصلاة والسلام يَدُور على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار)
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة فِي وجوب نَفَقَة زَوْجَاته عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ السابقان فِي الْمهْر وَالأَصَح الْوُجُوب كَمَا ذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة كَانَ لَهُ عليه الصلاة والسلام تَزْوِيج الْمَرْأَة مِمَّن شَاءَ بِغَيْر إِذْنهَا وَإِذن وَليهَا
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وتزويجها من نَفسه
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة وتولي الطَّرفَيْنِ بِغَيْر إِذْنهَا وَإِذن وَليهَا
إِذْ جعله الله أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم
قَالَ الحناطي وَيحْتَمل أَن يُقَال كَانَ لَا يجوز إِلَّا بِإِذْنِهَا قلت وَيُؤَيِّدهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
اسْتَأْذن جوَيْرِية وَطلب رِضَاهَا بنكاحه
وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ فعل ذَلِك تطييبا لقلبها كَقَوْلِه (وَالْبكْر تستأمر)
وَوَقع فِي الْمطلب للشَّيْخ نجم الدّين بن الرّفْعَة أَن الرَّافِعِيّ حكى عَن الحناطي أَنه قَالَ يحْتَمل أَن يُقَال كَانَ لايجوز لَهُ إِلَّا بِإِذن وَليهَا قَالَ وَلم أر لذَلِك ذكرا فِي الرَّوْضَة بل ذكر الْخلاف الْمَذْكُور فِي توليه عليه الصلاة والسلام الطَّرفَيْنِ
هَذَا سَهْو مِنْهُ فَمَا ذكره عَن الحناطي لم يحكه الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيّ مَا قَدمته وَلم يحك فِي الرَّوْضَة الْخلاف فِي تَوْلِيَة الطَّرفَيْنِ وَإِنَّمَا فِيهَا حكايته فِي إِذْنهَا وَإِذن وَليهَا كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ فَتنبه لَهَا
الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة أَن الْمَرْأَة تحل لَهُ بتزويج الله عز وجل قَالَ الله تَعَالَى {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} الْآيَة
أَي أَحللنَا لَك نِكَاحهَا وَكَانَت تفتخر على صواحباتها بذلك
وَتقول زوجكن أهلوكن وزوجني الله من فَوق سبع سموات
// رَوَاهُ البُخَارِيّ // من قَول أنس رضي الله عنه وَمنع ذَلِك بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ إِنَّه عليه الصلاة والسلام أنشأ عقدا على زَيْنَب وَمعنى الْآيَة أبحنا لَك نِكَاحهَا
(فَائِدَة) لم يذكر الله أحدا من الصَّحَابَة فِي الْقُرْآن باسمه غير زيد بن حَارِثَة
(تَنْبِيه) عد الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة مِمَّا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء عليهم السلام من قبله
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة كَانَ يحل لَهُ نِكَاح الْمُعْتَدَّة من غَيره على وَجه حَكَاهُ الْبَغَوِيّ والرافعي وَهُوَ غلط لم يذكرهُ الْجُمْهُور وغلطوا من ذكره
وَالصَّوَاب كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة الْقطع بِالْمَنْعِ
قَالَ ابْن الصّلاح قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْخُلَاصَة وَهُوَ غلط مُنكر وددت محوه مِنْهُ
وَتَبعهُ فِيهِ صَاحب مُخْتَصر الجوينى ومنشئوه فِي تَصْحِيف كَلَام أَتَى بِهِ الْمُزنِيّ
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة هَل كَانَ يحل لَهُ الْجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها أَو خَالَتهَا وَجْهَان فِي الرَّافِعِيّ عَن ابْن الْقطَّان
بِنَاء على أَن الْمُخَاطب هَل يدْخل فِي الْخطاب لِأَنَّهُ قَالَ (لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا) فَالْمَعْنى لَا ينْكح أحد
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة لم يكن يحل لَهُ الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ لِأَن خطاب الله تَعَالَى يدْخل فِيهِ نبيه صلى الله عليه وسلم
وَفِيه وَجه حَكَاهُ الحناطي وَهُوَ بَاطِل قطعا فقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن أم حَبِيبَة أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَل لَك فِي أُخْتِي بنت أبي سُفْيَان فَقَالَ (أفعل مَاذَا) قلت تنكحها
قَالَ أَو تحبين ذَلِك قلت لست لَك بمخلية وَأحب من شركني فِي خير أُخْتِي
قَالَ (فَإِنَّهَا لَا تحل لي)
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة لم يكن يحل لَهُ الْجمع بَين الْأُم وبنتها وَفِيه وَجه بعيد حَكَاهُ الحناطي
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة أعتق صلى الله عليه وسلم صَفِيَّة وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس نعم هُوَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ من حَدِيث أبي مُوسَى أَنه صلى الله عليه وسلم أعْتقهَا ثمَّ أصدقهَا وَذَلِكَ يدل على تَجْدِيد العقد بِصَدَاق غير الْعتْق
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ رُوِيَ من حَدِيث ضَعِيف أَنه أمهرها فَذكره وَفِي
رِوَايَة من حَدِيث ابْن عمر أَن جوَيْرِية وَقع لَهَا مثل ذَلِك
وَلَكِن أعلها ابْن حزم بِيَعْقُوب بن حميد بن كاسب وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ لَا كَمَا جزم بتضعيفه
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي معنى أعْتقهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا على أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا أَنه أعْتقهَا بِشَرْط أَن ينْكِحهَا فلزمها الْوَفَاء بِخِلَاف غَيره
وَهَذَا يَقْتَضِي إنْشَاء عقد بعد ذَلِك
ثَانِيهَا أَنه جعل نفس الْعتْق صَدَاقهَا وَجَاز لَهُ ذَلِك بِخِلَاف غَيره
وَهَذَا مَا أوردهُ الْمَاوَرْدِيّ
وَثَالِثهَا أَنه أعْتقهَا بِلَا عوض وَتَزَوجهَا بِلَا مهر لَا فِي الْحَال وَلَا فِيمَا بعد
قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا أصح
وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن الصّلاح فَإِنَّهُ قَالَ فِي مشكله إِنَّه أصح وَأقرب إِلَى الحَدِيث
وَحكي عَن أبي
إِسْحَاق وَقطع بِهِ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ أعْتقهَا مُطلقًا
قَالَ ابْن الصّلاح فَيكون معنى قَوْله وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا أَنه لم يَجْعَل لَهَا شَيْئا غير الْعتْق فَحل مَحل الصَدَاق وَإِن لم يكن صَدَاقا
وَهُوَ من قبيل قَوْلهم الْجُوع زَاد من لَا زَاد لَهُ
رَابِعهَا أَنه أعْتقهَا على شَرط أَن يَتَزَوَّجهَا فَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا قيمتهَا فَتَزَوجهَا بِهِ وَهِي مَجْهُولَة وَلَيْسَ لغيره أَن يتَزَوَّج بِصَدَاق مَجْهُول حَكَاهُ الْغَزالِيّ فِي وسيطه
نعم لنا وَجه فِي صِحَة إصداق قيمَة الْأمة الْمُعتقَة المجهولة إِذا أعْتقهَا عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا
وَهُوَ يرد قَول الْغَزالِيّ فِي وسيطه فِيهِ خاصية بالِاتِّفَاقِ إِلَّا أَن يكون الْقَائِل بِالصِّحَّةِ فِي حق غَيره غير الْقَائِل بِالصِّحَّةِ هُنَا
قَالَ ابْن حزم مَا وَقع فِي الحَدِيث سنة جَائِزَة صَحِيحَة لكل من أَرَادَ أَن يفعل مثل ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ لما أخرج الحَدِيث الْمُتَقَدّم قَالَ حسن صَحِيح وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد بعض أهل
الْعلم من الصَّحَابَة وَغَيرهم قَالَ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق
وَكره بعض أهل الْعلم أَن يَجْعَل عتقهَا صَدَاقهَا حَتَّى يَجْعَل لَهَا مهْرا سوى الْعتْق قَالَ وَالْقَوْل الأول أصح
وَقَالَ ابْن حبَان - من أَصْحَابنَا - فِي صَحِيحه
فعل فعله صلى الله عليه وسلم لم تقم الدّلَالَة على أَنه خص بِاسْتِعْمَالِهِ دون أمته مُبَاح لَهُم اسْتِعْمَال ذَلِك الْفِعْل لعدم وجود تَخْصِيصه فِيهِ ثمَّ سَاق حَدِيث أنس السالف
(خَاتِمَة) ثَبت فِي الصَّحِيح أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يدْخل على أم حرَام بنت ملْحَان فتطعمه وتفلي رَأسه وينام عِنْدهَا
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم فِي بَاب فضل الْغَزْو فِي الْبَحْر اتّفق الْعلمَاء على أَنَّهَا كَانَت محرما لَهُ صلى الله عليه وسلم وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك
فَقَالَ ابْن عبد الْبر وَغَيره كَانَت إِحْدَى خالاته من
الرضَاعَة وَقَالَ آخَرُونَ بل كَانَت خَالَته لِأَبِيهِ أَو لجده لِأَن عبد الْمطلب كَانَت أمه من بني بني النجار هَذَا كَلَامه
وَمَا ذكره من الِاتِّفَاق على أَنَّهَا
كَانَت محرما لَهُ فِيهِ نظر وَمن أحَاط علما بِنسَب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَنسب أم حرَام علم أَنه لَا محرمية بَينهمَا
وَقد بَين ذَلِك الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي فِي جُزْء مُفْرد وَقَالَ خَاص بِأم حرَام وَأُخْتهَا أم سليم
وَقد ذكرت ذَلِك عَنهُ فِي كتابي الْمُسَمّى (الْعدة فِي معرفَة رجال الْعُمْدَة) وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُوم - فَيُقَال كَانَ من خَصَائِصه الْخلْوَة بالأجنبية وَقد ادَّعَاهُ بعض شُيُوخنَا
(تَنْبِيه) صَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم تزوج عَائِشَة رضي الله عنها لست سِنِين أَو سبع فَذهب ابْن شبْرمَة فِيمَا حَكَاهُ ابْن حزم إِلَى أَن ذَلِك خَاص بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنه لَا يجوز للْأَب إنكاح ابْنَته حَتَّى تبلغ وَهُوَ غَرِيب لَا نعلمهُ عَن غَيره وَقد خَالف الْجُمْهُور فَإِنَّهُم قَالُوا إِن ذَلِك يجوز لكل وَاحِد وَإنَّهُ لَيْسَ من الخصائص
بل نقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع عَلَيْهِ
وَقد خطب عمر أم كُلْثُوم إِلَى عَليّ عَليّ رضي الله عنه فَقَالَ إِنَّهَا تصغر عَن ذَلِك ثمَّ زوجه وَقَالَ الشَّافِعِي زوج ابْن الزبير ابْنَته صَفِيَّة وَزوج غير وَاحِد من الصَّحَابَة ابْنَته صَغِيرَة