المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الواجب المتعلق بالنكاح - غاية السول في خصائص الرسول

[ابن الملقن]

الفصل: ‌الواجب المتعلق بالنكاح

الْقسم الأول

‌الْوَاجِب الْمُتَعَلّق بِالنِّكَاحِ

الأول كَانَ يجب عَلَيْهِ تَخْيِير زَوْجَاته بَين اخْتِيَار زِينَة الدُّنْيَا ومفارقته وَبَين اخْتِيَار الْآخِرَة والبقاء فِي عصمته وَلَا يجب ذَلِك على غَيره

قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} إِلَى قَوْله {أجرا عَظِيما}

وَاخْتلف فِي سَبَب نُزُولهَا على أَقْوَال

إِحْدَاهَا أَن نِسَاءَهُ تَغَايَرْنَ عَلَيْهِ فَحلف أَن لَا يكلمهن شهرا وَمكث فِي غرفته شهرا

ص: 109

قَالَ الْغَزالِيّ فَأمر بتخييرهن لِأَن الْغيرَة توغر الصُّدُور وتنفر الْقلب وتوهن الِاعْتِقَاد

ثَانِيهَا أَنَّهُنَّ اجْتَمعْنَ وقلن نُرِيد كَمَا يُرِيد النِّسَاء من الْحلِيّ وَالثيَاب فطالبنه بذلك وَلَيْسَ عِنْده فتأذى وإلزامهن الصَّبْر عل الْفقر يؤذيهن ومطالبتهن إِيَّاه بذلك يُؤْذِيه

فَأمر بإلقاء زِمَام الْأَمر إلَيْهِنَّ ليفعلن مَا يخترنه

ونزه منصبه العالي عَن التاذي والإيذاء

وَقيل إِن بعض نِسَائِهِ التمست مِنْهُ خَاتمًا من ذهب فَاتخذ لَهَا خَاتمًا من فضَّة وصفره بالزعفران فَسَخِطَتْ

ثَالِثهَا أَن الله تَعَالَى امتحنهن بالتخيير ليَكُون لرَسُوله صلى الله عليه وسلم خير النِّسَاء

رَابِعهَا أَن الله تَعَالَى خَيره بَين الْغنى والفقر فَاخْتَارَ الْفقر فَأمره الله بِتَخْيِير نِسَائِهِ لتَكون من اختارته مِنْهُنَّ مُوَافقَة لاختياره

ص: 110

وَعبارَة الرَّافِعِيّ الْمَعْنى أَنه عليه الصلاة والسلام آثر لنَفسِهِ الْفقر وَالصَّبْر عَلَيْهِ فَأمر بتخييرهن لِئَلَّا يكون مكْرها لَهُنَّ على الْفقر وَالصَّبْر

قلت سَيَأْتِي قَرِيبا أَن إيلاءه صلى الله عليه وسلم كَانَ من نسوته سنة تسع وتخييره بعْدهَا وَهَذَا يضعف أَن سَبَب النُّزُول مَا كن فِيهِ من ضيق الْعَيْش لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وسع لَهُ فِي آخر عمره وَكَانَ لَهُ سَهْمه من خَيْبَر وَغَيره وَذكر الرَّافِعِيّ مثل هَذَا الْكَلَام على الْكَفَاءَة - أَعنِي أَنه صلى الله عليه وسلم اخْتَار الْفقر - وَقد يُعَارضهُ مَا ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه كَانَ يتَعَوَّذ من الْفقر وَقد ذكر ذَلِك فِي بَاب قسم الصَّدقَات

خَامِسهَا أَن سَبَب نُزُولهَا قصَّة مَارِيَة فِي بَيت حَفْصَة رَضِي الله

ص: 111

عَنْهُمَا وَقيل بل قصَّة الْعَسَل الَّذِي شربه صلى الله عليه وسلم فِي بَيت زَيْنَب بنت جحش وتواطأت عَائِشَة وَحَفْصَة على أَن يَقُولَا لَهُ عليه الصلاة والسلام إِنَّا نجد مِنْك ريح مَغَافِير فحرمه النَّبِي صلى الله عليه وسلم على نَفسه وَنزل فيهمَا {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا}

كَمَا أخرج فِي الصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها

والمغافير بالغين الْمُعْجَمَة صمغ حُلْو كالناطف لَهُ رَائِحَة كريهة وَأبْعد من قَالَ إِن لَهُ رَائِحَة حَسَنَة

ص: 112

وَحكى الحناطي - بِالْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ نون - من أَصْحَابنَا وَجها أَن التَّخْيِير لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ مَنْدُوبًا وَالْمَشْهُور الأول

فَلَمَّا نزلت الْآيَة بَدَأَ بعائشة فاختارته كَمَا أخرج فِي الصَّحِيح ثمَّ أخبر بِهِ بَاقِي نِسَائِهِ كَمَا هُوَ مخرج فِي الصَّحِيح أَيْضا وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِلَّا فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك الْكلابِيَّة وَكَانَ قد دخل بهَا فَاخْتَارَتْ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا فسرحها فَلَمَّا كَانَ فِي زمن عمر رضي الله عنه وجدت تلقط البعر وَتقول اخْتَرْت الدُّنْيَا على الْآخِرَة فَلَا دنيا وَلَا آخِرَة

وَقَالَ ابْن الطلاع إِنَّهَا كَانَت تلقط البعر وَتقول إِنَّهَا الشقية

ص: 113

وَكَانَت تَحْتَهُ قتيلة بنت قيس وَإنَّهُ أوصى بتخييرها فِي مَرضه فَاخْتَارَتْ فِرَاقه قبل الدُّخُول

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَفِي الْآيَة دَلِيل على أَحْكَام خَمْسَة

أ - أَن الزَّوْج إِذا أعْسر بِالنَّفَقَةِ لَهَا خِيَار الْفَسْخ

ب - وَأَن الْمُتْعَة تجب للمدخول بهَا إِذا طلقت

ج - وَجَوَاز تَعْجِيلهَا قبل الطَّلَاق

د - وَأَن السراح الْجَمِيل صَرِيح فِي الطَّلَاق

هـ - وَأَن الْمُتْعَة غير مقدرَة شرعا

وَرَأَيْت فِي كتاب الْأَقْسَام والخصال لأبي بكر الْخفاف من قدماء أَصْحَابنَا أَن فِي تخييره صلى الله عليه وسلم زَوْجَاته تسع دَلَائِل فَذكر الثَّلَاثَة الأول من

ص: 114

كَلَام الْمَاوَرْدِيّ

وَأَن التَّخْيِير لَيْسَ بِطَلَاق

وَأَنَّهَا مَتى اخْتَارَتْ فِرَاقه وَجب عَلَيْهِ الطَّلَاق

وَأَن الْخِيَار عَلَيْهِ دون سَائِر أمته وَأَنه غير جَائِز أَن يتَزَوَّج كَافِرَة وَأَن أَزوَاجه مُحرمَات على التَّأْبِيد إِلَّا أَن تكون مُطلقَة غير مَدْخُول بهَا هَذَا لَفظه إِذا تقرر ذَلِك فَتنبه لأمور

أَحدهَا من اخْتَارَتْ مِنْهُنَّ الْحَيَاة الدُّنْيَا هَل كَانَ يحصل الْفِرَاق بِنَفس الِاخْتِيَار فِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا أَحدهمَا نعم كَمَا لَو خير غَيره زَوجته وَنوى تَفْوِيض الطَّلَاق إِلَيْهَا واختارت نَفسهَا

وأصحهما لَا لقَوْله تَعَالَى {فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا}

وَلَو جعل الْفِرَاق باختيارها لما كَانَ للتسريح معنى وَلِأَنَّهُ تَخْيِير بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَمَا لَو خير وَاحِد من الْأمة زَوجته فَاخْتَارَتْ الدُّنْيَا

وَفِي السراح الْجَمِيل تأويلات

أ - أَحدهَا أَن يُطلق دون الثَّلَاث

ص: 115

ب - وَثَانِيها أَن يُوفى فِيهِ الْمهْر والمتعة

ج - وَثَالِثهَا أَنه التسريح من الطَّلَاق دون غَيره

د - وَيحْتَمل رَابِعا أبداه ابْن الْقشيرِي فِي تَفْسِيره وَهُوَ أَن يكون فِي مُسْتَقْبل الْعدة فِي طهر لم يجر فِيهِ جماع

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَل كَانَ التَّخْيِير بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَو بَين الطَّلَاق وَالْمقَام فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء

وأشبههما بقول الشَّافِعِي الثَّانِي

ثمَّ قَالَ بعده إِنَّه الصَّحِيح فعلى الأول لَا شَيْء حَتَّى يُطلق

وعَلى الثَّانِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن تخييره كتخيير غَيره يرجع إِلَى نِيَّته ونيتها

وَثَانِيهمَا أَنه صَرِيح فِي الطَّلَاق لِخُرُوجِهِ مخرج التَّغْلِيظ

وَعَن أبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ حِكَايَة وَجْهَيْن فِي أَن قَوْلهَا اخْتَرْت نَفسِي هَل يكون صَرِيحًا فِي الطَّلَاق حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ عَنهُ

وَالظَّاهِر أَنه مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا

فَإِن قُلْنَا تحصل الْفرْقَة بِالِاخْتِيَارِ أَو بِوُقُوع الطَّلَاق فَطلقهَا دون الثَّلَاث فَفِي كَونه رَجْعِيًا كَمَا فِي حق غَيره أَو بَائِنا تَغْلِيظًا لِأَن الله عز وجل غلظ عَلَيْهِ فِي التَّخْيِير فيغلظ عَلَيْهِ الطَّلَاق وَجْهَان حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ

ثمَّ فِي التَّحْرِيم على التَّأْبِيد وَجْهَان

إِحْدَاهمَا لَا ليَكُون سراحا جميلا وَثَانِيهمَا نعم لاختيارها الدُّنْيَا على الْآخِرَة فَلم تكن من أَزوَاجه فِي الْآخِرَة وحكاهما الرَّافِعِيّ عَن أبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ أَيْضا

ص: 116

ثَانِيهَا هَل يعْتَبر أَن يكون جوابهن على الْفَوْر فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا فِي أصل الرَّوْضَة لَا

وَيجوز فِيهِ التَّرَاخِي وَبِه قطع القَاضِي ابْن كج لقَوْله صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة رضي الله عنها (لَا تبادريني بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك)

// مُتَّفق عَلَيْهِ // من حَدِيثهَا

وَاعْترض الشَّيْخ أَبُو حَامِد على هَذَا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام صرح بتراخي خِيَارهَا إِلَى مُرَاجعَة أَبَوَيْهَا وَالْكَلَام فِي التَّخْيِير الْمُطلق

قَالَ الرَّافِعِيّ وَحَكَاهُ الإِمَام عَن الْأَصْحَاب

وهما مبنيان على الْوَجْهَيْنِ فِي حُصُول الْفِرَاق بِنَفس الِاخْتِيَار

فَإِن قُلْنَا بِهِ وَجب أَن يكون على الْفَوْر وَإِن قُلْنَا لَا فِيهِ التَّرَاخِي

وَقَالَ الإِمَام لَا يجوز

كَمَا لَو قَالَ الْوَاحِد منا لزوجته طَلِّقِي نَفسك

فَفِي كَون جوابها على الْفَوْر أَو على التَّرَاخِي قَولَانِ

ص: 117

قَالَ الإِمَام وَبِنَاء على هَذَا الْخلاف السَّابِق عندنَا فِي غَايَة الضعْف لأجل الْخَبَر

وَإِن قَالَ متكلف مَا جرى من النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة رضي الله عنها تخير ناجز فِي حَقنا قُلْنَا فَلم اكْتفى النَّبِي صلى الله عليه وسلم باختيارها الله وَرَسُوله وَرَآهُ جَوَابا عَن التَّخْيِير فَلَا حَاصِل لذكر الْخلاف فِي اعْتِبَار الْفَوْر وَعَدَمه مَعَ جزمه بِحُصُول الْفِرَاق بِالِاخْتِيَارِ لكنه بناه على أَن تِلْكَ فرقة طَلَاق طَلَاق أَو فسخ وَفِيه وَجْهَان فَإِن قُلْنَا فرقة طَلَاق فَهِيَ على الْفَوْر وَإِلَّا فعلى التَّرَاخِي

(فرع) إِن جعلنَا على الْفَوْر فيمتد بامتداد الْمجْلس أم يعْتَبر الْفَوْرِيَّة الْمُعْتَبرَة فِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِيهِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ عَن الْهَرَوِيّ

ثَالِثهَا هَل كَانَ يحرم عَلَيْهِ عليه الصلاة والسلام طَلَاق من اختارته فِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا

أَحدهمَا وَبِه قطع الْمَاوَرْدِيّ وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم نعم كَمَا يحرم إِِمْسَاكهَا لَو رغبت عَنهُ ومكافأة لَهُنَّ

ص: 118

على صبرهن وَبِه يشْعر قَوْله تَعَالَى {وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} الْآيَة

فَإِن التبدل فراقهن وَتزَوج غَيْرهنَّ فَفِي تَحْرِيمه تَحْرِيم مفارقتهن

وأظهرهما عِنْد الإِمَام والرافعي فِي شرح الصَّغِير وَالنَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة لَا

كَمَا لَو أَرَادَ وَاحِد من الْأمة طَلَاق زَوجته لَا يمْنَع مِنْهُ وَإِن رغبت فِيهِ وَلِأَن التبدل مَعْنَاهُ مفارقتهن والتزوج بأمثالهن بَدَلا عَنْهُن وَذَلِكَ مَجْمُوع أَمريْن فَلَا يَقْتَضِي الْمَنْع من أَولهمَا قَالَ الإِمَام وادعاء الْحجر على الشَّارِع فِي الطَّلَاق بعيد

وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه يحرم عقب اختيارهن وَلَا يحرم إِذا انْفَصل عَنهُ

فَإِن قلت هَل يسْتَدلّ للْوَجْه الْأَظْهر أَنه عليه الصلاة والسلام طلق حَفْصَة وراجعها

وعزم على طَلَاق سَوْدَة فَوهبت يَوْمهَا لعَائِشَة رضي الله عنها قلت لَا

فَإِن المارودي قَالَ كَانَ ذَلِك قبل التَّخْيِير وَكَذَا قصَّة الْإِفْك وَقَول عَليّ رضي الله عنه لما استشاره عليه الصلاة والسلام فِي فِرَاق أَهله لم يضيق الله عَلَيْك النِّسَاء كثير سواهَا

لَعَلَّه قبل نزُول آيَة

ص: 119

التَّخْيِير وَقد صرح بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ كَانَ إيلاؤه عليه الصلاة والسلام سنة تسع من الْهِجْرَة والتخيير بعْدهَا لَكِن اصْطفى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَفِيَّة بنت حييّ من سبي خَيْبَر سنة سبع وَتَزَوجهَا وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ أَن تزَوجه لَهَا كَانَ بعد نزُول آيَة التَّخْيِير

رَابِعهَا لما خير عليه الصلاة والسلام زَوْجَاته كافأهن الله على حسن صنيعهن بِالْجنَّةِ فَقَالَ {إِن الله أعد للمحسنات} أَي المختارات مِنْكُم أجرا عَظِيما أَي الْجنَّة وَمن للْبَيَان لَا للتَّبْعِيض وَبِأَن حرم على رَسُوله التَّزَوُّج عَلَيْهِنَّ والاستبدال بِهن فَقَالَ تَعَالَى {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} الْآيَة

لَكِن نسخ ذَلِك لتَكون الْمِنَّة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم بترك التَّزَوُّج عَلَيْهِنَّ بقوله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} الْآيَة

قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها (مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى حل لَهُ النِّسَاء)

رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم

وَعَائِشَة بِهَذَا الشَّأْن أخبر

ص: 120

قَالَ أَصْحَابنَا وأبيح لَهُ التبدل بِهن وَلكنه لم يفعل

وَخَالف أَبُو حنيفَة رحمه الله فَقَالَ دَامَ التَّحْرِيم وَلم ينْسَخ وَاسْتدلَّ بأوجه

أ - أَحدهَا أَن قَوْله {من بعد} يدل على التَّأْبِيد وَالْجَوَاب أَنه لَا دلَالَة فِي ذَلِك على عدم النّسخ

ب - وَثَانِيها أَنه تَعَالَى جعل جَزَاء لاختيارهن فَلَا يحسن الرُّجُوع فِيهِ

قلت لَا تَحْسِين إِلَّا بِالشَّرْعِ لِأَن التَّحْرِيم إِنَّمَا كَانَ بصبرهن على الضّيق وَقد زَالَ بِفَتْح الْفتُوح

ج - وَثَالِثهَا أَنه لما كَانَ يحرم طلاقهن وَجب أَن يكون تَحْرِيم النِّكَاح عَلَيْهِنَّ بَاقِيا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا جَزَاء

وَالْجَوَاب بِالْفرقِ بَينهمَا بِأَن الطَّلَاق يخرجهن أَن يكن أَزوَاجه فِي الْآخِرَة بِخِلَاف التَّزَوُّج عَلَيْهِنَّ

وَاعْترض على هَذَا الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ بِأَنَّهَا مُتَقَدّمَة فِي التِّلَاوَة على آيَة التَّخْيِير والناسخ لَا يكون مُتَقَدما على الْمَنْسُوخ فَوَجَبَ حملهَا على أَن المُرَاد أَنه أحل النِّسَاء اللَّاتِي اخترنه

وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَالْجَوَاب أَن الْآيَة وَإِن تقدّمت فِي التِّلَاوَة فَهِيَ

ص: 121

مُتَأَخِّرَة فِي النُّزُول كَمَا وَقع ذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} الْآيَة إِلَى قَوْله {عشرا}

فَإِنَّهُ نَاسخ لقَوْله تَعَالَى {مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج} وَإِن كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنهُ فِي التِّلَاوَة

وَإِنَّمَا قدمت الْآيَة الناسخة فِي التِّلَاوَة لِأَن جِبْرِيل عليه السلام كَانَ إِذا نزل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِآيَة قَالَ إجعلها فِي مَوضِع كَذَا من سُورَة كَذَا فَقدمت فِي التِّلَاوَة لسبق التَّالِي إِلَى معرفَة الحكم الَّذِي اسْتَقر حَتَّى لَو لم يعرف الْمَنْسُوخ بعده لم يضرّهُ

وَأما حمل الْآيَة على اللَّاتِي اخترنه فَلَا يَصح لوَجْهَيْنِ

أَحدهمَا أَنَّهُنَّ كن حَلَالا قبل نزُول الْآيَة فَلم تفده هَذِه الْآيَة وَلِأَن قَوْله {إِنَّا أَحللنَا لَك} تَقْتَضِي تقدم حظره

وَالثَّانِي أَنه قَالَ فِيهَا {وَبَنَات عمك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك}

وَلم يكن من المخيرات أحد من هَؤُلَاءِ كَمَا قَالَه الشَّافِعِي فِي الْأُم

خَامِسهَا إِذا ثَبت أَنه أخل لَهُ التَّزَوُّج فَهَل ذَلِك عَام فِي جَمِيع النِّسَاء فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ

أَحدهمَا لَا وَيخْتَص ذَلِك ببنات الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات الْمُهَاجِرَات مَعَه لظَاهِر الْآيَة

ص: 122

وَقد روى عَن أم هَانِئ أَنَّهَا قَالَت نزلت هَذِه الْآيَة فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يَتَزَوَّجنِي فنهي عني لِأَنِّي لم أُهَاجِر

وأظهرهما أَنه عَام فِي جَمِيع النِّسَاء

لِأَن الْإِبَاحَة رفعت مَا تقدم من الْحَظْر

فاستباح مَا كَانَ يستبيحه قبلهَا

وَلِأَنَّهُ فِي اسْتِبَاحَة النِّسَاء أوسع من أمته فَلم يجز أَن ينقص عَنْهُم

وَقد تزوج عليه الصلاة والسلام صَفِيَّة بعد كَمَا سلف عَن الْمَاوَرْدِيّ

ص: 123

وَلَيْسَت من الْمَذْكُورَات فِي الْآيَة

وَالْقَاضِي حُسَيْن قَالَ إِن تَحْرِيم النسْوَة عَلَيْهِ هَل بَقِي مُؤَبَّدًا أم ارْتَفع فِيهِ وَجْهَان

سادسها قَالَ الْمَاوَرْدِيّ تَحْرِيم طَلَاق من اختارته مِنْهُنَّ أَي إِذا قُلْنَا بِهِ كَمَا سلف لم ينْسَخ بل بَقِي إِلَى الْمَوْت

وَبِه اسْتدلَّ أَبُو حنيفَة على بَقَاء تَحْرِيم نِكَاح غَيْرهنَّ أَيْضا وَكَلَام الإِمَام يُشِير إِلَى خِلَافه

سابعها هَل كَانَ يجوز لَهُ عليه الصلاة والسلام أَن يَجْعَل الِاخْتِيَار إلَيْهِنَّ قبل الْمُشَاورَة إلَيْهِنَّ فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ عَن الجرجانيات لأبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ

وَلم أرهما فِي الرَّوْضَة

ص: 124