الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا، وقد ختمت الرسالة بفائدة لم أَرَ فيها كبير فائدة، حيث أنها تتعلق بشرح بعض العلماء لهذا الحديث غير الصحيح، لكنني ـ أثناء ذلك ـ دعمتها ببعض الفوائد، وعقبت تعقيباً ينبئ عن وجهة نظري النهائية في الحديث سنداً ومتناً.
وهذا أوان الشروع في البيان التفصيلي لهذه الطرق
وفقاً للترتيب الذي أجملتُه:
1ـ حديث أنس:
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله في «جامعه» (1)
(2887)
: «حدثنا
(1) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «اختصار علوم الحديث» (ص 31) تحت عنوان: (إطلاق اسم «الصحيح» على الترمذي والنسائي) : «وكان الحاكم أبو عبد الله والخطيب البغدادي يسميان كتاب الترمذي: «الجامع الصحيح» وهذا تساهل منهما، فإن فيه أحاديث كثيرة منكرة
…
» .
وقال الدكتور نور الدين عتر في كتابه: «الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين» (ص 50 - 51) : «أما عنوان الكتاب نفسه واسمه الذي يطلق عليه، فقد وجدنا له عدة أسماء أطلقت عليه وهى:
1 ـ صحيح الترمذي وهو إطلاق الخطيب كما ذكر السيوطي.
2 ـ الجامع الصحيح وهو إطلاق الحاكم.
ونحن نجد بعض حديثه صحيحاً وبعضه حسناً ومنه دون ذلك وهو ينص على هذه الدرجات صراحة، إذن ففي كل من هاتين التسميتين ضَرْبٌ من التَّجَوُّز.
3 ـ الجامع الكبير، ذكره الكتاني في الرسالة المستطرفة وهو قليل الاستعمال.
4 ـ السنن، وهو اسم مشهور للكتاب، ويكثر نسبته إلى مؤلفه فيقال سنن الترمذي تمييزاً له عن بقية السنن.
ووجه هذه التسمية اشتماله على أحاديث الأحكام مرتبة على ترتيب أبواب الفقه، وما كان كذلك يسمى سنناً، ولكن الكتاب فيه الأحكام وغيرها. ففي هذه التسمية تَجَوُّزٌ بتسمية الكل ببعض أجزائه.
5 ـ الجامع: وهو أشهر وأكثر استعمالاً، واشتهر إطلاقه منسوباً إلى مؤلفه فيقال:«جامع الترمذي» ووجه تسميته بذلك: أن الجامع عند المحدثين ما كان مستوعباً لنماذج فنون الحديث الثمانية، وهي هذه: السير والآداب، والتفسير، والعقائد، والفتن، والأحكام، والأشراط، والمناقب، فسُمِّيَ الكتاب جامعاً لوجود هذه الأبواب فيه.
وهذا الاسم «الجامع» أو «جامع الترمذي» يدل على الكتاب بالمطابقة وذلك:
6 ـ لاشتماله على هذه الفنون الثمانية.
7 ـ لأنه مطلق عن قيد الصحة، فيطابق حال الكتاب وواقعه، فهو إذن أولى الأسماء بالإطلاق على كتاب الإمام الترمذي فاستحسن أن يسمى الكتاب ويطبع بعنوان «الجامع» فأما من طبع الكتاب بعنوان الصحة مثل «صحيح الترمذي» أو «الجامع الصحيح» فهذا عمل قد أخطأ صاحبه التوفيق، لما ذكرنا فيه من التساهل، ولأنا نخشى أن يقع في اللبس بسببه من لا دراية عنده، فيظن كل أحاديث الكتاب صحيحة، وهو خلاف الواقع» أهـ.
قلت: والكتاب المذكور نفيس، فهو حري بالدراسة والاهتمام لما فيه من إزاحة كثير من الإشكالات المتعلقة باصطلاحات الترمذي وما يتعلق بكتابه.
قتيبة وسفيان بن وكيع قالا: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن صالح عن هارون أبي محمد عن مقاتل بن حيان عن قتادة عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات) » . ثم قال: «هذا حديث غريب (1) لا نعرفه إلا من حديث حميد بن عبد الرحمن، وبالبصرة لا يعرفون (2) من حديث قتادة إلا من هذا الوجه وهارون أبو محمد شيخ مجهول.
(1) وفي نسخة: «حسن غريب» كما سيأتي عن العلامة الألباني.
(2)
يعني: لا يعرفون هذا الحديث. وكذلك العبارة في المخطوط (ق 226 ب) و «عارضة الأحوذي» و «التحفة» . وسأزيدها بياناً في محله بإذن الله.
حدثنا (1) أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أحمد بن سعيد الدرامي حدثنا قتيبة عن حميد بن عبد الرحمن بهذا، وفي الباب عن أبي بكر الصديق، ولا يصح من قبل إسناده، إسناده ضعيف» .
زاد في المخطوط و «التحفة» : «وفي الباب عن أبي هريرة» ، وقال الحافظ أبو بشر الدَّوْلابيّ رحمه الله في «الكنى والأسماء» له (2/102) : «أخبرنى أحمد بن شعيب (2) قال: أنبأ قتيبة بن سعيد
…
» فذكره مختصراً. (وتحرف عنده: الحسن بن صالح إلى: جبير بن صالح!) . ورواه الخطيب (4/167) من طريق أبي زرعة الرازي حدثنا أبوحفص عمرو بن على حدثني أحمد بن سعيد الدرامي النيسابوري حدثنا قتيبة بن سعيد ـ أبو رجاء البغلاني ـ به مختصراً.
وهو والبيهقي في «الشعب» (2460) من طريقين عن داود بن الحسين حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي به.
(1) وهذا إسناد نازل للترمذي يلتقي أيضاً عند شيخه قتيبة، ولم أدْر ما الذي حمله على ذلك.
(2)
هو الإمام النسائي رحمه الله وليس الحديث في «تفسيره» ولا «فضائل القرآن» له فالظاهر أنه أورده في ترجمه (هارون أبي محمد) من كتابه «الكني» . وهو عمدة الدَّولابي في مواضع كثيرة من كتابه. والله أعلم.
ورواه الخطيب والشجري (1) في «أماليه» (1/118) بإسناد واحد إلى علي بن طيفور النسوي، والشجري من طريق محمد بن غالب التستوري (2) .
والبيهقي من طريق أبي عبد الله محمد بن الفضل الزاهد، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1035) من طريق علي بن عبد العزيز (وهو أبو الحسن البغوي الحافظ) قالوا جميعاً:«حدثنا قتيبة بن سعيد به» .
وقال الحافظ أبو محمد الدرامي رحمه الله في «سننه» (2/456) . «حدثنا محمد بن سعيد حدثنا حميد بن عبد الرحمن
…
» به.
وقال أبو الفتح الأزدي في «الضعفاء» : «حدثنا أبو يعلي الموصلي (3) ، حدثنا عثمان ابن أبي شيبة عن حميد الرؤاسي
…
» به. كما في «الميزان» (4/172) .
ورواه البيهقي (2461) من طريق عباس الأسفاطي (وهو ابن الفضل، صدوق من شيوخ الطبراني) ثنا عثمان بن أبي شيبة به.
(1) إلا أن الشجري رواه عن شيخهما إجازة، وعن الخطيب ـ تحديثاً ـ عنه.
(2)
كذا، وينظر هل صواب هذه النسبة:(الستوري) ؟ وفي رواية هذا الشيخ: «ومن قرأ يس كتب الله له بقراءته (كذا) قراءة القرآن عشرين مرة» . وقال: «قال كذا في كتابي عشرين مرات (كذا) والباقي سواء إلا أنه قال في آخره: عشرين مرات، كذا كان في كتابي» أهـ. ولم يتبين لي قائل هذا الكلام. والحاصل أن رواية (عشرين مرة) مرجوحة قطعاً في هذا الحديث.
(3)
ولم أره في «مسنده» المطبوع، ولا «معجم شيوخه» . فالله أعلم.
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله في «قيام الليل» : «حدثنا نصر بن علي قال: وجدت في كتاب عبد الله بن داود (وهو الخريبي) عن حسن بن صالح قال: حدثني هارون أبو محمد ثنا مقاتل بن حيان
…
» به مختصراً. كما في «مختصره» للمقريزي (ص73) .
وقد علق العلامة المباركفوري رحمه الله على الجملة الوسطى من كلام الترمذي تعليقاً غريباً غير مرضي، فقال في «تحفة الأحوذي» (8/197) :
«لعل مقصود الترمذي بهذا الكلام أن أهل العلم بالحديث بالبصرة لا يعرفون من حديث قتادة عن صحابي إلا من هذا الوجه أي إلا عن أنس لأن قتادة لم يسمع من صاحبي غير أنس (1)(!) . قال الحافظ في تهذيب التهذيب: وقال الحاكم في علوم الحديث: لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس. وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل: «أنبأ حرب بن إسماعيل فيما كتب إليّ، قال: قال أحمد بن حنبل: ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم إلا عن أنس رضي الله عنه
(1) قلت: كلا، فقد قال أبو حاتم الرازي رحمه الله:«ولم يلق قتادة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنساً، وعبد الله بن سرجس» كما في «المراسيل» لابنه (640) .
وقال الحافظ العلائى في «جامع التحصيل» (ص225) : «وصحح أبو زرعة سماعه من عبد الله بن سرجس وزاد ابن المديني: أبا الطفيل» .
قلت: روى شعبة عنه عن أبي الطفيل رضي الله عنه قوله: «لكل مقام مقال» . رواه الخرائطي في «مكارم الأخلاق» كما في «المنتقي منه» (240) ، وابن عدي في «الكامل» (5/1741) ، وكذا رواه ابن عساكر (8/831) من طريق شعبة وغيره به، وهذا إسناد صحيح جليل.
وإحدى هذه الطرق في «التاريخ الكبير» (3/59) ، لكن إسنادها تالف.
قيل: فابن سرجس؟ وكأنه لم يره سماعاً. انتهى. والله تعالى أعلم» .
قلت: لاشك أن المتبادر إلى الأذهان ـ لأول وهلة ـ أن الترمذي رحمه الله يريد بقوله: «لا يعرفون» أنهم لا يعرفون هذا الحديث أو هذا المتن، فيكون مقصوده أن البصريين لا يعرفون هذا المتن ـ من حديث قتادة عن أنس ـ إلا من هذا الوجه بخصوصه الذي أتى به هارون أبو محمد هذا عن مقاتل بن حيان عنه به. فمقاتل إنما هو نبطي بلخي ـ كان بمرو وكابل ـ وليس هو بصرياً وإن رَوَى عن غير واحد من البصريين، وليس هذا الحديث عند مشاهير الثقات من أصحاب قتادة ـ وأغلبهم من أهل البصرة أو كان بها ـ كهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وهمام، وأيوب، وأبان العطار، وسلام بن أبي مطيع، وشيبان النحوي، وأبي عوانة، وأضرابهم، بل ليس عند الثقات المتكلم في حديثهم عن قتادة خاصة: كحماد بن سلمة، ومعمر، وجرير بن حازم، ويزيد بن إبراهيم التستري. والله أعلم.
وقال أبو محمد بن أبي حاتم رحمه الله في «علل الحديث» (1652) : «سألت أبي عن حديث رواه قتيبة بن سعيد وابن أبي شيبة عن حميد بن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن هارون أبي محمد عن مقاتل عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس، ومن قرأ كذا» قال: قال أبي: مقاتل هذا هو مقاتل بن سليمان،
رأيت هذا الحديث في أول كتاب وضعه مقاتل بين سليمان، وهو حديث باطل لا أصل له. قلت لأبي، مقاتل أدرك قتادة؟ قال: وأكبر من قتادة، أبو الزبير» أهـ.
قلت: وسيأتي التعقيب على هذا في محله بإذن الله.
* وقال أبو الفتح الأزدي رحمه الله في ترجمة (مقاتل بن حيان) من «ضعفائه» : «سكتوا عنه» . ثم ذكر عن وكيع أنه قال: «ينسب إلى الكذب» (1) . ثم قال: «وقال ابن معين: ضعيف. وكان أحمد بن حنبل لا يعبأ بمقاتل بن حيان ولا بابن سليمان» . ثم قال: «حدثنا أبو يعلي الموصلي
…
» فذكر الحديث كما قدمت كما في «الميزان» (4/172) .
قال الذهبي: «قلت: الظاهر أنه مقاتل بن سليمان (2)، وقد جاء توثيق يحيى ابن معين لابن حيان من وجوه عنه. وقال فيه الدارقطني: صالح الحديث. نعم، أما ابن خزيمة فقال: لا أحتج بمقاتل بن حيان
…
» .
قلت: وسيأتي ما في استظهاره في محله أيضاً. والله المستعان.
* وقال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله في «عارضة الأحوذي» (11/17) : «حديثها ضعيف (يعني سورة يس) فلم نقبل عليه.
(1) قال الذهبي في «الميزان» ـ معترضاً ـ: «كذا قال أبو الفتح، وأحسبه التبس عليه مقاتل بن حيان بمقاتل ابن سليمان، فابن حيان صدوق قوي الحديث، والذي كذبه وكيع فابن سليمان» .
(2)
حيث ورد في إسناد أبي الفتح مهملاً، لم ينسب إلى أبيه.
وللناس فيها رواء وآراء وروايات وتأويلات وذلك كله لا أصل له. وقد روى أبو داود: «اقرؤا يس على موتاكم» (1) ولم يصح» أهـ.
* وصدَّر الحديثَ الحافظُ المنذري رحمه الله في «الترغيب والترهيب» (2/636) بتحقيق الشيخ هراس) . بصيغة التمريض جازماً بضعفه. وحكى استغراب الترمذي له، وتمم محققه رحمه الله عبارة الترمذي.
* وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة (هارون أبي محمد) من «الميزان» (4/288) : «عن مقاتل بن حيان حديث: «قلب القرآن يس» . قال الترمذي: مجهول. قلت: أنا (2) أتهمه بما رواه القضاعي في شهابه
…
» فذكره بإسناده إليه، وسيأتي ما بينه وبين إسناد «الشهاب» المطبوع من التفاوت في حينه.
* وأورده الحافظ ابن كثير رحمه الله في أول تفسير (سورة يس) من «تفسيره» (3/562 - 563) ، وحكى كلام الترمذي بغير تعقيب.
* وكذا الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الكافي الشاف» (ص140) مختصراً.
* وحكى الحافظ المناوي رحمه الله في «الفتح السماوي» (3/951-952) ما قاله ابن حجر عن الولي العراقي رحمه الله حاشا تجهيل هارون،
(1) ستأتي الخلاصة في هذا الحديث عند إيراد حديث معقل بن يسار رضي الله عنه.
(2)
وهذا التصرف لم أعرف سببه، فالحديث نفسه في «جامع الترمذي» وبجهالة هارون أعله، فلماذا العزو لشهاب القضاعي؟ ولو قال: «أنا اتهمه بما رواه هو والقضاعي في شهابه
…
» الخ، لكان ذلك أشبه.
فجعله من كلام الحافظ رحمه الله نفسه، وليس كذلك، بل هو من نقله عن الترمذي. ولذلك تعقبه محقق «الفتح» .
* وقال الشيخ العلامة الألباني ـ حفظه الله ـ في «السلسلة الضعيفة» (169) : «موضوع» .
وعزاه للترمذي والدرامي وحدهما. وحكى كلام الترمذي بزيادة: «حسن» .
وقال: «قلت: كذا في نسختنا من الترمذي: «حسن غريب» ونقل المنذري في «الترغيب» (2/22) والحافظ ابن كثير في «تفسيره» (3/563) والحافظ في «التهذيب» أنه قال: «حديث غريب» ليس في نقلهم عنه أنه حسنه ولعله الصواب فإن الحديث ضعيف ظاهر الضعف بل هو موضوع من أجل هارون، فقد قال الحافظ الذهبي في ترجمته بعد أن نقل عن الترمذي تجهيله إياه:«قلت: أنا أتهمه بما رواه القضاعي في «شهابه» . ثم ساق له هذا الحديث. وفي «العلل» (2/55 ـ 56) لابن أبي حاتم: «سألت أبي عن هذا الحديث» (فذكره باختصار آخره) . قال: «قلت: كذا جزم أبو حاتم ـ وهو الإمام الحجة ـ أن مقاتلاً المذكور في الإسناد هو ابن سليمان مع أنه وقع عند الترمذي والدارمي «مقاتل بن حيان» كما رأيت، فعله خطأ من بعض الرواة. ويؤيده أن الحديث رواه القضاعي كما سبق وكذا أبو الفتح الأزدي من طريق حميد الرؤاسي بسنده المتقدم عن مقاتل عن قتادة به. كذا قال:«عن مقاتل» لم ينسبه فظن بعض الرواه أنه ابن حيان فنسبه إليه. من
هؤلاء الأزدي نفسه فإنه ذكر عن وكيع أنه قال في مقاتل بن حيان: «يُنسب إلى الكذب» قال الذهبي: كذا قال أبو الفتح
…
» . فذكره بنحو ما تقدم عن «الميزان» .
قال: «قلت: وإذا ثبت أنه ابن سليمان كما استظهره الذهبي وجزم به أبو حاتم فالحديث موضوع قطعاً لأنه ـ أعني ابن سليمان ـ كذاب كما قال وكيع وغيره. ثم اعلم أن حديث أبي بكر الذي أشار إليه الترمذي وضعه لم أقف على متنه، وأما حديث أبي هريرة قال الحافظ ابن كثير: «منظور فيه» ثم قال: قال أبو بكر البزار: حدثنا عبد الرحمن بن الفضل حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حميد المكي مولى آل علقمة عن عطاء بن أبي رباح مرفوعاً به دون قوله: «من قرأها
…
» ثم قال البزار: «لا نعلم رواه إلا زيد عن حميد» .
قلت: وحميد (1) هذا مجهول كما قال الحافظ في «التقريب» وعبد الرحمن بن الفضل شيخ البزار لم أعرفه (2) أهـ.
(1) سيأتي كلام النقاد تفصيلياً في حميد هذا، والأحاديث التي استنكرت عليه عند حديث أبي هريرة بإذن الله.
(2)
ومن المصادفات الطريفة أن الحافظ الهيثمي رحمه الله أيضاً قال في «المجمع» (9/70) ـ عند حديث في فضل عمر ـ: «وإسناده حسن إلا أن عبد الرحمن بن الفضل بن موفق لم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا» . دلني عليه محقق «مجمع البحرين» حفظه الله.
لكنه بينما حكى توثيق ابن حبان عند الحديث (2836) منه، قال عنه (3659) :«لا بأس به تقدم حديث 2836» ، ولم يبين سبب إعطائه هذا التقويم. وقد استبان لي ـ من تعليق آخر له ـ أن كل من يتفرد ابن حبان بتوثيقه، فهو لا بأس به عنده!
قلت: جزى الله شيخ أهل الحديث ـ حفظه الله ـ عن الإسلام والسنة خيراً، على أنني أود أن ألقى الضوء على بعض ما تقدم عند تحقيقه لهذا الحديث، فأقول:
أولاً: الملاحظ أن جميع روايات الحديث أتت عن الحسن بن صالح ـ وهو ابن صالح بن حي الهمداني الكوفي ـ باستثناء روايتي الأزدي وابن أبي حاتم: «عن مقاتل بن حيان» والنسخة التي نقل منها الحافظ الذهبي رحمه الله الحديث من «مسند الشهاب» كأن فيها اختصاراً أو تصرفاً منه أو من بعض الرواة.
فالذي في «الميزان» : «أخبرنا أبو محمد النحاس» والذي في «الشهاب» ـ المطبوع ـ: «أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر النحاس» .
وفي «الميزان» : «عن مقاتل» وفي «المسند» : «عن مقاتل بن حيان» . ومتن «الميزان» : «لكل شيء قلب، وقلب القرآن يس. فمن قرأها كتب له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرار» ، ومتن «المسند» :«إن لكل شيء قلباً، وإن قلب القرآن يس، فمن قرأ يس كتب له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرار» .
نعم، وفي إسناد «الميزان» أيضاً:«محمد بن سعيد» . وفي مطبوع «المسند» : «قتيبة بن سعيد» . ولم يتبين لي الصواب منهما، فكلاهما قد رواه عن الرؤاسي كما تقدم.
أقول: فكان يحسن بالشيخ ـ أمتع الله به ـ أن يراجع نقل «الميزان» على «مسند الشهاب» المخطوط أو المطبوع إن كان أحدهما بحضرته وقتئذ. زادنا الله وإياه حرصاً. وظني أن عثمان بن أبي شيبة ـ وحده ـ هو الذي قال: «عن مقاتل» فقد قرنه ابن أبي حاتم ـ في سؤاله لأبيه ـ بقتيبة، ولم أره عن قتيبة إلا باسمه كاملاً:(مقاتل بن حيَّان) وكذا كل من رواه عن حميد الرؤاسي والحسن بن صالح. وعثمان هو راويه عن حميد الرؤاسي عند الأزدي (1) فتأمل.
وليس عثمان فوق قتيبة ومن تابعه فلا يرجُح عليهم، وبالتالي فلن نعتمد روايته التي فيها (عن مقاتل) مُهْملاً بمجردها.
ثانياً: يتعين إلصاق الوهم بالحسن بن صالح ـ عفا الله عنه ـ مع ثقته وصدقه ـ إن برَّأنا ساحة (هارون أبي محمد) ذاك المجهول من قلب اسم (مقاتل ابن سليمان) إلى: (مقاتل بن حيان) ، حيث لم نر أحداً وصفه بأنه راوي أول كتاب وضعه ابن سليمان، على قول أبي حاتم رحمه الله فهو غيره في أغلب الظن. وتبرأة ساحة هذا الرجل أمر متعذر،
(1) وكذا عند البيهقي ـ في رواية عنده ـ كما تقدم، إلا أنه اختصر الإسناد.
أما اتهام الذهبي إياه، فمتوجه ـ عندي ـ إلى قلب اسم شيخه ـ حسب ـ لا إلى وضع هذا الحديث بهذا الإسناد، لأن اتهامه بذلك إنما يكون منتهضاً في حالة كون رجال الإسناد ثقات سواه كما هو معلوم. وليس الأمر كذلك، لأن مقاتلاً هو المتهم بالكذب والوضع ـ من جهة ـ ولأن روايته هذا الحديث ثبتت عند الناقد الجهبذ أبي حاتم الرازي رحمه الله من غير طريق هارون هذا عنه ـ من جهة أخرى ـ، إلا أن يكون سرق الحديث وقلب إسناده. فالله أعلم. وبالله التوفيق.
ثالثاً: الحديث باطل لا أصل له من هذا الوجه بخصوصه، من طريق قتادة عن أنس، ولذلك لم يعرفه أهل البصرة إلا منه كما ذكر أبو عيسى الترمذي رحمه الله. لكن المتن لا يتهيأ الحكم بوضعه أو بطلانه، أو هو على الأقل مما تتفاوت الأنظار في الحكم عليه بذلك (1) . أما النكارة فظاهرة بل مسلَّمة.
وأما الشطر الثاني، فالحكم عليه بالبطلان متوجه لتضمنه أمارة من أمارات الوضع، وهي المبالغة في تقرير الثواب. ولهذه القاعدة استثناءات فيما صح إسناده وتلقي بالقبول.
رابعاً: حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي أشار إليه الترمذي ـ
(1) ولم أدْرِ لماذا جزم الشيخ الألباني بوضعه مع إيراده إياه في نهاية بحثه من حديث أبي هريرة الذي لم يبلغ
حال إسناده ذلك؟ نعم، الظاهر أن هذا الحكم متوجه عنده إلى نفس هذا المتن، على أنه لم يفصح عن ذلك صراحةً. فالله أعلم.
رحمه الله ـ عزاه العلامة القرطبي في «تفسيره» (15/2) والحافظان ابن كثير وابن حجر في «الكافي» إلى الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (1) ، وحكاه العلامة المباركفوري في «التحفة» (8/198) عن ابن كثير، ولم يزد.
وقد رواه أيضاً ابن الضريس في «فضائل القرآن» (217، 218) والعقيلي (2/143) والشجري في «أماليه» (1/118) ، والبيهقي في «الشعب» (2465) والخطيب (2/388) ، وابن الجوزي في «الموضوعات» (1/247) من طرق عن إسماعيل بن أبي أويس، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني ـ من قريش من بن تميم، من أهل مكة ـ عن سليمان بن مرقاع عن هلال عن الصلت أن أبا بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سورة يس تدعى في التوراة: المعمة، قيل: وما المعمة؟ قال: تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة وتدعى: المدافعة القاضية، وتدفع عن صاحبها كل سوء، وتقضي له كل حاجة، ومن قرأها عدلت له عشرين حجة، ومن سمعها عدلت له ألف دينار في سبيل الله، ومن كتبها ثم شربها أدخلت جوفه ألف دواء، وألف نور، وألف يقين، وألف بركة، وألف رحمة، ونزعت منه كل غل، وكل داء» !!
وهو في «الكنز» (1/590) معزواً إلى الحكيم والبيهقي وحدهما،
(1) هو فيه (ص335) ، وكذا حديث أنس، ولم يذكر مُخْتَصِرُهُ من إسناده سوى هلال عن الصلت (تحرف إلى: هلال بن الصلت) ولم يسق شارحه إسناده لوقوعه في القطعة التي انتهى قبلها بكثير. وليس لمعرفة إسناده كبير فائدة، فالظاهر أن مداره على ابن أبي أويس.
وقد ضعفه الترمذي ـ كما تقدم عنه ـ واستنكره العقيلي ثم البيهقي، وقال ابن الجوزي في «الموضوعات» ـ وقد أورده من حديث أنس (1) وأبي بكر، وبأخصر منه من حديث علي ـ:«هذا الحديث من جميع طرقه باطل لا أصله له» حتى قال: «وأما حديث أبي بكر، فقال النسائي: محمد بن عبد الرحمن الجدعاني متروك الحديث» . قلت: وقوله أشبه بالصواب، فإن لوائح الوضع والتهافت على هذا الكلام لا تخفى على أحد!
وفي الإسناد علل أخرى سوى الجدعاني.
* فابن مرقاع، قال العقيلي:«منكر الحديث» وأورد هذا الحديث في ترجمته (2) .
* وإسماعيل، وهو ابن عبد الله بن أبي أويس المدني ضعيف باستثناء رواية البخاري عنه، ولا مانع من أن ينسحب هذا الحكم على كل من ثبت أنه كان ينتقي من أصوله من أهل الحذق والمعرفة.
قال الحافظ رحمه الله في «هدي الساري» (ص410 ريان) : «احتج به
(1) عن شيخ له عن الخطيب بإسناده إلى أنس. وهو في «تاريخه» (2/387)، وقال: «وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل أيضاً. وإنما يحفظ من حديث محمد بن عبد الرحمن الجدعاني
…
» إلخ. قلت: وفيه محمد بن عبد بن عامر السمرقندي، وهو وضَّاع.
(2)
مع أنه أورد ابن أبي أويس، والجدعاني في «ضعفائه الكبير» أيضاً (1/87، 4/101) ففي صنيعه رد
على القائلين بأنه لا يصح الإعلال بضعف راو أو تدليسه ـ مثلاً ـ والإسناد إليه غير ثابت، والقضية ـ برمتها ـ تحتاج إلى تحرير واستقراء واسع لتصرفات الأئمة رحمهم الله وإن كنت مطمئناً إلى جواز هذا الصنيع.
الشيخان إلا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه، ولا أخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين، وأما مسلم فأخرج له أقل مما أخرج له البخاري، وروى له الباقون سوى النسائي، فإنه أطلق القول بضعفه
…
قلت: وهو يخرج عنه في «تواريخه» أشياء يستنبط منها أموراً ويستدل بها على علل، فالظاهر أن حكمها كذلك.
وعليه، فقد قال في ترجمة الجدعاني من «تاريخه الكبير» (1/157) :«وقال لي إسماعيل: سمعت محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني القرشي المكي منذ ستون سنة (كذا، والصواب: ستين) عن عبيد الله وسليمان ابن مرقاع» . فكأنه يعني هذا الحديث. والله أعلم.
* وهلال، والصلت أشار الخطيب إلى جهالتهما في «تاريخه» (2/387) حيث قال:«وفي إسناده غير واحد من المجهولين» (2) .
(1) تحرف فيه إلى: «ينتفي» ولا شك في خطئها، وهي في «الطبعة السلفية» (ص391) على الصواب.
(2)
وهذا يؤيد أيضاً القضية التي أشرت إليها آنفاً في الصفحة السابقة هامش رقم (2) فتأمل.