الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولفظه: «لكل شيء قلب، وقلب القرآن يس. ومن قرأ يس فكأنما قرأ القرآن عشر مرات» .
والتفسير المذكور في عداد المفقود حتى هذه اللحظة، ولم أر من نقله بإسناده أو بعضه عنه، لكنني لست أشك أن تفرد ابن مردويه ـ في الأعم الأغلب ـ مظنة النكارة والضعف الشديد. كما أشرت في غير هذا الموضع والأمثلة على ذلك كثيرة لدي.
3 ـ حديث أبي بن كعب:
أولاً: من طريق زر بن حبيش الأسدي عنه: قال الحافظ أبو عبد الله القضاعي رحمه الله في «مسند الشهاب» (1036) :
«أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الأدفوي، ثنا أبو الطيب أحمد بن سليمان الجريري إجازة، أنبا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، حدثنى زكريا ابن يحيى، ثنا شبابة، ثنا مخلد بن عبد الواحد، عن علي بن زيد بن جدعان، وعطاء بن أبي ميمونة، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء قلباً، وإن قلب القرآن يس، ومن قرأ يس وهو يريد بها الله عز وجل غفر الله له، وأُعطيَ من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة، وأيما مسلم قُرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف من سورة يس عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفاً، يصلون عليه ويستغفرون له، ويشهدون غسله، ويشيعون جنازته، ويصلون عليه (كذا) ويشهدون دفنه، وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة، فيشربها على فراشه، فيقبض
ملك الموت روحه وهو ريان، فيمكث في قبره وهو
…
ريان، ويبعث يوم القيامة وهو ريان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان» !!!
ورواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/239) من طريق أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال: حدثنا محمد بن عاصم قال حدثنا شبابة بن سوار به مطولاً في فضائل القرآن سورة سورة، إلا أنه لم يسق هذه القطعة في فضل يس (1) .
وفيه: مخلد بن عبد الواحد. قال ابن حبان في «المجروحين» (3/43) : «يروي عن البصريين وعلي بن زيد بن جدعان وغيره (كذا، والصواب عندي حذف الواو الأولى) روى عنه المكي بن إبراهيم والناس، منكر الحديث جداً ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات فبطل الاحتجاج به فيما وافقهم من الروايات» .
(1) وزكريا بن يحيى الذي في إسناد القضاعي هو ابن ايوب المدائني الضرير، سكت عليه الخطيب في «تاريخه» (8/457) وله مناكير عديدة عن شبابة بن سوار ساقها الإخوان الأفضال في بطاقته لدينا بـ «دار التأصيل» . ولكن شيخ القضاعي لم أجده إلا في «الطالع السعيد» (ترجمة 225) مسكوتاً عليه كالعادة. وشيخ شيخه سكت عليه الخطيب أيضاً (4/179 - 180) .
نعم، تابع زكريا: محمد بن عاصم الثقفي الأصبهاني ـ شيخ ابن أبي داود ـ وهو صدوق مصنف، ولكن لفظه الذي ساقه ابن الجوزي في فضل كل سورة مختصر جداً، إذ فيه: «نعم يا أُبَيّ، أيما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كمن قرأ ثلثي القرآن، وأعطي من الأجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة، ومن قرأ آل عمران أعطي بكل آية منها أماناً على جسر جهنم، ومن قرأ سورة النساء أعطي من الأجر كأنما تصدق على كل من ورثه ميراثاً
…
» وهكذا باختصار في فضل كل سورة. فالله أعلم بحقيقة هذا التفاوت.
وقال الذهبي في ترجمته من «الميزان» (4/83) : «وروى عنه شبابة بن سوار، عن ابن جدعان. وعن عطاء بن أبي ميومنة، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم بذاك الخبر الطويل الباطل في فضل السور، فما أدري من وضعه إن لم يكن مخلد افتراه. حدث به الخطيب (1) عن ابن رزقويه، عن ابن السماك، عن عبد الله بن روح المدائني، عن شبابة، قال محمد بن إبراهيم الكناني، سألت أبا حاتم عن حديث شبابة، عن مخلد من قرأ سورة كذا فله كذا. فقال: ضعيف» .
وقال ابن الجوزي: «وقد فرق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره فذكر عند كل سورة ما يخصها وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، ولا أعجب منهما لأنهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرقه على كتابه الذي صنفه في فضائل القرآن وهو يعلم أنه حديث محال، ولكن شره جمهور المحدثين (كذا في الموضوعات ولعل الصواب: ولكنه شره) فإنهم من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل، وهذا قبيح منهم لأنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حدث عني حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» . وهذا حديث فضائل السور مصنوع بلا شك، وفي إسناد الطريق
(1) وهذه متابعة صحيحة للمدائني ومحمد بن عاصم، لكنني لا أدري أمطول لفظه أم مختصر؟ ولم أهتد إليه في «تاريخ بغداد» مع احتمال أن يكون الخطيب قد رواه في تصنيف آخر له. فالله أعلم.
الأول: بزيع (1)، قال الداقطني: وهو متروك، وفي الطريق الثاني: مخلد بن عبد الواحد، قال ابن حيان:(فذكر بعض كلامه) ، وقد اتفق بزيع ومخلد على رواية هذا الحديث عن علي بن زيد، وقد قال أحمد ويحيى: علي بن زيد (2) ليس بشيء.
وبعد هذا فنفس الحديث يدل على أنه مصنوع
…
» إلخ.
قلت: وطريق بزيع بن حسان ـ أبي الخليل البصري ـ بمتابعة مخلد بن عبد الواحد عند العقيلي في «الضعفاء» (1/156) وعنه ابن الجوزي. وروى ـ عقب ذلك ـ بإسناده إلى علي بن الحسن بن شقيق المروزي سمعت ابن المبارك يقول في حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة كذا فله كذا، ومن قرأ سورة كذا» قال ابن المبارك: «أظن الزنادقة وضعته» .
ثانياً: من طريق هارون بن كثير عن زيد بن أسلم ـ أو: سالم ـ عن أبيه عن أبي أمامة عنه: قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي (3/85) : «أخبرنا هلال الحفار
(1) تحرفت إلى (بديع) وفي مصادر شتى إلى (بزيغ) !
(2)
قد حررت القول في (علي بن زيد بن جدعان) وأوردت طائفة من مناكير حديثه في حاشية «إماطة الجهل» (ص 14: 16) ولكن الإعلال به هنا ليس بشيء، لأنه مقرون في الإسناد بعطاء بن أبي ميمونة، وهو ثقة عند الجمهور، من رجال الجماعة سوى الترمذي، ورُمي بالقدر. وروايته هو وابن جدعان عن زر فيها تكلف وافتعال، ولم تعهد من طريق الثقات.
قال: قرئ على أبي بكر محمد بن علي بن رزق الخلال وأنا أسمع في رجب سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. وحدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قالا: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك بن الفضل بن خالد البزار، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي، حدثنا سلام بن سليم المدائني، حدثنا هارون بن
كثير، عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول الله
…
صلى الله عليه وسلم: «يا أُبَيّ إن جبريل أمرني أن أقرأ عليك القرآن، وهو يقرأ عليك السلام» . قال: «وذكر الحديث بطوله» . قلت: ورواه أيضاً ابن عدي (7/2588) ، فاختصر لفظه، وابن مردويه في «تفسيره» كما في «اللآلئ المصنوعة» (1/227) و «الكافي الشاف» (ص140) ، والثعلبي كما فيه، والشجري (1/98: 103) من هذا الوجه ولفظه ـ كما هو عنده ـ: «إن لكل شيء قلباً، وإن قلب القرآن يس، ومن قرأ سورة يس يريد بها الله غفر الله له
…
» فذكره بنحو الرواية الأولى عن أُبَيّ.
وسلام المدائني متروك (1)، ولكن قال ابن عدي رحمه الله: «ورواه عن هارون ابن كثير القاسم بن الحكم العُرَنيّ (2) بطوله سورةً سورةً، ورواه عن هارون يوسف
(1) لكنني لا أدري هل رواه ابن مردويه والثعلبي من طريقه أم لا، فإن ابن حجر والسيوطي ما بينا ذلك.
(2)
تحرفت في المطبوع إلى: «الغزي» .
ابن عطية ـ الكوفي لا البصري ـ بعضه، وهارون غير معروف، ولم يحدث به عن زيد ابن أسلم غيره، وهذا الحديث غير محفوظ عن زيد» .
قلت: والقاسم أصلحهم حالاً، فإنه صدوق لا بأس به، رُمي بشيء من الغفلة.
ويوسف بن عطية الكوفي متروك اتهمه الفلاس (1) .
ويحتمل أن يكونوا قد توبعوا في الأسانيد التي لم نطلع عليها. فالله أعلم.
(وهارون)، قال أبو حاتم الرازي رحمه الله في حديث آخر له بهذا الإسناد إلى أبي أمامة وابن عمر:«هذا حديث باطل، لا أعرف من الإسناد إلا أبا أمامة» (!) كما في «علل الحديث» لولده عبد الرحمن (1880) .
وفيه: «عن زيد بن سالم أو ابن أسلم عن أبيه» .
وقال الذهبي في «الميزان» (4/286) : «مجهول وزيد عن أبيه نكرة» .
ومما زاده عليه الحافظ في «اللسان» (6/181) : «قلت: ووقع في بعض طرقه: زيد بن أسلم، وهو تحريف، والصواب: زيد بن سالم» .
وقال السيوطي في «اللآليء» : «ومن طرقه الباطلة طريق هارون بن كثير عن زيد ابن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أُبَيّ بن كعب. أخرجه ابن عدي في الكامل، وقال: رواه عن هارون
…
إلخ» .
إلى أن قال: «وهذه الأحاديث الثلاثة (يعني: هذا، وحديثي بزيع ومخلد) مخرجة بطولها في آخر تفسير ابن مردويه
…
» .
(طرفة) تتعلق بهذا الحديث:
روى ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/241) بإسناده إلى محمود بن غيلان سمعت مؤملاً (2)
يقول: حدثني شيخ بفضائل سور
(1) وفي ترجمته من «تهذيب الكمال» (32/441) تحرف شيخه هارون بن كثير إلى: مروان ابن كثير (!) وقد رواه عن يوسف هذا ابنُ منيع في «مسنده» كما في «المطالب» (المسندة ق 500/1) بالقطعة التي تخص فضل يس حسب. وقد أشار ابن عدي إلى أن يوسف قد روى بعضه.
(2)
هو ابن إسماعيل العدوي البصري نزيل مكة رحمه الله وقد كان صلباً في السنة شديداً على أهل البدع، فلعله صنع ذلك من هذا الباب.
أو لعله تأثر بشيخه شعبة بن الحجاج رحمه الله، فهو الذي اشتهر عنه هذا الصنيع وذاع في تتبع الرواة لضمان اتصال الإسناد ومعرفة مخرج الحديث وأحوال رواته ولعل مؤملاً رحمه الله إن صحت الحكاية كان يفعل ذلك في أول حياته وبداية نشاطه العلمي، وإلا فإنه كان قد دفن كتبه ـ كما قال أبو الفضل الهروي الحافظ الشهيد رحمه الله وجاور بمكة. ومع ذلك فلم يَكفّ عن التحديث، فوقعت له أوهام كثيرة أشار إليها سليمان بن حرب، وابن سعد، والفسوي، وأبو حاتم، وابن نصر المروزي، وزكريا الساجي، وأبو الفضل بن عمار الشهيد، والدارقطني، وغيرهم.
وقد ركنَت نفسي إلى جمع هذه الأوهام تمهيداً لبيانها، وقد شرعت في الجزء الأول منها مقسماً على أسماء شيوخه الذين وهم عليهم منذ زمان، ولكنني لم أكمله، فأسأل الله العون والسداد.
وهذه القصة تبين أن المتصوفة كانوا من أعظم الخلق ضرراً على الإسلام وأهله، ومثلهم الرافضة المتشيعة منذ قديم الزمان، فهما صنوان في الكذب والاختلاق ونسج الأساطير والخيالات ودسها على عباد الله الساهين الغافلين، أما الزهاد أمثال داود الطائي وبشر بن الحارث وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض، فقد حاول الصوفية انتحالهم، وهم أهل علم وفقه وسنة، ومنهم المرابطون المجاهدون في سبيل الله عز وجل، ولكن غلب عليهم طلب الإخلاص وقلة مخالطة الناس. والله أعلم بهم.