المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 ـ حديث أبي هريرة بالشطر الأول: - أحاديث ومرويات في الميزان ١ - حديث قلب القرآن يس

[محمد عمرو بن عبد اللطيف]

الفصل: ‌4 ـ حديث أبي هريرة بالشطر الأول:

القرآن الذي يروى عن أُبَيّ بن كعب، فقلت للشيخ: من حدثك؟ قال: حدثني شيخ بواسط وهو حي. فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه، فقال حدثني شيخ بعبدان فصرت إليه، فأخذ بيدي فأدخلني بيتاً، فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك؟ فقال: لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا وجوههم إلى القرآن» .

ثم رواها (1/241 - 242) من وجه آخر عن محمود بن غيلان بنحو الأولى.

وفي الإسناد الآخر: القاضي أبو العلاء الواسطي ـ شيخ الخطيب فيها ـ عن أبي بكر المفيد. وفيهما مقال شديد. وفي الأول بعض من لم أتحقق منه. فالله أعلم.

‌4 ـ حديث أبي هريرة بالشطر الأول:

قال الحافظ أبو بكر البزار رحمه الله في «مسنده» : «حدثنا عبد الرحمن بن الفضل، ثنا زيد، ثنا حميد، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس» .

كما في «كشف الأستار» (2304) للحافظ الهيثمي، و «مختصر زوائد البزار» (1549) للحافظ ابن حجر ـ رحمهما الله ـ وهذا إسناد منكر، له علتان:

الأولى: جهالة حال عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق ـ وهو الثقفي

ص: 40

الكوفي ـ شيخ البزار، حيث انفرد ابن حبان بإيراده في «الثقات» ـ كما تقدم.

وما رأيت له ترجمة مستقلة في مكان آخر، ولم أر هذا الحديث موصولاً عن زيد بن الحباب العكلي الحافظ إلا من جهته، فهل له مدخل في نكارته من هذا الوجه؟ علم ذلك عند الله تعالى.

ويحتمل أنه قد توبع، فقد عرف الحديث من هذا الوجه بعض الحفاظ كالترمذي رحمه الله كما تقدم عنه.

ورواه ابن مردويه أيضاً في «تفسيره» كما في «الدر المنثور» (5/257) حيث قال السيوطي رحمه الله عقب حديث ابن عباس باللفظ التام المتقدم: «وأخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة وأنس مثله» . فالله أعلم.

الثانية: جهالة شيخ شيخه ـ أيضاً ـ: حميد المكي مولى آل علقمة كما تقدم عن الحافظ ابن حجر رحمه الله (وقال) الإمام البخاري رحمه الله في «تاريخه الصغير» (2/123ـ 124) وعنه ابن عدي (2/689) :

«حميد المكي مولى ابن علقمة، روى عنه زيد بن حباب ثلاثة أحاديث زعم أنه سمع عطاء عن أبي هريرة عن سلمان (تحرفت إلى: سليمان، والتصويب من «الكامل» و «تهذيب الكمال» (7/415) ولما سيأتي قريباً) عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديثين آخرين لا يتابع فيهما» .

قال الحافظ المزي رحمه الله: «يعني حديث سلمان في الدعاء: «من

ص: 41

قال: اللهم إني أشهدك، وأشهد ملائكتك

الحديث» ، وفي آخره: «من قالها مرة عتق ثلثه (1) من النار

الحديث» .

وقال البرقاني في «سؤالاته للدارقطني» (66) : «قلت: فحميد مولى علقمة عن عطاء؟ قال: مجهول» (2) .

وقال ابن عدي: «وحميد المكي لم ينسب ولم يُذكر أبوه، وحديثه هذا المقدار الذي ذكره البخاري لا يتابع عليه كما قال» .

وقال الذهبي في «المغني» (1/196) : «قال البخاري: لا يتابع عليه» .

وقال في «الكاشف» (1/259) : «لين» .

وحكى في «الميزان» (1/618) ما حكاه عن البخاري في «المغني» ، وزاد:«قلت: له ثلاثة أحاديث (3) . قال ابن عدي: لا يتابع على بعض (4) حديثه. قلت: هو أصغر من حميد بن قيس المكي المذكور» .

(1) تحرفت في المطبوع إلى: «ثلاثة» .

(2)

قال العلامة المعلمي رحمه الله في حاشية «الفوائد المجموعة» (ص299) : «والمجهول إذا روى خبرين لم يتابع عليهما، فهو تالف» .

(3)

هذه من تمام عبارة البخاري في «التاريخ الصغير» كما رأيت.

(4)

ليس هذا لفظ ابن عدي ـ كما رأيت ـ ولا معناه. فمن الخطأ البين ما جرى عليه كثير من المعاصرين من الاعتماد على كتب المتأخرين كـ «الميزان» و «تهذيب التهذيب» وما شابههما دون الرجوع إلى الأصول التي ينقل عنها أولئك الأئمة المتأخرون إلا أن لا نجد تلك النصوص عند أحد سواهم، فالله المستعان.

ص: 42

وجهَّله الحافظ في «التقريب» (1568) كما تقدم.

وحديثه هذا أورده في «الكافي الشاف» (ص 140) معزواً للبزار، وأعله بضعفه.

وقال فيه ابن كثير رحمه الله: «منظور فيه» كما تقدم.

ولم أره في «مجمع الزوائد» للهيثمي رحمه الله مع كونه على شرطه.

(والملاحظ) أن مناكير حميد هذا، التي يرويها بهذا الإسناد الواحد تدندن ـ كلها ـ حول قضية بعينها، هي (فضل ذكر الله عز وجل بل حول صحابة بأعيانهم، هم: أبو بكر الصديق، وأبو هريرة، وسلمان رضي الله عنهم!

فمنها:

1 ـ ما رواه الترمذي في «جامعه» (3509) عن إبراهيم بن يعقوب عن زيد بن الحباب عنه به: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قلت: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: المساجد. قلت: وما الرتع يا رسول الله؟ قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» .

وعين هذا الحديث، رواه البزار كما في «الكشف» (3078) عن إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا زيد بن الحباب به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رحمه الله (1) ـ: «ألا ترتع في روضة من رياض الجنة

(1) كذا في «كشف الأستار» ، وفي «مجمع الزوائد» بدون قوله: رحمه الله.

ص: 43

وتريح فيها؟» فقال: يا رسول الله، وما الرتع، قال:«الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر «قال سلمان: إن لكل شيء غرساً، فما غراس الجنة؟ قال:» سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» . وشيخا الترمذي والبزار كلاهما ثقة حافظ!

نعم، وروي هذا المتن مختصراً من طرق بغير هذا السياق (1) .

(1) ورواه الحافظ في «نتائج الأفكار» (1/21) من طريق جعفر الفريابي، حدثني الفضل بن مقاتل البلخي ثنا زيد بن الحباب به، بلفظ:«يا أبا بكر إذا مررت برياض الجنة فارتع فيها» قال: وما الرتع فيها يا رسول الله؟ قال: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» .

وقال الحافظ رحمه الله: «وهذا حديث غريب

» .

قلت: أما اللفظ المختصر الذي أعنيه فهو: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «حلق الذكر» . وقد روي من طرق منكرة وواهية عن أنس وجابر وابن عمر وغيرهم.

ولي رسالة في تحسينه طبعت منذ ست سنوات باسم: «أخذ الجنة بحسن حديث الرتع في رياض الجنة» لو لم أضعها لكان خيراً لي إن شاء الله، ولكنني ـ وقتئذ ـ كنت أشد جهلاً مني الآن بقواعد هذا العلم الشريف، وأنهم لم يكونوا يحسنون أو يصححون متناً من المتون من مجموع طرق ضعيفة، بل الترمذي رحمه الله الذي اصطلح على هذا؛ اشترط انتفاء الشذوذ، فالنكارة كذلك بل أضل سبيلاً، وقد ألحقت بالرسالة المذكورة أيضاً (أذكار الصباح والمساء وبعد الصلاة) ، وتراجعت عن كثير مما فيها. وقد أشار عليّ أحد الإخوة أن أفرد رسالة لبيان ما رجعت عنه وتبين لي عدم ثبوته. فلم تخف عليّ وجاهة رأيه فعزمت على ذلك والله المستعان.

ص: 44

2 ـ وما رواه البزار في «مسنده» أيضاً كما في «الكشف» (3092) : «حدثنا رجل من أصحابنا عن زيد بن الحباب به: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس، وأبو بكر رضي الله عنه وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، ونعيم بن سلامة، إذ قدم بريد على النبي صلى الله عليه وسلم من بعث بعثه، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما رأينا بعثاً أسرع إياباً، ولا أكثر مغنماً من هؤلاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر ألا أدلك على ما هو أسرع إياباً وأفضل مغنماً؟ من صلى الغداة في جماعة ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس» .

قال البزار: «لا نعلم أحداً شارك حميداً في هذا، ولا نعلم رواه عن عطاء عن أبي هريرة غيره» .

قلت: قد رُوي معناه من أوجه أخرى لا يصح منها شيء.

وشيخ البزار ـ وإن كان مبهماً ـ لا ندري من هو، وقد يكون (عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق) أيضاً، لكنه توبع.

قال الحافظ رحمه الله في ترجمة (نعيم بن سلام، ويقال: ابن سلامة السلمي) من «الإصابة» (3/567) : «له ذكر في حديث أخرجه البزار من طريق زيد بن الحباب

» فذكره، وقال: «وقع لنا بعلو في المعرفة لابن منده

» ثم رأيته في «المعرفة» لأبي نعيم (2 أق 217 أ) معلقاً من طريق محمد بن عصام عن زيد به.

ص: 45

3 ـ وما رواه ابن عدي (2/689 ـ690) والطبراني في «الكبير» (6/220) من طريق أحمد بن يحيى الصوفي، ثنا زيد بن الحباب به إلى أبي هريرة: حدثني سلمان الفارسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك، وحملة عرشك، وأشهد من في السموات ومن في الأرض أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأكَفِّر من أبى من الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك. من قالها مرة عتق ثلثه من النار، ومن قالها مرتين عتق ثلثاه من النار، ومن قالها ثلاثاً عتق كله من النار» .

وتقدمت إشارة البخاري رحمه الله إلى هذا الحديث مما لم يتابع عليه حميد.

ورواه أيضاً البزار كما في «مختصر زوائده» (2089) للحافظ رحمه الله: «حدثنا أحمد، ثنا زيد بن الحباب

» فذكره.

وشيخه ـ أحمد ـ لم يعرفه الهيثمي (10/86) ، وأعله هو والحافظ بضعف حميد.

وهذا الشيخ قد يكون ابن يحيى الصوفي الذي رواه ابن عدي والطبراني من طريقه، وقد يكون ابن يحيى الحجري الآتي ذكره فقد رواه ـ أيضاً ـ الحاكم (1/523) من طريق أبي عبد الله أحمد بن يحيى الحجري عن زيد بن الحباب، فقال: «حدثنا حميد بن

ص: 46

مهران (!) ثنا عطاء

» فذكره بنحوه، وقال:«هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» .

قال الذهبي ـ ملخصاً كلامه بغير تعقب ـ: «صحيح» . وقد اغتر بظاهر هذا الإسناد: الأستاذ العلامة الألباني ـ حفظه الله ـ فقال في «الصحيحة» (267) :

«وهو كما قالا. وله شاهد ضعيف كما بينته في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» رقم (1041) اهـ.

قلت: والحجري ـ في إسناد الحاكم ـ هو أحمد بن يحيى بن المنذر الكوفي، قال الدارقطني رحمه الله:«صدوق» كما في «سؤالات الحاكم له» (ترجمة: 4) .

وأما أحمد بن يحيى الصوفي، وهو ابن زكريا الأودي الكوفي العابد أبو جعفر، فهو من رجال «التهذيب» .

وهو ثقة بإطلاق، فقد وثقه أبو حاتم وابن حبان، وقال النسائي:«لا بأس به» . وروى عنه هو والبخاري في «تاريخه» كما في «تهذيب الكمال» (1/518) .

ومعلوم ـ بداهة ـ أن الصدوق ـ بل الثقة الحافظ ـ يهم، ويخطئ، ويخالف.

فإن لم يكن الوهم في تسمية شيخ زيد بن الحباب من الحاكم نفسه أو شيخه الأصم، فهو من أحمد بن يحي الحجري، يؤيد ذلك قرائن شتى منها:

ص: 47