الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضرر غيره، أو يمنع غيرَه من الانتفاع بملكه توفيراً له، فيتضرَّر الممنوع بذلك".
2 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 بيان كمال الشريعة وحسنها في رفع الضرر والإضرار.
2 أنَّ على المسلم ألَاّ يضرَّ غيره ولا يضاره.
الحديث الثالث والثلاثون
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لو يُعطَى الناسُ بدعواهم، لادَّعى رجالٌ أموالَ قوم ودماءهم، لكن البيِّنة على المدَّعي، واليمين على مَن أنكر" حديث حسن، رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين.
1 حديث ابن عباس هذا أخرجه البخاري (4552) ، ومسلم (1711) ، وأكثره في الصحيحين، والذي ليس فيهما:"البيِّنة على المدَّعي"، لكن ثبتت هذه الجملة فيهما من حديث الأشعث بن قيس عند البخاري (4550) ، ومسلم (138) في قصة له مع ابن عمٍّ له، قال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"بيِّنتك أو يَمينه".
2 قال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين: "وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام، ويقتضي أن لا يُحكم لأحد بدعواه"، وقد بيَّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه أنَّه لو أجيب كلُّ مدَّع على غيره شيئاً لأدَّى ذلك إلى ادِّعاء أموال الناس ودمائهم، لكن النَّبيَّ
صلى الله عليه وسلم أوضح ما يكون فيه الفصل بين الناس في ذلك، وهو طلب البيِّنة من المدَّعي، وهي كلُّ ما يبين الحقَّ ويدلُّ عليه، من شهود أو قرائن أو غيرها، فإذا أتى بالبيِّنة قُضي بها على المدَّعَى عليه، وإن لم توجد البيِّنة طُلب من المدَّعَى عليه اليمين، فإن حلف برئت ساحتُه، وإن نكل عن اليمين قُضي عليه بالنُّكول، وأُلزم بما ادَّعاه عليه خصمُه، وقال النووي في شرح الأربعين:"إنَّما كانت البيِّنة على المدَّعي؛ لأنَّه يدَّعي خلاف الظاهر، والأصل براءة الذِّمَّة"، ثم ذكر أنَّه يُستثنى مسائل كثيرة يُقبل فيها قول المدَّعي بلا بيِّنة، منها دعوى الأب حاجته إلى الإعفاف، ودعوى السفيه التَّوَقان إلى النكاح مع القرينة، ودعوى خروج المرأة من العدَّة بالأقراء ووضع الحمل، ودعوى الطفل البلوغ بالاحتلام، ودعوى المودع تلف الوديعة أو ضياعها بسرقة ونحوها، والمدَّعي هو الطالب الذي لو سكت تُرك، والمدَّعَى عليه هو المطلوب الذي لو سكت لم يُترك، قال ابن المنذر كما في جامع العلوم والحكم (2/230) :"أجمع أهل العلم على أنَّ البيِّنة على المدَّعي واليمين على المدَّعَى عليه، قال: ومعنى قوله: (البيِّنة على المدَّعي) يعني: يستحقُّ بها ما ادَّعى؛ لأنَّها واجبة عليه يؤخذ بها، ومعنى قوله: (اليمين على المدَّعَى عليه) ، أي: يبرأ بها؛ لأنَّها واجبة عليه، يؤخذ بها على كلِّ حال".
3 وكما أنَّ المدَّعي عليه البيِّنة فيما يدَّعيه من الأمور الدنيوية، فإنَّ على المدَّعي البيِّنة في الأمور الأخرويَّة، فمَن ادَّعى محبَّةَ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يكون صادقاً في دعواه إذا اتَّبع الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كلِّ مَن