الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: سألت أم الدرداء رضي الله عنها ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار، وعنده أيضاً عنه قال: قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر عمل أبي الدرداء رضي الله عنه؟ قالت: الاعتبار. وعن سالم بن أبي الجَعْد نحوه إلا أنه قال: فقالت: التفكر، وأخرجه أحمد نحو الحديث الأول عن عون كما في صفة الصفوة، وعندهما أيضاً عن أبي الدرداء أنه قال: تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة، وأخرجه ابن سعد مثله، وعند ابن عساكر عن أبي الدرداء قال: من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر ولهم بذلك أجر، ومن الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير وعليهم بذلك إصْر، وتفكر ساعة خير من قيام ليلة. كذا في الكنز. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن حبيب بن عبد الله أن رجلاً أتى أبا الدرداء وهو يريد الغزو فقال: يا أبا الدرداء عن حبيب بن عبد الله أن رجلاً أتى أبا الدرداء وهو يريد الغزو فقال: يا أبا الدرداء أوصني، فقال: اذكر الله في السّراء يذكرك في الضرّاء، وإذا أشرفت على شيء من الدنيا فانظر إلى ما يصير. وعنده أيضاً عن سالم بن أبي الجَعْد قال: مرّ ثوران على أبي الدرداء وهما يعملان، فقام أحدهما ووقف الآخر فقال أبو الدرداء: إنَّ في هذا لمعتبراً؛ وأخرج أحمد أيضاً الحديث الأول عن حبيب نحوه، كما في صفة الصفوة.
(فصلٌ في منزلة التذكر:
[*] (عناصر الفصل:
(فضل منزلة التذكر:
(أبنية التذكر:
وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
(فضل منزلة التذكر:
مسألة: ما هي فضل منزلة التذكر؟
(لمنزلة التذكر فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم، فهي نعمةٌ عظيمة، وَمِنَّةٌ جسيمة، نعمة كبرى، ومنحة عظمى،، له فضائل لا تحصى، وثمرات لا تعد، وله أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة، وهو طريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، ومن أعظم ما تكلم عنها العالم الحبر العلامة الضياء اللامع والنجم الساطع الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، فقد كان من حلية الأولياء وأعلام النبلاء وحراس العقيدة وحماة السنة وأشياع الحق وأنصار دين الله عز وجل، حاملُ لواء السنة وناصرها وقامع البدعة ودامغها.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
ثم ينزل القلب منزل (التذكر) وهو قرين الإنابة قال الله تعالى 40:13 {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَاّ مَنْ يُنِيبُ} وقال تعالى: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَىَ لِكُلّ عَبْدٍ مّنِيبٍ)[ق: 8]
وهو من خواص أولي الألباب كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الرعد:19]
وقال تعالى: 2:269 {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُو الأَلْبَابِ} [البقرة:269]
و (التذكر) و (التفكر) منزلان يثمران أنواع المعارف وحقائق الإيمان والإحسان والعارف لا يزال «يعود بتفكره على تذكره وبتذكره على تفكره» حتى يفتح قُفْلَ قلبه بإذن الفتاح العليم.
قال الحسن البصري: "ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التذكر ويناطقون القلوب حتى نطقت".
قال صاحب المنازل:
"التذكر فوق التفكر لأن التفكر طلب والتذكر وجود".
يريد أن التفكر التماس الغايات من مباديها كما قال: "التفكر تلمس البصيرة واستدراك البغية".
وأما قوله: "التذكر وجود" فلأنه يكون فيما قد حصل بالتفكر ثم غاب عنه بالنسيان فإذا تذكره وجده فظفر به.
و (التذكر) تفعل من الذكر وهو ضد النسيان وهو حضور صورة المذكور العلمية في القلب واختير له بناء التفعل لحصوله بعد مهلة وتدرج كالتبصر والتفهم والتعلم.
فمنزلة (التذكر) من (التفكر) منزلة حصول الشيء المطلوب بعد التفتيش عليه ولهذا كانت آيات الله المتلوة والمشهودة ذكرى كما قال في المتلوة {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ، هُدىً وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ} [غافر: 54] وقال عن القرآن: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [الحاقة: 48]
وقال في آياته المشهودة: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ، وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق/5: 8]
ف (التبصر) آلة البصر و (التذكرة) آلة الذكر وقرن بينهما وجعلهما لأهل الإنابة لأن العبد إذا أناب إلى الله أبصر مواقع الآيات والعبر فاستدل بها على ما هي آيات له فزال عنه الإعراض بالإنابة والعمى بالتبصرة والغفلة بالتذكرة لأن التبصرة توجب له حصول صورة المدلول في القلب بعد غفلته عنها فترتب المنازل الثلاثة أحسن ترتيب ثم إن كلا منها يمد صاحبه ويقويه ويثمره.
وقال تعالى في آياته المشهودة: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق/36، 37]
والناس ثلاثة: رجل قلبه ميت فذلك الذي لا قلب له فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقه.
الثاني: رجل له قلب حي مستعد لكنه غير مستمع للآيات المتلوة التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة: إما لعدم ورودها أو لوصولها إليه ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها فهو غائب القلب ليس حاضرا فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه.
والثالث: رجل حي القلب مستعد تليت عليه الآيات فأصغى بسمعه وألقى السمع وأحضر قلبه ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه فهو شاهد القلب ملق السمع فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة.
فالأول: بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر.
والثاني: بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه فكلاهما لا يراه.
والثالث: بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور وأتبعه بصره وقابله على توسط من البعد والقرب فهذا هو الذي يراه.
فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصدور.
(أبنية التذكر:
مسألة: ما هي أبنية التذكر؟
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
قال صاحب المنازل:
"أبنية التذكر ثلاثة: «الانتفاع بالعظة» «والاستبصار بالعبرة» «والظفر بثمرة الفكرة"».
(الانتفاع بالعظة: هو أن يقدح في القلب قادح الخوف والرجاء فيتحرك للعمل طلبا للخلاص من الخوف ورغبة في حصول المرجوّ.
و (العظة) هي الأمر والنهي المعروف بالترغيب والترهيب.
و (العظة) نوعان: عظة بالمسموع وعظة بالمشهود فالعظة بالسموع: الانتفاع بما يسمعه من الهدى والرشد والنصائح التي جاءت على يد الرسل وما أوحى إليهم وكذلك الانتفاع بالعظة من كل ناصح ومرشد في مصالح الدين والدنيا.
و (العظة) بالمشهود: الانتفاع بما يراه ويشهده في العالم من مواقع العبر وأحكام القدر ومجاريه وما يشاهده من آيات الله الدالة على صدق رسله.