المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌(فصل في منزلة الرياضة:

((حديث البراء رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوئك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضتُ أمري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلمُ به.

(فبقولنا هذا الذكر قبل النوم فإننا نعلن الفرار إلى الله.

‌(فصلٌ في منزلة الرياضة:

[*] (عناصر الفصل:

(تعريف منزلة الرياضة:

(الفرق بين الرياضة و الترويض:

(فضل منزلة الرياضة:

(درجات الرياضة:

وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:

(تعريف منزلة الرياضة:

«منزلة الرياضة هي تمرين النفس على الصدق والإخلاص»

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : "منزلة الرياضة".

هي تمرين النفس على الصدق والإخلاص. أهـ.

قال صاحب المنازل: "هي تمرين النفس على قبول الصدق".

وهذا يراد به أمران:

(تمرينها على قبول الصدق إذا عرضه عليها في أقواله وأفعاله وإرادته فإذا عرض عليها الصدق قبلته وانقادت له وأذعنت له.

(والثاني: قبول الحق ممن عرضه عليه قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33]

«فلا يكفي صدقك بل لا بد من صدقك وتصديقك للصادقين» فكثير من الناس يصدق ولكن يمنعه من التصديق كبر أو حسد أو غير ذلك. أهـ

ومما يجب أن يُعلم أن الرياضة تحتاج إلى صبر وطول نفس.

(قال أحد العلماء:

تحضرني قصة أحد علماء الأزهر الكبار الذي صار شيخ الأزهر في أول حياته طلب العلم فلم يفلح ثم عزف عن العلم وهو جالس يوما في مكان، فإذا بنملة تصعد إلى جدار، فلما وصلت إلى مكان ما وقعت، أعادت الكرة فوقعت، أعادت الكرة فوقعت، فعدّ محاولاتها فكانت ثلاثا و ثمانين محاولة، فهذه النملة علّمته درسا لا يُنسى، فالإنسان ينبغي أن يصمِّم، لي قريب أمه حريصة على أن ينال أعلى درجة، ففي الشهادة الثانوية لم ينجح، أصرّت على أن يعيد الامتحان مرة تلو المرة حتى نجح في المرة الخامسة ولازالت أمه تشد عضده إلى أن أصبح طبيباً ناجحاً.

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومدمن قرع الأبواب أن يلجا

ص: 138

فالحاصل أن الإنسان يحتاج إلى تصميم و إلى صدق في الطلب، فالرياضة تعويد النفس على الصدق والإخلاص، الصدق له معان عديدة، من معاني الصدق أن يأتي كلامك مطابقا للواقع، هذا الصدق الإخباري، و المعنى الأخطر أن يكون واقعك مطابقا لقولك، أن يأتي القول مطابقا للواقع هذا صدق الإخبار، أما أن يأتي العمل مطابقا للواقع هذا صدق التطبيق، لذلك قال تعالى:(يََأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصّادِقِينَ)[التوبة: 119]

هنا ليس معنى " الصادقين " هم الذين يصدقون إذا حدّثوا، الذين تأتي أعمالهم مطابقة لأقوالهم «فكلٌّ يدّعي أنه مؤمن بالآخرة، لكن لو تفحصت أعمال الناس لا تجد أثرا لهذا الادّعاء إطلاقا» ، فهؤلاء يكذبون بأعمالهم لا بأقوالهم، هم يتكلمون كلاما طيبا، وإذا أخبروك أخبروك صادقين، و لكن أعمالهم لا تؤكد صدق كلامهم، فمنزلة الرياضة التمرين على الصدق و الإخلاص، عملك مطابق لادعائك و قولك، و يأتي الإخلاص ليبيِّن نزاهتك عن مطلب سوى الله عزوجل.

(قال أحد العلماء:

سألني أخ من ما علامة الإخلاص؟ قلت له: علامة الإخلاص أن يستوى ظاهرك مع باطنك و أن تستوي علانيتك مع سرك، و أن تستوي خلوتك مع جلوتك، أنت إنسان واحد، في خلوتك وفي جلوتك، في بيتك و أمام الناس، في سرك و علانيتك، أروع ما في الإنسان هذا التوحُّد، لا يوجد ازدواجية، للمنافق موقفان، موقف معلَن وموقف حقيقي، قال تعالى:

قال تعالى: (وَإِذَا لَقُواْ الّذِينَ آمَنُواْ قَالُوَا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىَ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوَاْ إِنّا مَعَكْمْ إِنّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[البقرة 14: 15]

إذًا التدريب على أن تأتي أعمالك مطابقة لأقوالك، كأن تقول: أنا مؤمن بالآخرة، هنا ينبغي ألَا تقبل درهما واحدا من حرام، النبي عليه الصلاة و السلام رأى على سريره تمرة، فقال: يا عائشة لولا أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها، تمرة في بيته و على السرير، و لكن داخله الشك لعلها من تمر الصدقة، لذلك

قالوا: ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعة من مخلط، و قالوا: من لم يصده ورعه عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيٍْ من عمله.

ص: 139

وعلى هذا فإذا كانت أعمالك تأتي مطابقة لأقوالك فأنت صادق، يستوي سرك مع علانيتك وظاهرك مع باطنك وخلوتك مع جلوتك فأنت مخلص، و علامة أخرى للإخلاص، أنك إذا فعلت عملا طيبا تبتغي به وجه الله وحده لا تعبأ كثيرا بمدح الناس لك، بل لا تستجدي منهم المديح، يستوي عندك أنهم ذكروا أو لم يذكروا، شكروا أو لم يشكروا، قدّروا أو لم يقدِّروا، لا تعلِّق أهمية على ردود الفعل، لكن ليس معنى هذا ألاّ تبالي بسمعتك، النبي عليه الصلاة و السلام كان حريصاً على سمعته، كما في الحديث الآتي:

(حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها الثابت في الصحيحين) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(على رسلكما، إنها صفية بنت حيي). فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال:(إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا، أو قال: شيئا).

[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:

(وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا، أو قال: شيئا) خشيَ عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك لأنهما غير معصومين فقد يفضى بهما ذلك إلى الهلاك فبادر إلى اعلامهما حسما للمادة وتعليما لمن بعدهما إذا وقع له مثل ذلك. أهـ

وهذا درس بليغ لنا، «عوِّد نفسك أن توضِّح و تبيِّن» ،

(قال أحد العلماء:

أذكر إنساناً جاء إلى محله التجارى امرأة رحّب بها كثيراً، عنده ضيف في المكتب، قال لي: غريب، ليس هذا من أخلاق فلان، قلت له: هذه أخته يقينا، أنا لا أعرفها، و لكني أعرفه ورعا، كان الأولى أن يدخل إلينا و يقول: جاءت أختي، حتى لا يستغرب الضيف هذا الترحيب، لأن المؤمن يتكلم مع المرأة التي تحل له كلاماً عادياً جدا دون زيادة، ودون إلانة قول. إذن هناك صدق الأقوال و صدق الأعمال، و حيثما وردت كلمة الصادقين في الأعمّ الأغلب تعني صدق الأعمال، و قلما تجد إنسانا تأتي أفعاله مطابقة لأقواله.

ص: 140

(و مستوى آخر من الصدق، ألاّ ترد الحق، قد يأتي إنسان يقول لك: هذا الذي قلته غير صحيح، و الصواب هو كذا، و الدليل هو الآية و الحديث، فإن لم تقل له جزاك الله خيرا، فقد أكرمتني بهذه النصيحة، فأنت لست صادقا، إذا كان في الإمكان أن تردّ الحقّ و أن تستنكف عن قبوله و أن تستعلي عن أن تأخذه من إنسان تظنه دونك، لكن المؤمن الصادق يتعلم و لو من غلام أبو حنيفة النعمان كان يمشي في الطريق فرأى غلاما أمامه حفرة، قال له: يا غلام

إياك أن تسقط، فقال له الغلام: بل أنت يا إمام إياك أن تسقط، إني إن سقطت سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم.

إذا كان الإنسان قدوة وأخطأ يكون ارتكب عملا خطيرا جدا، لأن هذا المثل الأعلى اهتز، أن تتعامل مع ألف إنسان، يصيبون و يخطئون، ولكن إذا كان في ذهنك مثل أعلى، تعلق عليه أملاً كبيراً تراه إنساناً مستقيماً، إذا أخطأ فتلك قاصمة الظهر، أنت ترضى أن يخطئ الناس جميعاً، إلا مثلك الأعلى الذي تقتدي به و تراه في موطن منزّه عن كل خطأ، فإن رأيته يخطئ عمداً فتلك الطامة الكبرى، لا أحد معصوم إلا النبي، المؤمن غير معصوم، و لكنه لا يرتكب الكبائر وليس معنى هذا أنه يصر على الصغائر، المؤمن غير معصوم، لا يمكن أن يصر على صغيرة مهما بدت صغيرة، وقّافا عند كتاب الله، سريعا ما يتراجع و يستغفر و يشكر الذي نصحه، لذلك قالوا: النبي معصوم و الولي محفوظ، النبي لا يفعل خطأ، بينما الولي لا يضره خطؤه، لأنه سريعا ما يتوب منه و يستغفر، قال تعالى:(وَالّذِي جَآءَ بِالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ)[الزمر: 33]

ص: 141

جاء بالصدق أي أفعاله تؤكد أقواله، كان صادقاً، وعظمة الأنبياء في صدقهم، الأنبياء فعلوا المعجزات، لا لأنهم فوق البشر، هم بشر، ولولا أنه تجري عليهم خصائص البشر لما كانوا سادة البشر، و لكن الأنبياء فعلوا ما قالوا، وأيُّ إنسان يفعل ما يقول له تأثير يشبه السحر، موقف عظيم في معركة بدر كانت الرواحل قليلة والعدد قريب من ألف، و الرواحل ثلاثمائة، فالنبي أعطى توجيها " كل ثلاثة على راحلة، قال: وأنا وعلي و أبو لبابة على راحلة، القائد العام للجيش يعامل نفسه كما يعامل الجندي، فركب الناقة وانتهت نوبته في الركوب، و جاء دور عليّ و أبي لبابة، فتوسلا إليه أن يبقى راكبا، فقال عليه الصلاة و السلام قولة تكتب بماء الذهب: ما أنتما بأقوى مني على السير، و لا أنا بأغنى منكما عن الأجر .. " أنا مفتقر إلى أجر المشي، و أنا قوي البنية، قادر على المسير، لو تخلق الناس بهذه الأخلاق لكنا في حياة غير هذه الحياة.

(الفرق بين الرياضة و الترويض:

مسألة: ما الفرق بين الرياضة و الترويض؟

الجواب:

الفرق بين الرياضة و الترويض فرق كبير جدا، الوحوش تُروّض، بينما الإنسان يتريّض فالرياضة من الترييض، التدريب، الوحوش تروَّض، أي تدرَّب بحسب طريقتها، قد تقول: فلان يده ملطّخة بدماء الجريمة، و فلان مضرّج بدماء الشهادة، فالتضريج غير التلطيخ، الدم الذي يُسفك في حرام أو في جريمة، نقول: ملطّخ بدم الجريمة، أما الدم الذي يُبذل في سبيل عقيدة أو هدف نبيل نقول: مضرّج، فهذه المنزلة أساسها ما ورد عن النبي عليه الصلاة في الحديث الآتي:

(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يُوَقَّه.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(إنما العلم) أي تحصيله

ص: 142

(بالتعلم) بضم اللام على الصواب كما قاله الزركشي ويروى بالتعليم أي ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ عن الأنبياء وورثتهم على سبيل التعليم وتعلمه طلبه واكتسابه من أهله وأخذه عنهم حيث كانوا فلا علم إلا بتعلم من الشارع أو من ناب عنه منابه وما تفيده العبادة والتقوى والمجاهدة والرياضة إنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع العقول ثم هو ينقسم لما يدخل تحت دائرة الأحكام ومنه ما لا يدخل تحت دائرة العبادات وإن كان مما يتناوله الإشارة ومنه ما لا تفهمه الضمائر وإن أشارت إليه الحقائق في وضوحه عند مشاهده وتحققه عند متلقيه فافهم قال ابن مسعود تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يحتاج إليه وقال ابن سعد ما سبقنا ابن شهاب للعلم إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره ويسأل وكنا تمنعنا الحداثة وقال الثوري من رق وجهه رق علمه وقال مجاهد لا يتعلم مستحي ولا متكبر وقيل لابن عباس بما نلت هذا العلم قال بلسان سؤول وقلب عقول

(وإنما الحلم بالتحلم) أي ببعث النفس وتنشيطها إليه قال الراغب: الحلم إمساك النفس عن هيجان الغضب والتحكم إمساكها عن قضاء الوطر إذا هاج الغضب

(ومن يتحر الخير يعطه) أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه اللّه تعالى إياه

(ومن يتق الشر يوقه) زاد الطبراني والبيهقي في روايتيهما ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلى ولا أقول لكم الجنة من تكهن أو استقسم أو ردّه من سفر تطير (تنبيه) قال بعضهم: ويحصل العلم بالفيض الإلهي لكنه نادر غير مطرد فلذا تمم الكلام نحو الغالب قال الراغب: الفضائل ضربان نظري وعملي وكل ضرب منها يحصل على وجهين أحدهما بتعلم بشرى يحتاج إلى زمان وتدرب وممارسة ويتقوى الإنسان فيه درجة فدرجة وإن فيهم من يكفيه أدنى ممارسة بحسب اختلاف الطبائع في الذكاء والبلادة، والثاني يحصل [ص 570] بفيض إلهي نحو أن يولد إنسان عالماً بغير تعلم كعيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام الذين حصل لهم من المعارف بغير ممارسة ما لم يحصل لغيرهم وذكر بعض الحكماء أن ذلك قد يحصل لغير الأنبياء عليهم السلام في الفيئة بعد الفيئة وكلما كان يتدرب فقد يكون بالطبع كصبي يوجد صادق اللّهجة وسخياً وجريئاً وآخر بعكسه وقد يكون بالتعلم والعادة فمن صار فاضلاً طبعاً وعادة وتعلماً فهو كامل الفضيلة ومن كان رذلاً فهو كامل الرذيلة. أهـ

ص: 143

(فالإنسان في البدايات ليس حليما لكن يتصنع الحلم، بعد التصنع المستمر يصبح الحلم عنده طبعا، كان تكلفا فصار طبعا، إنسان في الأصل ليس كريما يتصنع الكرم إلى أن ينقلب التصنع إلى طبع، الإنسان ليس عليما، يتعلم إلى أن يصبح العلم عنده ثابتا فهذا معنى الحديث إنما العلم بالتعلم، و إنما الحلم بالتحلم، ...... "

فليس هناك علم من دون تعلم، كما يدّعي بعض الناس أن هناك علما يأتي من قِبل الله مباشرة، هناك وحي يأتي الأنبياء، و هناك علم يتأتى من التعلم، و هناك فهم دقيق لكتاب الله عزوجل، هذه خصيصة يمنحها الله لبعض عباده الصالحين، قال تعالى:

(فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)[الأنبياء: 79]

أن يُؤتى فهما في القرآن، فهناك وحي، هذا متعلق بالأنبياء و المرسلين، و هناك فهم لكتاب الله فضلٌ من الله عزوجل، و هناك تعلم.

(فضل منزلة الرياضة:

وللرياضة فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم، فهي نعمةٌ عظيمة، وَمِنَّةٌ جسيمة، نعمة كبرى، ومنحة عظمى،، له فضائل لا تحصى، وثمرات لا تعد، وله أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة، وهو طريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين لأنها تجعل الإنسان يترقى نحو الأفضل دائماً بتمرين نفسه وترويضها على خصال الخير، فإن من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يُوَقَّه بنص السنة الصحيحة وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يُوَقَّه.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(إنما العلم) أي تحصيله

ص: 144

(بالتعلم) بضم اللام على الصواب كما قاله الزركشي ويروى بالتعليم أي ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ عن الأنبياء وورثتهم على سبيل التعليم وتعلمه طلبه واكتسابه من أهله وأخذه عنهم حيث كانوا فلا علم إلا بتعلم من الشارع أو من ناب عنه منابه وما تفيده العبادة والتقوى والمجاهدة والرياضة إنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع العقول ثم هو ينقسم لما يدخل تحت دائرة الأحكام ومنه ما لا يدخل تحت دائرة العبادات وإن كان مما يتناوله الإشارة ومنه ما لا تفهمه الضمائر وإن أشارت إليه الحقائق في وضوحه عند مشاهده وتحققه عند متلقيه فافهم قال ابن مسعود تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يحتاج إليه وقال ابن سعد ما سبقنا ابن شهاب للعلم إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره ويسأل وكنا تمنعنا الحداثة وقال الثوري من رق وجهه رق علمه وقال مجاهد لا يتعلم مستحي ولا متكبر وقيل لابن عباس بما نلت هذا العلم قال بلسان سؤول وقلب عقول

(وإنما الحلم بالتحلم) أي ببعث النفس وتنشيطها إليه قال الراغب: الحلم إمساك النفس عن هيجان الغضب والتحكم إمساكها عن قضاء الوطر إذا هاج الغضب

(ومن يتحر الخير يعطه) أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه اللّه تعالى إياه

(ومن يتق الشر يوقه) زاد الطبراني والبيهقي في روايتيهما ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلى ولا أقول لكم الجنة من تكهن أو استقسم أو ردّه من سفر تطير (تنبيه) قال بعضهم: ويحصل العلم بالفيض الإلهي لكنه نادر غير مطرد فلذا تمم الكلام نحو الغالب قال الراغب: الفضائل ضربان نظري وعملي وكل ضرب منها يحصل على وجهين أحدهما بتعلم بشرى يحتاج إلى زمان وتدرب وممارسة ويتقوى الإنسان فيه درجة فدرجة وإن فيهم من يكفيه أدنى ممارسة بحسب اختلاف الطبائع في الذكاء والبلادة، والثاني يحصل [ص 570] بفيض إلهي نحو أن يولد إنسان عالماً بغير تعلم كعيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام الذين حصل لهم من المعارف بغير ممارسة ما لم يحصل لغيرهم وذكر بعض الحكماء أن ذلك قد يحصل لغير الأنبياء عليهم السلام في الفيئة بعد الفيئة وكلما كان يتدرب فقد يكون بالطبع كصبي يوجد صادق اللّهجة وسخياً وجريئاً وآخر بعكسه وقد يكون بالتعلم والعادة فمن صار فاضلاً طبعاً وعادة وتعلماً فهو كامل الفضيلة ومن كان رذلاً فهو كامل الرذيلة أهـ.

ص: 145

(وهذا الورع يُتَعَلَّم، كما قال الضحّاك بن عثمان رحمه الله: (أدركت الناس وهم يتعلمون الورع وهم اليوم يتعلمون الكلام)، والإنسان إذا تورّع لن يعدم الحلال ولا يظن أنه سيضيق على نفسه ضيقاً لا مخرج منه فإنه يلتمس الورع الشرعي مثلما تقدم.

(درجات الرياضة:

(قال العلماء: " الرياضة على ثلاث درجات؛ رياضة عامة و هي تهذيب الأخلاق بالعلم وتصفية الأعمال بالإخلاص، و توفير الحقوق في المعاملات، أخلاقك يوجهها العلم، وأعمالك يتوجها الإخلاص، و معاملاتك يضبطها أداء الحقوق، إن تكلم فهو صادق، و إن تعامل مع الناس تعامل بخلق كريم، فورد عن النبي عليه الصلاة و السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته و ظهرت عطالته ووجبت أخوته و حرمت غيبته .. " تهذيب الأخلاق بالعلم، و تصفية الأعمال بالإخلاص، و توفير الحقوق في المعاملات.

الأخلاق حركة الإنسان، تحرك، تاجر، باع، اشترى، عزى، هنأ، تنزه، سافر، نام تزوج، طلق، الحركة ما الذي ينظمها عند المؤمن؟ الأخلاق التي جاء بها النبي، كنت أقول دائما: القرآن كون ناطق، و الكون قرآن صامت، و النبي عليه الصلاة و السلام قرآن يمشي وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

((حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع) قالت: كان خُلُقٌه القرآن.

[*] قال المناوي في فيض القدير: أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك. وقال القاضي: أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن. فإن كل ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحلى به، وكل ما استهجنه ونهى عنه تجنبه وتخلى عنه. فكان القرآن بيان خلقه. انتهى. وقال في الديباج: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته. أهـ

إن تكلم فهو صادق، و إن تعامل مع الناس تعامل بخلق كريم، المؤمن الصادق يضبط أموره، و يعتقد اعتقاداً جازماً بأنه مكلف، العلم بالتعلم، و إنما الحلم بالتحلم، ...... " إذا غضبت في هذه المرة، في المرة الثانية كن حليما، هذه المرة تسرعت، في المرة الثانية كن متأنيا.

ص: 146

فحركة الحياة يضبطها العلم بالسنة، الإنسان أحيانا يكون في دعوة، أكل، وهناك عشرون آخرون يأكلون، شبع، انسحب من المائدة انسحابه يحرج الباقين، شبعت ابق في مكانك و لا تأكل هناك إنسان جاء متأخراً، و هناك إنسان جائع، و هناك إنسان يأكل ببطء، أنت أحرجته، فالسنة ألاّ تقوم عن الطعام إلا بعد أن ينتهي آخر إنسان، لست مكلفا أن تتابع الطعام، و لكن ينبغي ألاّ تقوم عن الطعام حتى ينتهي آخر إنسان، هذا من السنة، فما الذي يضبط لك سلوكك؟ السُّنة، أحيانا تجد شخصاً جالساً مع عمه، والد زوجته، يدخل في موضوع العلاقات الحميمة بينه و بين زوجته، هذه ابنته، لما صهره يتكلم كلاما متعلقا بالعلاقات الزوجية، الأب يخجل، قد يذهب به التخيل، فمن السُّنة ألاّ تتحدث أمام والد الفتاة أو إخوتها عن موضوعات في العلاقة الزوجية، هكذا من السنة فكلما تعلمت عن سنة النبي العملية شيئا و طبقته جاء علمك ضابطا لسلوكك.

فالأخلاق تُهذب بالعلم، فهذا نبي هذه الأمة، يعلمك التواضع، وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

((حديث عِياضِ بن حمار الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد و لا يبغي أحد على أحد.

((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال و ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.

((حديث أنس الثابت في الصحيحين) أنه مرَّ على صبيان فسلَّم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.

((حديث الأسود بن يزيد الثابت في صحيح البخاري) قال سُئلت عائشةُ رضي الله تعالى عنها ما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.

((حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخيط ثوبه و يخصف نعله و يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم.

((حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفلي ثوبه و يحلب شاته و يخدم نفسه.

ص: 147

((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، قال أصحابه وأنت؟ فقال نعم كنت أرعاها على قراريط َ لأهل مكة.

((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دُعِيتُ إلى ذراعٍ أو كُرَاعٍ لأجبت و لو أُهْدِيَ إليَّ ذراعٍ أو كُرَاعٍ لقبلت

.

((حديث أنس الثابت في صحيح البخاري) قال: كانت ناقةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قَعُودٍ له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين فقالوا: سُبقت العضباء! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حقا على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدنيا إلا وضعه.

((حديث أبي جُحَيفة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لا آكل متكئاً).

(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس.

{تنبيه} : (والسبب في ذلك أن الإتكاء حال الأكل من صفات المتكبرين والعياذ بالله.

((حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) قال: أهديت للنبي شاة فجثى رسول الله على ركبتيه يأكل فقال أعرابي ما هذه الجلسة فقال إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا.

((حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آكل كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد.

((حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلمه فجعل ترعد فرائصه فقال له هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد.

{تنبيه} : (وكلما زاد تواضع طالب العلم زاد مقدار الحكمة عنده وتعلم العلم ومتى تكبر قلَّت حكمته ومنع العلم

((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته و إذا تكبر قيل للملك: دع حكمته.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(ما من آدمي) من زائدة كما سبق وهي هنا تفيد عموم النفي وتحسين دخول ما على النكرة

(إلا في رأسه حكمة)[ص 467] وهي بالتحريك ما يجعل تحت حنك الدابة يمنعها المخالفة كاللجام والحنك متصل بالرأس

ص: 148

(بيد ملك) موكل به.

(فإذا تواضع) للحق والخلق.

(قيل للملك) من قبل اللّه تعالى.

(ارفع حكمته) أي قدره ومنزلته يقال فلان عالي الحكمة، فرفعها كناية عن الأعذار.

(فإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته) كناية عن إذلاله فإن من صفة الذليل تنكيس رأسه فثمرة التكبر في الدنيا الذلة بين عباد اللّه وفي الآخرة نار الإيثار وهي عصارة أهل النار كما جاء في بعض الأخبار. أهـ

(فأنت قد تكون مدير شركة و عندك مستخدَم، هذا المستخدم في الدنيا مستخدم، أما في الآخرة فقد يكون أعلى منك درجة عند الله عزوجل، فالإسلام يعلمك التواضع و يعلمك الإنصاف.

توفير الحقوق أيضا من الرياضة، الأخلاق تهذب بالعلم، و الأعمال تتوج بالإخلاص والحقوق تتوافر بالمعاملة، أو تعطي ما أُمرت به من حقوق الله و العباد كاملة غير منقوصة، الآن قليل من الناس يموت والده فيوزِّع التركة بالعدل التام، له أختان متزوجتان لاترثان البيت الذي يسكنه الأخ ثمنه اثنا عشر مليوناً يقول لأخته، تعالي اجلسي، من منعكِ؟ هذا بيت العائلة لما الأب مات لم يعد بيت العائلة، صار بيت الورثة، فهذه الأخت لها حق في هذا البيت، عملياً لا تُعطى شيئاً، حتى أثاث البيت يكون من نصيب الأخ و لا يوزع على الإناث منه شيئاً، فالبطولة أن تؤدِّي الحقوق.

(قال أحد العلماء:

ص: 149

أعرف أخاً من إخواننا، كلما يسلم عليّ أكبره، له أخت فقط، أخته متزوجة وزوجها له بيت، و دخله جيد، و ليست بحاجة أبداً، بيت الأب يسكنه الابن مع والدته، قال لي: واللهِ قيّمت البيت على أنه فارغ، لا على أنه مستأجر و أعطيت أختي حصتها بالكمال و التمام، وقال أيضاً: لي قريبة تزوجت في سن متأخرة، من رجل له أولاد صالحون، فقالت لأولاد زوجها: واللهِ والدكم قبل أن يموت وهب لي شفهياً مبلغ خمسمائة ألف يستثمرها عند فلان، قال لي: هذه لكِ فقالوا: سمعاً و طاعة، و قالوا للمستثمر أعطها إيصالا باسمها بدل إيصال والدي، واللهِ شيء جيد ببساطة، لكن من دون دليل مادي، مهرها خمسة عشر ألف، أعطوها إياه بالتمام و الكمال قبل توزيع الإرث، بعد أيام جاؤوا فقالوا: سألنا عالماً، فقال: لا بد أن يُعطى المهر على السعر المعاصر، فأعطوها مقابله مائة و ثمانين ألف ليرة، و كل حاجاتها مؤمّنة بعد وفاة والدهم، ثم اشتروا لها بيتا بما تملك، وأسّسوه لتسكنه، هم لم يفعلوا إلا الحق، ولكن لأن العمل نادر صار يلفت النظر هذا شيء طبيعي، حقوق، فالإنسان إذا لم يؤد الحقوق فلا مقطوع عن الله عزوجل.

توفير الحقوق في المعاملة أن تعطي به من حق الله و حقوق العباد كاملا موفورا غير منقوص، قال رجل لسيدنا عمر: أتحبُّني؟ قال له: واللهِ لا أحب، قال له: هل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال له: لا واللهِ، قال له: إذًا إنما يأسف على الحب النساء " ليس هناك مشكلة، فأن تصحح العمل بالعلم، وأن تصحح النية بالإخلاص، وأن تؤدي الحقوق لأصحابها بالتمام والكمال، هذه هي الرياضة، هذه المنزلة التي أدخلها صاحب المدارج، مدارج السالكين في منازل إياك نعبد و إياك نستعين.

عندنا رياضة بمستوى أعلى، رياضة المؤمنين، قال: هناك رياضة خاصة، هناك إنسان متفوق، من خصائص هذه الرياضة قطع ما يفرق قلبك عن الله، كل شيء يصرفك عن الله تقطعه هذه رياضة، حتى المباحات، شيء مباح، لكن قلبك تعلق به، دعه، لأن الله عزوجل هو المقصود قال: قطع ما يفرق قلبك عن الله بالجمع عليه، والإقبال بكليتك عليه، حاضرا معه، بقلبك كله، لا تلتفت إلى غيره، هذه مرتبة أعلى.

هناك شيء آخر الإنسان أحيانا يتعلق برأي و يبحث له عن أدلة، هذا موقف خطأ، الأصل أن متعلق بالحق و أن تسعى لتطبيقه، أينما كان الحق.

ص: 150

أيها الإخوة، «رياضة الخاصة أن تقطع كل ما يبعدك عن الله» ، قطع ما يفرق قلبك عن الله بالجمع عليه، و الإقبال بكليتك عليه، هناك نقطة ثانية، أن تحكِّم العلم لا أن تحكِّم الحال، الإنسان أحيانا يكون له إقبال على الله شديد، يعيش من الغمرة من الحال المسعد، هذه الغمرة من الحال المسعد قد تحمله على أن يقول شيئا غير صحيح، فهو دائما يحكِّم العلم بالحال، ولا يحكّم الحال بالعلم الحال خطير، سمِّي حالا لأنه يحول، مثلا، هذا الذي فَقَدَ ناقته وهو في الصحراء فأيقن بالهلاك وبكى، تأمل قصته في الحديث الآتي:

((حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته أرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح ".

حاله الشديد بالعثور على ناقته أخلّ توازنه فقال كلاماً كفراً، هناك من يلتفت إلى قلبه و يتصل بربه، فيشعر بنشوة كبيرة جدا، هذه تبعده عن العلم، فيحكِّم حاله لعلمه، و الأولى أن يحكِّم علمه بحاله.

والحال أنواع؛ هناك حال شيطاني، إذا دخل أحدهم بيتاً مثلاً و استطاع أن يأخذ منه مليون ليرة، الطريقة سهلة، و لم ينتبه أحد، فلو قعدت مع هذا السارق، تجد إشراقة في وجهه، لأنه حقق هدفه، فهل يُسمى هذا الحال راقياً، كل إنسان يحقق هدفاً و لو كان خسيساً يشعر بنشوة، أما نحن فعندنا العلم يتحكم في الحال، «العلم حكَم على الحال» ، وليس الحال حكما على العلم، هناك أناس كثيرون أحوالهم تتحكم بعلمهم، تأخذه نشوة فيتكلم كلاما غير صحيح، قد يستعلي و قد يطعن في الآخرين، أساسه نشوة، فمن لوازم رياضة الخاصة أن علمه متحكم بحاله، و ليس العكس.

ص: 151