المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌(فصل في منزلة الفرار:

وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78]

و (الاعتصام) افتعال من العصمة وهو التمسك بما يعصمك ويمنعك من المحذور والمخوف فالعصمة: الحمية والاعتصام: الاحتماء ومنه سميت القلاع: العواصم لمنعها وحمايتها.

ومدار السعادة الدنيوية والأخروية: على الاعتصام بالله والاعتصام بحبله ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين.

(فأما الاعتصام بحبله: فإنه يعصم من الضلالة.

(والاعتصام به: يعصم من الهلكة.

فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده فهو «محتاج إلى هداية الطريق والسلامة فيها» فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة وأن يهديه إلى الطريق والعدة والقوة والسلاح التي بها تحصل له السلامة من قطاع الطريق وآفاتها.

فالاعتصام بحبل الله: يوجب له الهداية واتباع الدليل.

والاعتصام بالله يوجب له القوة والعدة والسلاح والمادة التي يستلئم بها في طريقه ولهذا اختلفت عبارات السلف في الاعتصام بحبل الله بعد إشارتهم كلهم إلى هذا المعنى.

(فقال ابن عباس: "تمسكوا بدين الله".

(وقال ابن مسعود: "هو الجماعة" وقال: "عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة".

(وقال مجاهد وعطاء: "بعهد الله"

(وقال قتادة والسدي وكثير من أهل التفسير: "هو القرآن".

(وقال مقاتل: "بأمر الله وطاعته ولا تفرقوا كما تفرقت اليهود والنصارى".

(ثم ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله الحديث الآتي:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.

‌(فصلٌ في منزلة الفرار:

(منزلة الفرار:

ص: 136

(للفرارِ فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم، فهي نعمةٌ عظيمة، وَمِنَّةٌ جسيمة، نعمة كبرى، ومنحة عظمى،، له فضائل لا تحصى، وثمرات لا تعد، وله أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة، وهو طريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، ومن أعظم ما تكلم عنها العالم الحبر العلامة الضياء اللامع والنجم الساطع الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، فقد كان من حلية الأولياء وأعلام النبلاء وحراس العقيدة وحماة السنة وأشياع الحق وأنصار دين الله عز وجل، حاملُ لواء السنة وناصرها وقامع البدعة ودامغها.

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} "منزلة الفرار".

قال الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّه} [الذاريات: 50]

وحقيقة الفرار: الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السعداء وفرار الأشقياء.

(ففرار السعداء: الفرار إلى الله عز وجل.

(وفرار الأشقياء: الفرار منه لا إليه.

وأما الفرار منه إليه: ففرار أوليائه.

قال ابن عباس في قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} فروا منه إليه واعملوا بطاعته وقال سهل بن عبد الله: "فروا مما سوى الله إلى الله"

وقال آخرون: "اهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطاعة".

{تنبيه} : (إن الذي يمعن النظر في آية الذاريات قال تعالى: (فَفِرّوَاْ إِلَى اللّهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ)[الذاريات: 50] يجد أنها من أعجب الآيات وذلك لان «الفرار يكون من وليس إلى» لأن الذي يفر خائف هارب، كما في الآيات الآتية:

قال تعالى: (لَوِ اطّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً)[الكهف: 18]

و قال تعالى: (قُلْ إِنّ الْمَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلَاقِيكُمْ)[الجمعة: 8]

«الله تعالى هو الوحيد الذي تفر منه إليه»

لأن الله تعالى قال: (يَمَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانفُذُواْ لَا تَنفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ)[الرحمن: 33]

هذا تمام الإحاطة بالعباد، فإذا أردت أن تفر منه إلى من تفر؟؟؟

وهو محيط بكل شيء ستفر منه إليه، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نعلن الفرار كل يوم منه إليه كما في الحديث الآتي: (

ص: 137