الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زائراتِ القبورِ والمُتَّخِذينَ عَليها المساجدَ والسُّرُجَ» ، رواه أهلُ السُّننِ الأربعة فهذا التَّحذيرُ منه، واللعنُ عن مُشابهةِ أهلِ الكتابِ في بناءِ المسجِدِ على قبرِ الرَّجلِ الصَّالحِ صريحٌ في النَّهيِ عنِ المشابهةِ. وفي هذا دليل على الحذرِ عن جِنسِ أعمالِهم، حيثُ لا يؤمنُ في سائرِ أعمالِهم أنْ يكونَ من هذا الجنسِ. ثُمَّ من المعلومِ ما قد ابتُلْيَ به كثيرٌ من هذه الأمَّةِ من بناءِ القبورِ مساجدَ، واتِّخاذِ القبورِ مساجدَ بِلا بناءٍ، وَكِلا الَأمرينِ مُحَرم، معلونٌ فاعلُه بالمستفيضِ من السُّنَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا موضعَ استقصاءِ ما في ذَلِكَ من سائرِ الأحاديثِ والآثارِ، ولهذا كان السَّلفُ يُبالِغونَ في المنعِ.
[اتخاذ آثار الأنبياء مساجد]
اتخاذ آثار الأنبياء مساجد (السادسة والسبعون) : اتخاذُ آثارِ أنبِيائِهِم مساجِدَ، كَمَا وَرَدَ عَن عمَرَ رضي الله عنه فإنَّ هذه المسألةَ مِن بِدَعِ جاهِلِيّة الكِتابيِّينَ، كانوا يَتَّخِذونَ آثارَ أنبيائِهِم مَساجدَ، فَوَرِثَهُمُ الجاهِلونَ مِن هذه الأمَّة، فَترَاهم يبْنون عَلى موضِعٍ اخْتَفى بهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ وَصَلَ قَدَمهُ المُبارَكُ إليه، أو تَعَبَّدَ فيهِ، فَهَذَا لَيْس يُحْمَدُ في الشَّريعةِ؛ لِجَرِّهِ إلى الغُلُوِّ. وَفِي العِراقِ مواضعُ كثيرة بَنوا عَلَيْها مَبانِيَ، كالمقام الَّذِي زَعَموا أنَّ الشَّيخ الكَيلانيَّ تَعَبَّدَ فيهِ، وَكَأثَر الكَفِّ الَّذِي زَعَمَ الشِّيَعَةُ أنَّهُ أثَرُ كَفِّ الإِمامِ عَليٍّ لَمَّا وَضَعَه على الصَّخْرةِ فَأثَّرَ فِيْهَا، فَبَنَوا عَلَيْها مَسجدا، وَكَعِدَّةِ أماكِنَ زَعَموا أن الخَضِرَ رئيَ فيها، ولا أصلَ لَهُ، إلى غيرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَسْتَوْعِبُهُ المَقامُ. فَينبغي لِمَن يَدَّعي الإِسلامَ أنْ يَتَجَنَّبَها، وَينْهى عن حُضورِها، وإنْ رُمِيَ بالإِنكارِ، وَعَداوةِ الأشْرارِ، وَكَيْدِ المارقينَ الفُجَّارِ. وفي المسألةِ تفصيلٌ لا بأسَ بِذِكْرِهِ: قال شيخُ الإِسلامِ: أما مَقاماتُ الأنبياءِ والصَّالحينَ- وهي الأمكنةُ التي قاموا فيها أوْ أقاموا، أوْ عَبَدوا الله سُبْحانه- لكنَّهم لَمْ يَتَّخذوها مساجِدَ- فالَّذِي بَلَغني في ذَلِكَ قَولانِ عن العلماءِ المَشْهورينِ: أحَدُهُما النَّهيُ
عن ذَلِكَ، وكراهتُه، وأنَّه لا يُسْتَحَبُّ قصدُ بُقْعَةٍ لِلعِبادةِ، إلا أن يكونَ قَصْدُها لِلعبادةِ مِمَّا جاءَ به الشَّرعُ، مِثْلُ أنْ يكونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قصَدَها لِلعبادةِ كَما قَصدَ الصَّلاةَ في مَقامِ إبراهيمَ، وكما كان يَتَحَرَّى الصلاةَ عند الاسطُوانةِ، وكما تُقْصدُ المساجِدُ لِلصَّلاةِ، ويُقْصَدُ الصَّفُّ الأوَّل، وَنَحْوِ ذَلِكَ. القول الثَّاني: أنه لا بأسَ باليَسير مِن ذَلِكَ، كَما نُقِلَ عن ابنِ عُمَرَ أنه كان يَتَحَرَّى قَصْدَ المواضِعِ التي سَلَكَها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وأن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سلكها اتِّفاقًا لا قَصدًا (1) . وَسُئِلَ الإِمامُ أحمدُ عن الرَّجُلِ يأتي هذه المَشاهِدَ، وَيَذْهَبُ إليها، تَرى ذَلِكَ؟ قَالَ: أمَّا على حَديثِ ابنِ أمِّ مَكْتوم أنه سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُصَلِّيَ في بيتِه حتى يَتَّخِذَ ذَلِكَ مُصَلَّى، وعلى ما كان يَفعَلُه ابنُ عُمَرَ، يتتبعُ مواضعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأثَرَه، فَلَيْس بِذَلِكَ بأسٌ أنْ يأتيَ الرَّجُلُ المَشاهِدَ، إلا أنَّ النَّاسَ قَدْ أفْرَطوا في هذا جِدًّا، وأكْثروا فيه (2) . وَكَذلِكَ نَقَلَ عنه أحمدُ بنُ القاسمِ أنَّه سُئِلَ عن الرَّجُلِ يأتي هذه المَشاهِدَ التي بالمدينةِ وغيرِها يذهبُ إليها؟ فقالَ: أمَّا عَلى حديثِ ابنِ أمِّ مَكْتومٍ أنه سألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أنْ يأتيَه، فيصليَ في بيتِه، حَتَّى يَتَّخِذَه مَسجدا، وَعَلى ما كان يَفَعَلُ ابنُ عُمَرَ، كان يَتتبَّعُ مواضعَ سَيْرِ النبي صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أنه رُئيَ يَصُبُّ في موضِعٍ ماءً، فَسُئِلَ عن ذَلِكَ، فَقَالَ:«رأيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَصُبُّ ههنا ماءً» ، قال: أمَّا على هذا فلا بأسَ به. قال: وَرَخصَ فيه، ثُمَّ قال وَلَكِنْ قد أفْرطَ النَّاسُ جدًّا، وَأكْثروا في هذا المعنى. فَذَكَرَ قَبرَ الحُسينِ وما يَفعلُ النَّاسُ عندَه. رواهما الخَلَاّلُ في كتابِ الأدَبِ. فَقَدْ فَصَّلَ أبو عبدِ اللهِ في المَشاهِدِ وهي الأمكنةُ التي فيها آثارُ الأنبياءِ والصَّالحينَ من غيرِ أنْ تكونَ مساجدَ لهم كمواضعَ بالمدينة بَيْنَ القليلِ الذي لا يَتَّخِذونَه عيدا، أو الكثيرِ الذي يَتَّخذونَه عيدًا كما تَقَدَّمَ. وهذا التَّفصيلُ جَمَعَ فيه بَيْنَ الآثارِ وأقوالِ الصحابة: فإنِّه قد رَوَى البُخاريُّ في صحيحه عن موسى بنِ عقبةَ قَالَ: "رأيت سالمَ بنَ عبدِ اللهِ يَتَحَرَّى أماكِنَ مِن الطَّريقِ، وَيُصلِّي فيها، وَيُحَدِّثُ
(1) وكان أبوه عمر على عكس ذلك كما سيأتي، وانظر ص 105 من (التوسل والوسيلة) طبع السلفية.
(2)
فما بالك بما وصل إليه الأمر بعد زمن الإمام أحمد! .