الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[البقرة: 75- 79]{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ - وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ - أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ - وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ - فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 75 - 79] فَذَكَرَ في الآية أنَّ فَريقا مِن أسْلافِ اليهودِ- وهم الأحبارُ- كانوا يَسْمَعونَ التَّوراةَ ويُؤوِّلونها تأويلا فاسدا حسبَ أغراضِهم، بلْ كانوا يُحَرِّفونها بِتبديلِ كلامٍ مِن تلقائِهم، كما فَعَلوا ذَلِكَ في نعته صلى الله عليه وسلم، فإنِّهُ رويَ أنه مِن صِفاتِهِ فيها أنهُ أبيضُ رَبْعَة، فَغَيَّروهُ بِأسْمَرَ طويل، وغَيَّروا آيةَ الرَّجمِ بِالتَّسخيمِ وَتَسْويدِ الوجهِ، كما في البخاريِّ. {وَمِنْهُمْ} [البقرة: 78] فَريقٌ {أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ} [البقرة: 78] إلا بالدَّعاوى الكاذبةِ، والمرادُ بِهِم جَهَلَة مُقَلِّدَةٌ، لا إدراكَ لَهُمْ، وَتَمامُ الكلامِ في هذا المَقامِ يُطلَبُ مِنَ التَفسيرِ. والمقصودُ أنَّ تَحْريفَ الكَلِمِ، واتِّباعَ الهَوى، والقولَ على الله مِن غَيرِ عِلْمٍ مِن خِصالِ الجاهِلِيَّةِ. وَأنت تَعلمُ حالَ أحبارِ السُّوءِ اليومَ والرُّهبانِ الذينَ يقولونَ على الله ما لا يُعْلَمُ قد تَجاوَزوا الحَدَّ في اتِّباعِ الهَوى، وَتَأويلِ النُّصوصِ، وما أشبهَ ذلِكَ، مِمَّا يَسْتَحْي منهُ الإِسلامُ، والأمرُ لِلَّهِ.
[زعمهم أنهم أولياء الله]
زعمهم أنهم أولياء الله (الثانية والسبعون) : زَعْمُهُمْ أنَّهم أولياءُ للهِ مِن دونِ الناسِ. دليلُ هذه المسألةِ قولُه تَعالى في سورةِ [الجُمُعَة: 6- 8] : {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا} [الجمعة: 6] أيْ: تَهَوَّدوا، أيْ: صاروا يَهودا. {إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ} [الجمعة: 6] أيْ: أحِبَّاءُ لَه سُبْحانه، وَلَمْ يُضِفْ أولياء إلَيهِ تَعالى كما في قوله سبحانه:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [يونس: 62] ليؤذِنَ بالفَرْقِ بَيْنَ مُدَّعي الوِلايةِ وَمَن يَخُصُّهُ بِها. {مِنْ دُونِ النَّاسِ} [الجمعة: 6] أيْ: مُتَجاوِزينَ عنِ
النَّاسِ {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} [الجمعة: 6] أيْ: فَتَمَنَّوا مِنَ الله أنْ يُميتكُم، وَيَنْقُلَكم مِن دار البَلِيَّة إلى مَحَلِّ الكَرامة {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجمعة: 6] في زَعْمكُم، واثقينَ بأنَّه حَقٌّ، فَتَمَنَّوا الموت فإنَّه مَن أيقَنَ أنه مِن أهلِ الجَنَّةِ أحَبَّ أنْ يَتَخَلَّصَ إليها مِن هذه الدارِ التي هي قَرارَةُ الإنكار والأكدار. وأُمِر صلى الله عليه وسلم أنْ يقول لَهُم ذَلِكَ إظهارًا لِكَذِبهِم، فإنَّهم كانوا يقولون:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] وَيَدَّعونَ أنَّ الآخرةَ لَهُم عند الله خالصةً، ويقولونَ:{لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا} [البقرة: 111] كما أخبرَ تعَالى عن الكتابيِّين في كتابه، فقال جل شأنه [البقرة: 111-112] : {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 111 - 112] وَرويَ أنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ كَتَبتْ يَهودُ المدينةِ ليهودِ خَيْبَرَ: إن اتَّبَعْتم محمَّدًا أطَعْناهُ، وإنْ خالفْتُموه خالَفْناه، فقالوا: نحنُ أبناءُ خليلِ الرحمنِ، ومنا عزيرٌ ابنُ الله والأنبياءُ، ومتى كانتِ النُّبُوَّةُ في العَرَب؟ نحنُ أحَقُّ بها مِن محمد، وَلا سَبيلَ إلى اتباعِهِ، فَنَزَلَتْ [الجمعة: 6- 7] : {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا} [الجمعة: 6] الآية {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} [الجمعة: 7] إخبارٌ بحالِهم المستقبَلِ، وهو عدمُ تمنيِّهم الموتَ، وذلكَ خاصّ بأولئكَ المخاطَبينَ. وَرويَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لَهم:«والَّذِي نفسي بيدِهِ لا يقولُها أحَد مِنكُم إلا غصَّ بريقِهِ» ، فَلَمْ يَتَمَنَّهُ أَحدٌ مِنهم، وما ذَلِكَ إلا لأنَّهم كانوا مُوقِنينَ بصدقِه صلى الله عليه وسلم، فَعَلِموا أنَّهم لو تَمَنَّوا لمَاتوا مِن ساعتِهم، وَلَحِقَهم الوعيدُ، وهذه إحدى المُعجِزاتِ. {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الجمعة: 7] أيْ: بسببِه، كَأنَّهُ قيلَ: انْتَفَى تَمَنِّيهم بِسببِ ما قَدَّمتْ، والمُرادُ بِما قَدَّمَتْهُ أيْديهمِ: الكُفْرُ والمعاصي الموجِبةُ لدخولِ النَّارِ، وَلَمَّا كانت اليدُ مِن بينِ جوارحِ الإِنسانِ مَناطَ عامَّةِ أفعالِه، عَبَّرَ بها تارةً عن النَّفسِ وأخرى عنِ القُدرةِ {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [الجمعة: 7] أيْ: بِهِمْ، وإيثارُ الإِظهارِ على الإِضمارِ لِذَمِّهِمْ، والتسجيلِ عَلَيْهم بِأنَّهم ظالِمونَ في كُلِّ ما يأتونَ وَيَذَرونَ مِنَ الأمورِ الَّتي مِن جُمْلَتها ادِّعاءُ ما هم عنه بِمَعْزِلٍ، أيْ: واللهُ عليمٌ بما