المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويَنْظُرونَ إلى الغنِيِّ، وَيَعْتَبرونَ أقوالَه. ولِلَّهِ درُّ من قال (1) - فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت محب الدين الخطيب - جـ ٢

[محمود شكري الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌[تعبدهم بترك الطيبات من الرزق]

- ‌[تعبدهم بالمكاء والتصدية]

- ‌[النفاق في العقيدة]

- ‌[دعاؤهم الناس إلى الضلال بغير علم]

- ‌[دعاؤهم إلى الكفر مع العلم]

- ‌[المكر الكبار]

- ‌[حالة علمائهم]

- ‌[زعمهم أنهم أولياء الله]

- ‌[دعوى محبة الله مع ترك شرعه]

- ‌[تمَنِّيهم على الله تَعالى الأماني الكاذبةَ]

- ‌[اتخاذ قبور الصالحين مساجد]

- ‌[اتخاذ آثار الأنبياء مساجد]

- ‌[اتخاذ السرج على القبور]

- ‌[اتخاذ القبور أعيادا]

- ‌[الذبح عند القبور]

- ‌[التبرك بآثار المعظمين]

- ‌[الفَخْر بِالأحْسابِ]

- ‌[الاسْتِسْقاءُ بالأنْواءِ]

- ‌[الطَّعْنُ في الأنسابِ]

- ‌[النِّياحَةُ]

- ‌[تعيير الرجل بفعل أمه وأبيه]

- ‌[الافتخار بولاية البيت]

- ‌[الافْتِخار بِكَوْنِهِم مِنْ ذُرِّيَّةِ الأنبياءِ]

- ‌[الافتخار بالصنائع]

- ‌[عظمة الدنيا في قلوبهم]

- ‌[ازدراء الفقراء]

- ‌[إنكارهم الملائكة والوحي والرسالة والبعث]

- ‌[إيمانهم بالجبت والطاغوت]

- ‌[كتمان الحق مع العلم به]

- ‌[القول على الله بلا علم]

- ‌[التناقض]

- ‌[الكهانة وما في حكمها]

الفصل: ويَنْظُرونَ إلى الغنِيِّ، وَيَعْتَبرونَ أقوالَه. ولِلَّهِ درُّ من قال (1)

ويَنْظُرونَ إلى الغنِيِّ، وَيَعْتَبرونَ أقوالَه. ولِلَّهِ درُّ من قال (1) .

ربَّ حِلْمٍ أضاعَه عَدَمُ المَا

ل وَجَهْلٍ غَطَّى عَلَيْهِ النَّعيمُ

[ازدراء الفقراء]

ازدراء الفقراء (التسعون) : ازْدِراءُ الفُقَراءَ. فَأنْزَلَ سُبْحانَه قَولَه: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] أقولُ: هذه الآية في أوائلِ [سورة الأنْعامِ: 52] ، وَبَيانُ مَعناها يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَها، وهو قوله تَعالى:{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ - وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 51 - 52] فَلَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإنْذارِ المذكورِينَ لَعَلَّهم يِنْتَظِمونَ في سِلْكِ المُتقينَ، نُهيَ عَن كونِ ذَلِكَ بِحَيثُ يُؤَدِّي إلى طردِهِم. ويُفْهَم مِن بعضِ الرِّواياتِ أنَّ الآيتَينِ نَزَلَتا مَعًا، ولا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِن البعضِ الآخَرِ. فقد أخرجَ الإِمامُ أحمدُ والطَّبَرانيُّ وغيرُهما عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:«مر المَلأ مِن قُريش على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وعنده صُهَيْب وعَمَّارٌ وبِلالٌ وخَبَّابٌ ونحوُهُم مِن ضُعَفاءِ المُسْلِمينَ، فقالوا: يا محمَّدُ، رَضيتَ هؤلاءِ مِن قومِك، أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا؟ ، أنَحن نكونُ تَبَعًا لِهَؤلاءِ؟ اطْرُدْهُم عَنكَ، فلعلَكَ إنْ طَرَدْتَهم أنْ نَتَّبِعَكَ. فأنْزَلَ الله تَعالى فيهِمُ القرآن: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ} [الأنعام: 51] إلى قوله سبحانه: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52] » . وَأخْرَجَ ابنُ جَريرٍ وأبو الشَّيخِ والبَيْهَقيُّ في "الدَّلائِلِ" وغيرُهُم عن خَبَّاب قال: «جاءَ الأقرَعُ بنُ حابِسٍ التَّميميُّ وعُيَيْنَةُ بنُ حِصْنٍ الفَزارِيُّ، فَوَجَدا النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم قاعِدًا مَعَ بِلالٍ وصُهَيبٍ وَعَمَّارٍ وخَبَّابٍ في أناسٍ ضُعَفاءَ مِن المؤمنينَ، فَلَمَّا رَأوْهُم حَوْلَه حَقَروهُم، فَأتَوهُ، فَخَلَوا بِهِ، فقالوا: نُحِبُّ أنْ تَجعلَ لَنَا مِنكَ مَجْلِسًا تَعْرِفُ لنا العربُ بِهِ فَضْلَنا، فإنَّ وُفودَ العَرَبِ تَأتيكَ، فَنَسْتَحْي أنْ تَرانا قُعودًا مَعَ هؤلاءِ الأعْبُدِ، فإذا نَحنُ جِئْناكَ، فَأقِمْهُمِ عَنَّا، فإذا نحنُ فَرَغْنا، فاقعُدْ معهم إنْ شِئتَ، قال: نَعَم.

(1) هو حسان بن ثابت الأنصاري شاعر النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 295

قالوا: فاكتُبْ لنا عليكَ بِذلِكَ كِتابا، فَدَعا بالصَّحيفةِ، وَدَعَا عَلِيّا لِيَكْتُبَ- ونحنُ قُعود في ناحِيةٍ - إذْ نزلَ جبْريلُ بهذِه الآية:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ} [الأنعام: 52] إلخ، ثُمَّ دَعانا، فَأتَيْناهُ وهو يقول:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] فَكُنَّا نَقْعُدُ مَعَهُ، فإذا أرادَ أنْ يقومَ قامَ وَتَرَكَنَا، فأنزلَ الله تَعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقعدُ معنا، فإذا بلغَ السَّاعَةَ التي يقومُ فيها قمنا وَتَرَكْناه حَتّىَ يقومَ» . وَأَخْرَجَ ابنُ المُنذِرِ وغيرهُ عن عكرمة قالَ: "مَشَى عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنا رَبيعَةَ وَقُرَظَةُ بنُ عبدِ عَمرِو بنِ نَوْفَل، والحارثُ بنُ عامِرِ بن نَوفَلَ، وَمُطْعمُ بنُ عَدِيٍّ في أشرافِ الكُفَّارِ مِن عَبدِ مَنافٍ إلى أبي طالبٍ، فقالوا: لو أنَّ ابنَ أخيكَ طَرَدَ عَنَّا هؤلاءِ الأعْبُدَ والحُلَفاءَ، كان أعظمَ له في صُدورِنا، وأطوعَ له عِنْدَنا، وأدنى لاتِّباعِنا إيَّاه وتَصْديقه، فَذَكَرَ ذَلِكَ أبو طالبٍ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: لَوْ فعلتَ يا رسولَ الله حَتّى ننظُرَ ما يُريدونَ بقولهم، وما يَصيرونَ إليه مِن أمرِهم، فأنزلَ الله سُبْحانَه:{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ} [الأنعام: 51] إلى قوله سُبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53] وكانوا بِلالا وعَمَّارَ بنَ ياسِرٍ وسالِمًا مولى حُذَيْفَةَ وَصبيحًا مولى أسيد، والحُلفاءُ: ابنُ مسعودٍ والمِقدادُ بنُ عمرو وواقدُ بنُ عبدِ اللهِ الحَنْظَليُّ وعمرُو بنُ عبدِ عمرٍو ومَرْثَدُ بنُ أبي مَرْثَدٍ وأشباهُهُم، وَنَزلَ في أئِمَّةِ الكُفرِ مِن قُريشٍ والمَوالي والحلفاء:{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الأنعام: 53] فَلَمَّا نَزَلَت أقبلَ عُمَرُ، فاعْتَذَرَ من مَقالتِه، فَأنْزَلَ اللهُ تَعالى:{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} [الأنعام: 54] وقولُه {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 52] جملة مُعترَضَة بَين النَّهي وجوابِهِ، تقريرا له، ودَفعا لما عَسى أنْ يتوهَّمَ كونُهُ مُسَوغا لطردِ المُتَّقينَ من أقاويلِ الطَّاعنينَ في دينهم، كَدأْبِ قومِ نوحٍ حيثُ قالوا:{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27] والمعنى: ما عليك شيءٌ ما مِن حساب إيمانِهم وأعمالِهم الباطنةِ، كما يقولُه المشركونَ، حَتّىَ تَتَصَدَّى لَهُ، وَتَبْني على

ص: 296