المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب - فضل علم الوقف والابتداء وحكم الوقف على رؤوس الآيات

[عبد الله الميموني]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المقدمة

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب مهيمنًا على الكتب، ولم يجعل له عوجًا، أحمده عدد كل شيء وملء كل شيء، بكل حَمْد حَمِده به أولياؤه المقربون، وعبادة الصالحون حمدًا لا ينقضي أبدًا، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان. أما بعد:

فإن الاهتمام بعلوم الكتاب والسنة، وتعلمها والجد في تحصيلها والإنصاف فيها سبب خير كثير، والأمور بعواقبها منوطة ولن يخيب الله تعالى من صدَّق وصدَق.

وإن علم الوقف والابتداء من أجلِّ علوم الكتاب الحكيم، لأنه يستعان به على فهم القرآن والغوص على درره وكنوزه وتتضح به الوقوف التامة، والكافية والحسان، فتظهر للسامع المتأمل والقارئ المتدبر المعاني على أكمل وجوهها وأصحها، وأقربها لمأثور التفسير، ومعاني لغة العرب، فإن اعتماد علماء الوقف والابتداء في وضع الوقوف وتفصيلها، وبيان وجوهها، مبني على النظر في معاني الآيات، وكلامهم في المعاني، وفي بيان وجوه

ص: 3

الوقف، وتفضيل بعضها على بعض مأخوذ من المنقول والمعقول.

فلا ريب أن علم الوقف والابتداء من العلوم التي تفسر بها وجوه المعاني القرآنية؛ إذ المقصود منه بيان مواضع الوقف بحيث يراعي القارئ المعاني فيقف ويبتدئ على حسب ما يقتضيه المعنى واللفظ، ولا يكون ذلك إلا بتدبر واهتمام بالمعاني فالنظر في الوقف معين على التدبر.

وإذا قرأ القارئ وابتدأ بما لا يحسن الابتداء به، أو وقف عند كلام لا يفهم إلا بأن يوصل بما بعده، فقد خالف أمر الله تعالى بتدبر القرآن .. قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] فإن في القرآن الهدى والذكرى والعلم والتزكية والرحمة والنور، كما قال تعالى:{وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} [الأنعام: 70] وقال: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 24] وقال {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا

ص: 4

رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] وقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44]{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 52].

إلى غير ذلك من الآيات.

فهذا العلم من أجل علوم الكتاب المبارك ومع ما قدمت جلالته واعتناء قراء السلف به فقد كاد أن يصبح اليوم مهجورًا.

ثم إن مسألة الوقف على رؤوس الآي من المسائل التي رأيت أنها تحتاج إلى بحث وترجيح، وبخاصة وقد اشتهر فيها القول الذي هو خلاف الراجح، إذ الراجح فيها التفصيل لا الإطلاق كما سيتبين إن شاء الله تعالى.

فأردت أن أبين الراجح فيها بدليله وتعليله وأنقل ما لمحققي العلماء من الكلام فيها.

فإن النظر في دلائل المسائل العلمية والبحث عن مذاهب الأئمة والعلماء فيها حق على أهل العلم وطالبي التحقيق وإن قنع بمجرد التقليد من قنع.

وأما التسوُّر على العوام والتسرع في الترجيح، وإهمال النظر

ص: 5

في كلام العلماء بمجرد الوقوف على بعض الأدلة من غير جمع ولا تأني، فذلك علامة قلة البصيرة العلمية وضعف الهيبة الإيمانية.

وإذا ما بحثت المسائل العلمية على وفق القواعد المعتبرة وتبين للباحث القول الراجح فلا شك أن ذكره لوجه رجحانه ولو ببسط الأدلة أمر مفيد.

وبهذا البحث يتبين جواب سؤال مهم وهو: هل الوقف على رؤوس الآي سُنة وإن اشتد تعلق الآية بما بعدها؟

وبه يظهر مرتبة الحديث الوارد في هذه المسألة، ويعرف قول المحققين من علماء الوقف والابتداء في الوقف على رؤوس الآية.

وسأقدم قبل ذلك مقدمة مهمة تتعلق بفضل علم الوقف والابتداء وبأهميته، وبعد ذلك يكون الكلام إن شاء الله مفصلاً على الحديث الوارد في مسألة الوقف على رؤوس الآي بتخريجه وبيان ألفاظه و الكلام على طرقه ورجاله، وأقوال العلماء فيه، ثم في مسألة الوقف على رؤوس الآي وأقوال علماء الوقف فيها وبيان الراجح من ذلك .. وبالله التوفيق.

ص: 6