المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم الوقف على رؤوس الآي عند علماء الوقف وغيرهم - فضل علم الوقف والابتداء وحكم الوقف على رؤوس الآيات

[عبد الله الميموني]

الفصل: ‌حكم الوقف على رؤوس الآي عند علماء الوقف وغيرهم

‌حكم الوقف على رؤوس الآي عند علماء الوقف وغيرهم

جعل البيهقي والداني وأبو العلاء الهمذاني، وابن القيم وابن الجزري (1)، ذلك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال البيهقي:

(ومتابعة السنة أولى مما ذهب إليه بعض أهل العلم بالقرآن من تتبع الأغراض والمقاصد والوقوف عند انتهائها) أ. هـ (2).

وكان أبو عمرو بن العلاء بن الأئمة، وأحد القراء السبعة يسكت عند رأس كل آية ويقول: (إنه أحبُّ إليَّ، إذا كان

(1) شعب الإيمان (2/ 521)(2581) والمكتفى ص (146) والهادي إلى معرفة المقاطع والمبادي - مخطوط - لأبي العلاء الهمذاني (وجه 191) ونص عبارته: (لا بد للقارئ من الاستراحة لطول القصة فإن انقطع نفسه فليقف على رؤوس الآي فإنه سُنة) أ. هـ منه نسخة مصورة بمركز البحوث بجامعة أم القرى برقم (556) وذكرت في فهرس علوم القرآن رقم (645) والإمام ابن القيم في زاد المعاد (1/ 337) والإمام ابن الجزري في التمهيد في التجويد ص (174) والنشر (1/ 226).

(2)

شعب الإيمان (2/ 521) وقد تابع في ذلك الحليمي في شعب الإيمان ثم تابعه ابن القيم وغيره.

ص: 78

رأس آية أن يسكت عندها) (1).

وقال السخاوي: (معنى قوله مفسرة حرفًا حرفًا: ما سبق في الحديث الأول من الوقف على رأس الآي) أ. هـ (2) وقال ابن النحاس: (ومعنى هذا الوقف على رؤوس الآي) أ. هـ (3).

وعن عبد الله بن أبي الهذيل التابعي (4): كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآية ويدعوا بعضها (5)، وفي رواية: (إذا قرأ

(1) المكتفى ص (146).

(2)

جمال القراء (2/ 548).

(3)

القطع والاستئناف (1/ 87).

(4)

عبد الله بن أبي الهذيل العنزي أبو المغيرة الكوفي روى عن عمر وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وهو من الثقات عند المحدثين .. روى له مسلم والترمذي والنسائي:(حلية الأولياء (4/ 358) وتهذيب الكمال (16/ 244) وتهذيب التهذيب (6/ 62).

(5)

رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص (189) في باب القارئ يقرأ آي القرآن من مواضع مختلفة أو يفصل القراءة بالكلام. وأسنده أيضًا ابن الجزري النشر (1/ 240) وتبويب الإمام أبو عبيد يدل على أنه فهم من قول ابن أبي الهديل كراهة قطع الآية قبل تمامها كما دلت عليه رواية: (إذا قرأ أحدكم الآي فلا يقطعها حتى يتمها) وذلك فهم صحيح فالاستدلال بالحديث على الوقف الذي هو (قطع القراءة بنية استئنافها) كما هو مقصودنا هنا غير مناسب، لكن يمكن أن يستنتج من الأثر كراهة القطع أيضًا على رأس آية لم يتم المعنى عندها.

ص: 79

أحدكم الآية، فلا يقطعها حتى يتمَّها) (1).

وقد قوي ذلك عند العلماء رحمهم الله تعالى أن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن، وأكثر ما يوجد التام فيهن حتى كان جماعة من العلماء يستحبون (2)، القطع عليهن وإن تعلق كلام بعضهن ببعض، وهذا عندهم ما لم يشتد التعلق فيتغير بالوقف المعنى؛ وبناء على هذا حكى ابن النحاس عن بعض النحاة تفضيل الوقف على {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] وإن تعلقت بما بعدها لأنها رأس آية (3) لكن هذا الوقف على {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] لم يشتد فيه تعلق الآية بما بعدها، ولم يتغير المعنى أو يقبح بالوقف، فهو إما وقف تام عند بعض علماء الوقف على تقدير جعل ما بعدها:

وهو (الذين) في موضع رفع على الابتداء أو خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: (هم الذين) أو في موضع نصب بمحذوف: تقديره: أعني، فلا تعلق له من جهة الإعراب بـ (المتقين) وإما أنه وقف حسن إذا كان نعتًا (للمتقين) وهو أولى.

(1) النشر (1/ 239) وينظر: التبيان في آداب حملة القرآن ص (78).

(2)

المكتفى (145) وينظر: جمال القراء (553) وتنبيه الغافلين (128).

(3)

القطع ص (114).

ص: 80

ويقاس على هذا غيره مما يطول جدا الكلام عليه من رؤوس الآي التي يحسن الوقف عليها.

ثم إنه ليس في الحديث فيما ظهر دلالة على مداومة النبي على ذلك، بل هناك ما يدل على خلاف ذلك، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان من شأنه المداومة على ذلك ولو غالبًا فإنه لا بد أن ينقل إلينا ذلك من غير طريق ابن أبي مليكة فلما لم نجد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندًا من غير طريق ابن أبي مليكة، علمنا أنه لم يكن من شأنه صلى الله عليه وسلم مراعاة ذلك على الدوام، قال الإمام الجعبري (1) وهم فيه من سماه وقف السنة لأن فعله صلى الله عليه وسلم إن كان تعبدًا فهو مشروع لنا وإن كان لغيره فلا أ. هـ (2).

يعني إن كان وقفه لأن المعنى يتم عندهن في الغالب، أو لمعنى

(1) الجعبري إبراهيم بن عمر بن إبراهيم أبو إسحاق المحقق العلامة المقرئ له تصانيف كثيرة منها شرح الشاطبية طبع أخيرًا وهو مفيد وشرح الرائية للشاطبي وغير ذلك (ت732هـ) ترجمته في: معرفة القراء (2/ 743) وغاية النهاية (1/ 21) وغيرها.

(2)

البرهان (1/ 187).

ص: 81

آخر كبيان رأس الآية.

ولهذا فإن أكثر القراء صاروا إلى مراعاة المعنى، وإن لم يكن رأس آية كما نقله عنهم الزركشي رحمه الله تعالى فإنه قال:(واعلم أن أكثر القراء يبتغون في الوقف المعنى وإن لم يكن رأس آية) أ. هـ (1).

وإليه يشير قول السخاوي (وأجاز جماعة من القراء الوقف على رؤوس الآي عملاً بالحديث) أ. هـ (2).

وفي كلام الداني رحمه الله تعالى إشارة إلى ذلك لأنه حكى الوقف على رؤوس الآي عن جماعة من الأئمة السالفين والقراء الماضين (3)، وكل هذا يدل على أن أكثرهم لم يره، وهو الذي يدل عليه تصرف علماء الوقف في كتب الوقف والابتداء (4)، فإنهم يجعلون رؤوس الآي وغيرها في حكم واحد من جهة تعلق ما بعدها بما قبله وعدم تعلقه، ولذا كتبوا (لا)

(1) البرهان (1/ 505).

(2)

جمال القراء (553).

(3)

المكتفي ص (145).

(4)

ينظر: المنح الفكرية للشيخ سلطان القاري الحنفي ص (255) ونهاية القول المفيد في علم التجويد للشيخ مكي بن نصر ص (207).

ص: 82

فوق الفواصل كما كتبوه فوق غيرها (1).

ومع أن أكثر القراء إنما يراعون المعاني، فهم يقفون لمراعاتهم المعاني على رؤوس الآي غالبًا؟ لأنهن في الغالب مقاطع ينتهي إليهن المعنى كما تقدم.

ولا بد من تقييد القول بأن الوقف على رؤوس الآي سنة بما لا يفسد المعنى ولا يحيله عن وجهه لأنا نعلم أن ذلك مستثنى ضرورة من هذا الإطلاق، فإن من الفواصل ما لا يصح الوقوف عليه لفساد المعنى بذلك وذلك خلاف ما أمر الله به من تدبر القرآن، قال السخاوي رحمه الله:(إلا أن من الفواصل ما لا يحسن الوقف عليه كقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: 4] لأن المراد فويل للساهين عن صلاهم، المرائين فيها، فلا يتم المعنى إلا بالوصل وليس الوقف على قوله: (والضحى) كالوقف على ما جاء في الحديث. أ. هـ (2). قل لأن: {وَالضُّحَى} [الضحى: 1]

(1) منهم السجاوندي وصاحب الخلاصة والجعبري والقمي: ينظر: المنح الفكرية للقاري الحنفي ص (255) والإضاءة في بيان أصول القراءة للشيخ علي محمد الضباع ص (55).

(2)

جمال القراءة (553).

ص: 83

رأس آية وتعلقها بما بعدها من أقسام وجواب قسم قوي. وأمثال (والضحى) من الآيات التي يقوى تعلقها بما بعدها كثير مثل قوله تعالى: {وَالطُّورِ} [الطور: 1] و {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1].

ولذا فقد جعل علماء الوقف والابتداء الوقف على المواضع التي يشتد تعلقها بما بعدها قبيحًا مع كونها رؤوس أي كقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: 4](1).

وكقوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} [الحجر: 14] فلو وقف القارئ هنا لكان الكلام لا معنى له لأن الجواب لا يتم فإن اللام بعدها في قوله تعالى: {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} متعلقة بما قبلها (2).

فقد ذكر كثير من علماء الوقف هذه الآيات، ونبهوا على رأس الآية، ومنعوا من الوقف عليها مع كونها رؤوس آي، وممن ذكر ذلك الإمام الداني والعماني وابن الجرزي

(1) النشر (1/ 229) والمكتفى ص (151) ومنار الهدى ص (18) وتنبيه الغافلين ص (129).

(2)

المقصد لتلخيص ما في المرشد ص (5).

ص: 84

والأشموني وزكريا الأنصاري وغيرهم (1)، قال في المقصد لتلخيص ما في المرشد:

(ويسن للقارئ أن يتعلم الوقوف وأن يقف على أواخر الآي إلا ما كان منها شديد التعلق بما بعده كقوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} [الحجر: 14]. وقوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82]

أ. هـ (2).

فمتى اشتد تعلق الآية بما بعدها لم يصح تعمد الوقف عليها حتى وإن كانت رأس آية.

وعلى هذا العمل عند محققي علماء الوقف كما تقدم وأما استدلال من قال بسنية الوقف مطلقًا، بأقوال العلماء القائلين، بأن ذلك سنة، فقد تبين مما ذكرته عن كثير ممن اعتمدوا عليه في ذلك كالدانين وابن الجزري، أن هذا الإطلاق مقيد وهذا التعميم مخصوص، وقد ظهر أن عملهم على تخصيص هذا العموم، لأنهم عدوًا الوقف على مثل

(1) المكتفى لتلخيص ما في المرشد ص (151) والنشر (1/ 229) ومنار الهدى ص (18) وتنبيه الغافلين ص (129) والمقصد لتلخيص ما في المرشد ص (5).

(2)

المقصد لتلخيص ما في المرشد ص (5).

ص: 85

ذلك من الآيات قبيحًا.

تنبيه: قطع القراءة بكلام أو عمل أو بترك القراءة لا أعلم أحدًا من القراء يجيزه على ما يشتد تعلقه من رؤوس الآي بما بعده، وإنما الذي فيه اختلاف من بعض القراء هو الوقف بنية استئناف القراءة، وقد بينت الفرق بين هذه العبارات أول هذه الرسالة.

والقارئ المتقن يراعي حسن الوقوف، واكتمال المعاني، كما يراعي جودة الحروف وإتقان صفاتها، وقد شبهوا القارئ بالمسافر، والمقاطع التي يقف عندها بالمنازل التي ينزلها المسافر، وهي مختلفة بالتام والكافي والحسن وغيره، كاختلاف المنازل في الخصب والسعة (1).

فليقف القارئ إن شاء على رؤوس الآي إن لم يشتد تعلقها بما بعدها، فهذا هو القول الوسط الذي يرجحه العقل والنقل، فإن اشتد تعلقها بما بعدها فيصل القارئ ويقف عند رأس آية أخرى، لا يشتد تعلقها بما بعدها، مراعيًا تدبر القرآن والوقوف مع ما تقتضيه المعاني، فأما إن كان رأس الآية من المختلف فيه عند علماء عدَّ الآي خلافًا ثابتًا مشهورًا فيقف القارئ على أقرب الوقفين لتمام المعنى.

(1) المقصد ص (4).

ص: 86

وليس معنى ذلك أن القول الآخر في رأس الآية ليس بثابت، لكن هذا نادر وعامة التالين لا يدرون بالمختلف فيه من رؤوس الآي.

تنبيه: السكت على رؤوس الآي بقصد البيان مذهب لبعض القراء، وبينه وبين الوقف فرق كما قدمت، وقد حمل بعضهم الحديث الوارد في الوقف على ذلك كما سبق (1).

(1) ينظر (48) والنشر (1/ 243).

ص: 87