الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن خالفه الليث وهو إمام فزاد في الإسناد رجلا ولم يشك أنه عن أم سلمة. وقال ابن الجزري رحمه الله: (هو حديث حسن وسنده صحيح)(1) فلم يقل هو حديث صحيح مع احتفاله بمسألة الوقف على رؤوس الآي (2).
معنى الحديث
جعل علماء الوقف وغيرهم هذا الحديث أصلاً في باب الوقف على رؤوس الآي (3)، وفيه ما قد ذكرت من العلل والاختلاف في ألفاظه، ولكن الحديث بمجموع ألفاظه وطرقه إنما يدل على التأني والترسل والتمهل في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مستفاد أيضًا من وصف أنس لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كانت مدًا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن
(1) النشر (1/ 226).
(2)
هذا ولا يقال إنه قصد بقوله: (حسن) حسن المعنى ولم يقصد الحسن الاصطلاحي الذي هو دون الصحيح لبعد ذلك هنا حيث قال: (وسنده صحيح) فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما هو معلوم في محله من كتب.
(3)
المكتفى (147).
الرحيم يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم) (1)، وقد أمر الله تعالى نبيه أن يرتل القرآن فقال:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] قيل في معناها: بينه تبيينا (2) وترسل فيه ترسلا (3) وذلك أدعى لفهم القارئ ولفهم المستمعين وهو المقصد الأعظم من إنزال القرآن فما أنزل الله كتابه على عباده إلا ليتدبروه ويتفهموه مراد الله تعالى، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها كما وصف أنس وكما أخبرت أم سلمة:
(قراءة مفسرة حرفًا حرفًا) وفي الرواية الأخرى ذكر الراوي الترسل، فكان صلى الله عليه وسلم يقرؤه كما أمره ربه تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106].
(1) رواه البخاري: فتح الباري (9/ 90، 91) وأحمد (3/ 119) وأبو داود والنسائي والدارقطني واللفظ له (سنن الدارقطني (1/ 308)(23) وينظر: التمهيد لأبي العلاء الهمذاني فقد ت وسع في ذكر طرقه.
(2)
قاله ابن عباس رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف: (10/ 526) وأحمد بن م نيع في مسنده كما في المطالب العالية (4) رقم 3777، والطبري في تفسيره (29/ 127) والآجري في أخلاق حملة القرآن رقم (87) وابن النحاس (1/ 74).
(3)
تفسير الطبري (29/ 127) وتفسير البغوي (8/ 250) والتمهيد في معرفة التجويد لأبي العلاء الهمذاني (144 - 147) وتفسير ابن كثير (4/ 363). وقد سبق الكلام على الآي أول هذه الرسالة.
قال مجاهد وغيره: على تؤدة (1).
وهذا ما جعل أكثر السلف يفضلون القراءة المتأنية المترسلة، فثبتت أن مجاهدًا رحمه الله تعالى سئل عن رجلين أحدهما قرأ البقرة وآل عمران والآخر قرأ البقرة قيامهما واحد وركوعهما وسجودهما واحد وجلوسهما واحد، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة ثم قرأ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 46] رواه ابن المبارك في الزهد (2) وأبو عبيد في فضائل القرآن (3) وابن أبي شيبة وغيرهم (4)، وثبت أن أبا جمرة الضبعي قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث، قال:(لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إليَّ من أن أقرأ كما تقول) رواه أبو عبيد وغيره (5)، وفي الأخبار الثابتة: أن عمر رضي الله عنه: قرأ في
(1) تفسير الطبري (15/ 179 وأخلاق حملة القرآن للآجري رقم (88).
(2)
الزهد لابن المبارك ص (455).
(3)
أبو عبيد في فضائل القرآن ص (158).
(4)
المصنف لابن أبي شيبة (10/ 526) وأخلاق حملة القرآن للآجري رقم (90) والتمهيد لأبي العلاء الهمذاني (149، 150).
(5)
فضائل القرآن (157) وأخلاق حملة القرآن للآجري رقم (89) رواه ابن عليه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن أبي جمرة (وهو نصر بن عمران) وهو على شرط الشيخين.
صلاة الفجر بسورة يوسف والحج قراءة بطيئة، رواه مالك وغيره (1)، وكان بعض الصالحين من السلف معروفًا ببطء القراءة ومن هؤلاء الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: فقد كان يقرأ قراءة حزينة شهيبة بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانًا (2) فهذه الآثار وغيرها تبين معنى الحديث وتدل على استحباب الترتيل.
قال: الإمام محمد بن الحسين الآجري: (والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبره أحب إليَّ من كثيرٍ من القرآن بغير تدبر ولا تفكر فيه، فظاهر القرآن يدل على ذلك والسنة وأقوال أئمة المسلمين) أ. هـ (3).
والكلام في الترتيل وبيان ما قاله العلماء في هذه المسألة ليس هذا موضعه، وإنما المقصود بيان على أن الأحاديث والآثار دلت على فضل الترتيل وأنه أفضل من الإسراع في القراءة وهو مذهب معظم السلف والخلف (4).
فألفاظ الأحاديث يبين بعضها بعضًا، وبخاصة مع تجوز
(1) شرح الزرقاني (1/ 247) والعلل للإمام أحمد (2/ 578).
(2)
حلية الأولياء (8/ 86) وتهذيب الكمال (23/ 292).
(3)
أخلاق حملة القرآن للآجري ص (80).
(4)
ينظر النشر: لابن الجزري (1/ 209).
الرواة في رواية الأحاديث بالمعنى، فمتى ما جمعت طرق الأحاديث تبين بالنظر فيها علل الأحاديث واتضحت معانيها، ولذا حظي أئمة الحفاظ على جمع طرق الأحاديث كما هو معلوم، وألفاظ الحديث المتقدم تدل على التمهل والتأني في القراءة وتبيين الحروف وذلك يستنبط منه مراعاة الوقف على رؤوس الآي؛ فإن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن، وأكثر ما يوجد التام عندهن، قال ابن النحاس:
(من التبيين تفصيل الحروف والوقف على ما تم معناه منها)(1) فليس في الحديث نص على تعمد النبي صلى الله عليه وسلم الوقف على رؤوس الآي في كل حين، كما يدعيه بعض القراء المتأخرين، فضلاً عن الاستدلال به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي حتى وإن اشتد تعلقها بما بعدها وهو ما نستثنيه بلا شك.
فمعنى الروايات دل على التمهل والترسل في القراءة وإن أمكن أن يستنبط من ذلك مراعاة الوقوف عند تمام المعاني فلا بأس كما فعله بعض العلماء كابن النحاس والسخاوي. وأما القول بأن صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ذلك
(1) القطع والاستئناف (1/ 74) وقد سبق نقله.
فلا يساعده النقل ولا يؤيده المعنى وهذه الروايات قد ذكرتها وليس فيها إلا ما ذكرت. والله أعلم.
وقد قيل في الجواب عن الحديث بأنه جاء لتعليم الفواصل ولبيان لجواز لا للتعبد فلا يكون الوقف عليها سُنة؛ إذ لا يسن إلا ما فعله صلى الله عليه وسلم تعبدًا (1). وقد أطال الشيخ الضباع رحمه الله (2) في ترجيح القول بسُنية الوقف مطلقًا، ومرجع كلامه وكلام غيره من المتأخرين دائر حول تعميم بعض ألفاظ الحديث الوارد، ظنًّا منهم أن الوقف على رؤوس الآي ثابت أنه سُنة لا يختلف في ثبوتها وأن ألفاظ الحديث لم يضطرب فيها الرواة.
لكن الراجح ما ذكرته وكثير من القراء المتأخرين مقلدين في تخريج الحديث فضلاً عن الحكم عليه والنظر في كلام الأئمة النقاد فيه حتى أن بعضهم عزا تخريج حديث أم سلمة المتقدم إلى الصحيحين (3).
(1) المنح الفكرية للقاري الحنفي ص (255) والإضاءة في بيان أصول القراءة للشيخ علي محمد الضباع ص (55).
(2)
الإضاءة في بيان أصول القراءة للشيخ علي محمد الضباع ص (55).
(3)
وهم الشيخ العلامة زكريا الأنصاري فعزاه إلى الصحيحين ونقل ذلك عنه الشيخ ملا قاري ولم يتعقبه المنح الفكرية للقاري الحنفي (269).
والأوصاف الثابتة لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة:
المدُّ والتحقيق (1)، بغير ترجيع.
والترديد والترجيع (2)، وهو قليل.
والقراءة حرفًا حرفًا وآية آية، بترسل وترتيل وتقطيع (3)، وأحسن من رأيه تكلم بالأسانيد على الأوصاف الواردة في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام الحافظ المقرئ أبو العلاء الهمذاني الحنبلي وقد قال:(هذه الأوصاف الثلاثة التي ذكرناها صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ورد عنه من وجه فيه نظر وصف رابع) أ. هـ (4) والوصف الربع الذي ذكره هو (الزمزمة)(5).
(1) التحقيق: إعطاء كل حرف حقه وأصل الحق وضع الشيء موضعه: (التحديد للداني ص (72) والتمهيد لأبي العلاء ص (186) والنشر (1/ 205) والموضح لعبد الوهاب القرطبي ص (216) والتمهيد لابن الجزري ص (48).
(2)
تكرير الكلام: يقال ردد الكلام إذا كرره فتردد أي تكرر: ينظر التمهيد لأبي العلاء ص (186).
(3)
التمهيد في معرفة التجويد لأبي العلاء الهمذاني ص (159 - 183).
(4)
المصدر السابق ص (183).
(5)
الزمزمة لغة: صوت خفي لا يكاد يفهم "النهاية لابن الأثير"(2/ 313).