الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة]
فصل ونؤمن بأن المؤمنين يرونه سبحانه وتعالى يوم القيامة، عيانا بأبصارهم، كما يرون الشمس صحوًا، ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون (1) في رؤيته، يرونه سبحانه، وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة، كما يشاء الله سبحانه فيكرمهم، ويتجلى لهم من فوقهم (2) ولا يراه الكافرون قال تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23] وقال تعالى: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين: 35] وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وقال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35]
وهذا الباب في كتاب الله كثير. من تدبر القرآن طالبًا الهدى منه تبين له طريق الحق. وأن موسى عليه السلام سأل الله الرؤية في الدنيا وأنه تعالى تجلى للجبل فجعله دكا فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة.
(1) "وفيها وجهان بالتخفيف وبالتشديد وهي ثابتة في الحديث والمعنى بالتخفيف أي لا يلحقكم ضيم في رؤيته كما يلحق الناس عند رؤية الشيء الحسن كالهلال فإنه قد يلحقهم ضيم في طلب رؤيته حين يُرى، وهو سبحانه يتجلّى تجليًا ظاهرًا فيرونه كما تُرى الشمس والقمر بلا ضيم يلحقكم في رؤيته وهذه الرواية المشهورة.
وقيل: "لا تضامُّون " بالتشديد: أي لا ينضم بعضكم إلى بعض كما يتضام الناس عند رؤية الشيء الخفي كالهلال". انتهى من مجموع فتاوى شيخ الإسلام (16 / 85- 86) .
(2)
انظر أحاديث الرؤية في "صحيح البخاري "(13 / 419- 424) وصحيح مسلم (183) وهي متواترة وراجع "شرح العقيدة الطحاوية "(ص 203 فما بعدها) و"لوامع الأنوار"(2 / 240 فما بعدها) .
وما ذكر أهل الكلام في مسألة الرؤية من نفي جهة ومقابلة، واتصال شعاع، وقرب وبعد، وما يتصل بهذا، فليس في ذلك كله نص من الشارع، ولم يتفوه به أحد من سلف الأمة وأئمتها، وإنما أحدثه المتكلمون المتخبطون في براهين الفلاسفة، فمن طواه على غرة (1) فقد أحسن واتبع، ومن خاض فيه بعقله الناقص، فقد أبعد وابتدع.
قال الشيخ ولي الله الدهلوي (2) "وهو مرئي للمؤمنين في يوم القيامة لوجهين: أحدهما: أن ينكشف عليهم انكشافًا تامًا بليغًا، أكثر من التصديق به عقلًا، فكأنه الرؤية بالبصر، إلا أنه من غير موازنة ومقابلة وجهة ولون وشكل، وهذا الوجه قال به المعتزلة، وهو حق. وإنما خطؤهم في تأويلهم الرؤية بهذا المعنى أو حصرهم الرؤية في هذا المعنى.
وثانيهما: أن يتمثل لهم بصور كثيرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:«رأيت ربي في أحسن صورة» (3) فيرون هنالك ما يرون في الدنيا مناما.
(1) أي على حاله- أي لم يتتبعه ولم يخض فيه- (المعجم الوسيط ص 648) .
(2)
واسمه أحمد بن عبد الرحيم ويعرف بـ "شاه ولي الله الدهلوي " فقيه حنفي محدث مات (سنة 1176هـ) . انظر"أبجد العلوم "(3 / 243) .
(3)
روى اللالكائي في "شرح الاعتقاد"(919) بسنده عن أبي هريرة مرفوعا الحديث وفيه ذكر الرؤية بالمنام.
قلت: وفي إسناده: عبيد الله بن أبي حميد وهو متروك كما في "التقريب ". وانظر التعليق الماضي (رقم 254)
والحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معاذ بن جبل وغيره رواه أحمد والترمذي وغيرهما وهو حديث اختصام الملأ الأعلى انظر شرحه لابن رجب.
وهذان الوجهان نفهمهما ونعتقدهما، وإن كان الله ورسوله [أراد](1) بالرؤية غيرها فنحن آمنا بمراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن لم نعلمه بعينه " (2) انتهى.
(1) في الأصل "أراد" بالإفراد.
(2)
قلت: عفا الله عن المؤلف حيث قرر عقيدة أهل السنّة والجماعة في الرؤية ثم عقب ذلك بنقله كلام الدهلوي الذي يخالف عقيدة السلف في هذه المسألة وبيان ذلك:
أولًا: "إن أهل السنّة والجماعة يثبتون الرؤية يوم القيامة كما قال المؤلف والمخالف لهم فيها الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية. وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي وفيه دليل على علو الله على خلقه وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟ ومن قال: "يرى لا في جهة" فليراجع عقله! فإما أن يكون مكابرا لعقله وفي عقله شيء وإلا فإذا قال: لا يرى أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة" انظر الطحاوية (ص 204- 212) .
ثانيًا: لا يقال إن الرؤية يوم القيامة كما يقع في النوم لأن النصوص ظاهرة في أنهم يرون ربهم عز وجل عيانا كما يرون الشمس ليس دونها سحاب كما ثبت في السنّة وهذه الرؤية في غاية الوضوح.
ثالثًا: نعتقد بما أخبر الله عن نفسه وبما أخبر عنه رسوله من أسماء وصفات لله رب العالمين ونؤمن بما جاءت به النصوص ولا نقول إن أراد الله ورسوله غير هذا فنسلم له لأن الله تعبدنا بما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا ليس فيه احتمال آخر والله أعلم.
رابعًا: الحق إثبات الرؤية للمؤمنين يوم القيامة كما تواترت به الأدلة، وهذا هو الواجب اعتقاده وفهمه والقول به ولا حق غيره.